المعارضة الفنزويلية باتجاه الوحدة لتقديم بديل للثورة الاشتراكية


فنزويلا الاشتراكية
2009 / 11 / 1 - 16:17     

قدمت المعارضة الفنزويلية على لسان لويس بلاناس رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي "لجنة الوحدة الديمقراطية" التي ستكون "البنية التي من خلالها ستضع وتنسق المعارضة استراتيجيات لتقديم بدائل لسياسات الحكومة الخاطئة" كما توجه بدعوة المجتمع المدني والطلبة والجهات المستقلة التي "تبحث عن مجتمع منفتح، دون تمييز أو إقصاءات غير عادلة" للانضمام للمبادرة بحسب صحيفة إل يونيفرسال المعارضة للثورة البوليفارية.

بلاناس أكد على أن اللجنة ستكون دائمةً وليست تحالفاً انتخابياً، "الفكرة هي بمنح الشعب الفنزويلي مشروعاً ليكون بديلاً لحكومة الرئيس تشافيز." أضاف بلاناس، الذي أعلن عن محاولة جديدة للبرجوازية الفنزويلية لتتوحد فيما بينها على أمل اختراق الغالبية التي تحصل حكومة الرئيس تشافيز والحزب الاشتراكي الموحد لفنزويلا عليها دائماً.

هذه المحاولة الوحدوية ليست الأولى وطبعاً لن تكون الأخيرة، فلقد سبق للبرجوازية الفنزويلية ممثلة بأحزابها التي تمثل فئاتها المختلفة أن أعلنت في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2002 عن "التنسيق الديمقراطي" الذي كان في صفوفه كل الأحزاب التي شاركت في انقلاب عام 2002 ولكن التحالف انتهى عقده بعد عامين على المحاولة الانقلابية الفاشلة على الديمقراطية بعدما قامت المعارضة بجمع ما يكفي من تواقيع الناخبين لتستدعي الرئيس تشافيز "لاستفتاء" في منتصف ولايته الأولى على أمل سحب الثقة منه بعد الحصول على غالبية رافضة من الأصوات، إلا أن فشلها في حينه دفعها لفرط عقد الحلف.

كما أنهم، اجتمعوا في حزيران (يونيو) من عام 2008 تحت مسمى "ميثاق الوحدة" للخوض في الانتخابات المحلية التي جرت بعد أشهر من ذات العام ولكن "الميثاق" لم يستمر طويلاً لأنه أصلا وجد فقط لضرورة حالة انتخابية لا أكثر. فكل حزب معارض لو دخل منفرداً لما حصل على أي مقعد في أي بلدية من فنزويلا.

البرجوازية الفنزويلية تحتاج فعلاً للوحدة أكثر من أي وقت مضى، فالحركة البوليفارية باتت شبه موحدة على مستويين، الأول هو الحزب الاشتراكي الموحد لفنزويلا الذي أعاد تسجيل أعضائه ليبلغ عدد المنتسبين للحزب أكثر من 7 مليون عضو، بانتظار المؤتمر القادم للحزب، أما المستوى الثاني فهو اللجان الاشتراكية التي لا يحتكرها حزب والتي تشكل مساحةً ممتازةً للمناقشات الفكرية والأيديولوجية المتنوعة التي ترفع من وعي الاشتراكيين الفنزويليين وتقرب فيما بينهم رغم اختلافات تياراتهم. أما المعارضة فلا تزال عالقة في أزمة التوحد ناهيك عن البرنامج الموحد.

في عام 2005 امتنعت المعارضة البرجوازية عن المشاركة في الانتخابات التشريعية، اعتقاداً منها بأنها بهذا الشكل تفقد الحكومة البوليفارية الشرعية، وفشلت في ذلك، رغم أن وسائل الإعلام العالمية المتنوعة تشير للكونغرس الفنزويلي بعبارة تكاد تكون موحدة: "الكونغرس الذي يسيطر عليه حزب تشافيز" موحيين كما لو أن الانتخابات قد زوّرت أو أنها تحسم مسبقاً أو ما شابه. الامتناع عن تلك المشاركة أفقد المعارضة قدرتها على التشويش على قرارات الحكومة البوليفارية والتشريعات التي أقرتها الجمعية الوطنية بغياب كم كافي من المعارضين لعرقلتها، وهذا ربما ما يبرر استعجال الحكومة البوليفارية بإصدار قانون تعليم وآخر انتخابي جديدين، لأن المرحلة المقبلة بعد الانتخابات التشريعية القادمة، لن يكون فيها من السهل تمرير القوانين كما كان الحال في هذه المرحلة التي قدمتها البرجوازية للثورة على طبق من فضة.

