انقلاب عسكري يوجه ضربة للديمقراطية اللاتينية


فنزويلا الاشتراكية
2009 / 10 / 3 - 17:25     

في يوم الأربعاء الواقع في 24 يونيو (حزيران) قام الرئيس الهندوراسي مانويل زيلايا المعروف بـ"ميل" بإقالة رئيس القيادة العسكرية الهندوراسية العليا الجنرال روميو فاسكويس والجنرال إدموندو أوريلانا وزير الدفاع بعد رفضهما توزيع المواد المتعلقة بإجراء استفتاء شعبي للموافقة على أو رفض تشكيل لجنة دستورية تعد دستوراً جديداً للبلاد يطرح لاحقاً لاستفتاء آخر، أي أن الاستفتاء هو فقط لأخذ الموافقة الشعبية على وضع مشروع دستور لا بالموافقة على دستور جديد. وردت المحكمة العليا بإعادة الجنرالين ورفض تنحيتهما بشكل خارق للقانون "بسلب سلطات الرئيس كقائد عام. لقد عادوا للعيش في الثمانينيات، عادوا ليعيشوا في الديكتاتورية وجعل الجيش أقوى من الدولة المدنية." بتعبير الرئيس زيلايا في يوم الخميس الواقع في 25 يونيو (حزيران) الذي كان يتضح خلاله أن "انقلاباً في طريقه في الهندوراس..إنها البرجوازية تسعى لعرقلة استفتاء شعبي.." كما حذّر الرئيس تشافيز.

وتتابعت الأحداث حيث اندفع الآلاف يقودهم الرئيس زيلايا في يوم الجمعة باتجاه قاعدة أكوستا ميخيا الجوية بالقرب من مطار العاصمة واقتحموا البوابات وباشروا مع الرئيس زيلايا بتحميل المواد الضرورية للاستفتاء للشاحنات وتم التوجه بعد ذلك نحو القصر الرئاسي للتحضير لاستفاء يوم الأحد. ومع مرور يوم السبت الذي شهد التحضيرات العلنية للاستفتاء وتحضيرات أخرى للإطاحة بالاستفتاء وبرئيس البلاد انتقلت لحيز التنفيذ في الساعة الـ5 والنصف صباحاً من يوم الأحد الواقع في 27 يونيو (حزيران) حيث هاجم 250 جندياً من الجيش الهندوراسي منزل الرئيس زيلايا مصطدمين بحرسه الخاص فوقع تبادل لإطلاق النار أيقظ الرئيس زيلايا الذي سرعان ما وجد العسكريين أمامه يأمرونه بإلقاء هاتفه المحمول أو التعرض لإطلاق النار، ومن ثم اقتادوه بعربة عسكرية ونفي مباشرةً بطائرة عسكرية إلى كوستاريكا-هكذا قيل في حينه.

سبق هذا "التصويب الديمقراطي الذاتي" كما يقول من يقفون بعد خط الوسط بالقرب من اليمين وما بعده، أو الانقلاب كما وصفته حكومات أمريكا اللاتينية، بشهر تقريباً، انعقاد الجمعية العامة لمنظمة الدول الأمريكية OSA في عاصمة الهندوراس وتم فيها اتخاذ قرار بإلغاء حظر عضوية كوبا في المنظمة الذي كان اتخذ في 1962/01/31 بسبب إتباع كوبا في حينه طريق "الماركسية اللينينية" الذي لم تغيره بعد، لكن المنظمة غيرت موقفها بتغير موقف أعضائها الذين بدورهم لم يسيروا في طريق الماركسية اللينينية أي أنها لم تكن المشكلة أصلاً، ما تغير هو من يحكمون القارة الجنوبية الذين قرروا وببساطة أنهم لن يقبلوا استمرار الحظر على كوبا وذلك بخطوات تدريجية سابقة بإقامة علاقات دبلوماسية كانت آخرها إعادة العلاقات مع السلفادور، قرروا أنهم لن يكونوا منفذين لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية التي وافقت على رفع الحظر عن كوبا كي لا تغرد خارج سرب نصف الكرة الغربي الذي يسمح لكوبا بالعودة لمنظمة الدول الأمريكية "دون أي شروط من أي نوع" كما قال وزير الخارجية الإكوادوري خلال انعقاد الجمعية العامة التي قال بعد اتخاذ ذلك القرار خلالها الرئيس زيلايا "أريد أن أقول للقائد فيديل كاسترو أن التاريخ اليوم قد أنصفه، اليوم تعلم العالم درساً في القانون الدولي."

