مهنة التدريس، أي مصير؟


ميمون المغربي
2009 / 10 / 23 - 18:22     

مرت 10 سنوات على نزول الميثاق الطبقي للتربية و التكوين، ولم يحقق النظام القائم أهدافه – بشكل كامل- مما يسميه (بإصلاح) التعليم ! وحيث شكل حقل التعليم مند بداية الاستقلال الشكلي ميدان الصراع بين أبناء الجماهير الشعبية المتشبثة بحقها في تعليم مجاني، والنظام القائم. حيث شكل التعليم الملجأ الوحيد لأبناء الجماهير الشعبية لحل أزمتها من أجل تحسين وضعها الاجتماعي، لكن السوأل الذي يطرح نفسه هو، هل فعلا النظام القائم فشل في (إصلاح التعليم)؟ و أي (إصلاح) كان يريد؟ ادا ما ألقينا بنظرة إلى الواقع، أي واقع التعليم بالمغرب فلن يختلف أحد على انه واقع مزري واقع أشبه بالموت الكلينيكي، وهدا ما تؤكده حتى التقارير الدولية حول واقع التعليم بالمغرب، وكذلك الرتب التي حصل عليها المغرب والتي تضعه في الصفوف الاخيرة في هدا المجال، فإن كانت بعض بقايا الروح لازالت تسري في هدا الجسد المنهك، فبفضل المكتسبات التي حققها أبناء الشعب الكادح عبر نضالاتهم التي وصلت حد الاستشهاد، وبفضل بعض الأطر التربوية والإدارية الغيورين على مصلحة هدا الشعب.
فاعترافه بفشل (الإصلاح) !!! ليس حبا في هدا الشعب المناضل، أو هدفه مراعاة مصلحته و الرفع من جودة التعليم كما يدعي المطبلون لهاته (الاصلاحات)، بل ما وراء الأكمة ما وراءها كما يقول المثل، فاعترافه بفشل الإصلاح !!! استغلها النظام القائم فرصة من أجل تكثيف الهجوم والنزول بمخطط أشد خطورة، من اجل استكمال مخططه السابق الميثاق الطبقي للتربية و التكوين، حيث سماه بالمخطط الاستعجالي، الذي انيطت به مهمة تصفية الروح المتبقية في هدا القطاع الحيوي قطاع التعليم، في أفق تسهيل عملية تفويته إلى القطاع الخاص.
لكن وكعادته لا يعترف النظام القائم بفشل سياسته في ميدان التعليم بانتهاجه لسياسة لا وطنية لأنه خادم أمين لأسياده الإمبرياليين بحرصه على تطبيق توصيات صندوق النقد الدولي، ففي هدا المخطط يبدو هده المرة أنه وضع اليد على مكمن الداء بادعائه أن فشل المنظومة التعليمية يرجع بشكل كبير إلى المدرس، حيث اعتبرت الوزارة الوصية أن أزمتها توجد داخل القسم وهدا ما أكدته التصاريح الصادرة عنها حول تغيب الأساتذة و تضخيم الأرقام و المعطيات المقدمة حول هاته النقطة، أثناء المرحلة التحضيرية للمخطط ،بالإضافة إلى أن الأساتذة لا ينجزون حصصهم الكاملة، لتختزل فشل المنظومة التعليمية في المدرس، فللإشارة لا ننكر أن ظاهرة الغياب واقع ملموس، لكن الوزارة الوصية عوض أن تبحث في المشكل قصد معالجته بشكل سليم، عن طريق البحث في الأسباب الحقيقية لهاته الظاهرة ومعالجتها، فهي على العكس من دلك، فقد وجدتها دريعة، وفرصة لا تعوض من اجل شن حربها الضروس على المدرس، وتمهيدا لإنزال أعباء إضافية على كاهل الأسرة التعليمية، فالكل يعرف الأوضاع المعيشية المزرية التي تعاني منها هاته الفئة والمتمثلة أساسا في هزالة الأجرة. و في محاولة منها لامتصاص أكبر قدر من الخصاص الذي تعانيه المؤسسات التعليمية حيث تراهن الوزارة الوصية من هاته الأعباء الإضافية المجحفة الى ربح أكثر من 1,36 مليون ساعة اضافية في السنة، أي بما يوفر لها 980 أستاذا بالتعليم الإعدادي و 795 أستاذا بالتعليم الثانوي التأهيلي، بدل توظيف الأطر المعطلة قصد الحد من هدا الخصاص. وبالتالي يتضح من البداية أن الهاجس المتحكم في ما يسمونه (بالإصلاح) هو هاجس مادي فقط أما الجودة التي ينادونا بها فتم تأجيلها إلى اجل غير مسمى.

