سكان البيرو الأصليون ينتصرون بصدور عارية


فنزويلا الاشتراكية
2009 / 10 / 26 - 16:43     

فتحت مروحية عسكرية نارها وعمد جنود على قنص أعداد من السكان الأصليين في البيرو فسقط أكثر من مئة قتيل فيما خرج رئيس البلاد آلان غارسيا ليقول معتذراً مع بداية المجزرة "ليس على رأسهم تاج، إنهم ليسوا مواطنين من الدرجة الأولى فلن نضع مصالح هؤلاء الهنود فوق مصالح 28 مليون مواطن." العبارات العنصرية المقززة الخارجة من فوهة المستبد مع رصاصاته باتجاه أبرياء لا سلاح بأيديهم سوى رماح خشبية صنعوها بأيديهم ليحموا أرواحهم من قتلة غارسيا توّجت عرش عميل الامبريالية.

بدأت الاحتجاجات مع توقيع الحكومة البيروفية عدداً من اتفاقيات التجارة الحرة مع دول منها الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، ولتنفيذ تلك الاتفاقيات كان على الحكومة البيروفية أن تطلب من السلطة التشريعية تغييراً في القوانين الداخلية للبلاد-10قوانين تحديداً-لتشجيع الاستثمار الأجنبي في منطقة الأمازون.

القوانين الجديدة كانت تفتقد للشرعية بمخالفتها للدستور البيروفي وانتهاكها لإعلان الأمم المتحدة حول حقوق السكان الأصليين التي من أهمها حق المشاركة في صنع القوانين بما يتعلق بمناطقهم، التي أعلنت الحكومة عن أنها ما كانت تسعى إلا لتحسين حالها وتطوير البلاد بتطوير منطقة الأمازون واستغلال الثروات النفطية والمعدنية والاستثمار الزراعي وقطع ونقل الخشب في مناطق السكان الأصليين الذين يشكلون في الإحصاء الرسمي لعام 1993 ثلث سكان البيرو، وتقول إحصاءات جديدة بأنهم باتوا يشكلون 45% من مجموع سكان البلاد.

انتهاك حقوق السكان الأصليين قادهم لاحتجاجات استمرت لأشهر وسبقت يوم المجزرة بخمسين يوماً متتالياً عمدوا خلالها لإتباع كافة الوسائل للتعبير عن رفضهم الكامل فعلياً لهذه القوانين وعدم تمكين الشركات متعددة الجنسيات من تدمير بيئتهم فالاستثمار والتطوير الموعودين سيأتيان على الجزء الأكبر من غابات الأمازون في البيرو التي تعاني أصلاً من حالة متردية، قال رئيس البرلمان الأمازوني إندي أبريو للتلفزيون الفنزويلي: "المنطقة الأكثر تأثراً من الأمازون هي تحديداً المنطقة التي تتحكم بها البيرو، بسبب الشركات متعددة الجنسيات، هنا، السكان الأصليون المدافعون عن أرضهم يتم جزرهم كنتيجة للجشع الرأسمالي."
فمع سطوع شمس الخامس من يونيو (حزيران) في باغوا كانت مجموعة من السكان الأصليين، وبعد قطعها لأحد الطرقات السريعة بالرمال والأخشاب تنام عند الطريق لتأمين استمرار فاعلية الاحتجاج السلمي بشكل كامل، عندما سمع هدير محرك طائرة عمودية أيقظت بعضاً من النيام قبل أن تبقي على آخرين في سبات بعيارات نارية كما لو أنه كتب عليها "فلتستمر المجزرة" ليقتل أكثر من 20 محتج في آن واحد ولتتقدم بعدها قوة عسكرية وتبدأ بإطلاق النار ولتسقط عدد آخر من المحتجين الذين كان عدد منهم ينامون عند مرتفعات قريبة اندفعوا مسرعين مع أصوات النيران وصرخات من يذبحوا في كل مرة تجوع فيها آلة رأس المال لينقضوا على رجال القمع الحكومي مخففين الضغط عن رفاقهم عند الطريق العام، يقول جور مكلينين، المنسق في منظمة مراقبة الأمازون الدولية: "شهادات شهود العيان تقول إن القوات الخاصة فتحت النار على متظاهرين مسالمين غير مسلحين بما في ذلك من طائرات عمودية قتلت وجرحت العشرات في عمل منظم لفتح الطريق. الواضح أن الشرطة قد جاءت بأوامر للقتل..اليوم تحدثت مع عدد من شهود العيان في باغوا أبلغوني أنهم رأوا الشرطة ترمي أجساد القتلى في نهر ماراون من طائرة عمودية في مسعى واضح من الحكومة لتقليل عدد قتلى السكان الأصليين على يد الشرطة.. أبلغ عمال مستشفى في باغوا أن الشرطة أخذت قتلى من مباني المستشفى إلى أماكن غير معروفة.." ويضيف مكلينين في بيان لأمازون واتش ".. وفي حين كانت الشرطة تهاجم السكان الأصليين نزل أناس من الجبال.. وقفزوا على رجال الشرطة وقتلوا بعضهم في دفاع عن النفس. وحسب قادة السكان الأصليين فإنه تصرف مفهوم إلا أنه غير مبرر."

