رؤيا فكرية حول مفهوم الحزب اليساري الجماهيري !!


ماجد لفته العبيدي
2009 / 10 / 5 - 19:34     

جرت نقاشات وحوارات قبل فترة قليلة حول مفهوم الحزب اليساري الانتخابي بين أواسط اليسار الشيوعي العراقي على العديد من المواقع الالكترونية ، وكان اغلبها قد تطرق إلى مهام الحزب المقبلة في ظل الاستحقاق الانتخابي وعلاقة الحزب مع الجماهير ، ما عدا مقالة واحدة للأستاذ لطفي حاتم اتخذت اتجاها مختلفا للنقاش الدائر حول أطروحة الحزب الانتخابي وكانت بعنوان (موضوعات حول حزب اليسار الانتخابي ) ، وقد وضع الأستاذ لطفي حاتم اشتراطه الأساسي لتحول الأحزاب الشيوعية والعمالية في البلدان العربية وأحزاب الأممية الثالثة بشكل عام ، إلى أحزاب يسارية انتخابية من خلال تخليها عن الإرث الفكري للأممية الشيوعية ، أي بما معنى التحول إلى أحزاب ديمقراطية إصلاحية لا يجمعها جامع مع هويتها الفكرية الماركسية، ويعلل الأستاذ لطفي حاتم تلك الدعوة إلى جملة من القضايا يشير لها في دراسته المكثفة بقوله ( انتقال أحزاب اليسار الاشتراكي من الشرعية الثورية إلى الشرعية الانتخابية يتطلب بناء رؤية فكرية جديدة تشترط التخلي عن حزمة من المنطلقات النظرية منها :
- الابتعاد عن الإرث النظري للأممية الثالثة وثوابتها النظرية التي شكلت حاضنة فكرية لنشاط أحزاب اليسار الاشتراكي مثل ــ الطريق الثوري لاستلام السلطة السياسية / بناء سلطة الحزب الواحد / اعتماد نموذج الدولة الاشتراكية / ملكية الدولة العامة واقتصادها الأوامري... الخ ـــ من الموضوعات الفكرية / السياسية الساندة لنشاطها السياسي المعتمد في حقبة المعسكرين.
- تبني الشرعية الديمقراطية للحكم المتمثلة بالتداول السلمي للسلطة السياسية والعمل على استلامها من خلال الشرعية الانتخابية.
- القبول بعلاقات الإنتاج الرأسمالية والعمل ضمن إطار السوق الرأسمالي، الأمر الذي يعني بناء نظام اقتصادي / سياسي يتطور ضمن البنية الاقتصادية الرأسمالية لا تمس مصالح القطاع الخاص والمصالح الدولية.) (1)
إن بناء الحزب الانتخابي اليساري مرهون بطبيعة التطور الاقتصادي الاجتماعي الذي يعتمد على تطور القوى المنتجة ووسائل الإنتاج واللذين يحددان طبيعة اسلوب الإنتاج الذي ينعكس على طبيعة البناء الفوقي , والتي تشكل السلطة السياسية جزءا منه ، وان مستوى القوى المنتجة ينعكس بشكل طردي على طبيعة السلطة السياسية والعملية الديمقراطية بشكليها (الشرعية الشكلية الانتخابية) و(الشرعية الديمقراطية )، و عملية تشكيل الأحزاب هي عملية اجتماعية تتم في خضم عملية الصراع الطبقي والفرز الطبقي ، ولا يمكن فصلها عنهما إطلاقا حتى لو تماهت هذه العملية في ظل التطور الاقتصادي المشوه في بلادنا والذي أدى إلى تشويه النسيج الاجتماعي ، كل ذلك لم يمنع من وجود أصطفافات اجتماعية طبقية بين المكونات الاجتماعية تحتم على ظهور أحزاب طبقية تغلف شعاراتها وبرامجها بالطابع الجامع العام لكي تكسب تأيدا وطنيا عام،ا وفي الوقت ذاته تعبر عن تحالف طبقات اجتماعية .
ومن خلال هذه المقدمة ابدي ملاحظاتي على موضوعة حزب اليسار الانتخابي من خلال القضايا التالية :
فالقضية الأولى:لا تستند عملية الإطلاق التي يطرحها الأستاذ لطفي حاتم في قضية التخلي عن الطريق الثوري للاستلام السلطة، إلى قراءة واقعية لطبيعة الحراك السياسي والاجتماعي في العراق والبلدان العربية، والتي لازالت أغلبيتها تخضع لهيمنة الشرعية الثورية والشرعية الشكلية الانتخابية.
القضية الثانية :ليس بالضرورة أن يكون الطريق الثوري هو استخدام العنف الثوري ، بل يعني هذا الطريق فيما يعني استخدام كافة إشكال النضال والكفاح بما فيها النضال الديمقراطي السلمي للوصول للسلطة السياسية أو التأثير على قراراتها، وما لصق بتسمية الطريق الثوري من تشويهات تتحمله الحقبة الستالينية التي شوهت الماركسية وبالخصوص أفكار ومفاهيم الأممية الشيوعية .
