في أهمية الحوار الاسلامي – المسيحي

معقل زهور عدي
2009 / 10 / 15 - 08:49     

تذكرنا آخر جولة حوار منعقدة تحت عنوان الحوارالاسلامي – المسيحي والتي عقدت في برمانا – لبنان بين 2-6 تشرين اول الجاري وخصصت لدور المرأة في ذلك الحوار اقول تذكرنا بالتفكر في اهمية ذلك الحوار مقابل ما يحمله ضمنا من تأكيد على البعد الديني في وقت تبدو فيه المنطقة العربية مترعة بفائض من المشاعر الدينية التي تخرج في كثير من الأحيان عن جوهر الدين ذاته متقلبة بين (الديني – القبلي) أحيانا و(الديني – السياسي) في كثير من الأحيان , وكما كان الحال في اوربة القرون الوسطى كثيرا ما تصبح دعوة المحبة غطاء للكراهية , وروح التسامي واعلاء مكانة الانسان وسيلة تعبئة لسفك الدماء

على أية حال يبدو انه لابد من التعامل مع ميراث طويل من سوء الفهم والشكوك والجهل بالآخر ليس من أجل الاستمرار في حفر الخنادق كل من جهته , بل من أجل بناء الجسور والنهوض نحو قيم المواطنة بطريقة لا رجعة فيها

ثمة فرق بين من يريد الحوار الاسلامي – المسيحي لاضفاء صفة عقلانية على انقسام موجود دون رغبة في تجاوزه , او دون امتلاك رؤية لذلك , وبين من يريد ذلك الحوار لوأد نزعات التعصب والتمهيد نحو ولادة مفاهيم اجتماعية بدلالة المواطنة بحيث يجد الانسان نفسه يميل للتعريف عن ذاته ليس بوصفه عضوا في رابطة مذهبية في العمق بل بوصفه عضوا في مجتمع منفتح متساوي الحقوق والواجبات اي بوصفه مواطنا في دولة القانون

وبينما مالت التيارات ( اليسارية ) التي ظهرت في منتصف القرن العشرين في المنطقة العربية لادارة الظهر لفكرة الحوار الاسلامي – المسيحي واعتبرتها فكرة رجعية في الجوهر فقد أظهرت الأحداث اللاحقة كيف ان الأفكار المتغلغلة في الموروث الثقافي والمذهبي الشعبي تصبح في كثير من الأحيان صانعة للأحداث المصيرية

قيمة الحوار الاسلامي المسيحي الحقيقية ليست في تقريب المسيحية للاسلام او العكس , وهي بالتأكيد ليست في تشكيل مؤسسات متوازية على الطرفين تتولى حفظ السلام بين معسكرين متناقضين , ولكنها في محاولة اعادة تعريف المسيحية للمسلمين وكذلك اعادة تعريف الاسلام للمسيحيين ويتضمن ذلك مواجهة تاريخ طويل من الجهل وسوء الفهم كما يتضمن الاعتراف بوجود جوانب مضيئة وأخرى مظلمة في ذلك التاريخ وذلك كمقدمة للنظر اليه بموضوعية ودفنه كماض بما يستحقه من تقدير

لفت نظري بهذا الصدد الدراسة المقدمة من قبل القس دعيسى دياب ( نظرة المسيحية الى الانسان عامة والى الآخر المختلف دينيا خاصة من وجهة نظر انجيلية ) وذلك ضمن اعمال الندوة المنعقدة في عمان عام 2005 بعنوان ( الأديان نظريات متبادلة )



ففي تلك الدراسة ثمة تمييز واضح بين نظرة المسيحية الأصلية الى الانسان بما في ذلك المختلف دينيا ( كما وردت في النص التأسيسي ) وبين تاريخ المسيحية المتقلبة بين ايدي المسيحيين والتي تحفل بالصفحات البيضاء والسوداء حيث يقف القس عيسى وقفة نقدية أمام عناوين ثلاثة مأساوية في ذلك التاريخ 1- حروب الفرنجة ( الحروب الصليبية ) , محاكم التفتيش , سلوك المصلحين البروتستانتيين

مثل تلك الرؤية الموضوعية التاريخية من شأنها ليس فقط أن تعيد المصداقية الى نظرتنا للتاريخ ولكن وكأمر أكثر أهمية أن تعيد تقديم المسيحية للمسلمين بصورتها الانسانية الأصلية وتعالج تلك المشاعر الموروثة والمرتبطة بالحروب الصليبية ومحاكم التفتيش

في المقابل لعله يجدر بنا كمسلمين التخلي عن النظر لتاريخنا كشيء مقدس باعتباره يتكون فقط من صفحات مضيئة , فذلك لم يكن قط صحيحا بالنسبة لنا مثلما انه لم يكن صحيحا للآخرين

وسواء أكنا أكثر تسامحا في تاريخنا الطويل من الغرب المسيحي أم لم نكن فلابد من النظر للتاريخ بروح نقدية موضوعية تماما كما فعل القس عيسى دياب

أما الاقتصار على الجوانب المضيئة في تاريخنا وانكار الجوانب السلبية فلن يغير الحقيقة في شيء ولن يسهم في الانتهاء من الماضي بقدر ما يعني اننا ما زلنا أسرى له حتى الآن