بعد مواجهات طويلة مع قوات الأمن الحكومية، كانت حصيلة ضحايا السكان الأصليين غير معروفة، وما يعرف أنها تجاوزت المئة بين مفقود ومقتول، وبالمقابل قتلت الرماح الخشبية للسكان الأصليين 22 رجل أمن، ليبدأ بعدها نظام غارسيا المجرم بتوجيه أصابع الاتهام نحو كل من فنزويلا وبوليفيا، حيث صرح عضو الكونغرس البيروفي إدغار نونيس لواشنطن تايمز، "لدينا دليل بأن فنزويلا تدعم التظاهرات،" ويتابع بعنصرية وطبقية متعالية مثيرة للاشمئزاز "..هؤلاء الناس فقراء جداً، فعليك أن تتساءل كيف لهم أن يتحملوا نفقة السفر لمسافات طويلة والتخييم وإطعام أنفسهم لأسابيع بنفس الوقت." عبارات عضو الكونغرس ذاتها رددت في الهندوراس عندما تساءلت الطبقة وريثة المستعمرين وعميلة الامبرياليين عن كيفية تحمل أنصار الرئيس زيلايا لكلفة التنقل بين المدن، ذلك التنقل بين مدينة وأخرى كان يستغرقهم أياماً لأنهم يعبرون الطرقات سيراً على الأقدام ويعتمدون على أبسط وسائل النقل وأكثرها بدائية سواء في هندوراس أو في البيرو ويقتاتون على بعض القوت الذي يقدمه السكان المحليون مشاركين إياهم لقمتهم فهم نفسهم أنصار الاشتراكية التي ترعب من لا يعلم كيف يدفعون تكلفة نقلهم وطعامهم ويشتمون بها كل ما لا يعجبهم والآن باتوا يقتلون باسم خطرها وخطر قائد ثورتها هوغو تشافيز عشرات الأبرياء ومن ثم وبوقاحة تتصدر الإعلانات الحكومية شاشات التلفزة مظهرةً صور رجال الأمن الميتين مع رسائل مثل: "هكذا يتصرف المتشددون ضد البيرو" و"متشددون مدعومون من الخارج يريدون إيقاف التطور في البيرو" وأجبر كامل الإعلام البيروفي على التزام النسخة الحكومية في نقل الأحداث، ودفعاً للتطوير وتقدم البيرو أغلقت إذاعة باغوا التي كانت تبلغ عن وقائع المجزرة المرتكبة على يد القوات الحكومية ونقل شهادات عن الفظائع التي وقعت بحق السكان الأصليين وجثامين شهدائهم، الأمر الذي دفع منظمة مراسلون بلا حدود لإصدار بيان رفضت فيه الإغلاق الذي أتى تحت ذرائع إدارية وحجج واهية رددتها الحكومة لإسكات أي صوت يخرج عن قطيع نعيقها.

لام الرئيس البوليفي إيفو موراليس، اتفاقية التجارة الحرة FTA بين الولايات المتحدة وبيرو وأكد على أن الـFTA ترتكب مجزرة في أمريكا اللاتينية فاستغل ذلك رئيس البيرو غارسيا ليتهم بوليفيا بدعم التمرد والدعوة له، خاصة بعدما دعا الرئيس موراليس السكان الأصليين إلى الوصول للسلطة عن طريق الديمقراطية خلال القمة القارية الرابعة للسكان الأصليين التي تحدث خلالها بحسب نائب الرئيس موراليس، ألفارو لينيرا: "لشعوب العالم، عمال العالم، السكان الأصليين في العالم والقارة، المستغلين، منسيي العالم،" وأضاف لينيرا أن دعوة الرئيس موراليس كانت "رسالة تدعو لأساسيات الحياة، الكرامة والاعتراف بما يتم نكرانه في مناطق عدة من العالم..الكلمات والأوراق لا تقتل، كلمات وأفكار الكرامة لا ترتكب جريمة." من يرتكبها كما جاء في بيان الخارجية الفنزويلية "الحكومات النيوليبرالية ضد أولئك الذين يرفعون صوتهم للدفاع عن أراضيهم."

دفعت الحكومة البيروفية عقب المجزرة بالمزيد من القوات، التي فشلت في تحقيق ما ارتكبه من سبقها رغم المجزرة، فعدد السكان الأصليين المسلحين بالرماح الخشبية ارتفع واستماتتهم وشجاعتهم وبطولتهم منقطعة النظير لم تسمح للقوات البيروفية في التقدم. لتستقيل كارمن فيلودوسو، وزيرة المرأة، وتوعد بعدها رئيس الوزراء سيمون بالاستقالة بعد تحقيق التهدئة التي ما بدأت إلا وأطل وجه الرئيس غارسيا الذي احتقر الفقراء البرابرة الذين انتصروا عليه وعلى قواته ليعتذر منهم، ليعتذر من "المتشددين" و"غير المتحضرين" و"الهنود"، غرس غارسيا رأسه في التراب وأعلن عن ارتكابه لأخطاء بعدم استشارة السكان الأصليين وأنه سيتم التراجع عن حزمة القوانين.
انتصر السكان الأصليون في البيرو ليس فقط على قوات أمن مسلحة بعتاد كامل، ولا على حكومة آلان غارسيا المجرمة، انتصر السكان الأصليون على الشراهة التي لو تركوها وما أوقفوها لابتلعت جزءً كبيراً من غابات الأمازون التي تشكل رئة الأرض التي لولاها لتهدد وجود كل إنسان وحيوان على سطح هذا الكوكب، انتصر هؤلاء الشجعان بشكل عجيب غير آبهين بالموت صراحةً ودون مغالاة، لأجل أمنا الأرض، التي اعتاد برابرة رأس المال على تدميرها وتخريبها وأرادوا أن يعودوننا على أن نراها تموت ونتركها تذبح على أيدي قتلتنا وقتلتها.