يتضح مند بداية أجرأة بنود المخطط الاستعجالي هده السنة، على مدى حدة الهجوم الشامل على الأطر التربوية، وكدا محاولة تحميلها مسؤولية فشل إصلاح المنظومة التعليمية بالمغرب، وهدا ما يؤكده الاستعداد المبكر لإنزال بنود هدا المخطط، والتي كانت بوادره الاولى المذكرة التي توصي بخلق جمعية دعم مدرسة النجاح !! في جميع المؤسسات التعليمية، مهمتها تسيير المؤسسة والبحث عن الشركاء من أجل الدعم و التمويل، الدين سيصبحون فيما بعد المتحكمين الفعليين في المؤسسة، و أول مهمة عملية قامت بها هاته الجمعية هي الإشراف على توزيع الكتب و الأدوات المدرسية. ثاني هده البنود هو عملية توظيف حوالي 3000 أستاذ بالتعاقد، وعلى صعيد الجهة، و التي تمت إثارتها في الميثاق اللاوطني للتركيع و التبضيع، من خلال المادة 135 الذي تم وضعها سنة 1999، والتي تعتبر أول وثيقة رسمية تنص على التوظيف بالتعاقد. لأنها سبقت المناظرة الوطنية الأولى للإصلاح الإداري التي عقدت بتاريخ 7/8 ماي 2002، ليتم تدارك ما لم يتم تفعيله خلال العشرية الأولى من عمر الميثاق اللاوطني للتركيع و التبضيع، وبالتالي انتقال العمل، بالأستاذ المتعاقد بدل الأستاذ المرسم، بشكل تدريجي في أفق ضرب الوظيفة العمومية بشكل كلي. كل هدا يدخل في إطار تحويل المؤسسة التربوية إلى مقاولة يحكمها قانون الربح.

ومن تجليات هده الحرب المعلنة من طرف الوزارة الوصية على المدرس ولتحقيق تلك الأرقام، قامت بإصدار مذكرات مجحفة في حقه من بينها نذكر ما يلي :

- إعطاء الحصص الكاملة : أي على المدير إعطاء جدول الحصص كاملا للأساتذة، فمثلا أستاذ الثانوي التأهيلي عليه أن يعمل 21 ساعة في الأسبوع، وبالتالي أصبح عليه العمل طيلة أيام الأسبوع أو العمل أكثر من 4 ساعات في اليوم، وادا لم يكن كاملا فيجب إتمامه بحصص الدعم، أو أن يدرس مادتين متقاربتين مثل الرياضيات و الفيزياء، أو تكليفه بمهمة في مؤسسة تعليمية أخرى. وقد تم توزيع مذكرة على المديرين من أجل تفييض الأساتذة. ولن نفاجأ مستقبلا ادا ما تم تكليفه بمهمة التدريس في مؤسسة خاصة مثلا، فهي تطبق الحكمة القائلة "خدم و سكوت" ما دام الكل ساكتا ومنقادا لا يحرك ساكنا، أو ربما مستقبلا قد تقوم بتحويله إلى بضاعة تضعها رهن إشارة القطاع الخاص، كما يقع حاليا مع شركات الحراسة والقمع، من أجل تشجيع هدا القطاع. فالسياسة التعليمية في المغرب تقوم على دعم التعليم الخاص من خلال منحه جميع التسهيلات والاولويات.

- الأستاذ المتنقل : أي على المدرس، أن يعمل في أكتر من مؤسسة تعليمية، لينضاف مشكل التنقل إلى الأعباء اليومية للمدرس من ارتفاع صارخي للأسعار، وهزالة الأجر.....
- تدريس عدة مواد أو ما يصطلح عليه بالمواد المتآخية ففي السنوات الأخيرة بدأت الوزارة الوصية على التعليم تلزم المدرسين الجدد، على الالتزام بتدريس المواد المتقاربة (المتآخية). وهنا يطرح السؤال حول جودة التعليم، فكيف يمكن بلوغ هاته الجودة التي ما فتئوا يدعون انها هي مبرر هاته (الاصلاحات)، مع الزام الاستاد بتدريس مادة ليست من اختصاصه !

- تقليص العطل و تخصيص الفترات البينية للتكوين المستمر واجراء الامتحانات المهنية والدعم بالنسبة للتلاميذ المتأخرين دراسيا. فانطلاقا من هده السنة أصبح على المدرس في العطل البينية العمل، كإعطاء دروس الدعم للتلاميذ المتأخرين دراسيا أو القيام بمهمة الحراسة في الامتحانات المهنية بدون تعويض مادي أو الحضور للتكوين المستمر. فالأستاذ الذي يعمل بالحصة الكاملة – أي يعمل طيلة الأسبوع- في ظل واقع التعليم عموما وواقع التلميذ المغربي خصوصا، والذي ترسخت لديه نظرة عن المدرسة، بما هي مكان لتفريخ افواج من العاطلين عن العمل، إضافة إلى الاكتظاظ داخل القسم و الاعتماد على الوسائل البيداغوجية القديمة كالسبورة والطباشير، كلها تشكل عائقا كبيرا يصعب من مهمة المدرس. مما يؤدي إلى تسرب اليأس اليه. و يجعله في أمس الحاجة إلى عطلة بشكل دوري بدل تقليصها، لأن مهنة التدريس مهنة شاقة كما تصنفها مجموعة من البلدان المتقدمة.
- إلغاء العمل بالتوقيت المستمر في الوسط القروي وبالتالي أصبح على المدرس و التلميد التنقل إلى مقر العمل اربع مرات في اليوم، أو المكوث في مقر العمل تحت الأشجار أو في المقهى إن وجدت في أحسن الأحوال حتى تصل الفترة المسائية، والكل يعرف ظروف العمل في الوسط القروي و بعد المسافة التي غالبا ما يتم قطعها مشيا على الاقدام.

