النظرية الاشتراكية الشرقية


جمعية الاشتراكيين الروحانيين في الشرق
2009 / 11 / 10 - 12:39     

هذه النظرية مبنية على أسس فلسفية قديمة روحانية المصدر لدى زردشت ، قمنا بإعادة صياغتها في ضوء فلسفة الصراع بين النور والظلام ، أو بين الكلانية الاشتراكية و الظلامية الفردية الرأسمالية .
وقبل أن نتابع بناء هذه النظرية لابد من توضيح المنهج العلمي الذي تتبناه الفلسفات الشرقية القديمة ومنها الفلسفة الزردشتية .
فأساس منهجها القديم يعرف في السيكولوجيا الحديثة باسم الاستبطان ، أي طرح الفكرة كنظرية اعتماداً على " حدس داخلي " معرفي يؤدي إلى بناء النظرية وفق قواعد معرفية متكاملة تنتهي في آخر المطاف إلى نموذج متماسك الموضوعية يمكن اختباره على الأحداث الحاصلة للفرد أو الأمة أو الجنس البشري برمته .
ونقول إنها " تختبر " في دراسة الأحداث لان الاستبطان كمنهج " كلي " تجميعي لا تفكيكي إنما يتناول القضايا المعرفية الحدثية الحركية المتسلسلة ، أي دراسة الأحداث المؤدية إلى أحداث التي تتمازج لتؤدي إلى أحداث جديدة وهكذا تصنع التأريخ ..
وقبل أن ندخل في تفاصيل " النظرية الاشتراكية الشرقية " نقدم هذا التوضيح حول الاستبطان الأساس العلمي لكل " العلوم الروحانية " عبر التاريخ .. !

الاستبطـان .. أساس المعرفـــة الروحانية

من الصعب على أي خبير أو باحث في دراسة النفس البشرية وما يحدث في داخلها من عمليات عقلية عدم الأخذ بهذا المنهج المعتمد على " وعي " الشخص الواقع تحت الاختبار ليقوم وعيه بوصف معطيات لهذه العمليات.
لهذا السبب ، لم يجد السيكولوجيين بدا ً من دراسة النفس البشرية في ضوء الاستبطان حيث يصف الأشخاص موضع الاختبار ما بدواخلهم .. لكن ، ما علاقة هذا بالمنهج التجميعي في المعرفة ؟
العقل المعرفي المعاصر يميل إلى استعمال نصف الدماغ الأيسر ، اللغوي ، الرمزي ، التجردي
لكن منهج الاستبطان لا يعتمد على الرموز المفككة وإنما على " الصورة " المجمعة من عدة رموز .. هندسية – لونيــة في تشكيلها لرمز " كلاني " واحد هو الصورة ..
لذا ، فالشرقيون القدماء إبتداوا بالصورة كرمز في الكتابة الصورية ( السومرية والمصرية وحتى بدايات الصينية المندثرة ) ، فقد وصفوا الداخل البشري النفساني اعتمادا على التلقائية التي تترك الشعور بالعالم المحيط نحو الشعور بالعالم الداخلي ( اللاشعور ) ، والذي لا يعمل بنظام الشعور الاعتيادي الذي يفحص الرموز والدلالات بطريقة تحليلية ، بل يعمد إلى تجميع كل ما في الذاكرة من بيانات في صورة واحدة ، مركبة من عدة رموز كما يجري في الأحلام !
لذا ، فالمعرفة الروحانية في الشرق مؤسسة على معطيات موضوعية من المحيط يقوم اللاوعي بتجميعها وطرحها بلغة الشرق الصورية القديمة التي تتجلى في الأحلام والوحي السماوي والديانات البشرية جميعاً والتي تقوم على منهج معرفي " رمزي موحد " أو كلاني ..!