وبعد هذه القمة وقبل الانقلاب العسكري عقدت قمة في فنزويلا، لتحتفل بذكرى استقلالها وببطله سيمون بوليفار الذي توسع البديل الذي يحمل اسمه ليبلغ عدد أعضائه 9 دول تحت اسم "التحالف البوليفاري لشعوب الأمريكيتين" وهو ذات التحالف الذي انضمت إليه الهندوراس قبل عام "بعد أن أدارت الولايات المتحدة الأمريكية ظهرها لمطالب الهندوراس" حسب كلمات الرئيس زيلايا الذي قال بأن فنزويلا وحدها كانت مستعدة لتقديم المساعدة دون شروط أو إذلال فنقل الرئيس زيلايا الهندوراس من اليمين إلى اليسار دون انتخابات بتحرك لم يكن مفاجئاً للإدارة الأمريكية بل كان "ضربة" لنفوذها كان عليها أن تورث حل التعامل معه للإدارة الأمريكية المقبلة.

لم يكن التغيير القاري وحده ما كان يزعج الولايات المتحدة، ففي 31 مايو (أيار) 2008 أعلن الرئيس زيلايا أن القاعدة الأمريكية سوتو كانو (بالميرولا) سيتم تحويلها إلى مطار تجاري دولي، وليس ذلك فحسب، بل قال أن الألبا ستتولى تمويل هذا التحويل. ورافق تحرك الرئيس، ابن العائلة الثرية، باتجاه إغلاق القاعدة الأمريكية الشمالية رفعه للحد الأدنى للأجور بنسبة 60% في بلاد يعاني 70% من سكانها بالإقامة تحت خط الفقر والزيادة في الأجور يقول زيلايا إنها "ستجبر الأوليغارشية على البدء بدفع ما هو عادل." ومع رفع الأجور كانت ساندرا بينيدا، نائب وزير التعليم، تعلن في ورشة عمل الألبا التعليمية في الهندوراس في 25 يونيو (حزيران)أن الهندوراس، مع بداية البرنامج الوطني لمحو الأمية "خوزيه أنتونيو دومينيز" باستخدام الطريقة الكوبية "نعم، أستطيع" وبمساعدة 123 مشرف كوبي، ستصبح بلاد خالية من الأمية في نهاية هذا العام أو مع بداية العام المقبل بخفض النسبة إلى ما دون 5%، لرفع القدرة الشعبية في مجالات عدة تتطلب على الأقل القدرة على القراءة والكتابة ومنها توسيع المشاركة الديمقراطية بتغيير الدستور الحالي الذي يؤمن للنخب سيطرتها على المجتمع الهندوراسي الذي "تتحكم باقتصاده كاملاً مجموعة من عشر عائلات." بحسب الرئيس زيلايا فهم "لا يريدون للشعب أن يتكلم أو يكون له رأي ومشاركة ولا يريدون ديمقراطية في الهندوراس.. الديمقراطية يجب ألا تستمر ديمقراطية للقلة."

