طريق البصمة البنفسجية يوصل الى الشماعية في العراق !


جمال محمد تقي
2009 / 11 / 17 - 22:24     

كما عند الاخوة السوريين العصفورية ، وعند الاخوة المصريين العباسية ، فان لنا نحن الاخوة العراقيين الشماعية ، وهي كلها اسماء لاحياء او مناطق مدنية اقيمت فيها ومنذ فترات طويلة ، مجمعات اومشافي لذوي العاهات العقلية واحيانا المخلوطة مع الامراض النفسية ، واشتهرت تلك المناطق بنسبتها الى دور ووظيفة تلك المشافي ـ المورستان ـ فيقال مثلا ان فلانا سيدخلني العصفورية او العباسية او الشماعية ، بمعنى انه سيجعلني مجنونا او معتوها او صاحب عطل ما في العقل ، حتى اصبح مجرد ذكر اسماء تلك المناطق يعني غمز ولمز لمعنى من معاني الجنون ،، وعلى هدى الحكمة غير المشمعة فان للجنون فنون !
من الفنون التي تفوقت على ابداعات الشماعية عندنا في العراق هي فنون برلماننا المفخم والمعظم والمحزم بحزامين احدهما حزام البطن الذي يضبط ترهلات الكرش المليء بما عز من المأكولات والمصوغات والممنوعات والمحرمات والمخصصات والعلاوات والعملات والعمولات والترهات ، وحزام الامان الذي يعطي لصاحبه وكل ابناء عائلته امان ابدي يقيه الشيخوخة والتقاعد والاغتيال والجوع والعطش والمرض ويجعله بحكم المؤبد في معبد من الامتيازات التي لا يتمتع بها الا السلاطين او الاباء الروحيين للمافيات !
فنون برلماننا جعلت من شعبنا يتلفت ويتشاجر مع نفسه وكانه على حافة الجنون ،، لا لا تاخذكم الضنون بعيدا ، اذا اراد شعبنا وعزم امره فانه يجنن حتى الجنون نفسه اي انه ورغم ارتباكاته وتشنجاته المفعولة بفعل فاعل فان في عقله خامة توزن الكون كله ، وليس فقط مجرد بلد مسكين مثل العراق مبتلي بشذاذ الافاق ، لكن مراده الان ليس هذا المراد ، وليس همه ملاحقة رهط من المحتالين الذين يريدون خلط اوراقهم باوراق الشرفاء واصحاب النوايا الحسنة من وطنيي البلاد ، هذا الرهط للاسف يشكل الاكثرية الكثيرة في برلمان المجانين عندنا ، مجانين السلطة والنفوذ والاموال والنرجسية والخسة ، انهم مجاميع من ـ السيبندية ، والمقربازية ، والشلايتية ، والكلاوجية ، ومن اصحاب البزنز السياسي ، والمشعوذين ، والمزورين ، ومن كهان النذور من الملالي والمعممين ـ !

اهم واجبات البرلماني المتشمع :

ان يكون مثالا ونموذجا لطاعة الجهة التي رشحته وان لا يتحرك او يثبت موقفا ما دون التشاور معها ، في حالة تعارض موقف الجهة مع ضمير وعقل النائب عليه ودون تفكير ان يستميت في اعلاء شان الجهة وان ينصرها ظالمة كانت او مظلومة ، ويتجاهل اي وخزات من عقله اوضميره !
العمل بحرص واخلاص ، والسهرعلى التدقيق والمتابعة والمراقبة ووضع كل قوانة تحتاج القنونة بما يخدم قضايا المواطن وامنه وسعادته وحريته واحترامه ومساعدته على تجاوز الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والقانونية والامنية وكل معيقات تطوره وتحسين شروط حياته ، من خلال التدرج بتجريب جرعات هذه العناية والرعاية اولا على البرلمانيين انفسهم وبعوائلهم ومن ثم العمل على شمولها الاهالي بعد التاكد من جدواها ، وهذه بحد ذاتها تضحية تستحق ان تكون شرط وامتياز لعضو البرلمان المتشمع ، حيث الريادة في التضحية وتقدم الصفوف !!
حقوق العضو البرلماني المتشمع :
لا يحاسب النائب على غيابه ومهما طال لان امنه اهم من حضوره ، يمنح النائب حماية كافية لتامين حياته الغالية على الدولة والشعب ، يمنح رواتب ومخصصات تجعله مشبعا بالوفرة بحيث لا يضعف امام مغريات الرشاوى والعمولات ، ويمنح كل المغريات التي تجعله يتحمل اعباء خطورة المهمة ولا يضطر للانسحاب ، يحصل وعائلته على جوازات دبلوماسية تكون صالحة حتى بعد نهاية ولايته البرلمانية لمدة 10 سنوات ، يسمح له بازدواج الجنسية ، مرات اعادة ترشيحه مفتوحة ، يمنح قطعة ارض 600 متر من اراضي الدرجة الاولى ، له الحق بالحصول على سيارة رباعية الدفع من النوع المصفح ، له الحق باداء فريضة الحج والعمرة وعلى حساب الميزانية البرلمانية ، له الحق باستلام مخصصاته وهو يقيم في دول الجوار او اي دولة اوروبية فيها سفارة عراقية !