هذا الخطأ الذي ارتكبته البرجوازية، يعود لعدد من العوامل، أهمها ما أشار إليه عمر باربوزا، رئيس حزب حقبة جديدة "نحن فرقة داخل وحدة، برؤى مختلفة للمشاكل. علينا أن نعمل لتحقيق خطة تحمل الحد الأدنى من المشترك تعبر عن الكل لنقدمها للبلاد." تنوع الفئات البرجوازية وبالتالي تنوع مواقف أحزابها يفقد المعارضة قدرتها على اتخاذ القرارات الأكثر صواباً ووحدة الثورة على الطرف الآخر، ليست وحدة مطلقة إلا أنها مقبولة، يجعلها متقدمةً وبشكل دائم على المعارضة وإن كان أحياناً بفارق غير كبير إلا أنه يكفي ليعوض الفرق الذي تمتلكه البرجوازية بفضل وسائل الإعلام التي تسيطر بشكل شبه كامل عليها وتسخرها لغاياتها السياسية.

ينتقد فيكتور بوليفار، رئيس حزب العمل الديمقراطي بأن "على المعارضة أن تعيد تقييم نفسها وهذا أمر يصعب عمله بسبب ما تمثله الأطراف المعارضة للثورة"، وهذا ما يمكن أن نفهمه من أستاذ العلوم السياسية، كارلوس روميرو في حديث لصحيفة إل تيمبو، يقول فيه "ما من قائد من الممكن أن يكون أفضل أو حتى قريب من تشافيز، ولكن رغم غياب هكذا قائد، فإنهم جميعاً يسعون ليكونوا القائد." هذا السعي لبلوغ "القيادة"،بالإضافة لما أشرنا إليه سابقاً من تعدد الفئات البرجوازية، مسألة غاية في الأهمية تقف وراءه وتغذيه وهي وصول عدد من المعارضين لعدد من المناصب عن طريق الانتخاب، فاستمرار الثورة على مبدأ "التبادل السلمي الديمقراطي للسلطة" سمح للمعارضين ببلوغ مناصب مهمة كحكام لخمس ولايات، ووصولهم لهذه المناصب يلعب دوراً في فرقتهم، فلو أن الثورة حرمتهم من الترشح أو أنها تتلاعب بالانتخابات لما بلغوا تلك المناصب ولكانوا موحدين أكثر لفقدان سبب افتراق هام، وهو الخلاف عليها، ولكانوا أيضاً على استعداد للتقليل من خلافات أخرى فما من شيء ليخسروه في حينها على المستوى السياسي.

البنية الجديدة، الجسم الجديد أو التنظيم أو أياً يكن، لا يحمل الكثير من الاختلاف عما سبقه، فذات الأحزاب التي شكلت التحالفات السابقة تعود لتجتمع مجدداً مع إضافة الحزب الاجتماعي الديمقراطي الذي انشق عن الحركة البوليفارية في عام 2007، فالأحزاب نفسها والبنية التنظيمية ذاتها، فما على البرجوازية أن تفعله هو تغيير العقلية واتباع طريق جديد والتوقف عن الاكتفاء بجعل انتقاد الرئيس تشافيز برنامجاً انتخابياً وعوضاً عن ذلك امتلاك البديل الذي لا نقول أن يكون واقعياً بل مجرد أن يمتلكوا بديلاً موجوداً يمكن الحديث عنه، بالإضافة للتوحد حول "قائد" يمتلك فرصاً لمواجهة الرئيس تشافيز في الانتخابات الرئاسية القادمة وإن كانت بعيدة إلا أنها تحتاج للعمل منذ الآن لبناء تلك الشخصية القيادية إعلامياً لتكون قادرة على تشكيل منافس حقيقي، فهل سيحصل ذلك؟ لا أعتقد أبداً، فالتبادل السلمي الديمقراطي للسلطة يشكل أداة بيد الثورة للإبقاء على المعارضة متنافسة فيما بينها قبل أي تنسيق، والقائد الكريزماتي المنتظر غير موجود وإن وجد فلن يلتفوا حوله قبل وقت متأخر جداً، والخيار البديل عن الحكومة البوليفارية معالمه آخذة بالتشكل إلا أنها تستغرق وقتها بشكل مبالغ فيه، وإن وجد البرنامج فسيعني أن يركزوا عليه ويقللوا من انتقاد الحكومة بشكل تلقائي وبالتالي يكون استبدال عصفور بآخر وإن كانت الجودة تختلف بالنسبة لفنزويلا على الأقل إلا أنهم انتخابياً لا يمكن أن يحققوا الكثير.

ففعلياً الأفق مسدود أمام المعارضة، لكن لابد من الحذر من إمكانية تحركهم بشكل مغاير لعادتهم وتمكنهم من تحقيق بعض الإنجازات داخلياً مما قد يشكل خطراً على الثورة، فأفقهم المسدود لا يعني الاستهانة بمن نظموا انقلاباً أطاح بالحكم الديمقراطي لساعات ولمن يتولوا دعماً مطلقاً من الإدارة الأمريكية الشمالية وبشكل صريح ومعلن لا ينكروه بأنفسهم.