القضية الثالثة : ليس هناك جامع بين الملكية العامة والاقتصاد الاوامري , إلا إذا اعتبر الأستاذ لطفي حاتم رأسمالية الدولة في ظل البلدان الاشتراكية السابقة هي الملكية العامة لوسائل الإنتاج ، لذا جرى الربط بينها وبين الاقتصاد الاوامري ، و الأستاذ لطفي حاتم على معرفة تامة للمفهوم ماركس وانجلس للملكية العامة ، والذي يمكن تسميته بالمفهوم الماركسي للملكية الاجتماعية ( العامة ).
القضية الرابعة : إذا اعتبرنا المرحلة الراهنة في بلادنا هي مرحلة الثورة البرجوازية الديمقراطية فان سيرورة بناء الرأسمالية في ظل الاقتصاد العراقي المشوه التركيب لا يمكن أن تجري من دون تدخل البناء الفوقي لخلق القاعدة المادية للبناء الرأسمالية، والسلطة السياسية الراهنة التي تمثل جزءا من البناء الفوقي، تطرح بشكل واضح تبني اقتصاد السوق الحر، مما يتطلب من الأستاذ لطفي حاتم الإشارة إلى أي اقتصاد لسوق يسعى اليساريون لقبوله ضمن البنية الاقتصادية الرأسمالية ، وباعتقادي انه اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يخفف جزءا من مظالم الرأسمالية وشرورها ولا يلغيها ، وهذا القبول يشكل الأساس لتبني الشرعية الديمقراطية .
القضية الخامسة : إن تسمية الحزب الانتخابي هي تسمية افتراضية وليس اصطلاحية ، وقد جرى اشتقاقها من عنوان فرعي للأسلوب النضال الديمقراطي السلمي البرلماني ، فهي من الناحية الاصطلاحية تعاني من خلل واضح إذا تم ربطها بالناخبين الذين يصوتون في الدورة الانتخابية ، فهذه القوى متحركة وغالبيتها ليس لها صلات مباشرة في العمل الحزبي ولديهم ارتباطات محددة مع المنظمات الحزبية ، ويمكن لهؤلاء الناخبين تغيير أرائهم والتصويت لقوائم أخرى في الدورات الانتخابية المتعاقبة .
أما على الصعيد الأخر فهذه التسمية ( الحزب اليساري الانتخابي ) لا تستطيع أن تغطي برنامج الحزب الوطني الديمقراطي المتشعب المهام من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لانجاز مرحلة الثورة البرجوازية الوطنية الديمقراطية ، وتتعارض في الوقت نفسه مع أسس بناء ونشاط الحزب ككيان اجتماعي يستخدم كافة أشكال الكفاح والنضال للدفاع عن مصالح العمال والفلاحين وسائر الشغيلة والكادحين .
القضية السادسة : يرجع تاريخ تسمية الحزب الانتخابي إلى أواخر القرن الثامن ، حيث تشكلت البرجوازية في أواخر القرن الثامن في ظل قيام الثورات البرجوازية الأوربية وتعني وفق تعريف الموسوعة البريطانية للحزب السياسي : هو مجموعة ضمن مجموعات أخرى في النظام السياسي ، تحاول إيصال مرشحيها إلى المناصب العامة للسيطرة على الحكومة أو التأثير على سياساتها ، ويرى موريس دوفرجيه أن الحزب ( مجموعة طوائف أو اجتماع مجموعات صغيرة تنتشر في البلاد ، ترتبط فيما بينها بنظم تنسق عملها للوصول إلى الحكم عن طريق الانتخاب ) والحزب الانتخابي هو حزب نخبة يضم في صفوفه شخصيات مجتمعية معروفة ومؤثرة في الحياة السياسية والاجتماعية بحكم تأثيرها على القرار السياسي المرهون بتحكمها المباشر وغير المباشر في مفاصل الحياة الاقتصادية، ويعتمد نشاط هذه الأحزاب على الحملات الانتخابية الدورية ، وتشكل هذه الأحزاب في البلدان ذات التقاليد الديمقراطية العريقة .
ويتعارض مفهوم الحزب الانتخابي مع مفهوم الحزب الجماهيري, لان الأول يعني حزب نخبة موسمي , بينما الحزب الجماهيري يستند على قواعد شعبية وتنظيمية ويملك شبكة وطنية من المنظمات الحزبية المنتشرة على طول البلاد وعرضها ويخضع لقيادة مركزية ، ويعمل وفق خطط وبرامج آنية وإستراتيجية تصاغ في المؤتمرات الحزبية العامة .