الاسبقيات والاولويات ذات الخيط الشماعي في عمل البرلمان :
بحكم تداخل الحق بالواجب فان الحق حق اي لا بد منه قبل اداء الوجب ـ القبض مقدما ـ بسبب عدم استقرار الحالة الامنية والسياسية !
بما ان مهام البرلمان فكرية وعقلية وتشريعية فان من واجب الشعب السهر على راحة برلمانه والشقاء لانجاز هذه الراحة ليستطيع البرلمان تقديم ما يخدم هذا الشعب الساهر !
ما يصلح للبرلماني من حقوق لا تصلح بالضرورة لكل ابناء الشعب لان البرلمانيين هم عينة في الصفوف الامامية من هذا الشعب ، وهذه العينة يجب ان تكون بمظهر وحالة مناسبة تعكس الرقي والغنى والوفرة ليكون خير ممثل عن مكانة الشعب امام ممثلي الشعوب الاخرى !
اذا كان لابد من الاختيار بين بقاء حياة البرلماني او حياة المواطن العادي ـ في حالات الاختطاف او التفجير او المعالجة ـ فان حياة البرلماني هي الاولى بالبقاء ـ ليس ادل على صدقية ذلك الا فضيحة رشاوي شركة بلاك ووتر التي نشرتها الصحف الامريكية مؤخرا والتي تقول : بعد حادثة ساحة النسور والجريمة التي ارتكبتها عناصر هذه الشركة الامنية بحق المواطنين الابرياء ارتفعت اصوات الادانة والمطالبة بطرد هذه الشركة والغاء تصاريح عملها لكن الشركة استطاعت اسكات الكثير من الاصوات او اثرت على قوة بعضها من خلال الرشاوى وبملايين الدولارات الى جانب ان بعض فروع هذه الشركة تتولى حماية البرلمان نفسه وقد اثر ذلك على حماسة المطالبات البرلمانية بعدم التعامل مع هذه الشركة التي تعتبر صاحبة اكبر اعداد من مرتزقة الحماية الخاصة في العراق وهم بعشرات الالاف ، وهذا ما جعل بلاك ووترتستمر بعملها حيث سكت المطالبون برحيلها وذهبت دماء الضحايا هدرا ، اما الرشاوى فذهبت لجيوب المسؤولين وربما بعض البرلمانيين من اصحاب الضمائر المشمعة ، وبقيت بلاك ووتر تشارك بحماية البرلمان الذي يفترض ان يشرع ما يخدم هذا الشعب ويصون حياته !

بعد ان فصل قانون الانتخابات الاخير ليكون مناسبا لمقاييس الاحزاب الطائفية والعنصرية وبشكل حصري من خلال اقصاء ثقل اصوات الخارج ، ووضع الاصوات التي تحوز عليها الكيانات التي لم تتجاوز حاجز التاهيل لدخول البرلمان 5% من مجموع الاصوات في سلة القوائم الفائزة تصاعديا بحسب تقدمها على الاخرين ، اضافة الى تهميش كوتة الاقليات ، اصبح من الادعى على كل القوى التي كانت تعول على خوض المنافسة الانتخابية باهداف وسياسات وبرامج وتطلعات مخالفة للنهج الشماعي السائد ، ان تقاطع وبقوة ودون تردد هكذا مهزلة مجنونة عقليا ونفسيا وتطالب الناس بالاضراب عن المشاركة ، فالانتخابات مريضة بالتشوة الخلقي وبرلمانها مليء بحالات الصرع والهستيريا والتقمص والشيزوفرينيا والاسقاط والغيبوبة والخرف والتخلف العقلي والنفسي ، حالة مرضية نادرة ولا ينافسها بالندرة الا ـ متلازمة استوكهولم ـ انتفاخ اسفنجي يموه ذاته بداء العظمة النابع من الدونية ومركبات النقص المزمنة !

لا قائمة مختلة بانفتاحها للزبائن تمنع الحالة الشماعية السائدة ، ولا مغلقة بوجههم تنفع ، لا دائرة واحدة تنفع ولا دوائر متعددة ، لان النتيجة واحدة فالمقدمات المجنونة لا تعطي الا نتائج مجنونة ، وفي كل مرة دورة جديدة من دورات الشماعية !

مقاطعة عاقلة وقوية ومحترمة تناضل لبناء متطلبات حياة برلمانية تتمتع بالصحة العقلية والنفسية من خلال فضح وعزل احزاب اللوثة الطائفية والعنصرية وودفعها لدخول شماعية حقيقية خاصة بها ، هي خير الف مرة من المشاركة في جريمة وجود مجلس لا يستحق ان يشغل حيزا من الفراغ ، مجلس يتلاعب بمصائر الملايين ويمد الخطى للسير بهم بقصد او دونه نحو عراق مشمع !
بصمة الحبر البنفسجي هي توقيع على صك موثق لبيعة الطائفيين والعنصريين في حكم العراق ، وها نحن نراهم قبل البيعة يزايدون على بعضهم لانتزاع اكبر قدر ممكن من الغنيمة ، فهذا البرزاني يهدد بمقاطعة الانتخابات ـ طبعا هو لا يقصد نفسه وحزبه وانما بالجملة كل سكان كردستانه وكانهم قطيع يسير بما يقوله الراعي ـ وعندما يعرف سبب موقفه هذا يبطل العجب ، فهو يريد زيادة حصص المحافظات الثلاث التي يحكمها ، وهو في كلا الحالتين لا يخسر شيء ان عطلت الانتخابات فسيكون الامر اكثر راحة له لان الحال سيبقى على ماهو عليه اما اذا جرت الانتخابات وانتزعت قائمة التغيير عدد من المقاعد التي بحوزته فهذا لا يؤثر على حكمه لانه احتاط للامر من خلال تمريره لدستور برلمانه الذي شرعن لاعتباره الحاكم الامر الناهي بوجود البرلمان اوعدمه ، اما طارق الهاشمي فهو ايضا يريد تبييض وجهه قبل عملية اعادة توزيع الحصص ، اما الاخرون فهم يضعون اللمسات الاخيرة لموسم الهلوسة والدخان الذي يعمي العيون !
صار الوضع كله شماعي فانقذوا انفسكم من الوقوع بحبائله التي تؤدي حتما الى الشماعية !