جراء هذه المواقف، برفع الحد الأدنى للأجور، والسعي لمحو الأمية والمزيد من الديمقراطية خسر الرئيس زيلايا النخبة السياسية والاقتصادية التي أوصلته للرئاسة في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005 وحتى دعم معظم قيادات حزبه الليبرالي الذي عارض وبشدة سياساته ليبدو الأمر جلياً بعد الانقلاب عندما انقلب عليه أيضاً حزبه بشكل شبه كامل ليتوحد الحكام والمعارضون في هندوراس من اليمين واليمين أيضاً على التخلص من "المزارع الثري" الذي أصبح تدريجياً يحارب نفوذ النخب التي أوصلته بنفسها للسلطة، وليندفع للشوارع العمال والفلاحون والطلبة وكل من ينتمي للمنظمات الشعبية وهم بغالبيتهم لم يصوتوا للرئيس زيلايا عندما انتخب إلا أنهم كانوا من كسبهم لصفه خلال حملة الإصلاح الاجتماعي التي بدأها ليستبدل مساندة النخبة السياسية والاقتصادية بمساندة من الغالبية الشعبية الفقيرة التي لا تزال حتى كتابة هذه السطور وبعد مرور أشهر على الانقلاب العسكري تسيّر مظاهرات يومية وشكلت "مقاومة وطنية ضد الانقلابيين" لتكوّن بنية اجتماعية حقيقية قادرة في البلاد وتشكل بديلاً لأول مرة.

يقول الرئيس تشافيز إنهم استهدفوا من الألبا "الجناح الأضعف" والرئيس زيلايا هو "الأضعف" لأنهم اختاروا الوقت الأمثل ليقوموا بالانقلاب-عن غير وعي، فخلال عملية استبدال القاعدة النخبوية بالقاعدة الشعبية كان هنالك حالة من الخلل أو الفراغ فالنخبة كانت قوية متوحدة وتتمتع بسلطتها التقليدية كاملةً، أما القوى الشعبية فلم تكن موحدة بل فقط بدأت بالالتفاف حول الرئيس زيلايا أي أنها لم تكن في وضع يمكنها من اقتحام مواقع للأوليغارشية الهندوراسية وهذا ما سمح للانقلاب بالاستمرار حتى الآن وهو ما يمايز هذا الانقلاب عن الانقلاب الذي وقع في فنزويلا عام 2002 والذي فشل في إكمال يومين وسقط بعد 47 ساعة.

الحكومة الانقلابية التي ترأسها الديكتاتور ميتشيليتي قدمت "أعذارها" حول سبب الانقلاب وأهمها حماية الدستور والديمقراطية، فقام الانقلابيون بتعليق العمل بست مواد دستورية هي: 71 ،75، 81، 84، 88، 99 تتعلق بالترتيب بمنع حجز الأفراد لأكثر من 24 ساعة دون عرض على السلطة المختصة، وحرية التجمع، وحرية التنقل داخل وخارج البلاد ومنع فرض الإقامة الجبرية، ومنع احتجاز مواطن دون تفويض مكتوب من السلطة المختصة، ومنع استخدام التعذيب أو القوة للحصول على اعترافات، ومنع دخول المنزل دون إذن من صاحبه أو بقرار من السلطة المختصة. حماية الدستور بالتعدي عليه والدفاع عن الديمقراطية باغتيال المعارضين هما الذريعتين المعلنتين بشكل أساسي أما الذريعة الأهم فهي على لسان أحد نواب الحزب الليبرالي-حزب الرئيس زيلايا "في هذه اللحظة أظهرت الهندوراس للعالم أنها بلد قد وضع عقبةً في طريق هوغو تشافيز. الحرب ما عادت ضد الرئيس السابق زيلايا. بل ضد هوغو تشافيز.." الحرب كما يرونها هي ضد "التشافيزية" لكنها فعلياً ضد النهوض الشعبي التقدمي الذي كيفما تقدم وتطور يتهمونه بالتشافيزية ليبرروا لأنفسهم استخدام كافة الوسائل المتاحة لمواجهته.