المعرفــــة الروحانية الكلانيـــة

هذا الطريق القديم – الجديد من طرق المعرفة سيصبح ضرورة ملحة في نهاية عصر الرمزية اللغوية والذي نتوقعه بعد مئة عام ، أي في القرن الثاني والعشرين ، فالعالم بعد المعلوماتية وشبكات الاتصال حول العالم الكثيرة والمتنوعة عاد في مسار دائري نحو رمزية " الصورة " ، أي عاد للتحول عن الاستخدام الكامل لنصف الدماغ الأيسر في النشاط العقلي نحو التوازن في استعمال نصفي كرة المخ .
فالحضارة الغربية ، كما ندرسها برؤية تجميعية شاملة اعتمدت في الأعم الأغلب على نصف الدماغ الأيسر .. حيث الرموز تستعمل بكثافة عالية ، واللغات نتيجة ذلك تكون متنوعة ، والتقاليد والسلوكيات تكون منبعثة من واقع " الفردية الذاتية " التي تؤدي إلى تنوع الفلسفات ، ما يبرر النتاج الفلسفي الشرقي البخس وغزارة النتاج الفلسفي الغربي ، و هذه جميعا تتراكب لتشكيل الحضارة الغربية المعاصرة التي نسميها في ضوء المعرفة الروحانية الكلانية :
حضارة سيادة النصف الأيسر من الدماغ ، حضارة اللغة والفلسفة والرمزية والتحليل المعرفي !
أما عن مدة دوام مركزية الحضارة الغربية فهذا مرهون بعودة الجنس البشري إلى استخدام " الصورة " كرمز حديث في التعاملات الاتصالية بين الأفراد حول العالم ..
حينها يعود " التاريخ " إلى ما بعد نقطة التوازن بين الحضارة الغربية والحضارة الشرقية ، وهو بلغة المعرفة الكلانية التي ننهجها هنا بزوغ الحضارة البشرية ذات الطابع الكلاني الصوري الاشتراكي السائد على العالم ، لكن قبل ذلك ، ولفترة قصيرة من التأريخ تمر البشرية بحالة من الاستقرار والتناغم بين الغرب والشرق ، وهي الحالة التي يمكننا فيها وصف العلاقة بين الغرب والشرق الأقصى في الوقت الحالي ، لكن ، ما أن تتراجع القدرة الغربية وتصبح الأمم الشرقية في بداية التفوق حتى يحدث " التصادم " بين المكون الحضاري الكلاني الروحاني في الشرق والمكون الحضاري التفكيكي المادي في الغرب .. !
هذا التصادم سيؤدي إلى سيادة الحضارة يمينية الدماغ على الحضارة شمالية الدماغ ، أو بلغة الفيلسوف الشرقي زرادشت :

انتصار اهورمزدا ( رمز الخير والنور والجماعية ) في آخر جولة على اهريمان ( رمز الشر والظلام والفردية ) .

وهذا يعني ، إن نبؤة زردشت مجرد نظرية وحي باطنية كلانية مصدرها الوعي الجمعي البشري ، فهو يصف حقيقة الصراع بين النزعة الاستعبادية التي تريد بناء كل شيء وفق نموذج الهرم ، والتي تبلغ ذروتها في العقيدة الرأسمالية ، والنزعة الاشتراكية التي تريد بناء عالم مسطح تتساوى به الحقوق والواجبات ..!
البعد الذي تضيفه النظرية الاشتراكية الشرقية على كل ما تقدم من نظريات اشتراكية هو " الوعي الجمعي " كأهم عامل في إدارة قطبي الصراع في العقل الجمعي والعالم عبر التاريخ .
فالغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يمثل القطب الرأسمالي " الأسود " من هذا الكيان التاريخي للعقل الجمعي حسب زردشت ، فيما يمثل الشرق بقيادة الفكر الاشتراكي القطب "الأبيض " .
هذا الوصف لا ينحصر بالحرب الباردة فقط ، و اعتقاد الغربيين إن انهيار الإتحاد السوفييتي وزوال جدار برلين وتفتت يوغسلافيا يعني نهاية التاريخ خطأ جسيم ..
فحسب نظرية زردشت الروحانية ، هزيمة الاشتراكية المادية كانت مجرد " جولـــة " خسر فيها المعسكر الكلاني الاشتراكي كيانا مادياً ذو فلسفة معرفية غربية ، ليس إلا ..
وهاهو المارد الاشتراكي " الروحاني " يعاود بناء قوته في التأريخ ، خصوصا ً بعد افتضاح ضعف هيكلية الاقتصاد الغربي بعد الأزمة المالية العالمية مطلع القرن الحادي والعشرين ..
لكن كيف تجري هذه اللعبـــة ، أو المعركـــــة ، ما هي قواعدها العلمية الحقيقية ؟
هذا ما سنتناوله في مواضيع لاحقة