القضية السابعة : يشكل مفهوم الحزب اليساري الانتخابي اغترابا عن مفهوم الحزب البرولتاري والحزب العمالي والشيوعي منذ تشكيل الأحزاب العمالية في أواسط القرن الثامن عشر بعيد صدور البيان الشيوعي في 1848 , وقد عرف أول حزب ماركسي باسم (جمعية الشغيلة العالمية) للدفاع عن مصالح العمال في أوربا في عام 1864 والتي صاغ لائحتها الداخلية أنجلس وماركس, وكان لهما الدور الأساس في رسم سياسيتها العامة، وبعد فشل انتفاضة عمال باريس عام 1871 طرح ماركس بوضوح قضية الحزب البروليتاري الثوري المناضل ضد الاستغلال الطبقي و الساعي لقيادة الطبقة العاملة لإسقاط سلطة البرجوازية وتحقيق سلطة الطبقة العاملة بشكل سلمي وأكدا على الدوام بان استخدام العنف الثوري ليس قضية ارادوية بقدر ما هي آخر أساليب النضال التي تضطر البرولتاريا وحلفاؤها اللجوء له لمواجهة العنف الرجعي الذي تمارسه الأنظمة البورجوازية، و قد طور لينين مفهوم الحزب فيما بعد ووضع أيضا أسس بنائه وطريقة تشكيله وأساليب عمله وطبيعة مهامه وعرف الحزب الشيوعي ، باعتباره نخبة من الثوريين الذي يمثلون طليعة الطبقة العاملة والفلاحين والمثقفين الثوريين وباقي الشغيلة والكادحين، ومن هنا نجد اغتراب أطروحة الأستاذ لطفي حاتم عن مفهوم حزب اليسار الشيوعي .
وعلى الجانب الآخر من أطروحة الأستاذ لطفي حاتم يعلل بعض الكتاب الشيوعيين واليساريين العراقيين أسباب تبنيهم لمفهوم الحزب الانتخابي ارتباطا بخيارات الحزب الشيوعي العراقي وسياسته التي اقرها المؤتمر الوطني الثامن والتي تؤكد على الخيار السلمي الديمقراطي والإقرار في التداول السلمي لسلطة والتعددية السياسية ، و اعتبار خيار الديمقراطية البرلمانية على المدى البعيد ، هو الخيار الأسلم للوصول إلى الاشتراكية الإنسانية كهدف نهائي عبر سياسية الإصلاحات الرأسمالية، ويرى هؤلاء أن هذا المفهوم منسجم مع سياسة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي يتبنها الحزب ، ولكن تلك المهام الآنية والإستراتجية تتطلب وجود حزب شيوعي جماهيري قادر على التأثير في العملية الديمقراطية برمتها، لا حزب انتخابي ، وهذا الحزب الجماهيري تقع على عاتقه مهمات جسام يقف في مقدمتها القضايا التالية :
أولا: الحزب الشيوعي العراقي يجب أن يسعى عبر عمل رفاقه ومنظماته التي تناضل في ظروف متشابكة ومعقدة , إلى أن يتحول إلى حزب جماهيري و تشكل المشاركة في الدورات الانتخابية جزءا من هذا العمل الواسع والمتعدد الأوجه والأشكال ، ولا يمكن أن يتحول إلى حزب جماهيري من دون استمرار العملية السياسية وترسيخ الديمقراطية وتشريع قوانين وقرارات تدعم التعددية الحزبية واحترام الحريات الشخصية والعامة للأفراد والجماعات ، واحترام حقوق المكونات الاجتماعية ومشروعية الاختلاف في الأفكار والمصالح بين هذه المكونات ، و أن تتحول هذه العملية الشرعية الديمقراطية على ارض الواقع .
ثانيا : النضال من أجل ترسيخ تقاليد الديمقراطية داخل المجتمع عبر تطوير الوعي الديمقراطي ، و يشكل هذا الوعي الركن الأساس في تحول الأكثرية الصامتة إلى قوة مؤثرة لتغير موازين القوى ، لذا تقع على الحزب في ظل الظروف الراهنة مهام كبيرة لنشر الوعي الديمقراطي في ظل سيادة الثقافة الطائفية وعملية التجهيل والاستخدام السياسي للدين ، ولا يمكن للحزب أن يلعب هذا الدور المؤثر من دون تطوير وسائله وأدواته النضالية للوصول إلى التجمعات السكنية وتجمعات الشغيلة والكادحين لتبني مطالبهم وتصدر فعالياتهم النضالية ، وعبر هذه السياسة يمكن تطوير العملية الديمقراطية و استمرار تواصلها من خلال ضمان التداول السلمي للسلطة بين القوى والأحزاب السياسية وتشريع القوانين الناظمة لهذه العملية والتي تمنع الانقلاب عليها وفرض الديكتاتورية تحت أي مسمى كان .
ثالثا : لا يمكن تحويل الحزب إلى حزب جماهيري من دون إشراك الجماهير في صناعة القرارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تتفق مع حاجاتها وتخدم مصالحها، وتفعيل دورها في الرقابة لمكافحة الفساد ومراقبة الأجهزة التنفيذية والتشريعية، ولا يمكن أن يتم ذلك من دون إلغاء القوانين التي تكبل حرية منظمات المجتمع المدني والنقابات والجمعيات .
رابعا : ان يكون الخطاب السياسي للحزب معبرا عن طموحات الجماهير وملامسا لمطالبهم وقادرا على شدهم له وتحريكهم للدفاع عن مصالحهم .
في النهاية آمل أن أكون قد أضفت جديدا للحوار الدائر، والخلاف لا يفسد للود قضية .
1- موضوعات حول حزب اليسار الانتخابي- لطفي حاتم – موقع الناس