فإذاً، وبنظرة هادئة يتضح ببساطة أن نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية كان في تراجع بتقلص مواطئ قدمها العسكرية وتهديد ما تبقى لها والبحث عن حلول اقتصادية بعيدة عن جاذبية ثقبها الأسود، والأوليغارشية الهندوراسية تهديدها كان جلياً، فالمصلحة واحدة، إلا أن ما قد يضعف من نظرية التنسيق المسبق بينهما للإطاحة بالرئيس زيلايا هو موقف الإدارة الأمريكية الشمالية الرافض للانقلاب، فهل تعاونوا سراً وأنكروا علانيةً، أم أنها خدمة بالمجان؟

يعود تعاون الولايات المتحدة الأمريكية مع من حكموا الهندوراس عسكرياً إلى العام 1954 عندما اتفقوا على بناء قاعدة سوتو كانو (بالميرولا) التي تبعد عن العاصمة الهندوراسية "تيغوسيغالبا" 50 ميلاً وأول ما استخدمت به القاعدة كان الإطاحة بانقلاب بالرئيس أربينز في غواتيمالا في نفس العام. ونشطت القاعدة بشكل كبير في العام 1981 لتدريب مجرمي "الكونترا" الذين استخدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية لشن حرب إرهاب على الحكومة الساندينية في نيكاراغوا فتم تدريبهم على إتقان التعذيب دون التسبب بقتل المعذّب قبل سحب المعلومات المطلوبة منه ونشر الرعب والخوف وقمع الحركات اليسارية في أمريكا الوسطى تحت إمرة الكولونيل أوليفر نورث، وكان في حينها جون نيغروبونته سفيراً للولايات المتحدة الأمريكية في الهندوراس بين عامي 1981-1985 وهو ذات الرجل الذي عين سفيراً في العراق في عام 2004 وعين بعد ذلك في منصب استحدثه الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش كمدير للاستخبارات الوطنية. وهذان الاسمان "نيغروبونته" و"نورث" يرتبط بهما اسم ثالث في تلك الحقبة وهو "أوتو ريتش" الذي كان في حينها سفيراً للولايات المتحدة في فنزويلا، وهو كوبي الأصل غادر كوبا عام 1960 عمل مع جماعات الضغط لصالح شركة باكاردي ولوكهيد مارتين التي كانت تسعى لبيع طائرات مقاتلة من طراز F-16لتشيلي عام 2002 وأصبح بعدها مساعد وزير الخارجية لشؤون النصف الغربي من الكرة الأرضية وأوجد بعدها عام 2004 مجموعة "أوتو ريتش أوسشياتس" في واشنطن التي يظهر على موقعها الالكتروني صورة ريتش مصافحاً السيناتور جون مكاين المرشح الجمهوري للرئاسة السابق الذي يكيل بالمديح لريتش الذي كان خلال حملته الانتخابية مستشاراً للشؤون الخارجية.

الثلاثي، نيغروبونته-نورث-ريتش، تجمعهما علاقة سابقة تتجاوز تواجدهم في ذات المنطقة والفترة الزمنية، فبعد أن أوقف الكونغرس الأمريكي الدعم لفرق الموت في أمريكا الوسطى وقعت فضيحة "إيران-كونترا" التي من خلالها سعوا لاستمرار التمويل من خلال بيع الأسلحة لإيران في ذلك الوقت. ولا يرتبط أوتو ريتش بذلك الوقت وينتهي، فكما ذكرنا استمر تواجده داخل وحول الإدارة الأمريكية وعبر عن رأيه في الرئيس زيلايا إثر تقاربه من فنزويلا بقوله "إذا ما أراد الرئيس زيلايا أن يكون حليفاً لأعدائنا فليفكر بما قد تكون عواقب أقواله وأفعاله." ووضح لصحيفة "إل يونيفرسال" الفنزويلية المعارضة "ما يحصل في هندوراس يمكن أن يرى كضوء أخضر لاستمرار التوسع التشافيزي.." وعلاوة على ذلك، كان ريتش من خلال "أوتو ريتش أوسشياتس" يقوم بالضغط على الرئيس زيلايا الذي بدوره رفع عليه قضية بتهمة التشهير بعد أن اتهمه ريتش باختلاس 100 مليون دولار دون أي دليل من شركة الاتصالات الحكومية"هندوتل"، ليتضح أن عدداً من الشركات متعددة الجنسيات-إحداها تستخدم مجموعة ريتش للتعاون مع اللوبيات في الكونغرس-كانت تسعى لخصخصة الشركة-التي تكسب ملايين الدولارات-منذ فترة وهو ما كان يعارضه الرئيس زيلايا ويرفضه بشكل قاطع.