لكن في المقابل مادا كان رد هاته الفئة والممثلين لمصالحها المادية والمعنوية و المتمثلة في النقابات التي دورها الدفاع عن مصالح الفئة التي تمثلها وتحسين ظروف عملها، على الحرب التي أعلنتها الوزارة الوصية على قطاع التعليم، فمند أن تولى حزب الاستقلال قيادة الحكومة ورغم أن هاته الحكومة فاقدة للشرعية، لم تستطيع النقابات تحقيق أي مطلب - ربما حتى هاته البيروقراطيات المتربعة على قيادة هده النقابات تفتقد للشرعية فتم تطبيق القاعدة النحوية التي تقول ادا التقى ساكنان فاحذف ما سبق – وبالتالي تم تجاوز هده النقابات، فرغم مرور أكثر من سنة على انطلاق مهزلة ما يسمى بالحوار الاجتماعي لم تستطيع تحقيق أي مكسب للشغيلة باعترافها هي أي النقابات، فحتى الزيادات الهزيلة الأخيرة في الأجور تمت خارج الاتفاق مع النقابات وتم إقرارها بشكل انفرادي من طرف الحكومة، لكن ما يلفت الانتباه، هو ان هاته الزيادة في الأجور حوالي 70 درهم في الشطر الأول بالنسبة للسلم 9، جاءت لدر الرماد في العيون، ولتعبيد الطريق لإنزال هدا المخطط، دون أن يلاقى أي معارضة تذكر، لكن ما لا يعرفه احد هو أنه مقابل 70 درهم، كم نزلت من مذكرة مجحفة في حق المدرس، دون أن تحرك هاته النقابات الساكن باستثناء المذكرة الأخيرة المتعلقة بإلغاء العمل بالتوقيت المستمر في الوسط القروي، التي عبرت عن رفضها، لأنه لا شيء يعطى بدون مقابل فالوزارة الوصية تعطي باليمنى و تأخذ باليسرى، فالكل بلع الطعم و التف حول الفتات و نسي الجوهر ألا وهو الدفاع عن المدرسة العمومية وكرامة أطرها وتحسين ظروف عملهم بما فيها المادية، بالإضافة إلى تحصين المجانية بالنسبة للشعب المغربي عموما و الجماهير الكادحة خصوصا بما هي معركة الشعب المغربي و مناضليه الشرفاء. بالإضافة إلى دلك كيف وافقت النقابات على هدا المخطط رغم عدم استشارتها والمشاركة في وضع بنوده، ألا يعتبر هدا استخفافا بل و تواطئا من طرف هاته النقابات، ورغم دلك فالنقابات مازالت تطبل وتبارك كل المخططات التصفوية التي يضعها النظام القائم، وآخرها وليس الأخير مدونة السير التي يحاول النظام تمريرها في هده الظرفية وهدا ما تؤكده الحملة الإعلامية المسعورة التي يسخر لها كل أقلامه المأجورة و أبواقه الرخيصة من اجل رسم صورة سوداوية عن السائق المغربي، وتحميله كل تجليات الازمة التي يتخبط فيها النظام القائم، وهدا ما جعل هده النقابات تفقد مصداقيتها ليتحول يوم الإضراب إلى يوم راحة وفقط، وليس يوما للنضال.
من كل هدا يجب فتح نقاش جاد ومسؤول بين الأطر التربوية المناضلة حول مستقبل مهنة التدريس والتفكير و الإبداع في أشكال النضال من أجل قلب الأوضاع داخل هاته النقابات، وتجاوز ومحاصرة البيرقراطيات التي تتربع على قيادة هاته الاخيرة، والتي تنخر الجسم النقابي ببلادنا. وطرد جميع الطفيليين من الحقل النقابي. لأنه بدون ربح هده المعركة لن تعود الشرعية و المصداقية للنقابات، وبالتالي ستضيع مصالح هده الفئة، لأن النظام القائم هدفه من إصلاح التعليم هو تفويته إلى القطاع الخاص وبالتالي ضرب الوظيفة العمومية من أجل التخفيف من كتلة الأجور، تنفيذا لتوصيات صندوق النقد الدولي.

لنناضل من اجل تحصين المكتسبات المادية و المعنوية للأطر التعليمية.
لنناضل من اجل مجانية المدرسة العمومية.
لنناضل من اجل اكتساب تصور سليم للعمل النقابي.
للنناضل ضد البيرقراطيات النقابية.


المصدر : نقابي مكافح