فالعلاقة قديمة-حديثة بين "رجال" أمريكيين والقاعدة التي أذهلت العالم بما قدمه المتدربون فيها من إرهاب وجرائم فظيعة بحق الإنسانية، والتي كانت تجهز خريجي مدرسة الأمريكيتين المختصة بتدريب النماذج العسكرية المستبدة الإجرامية والذين منهم الجنرال لويس سوازو وهو قائد سلاح الجو الهندوراسي الحالي الذي درس فيها في عام 1996، وكذلك الجنرال روميو فاسكويس رئيس القيادة العسكرية الهندوراسية العليا الحالي، وكلاهما قادا الانقلاب الأخير. وطبعاً، لا ننسى بيلي خويا أميندولا، المستشار الحالي للديكتاتور ميتشيليتيه، القائد الأبرز في الكتيبة 316 الإستخباراتية في الثمانينيات المسؤول عن خطف واختفاء المعارضين السياسيين ومؤسس إحدى أشهر فرق الموت في القارة اللاتينية "كوبرا" والذي طالبت الحكومة الاسبانية بتسليمه عدة مرات منذ عام 1985 عن طريق الانتربول إلا أن القضاء الهندوراسي-نفسه الذي رفع 18 دعوى ضد الرئيس زيلايا-رفض تسليمه. وعندما اتهمه قاضي في العاصمة الهندوراسية عام 1994 بالخطف والتعذيب وأصدرت مذكرة اعتقال بحقه عام 1995 التجأ الذي كان مطلوباً من اسبانيا إلى إسبانيا طالباً اللجوء السياسي، الذي لم تمنحه إياه إلا أنها آوته لمدة 3 سنوات حتى عام 1998 عندما بات بمقدوره العودة لبلاده فعاد ليكون اليوم اليد اليمنى للديكتاتور وليتضح معه حجم النفاق الإنساني الذي تكرره "الدول المتقدمة".

قاعدة سوتو كانو (بالميرولا) تحوي أفراداً من الجيش وسلاح الجو وقوات أمن منهم فوج الكتيبة 228 الأول من سلاح الجو الأمريكي الشمالي، ويقدر عددهم الإجمالي بـ600 فرد عتادهم هو 18 طائرة مقاتلة وعدد من طائرات "بلاك هاك" (UH-60) العمودية وطائرات "تشينوك" (CH-47) العمودية المستخدمة في العمليات الخاصة تحديداً. كما تتواجد في القاعدة أكاديمية الطيران الهنوراسية ويعيش فيها بالإضافة للعسكر 650 هندوراسي وأمريكي شمالي.

الصلة الوثيقة عسكرياً بين الأوليغارشية الهندوراسية والولايات المتحدة الأمريكية ليست وحيدة، فلقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 2009/07/13: "ميتشيليتيه..يقوم مناصروه بتوظيف محامين بارزين يتمتعون بصلات قوية في واشنطن للعمل من أجل منع العقوبات. وظف مجلس أعمال أمريكي لاتيني متنفذ (وهو مجلس أعمال أمريكا اللاتينية CEAL ( لاني دايفيس الذي عمل كمحامي شخصي للرئيس كلينتون والذي قاد حملة السيدة كلينتون الانتخابية. والأسبوع الماضي أحضر السيد ميتشيليتي مستشاراً آخر من شركة أخرى يتمتع بعلاقات مع كلينتون للمحادثات في كوستاريكا. المستشار هو بينيت راتكليف الذي رفض أن يفصح عن دوره في المحادثات.. مناصرو السيد ميتشيليتي يدافعون بدفع مئات الدولارات للساعة لمحامين لديهم اتصالاتهم في واشنطن." ولاني دايفيس الذي تشير إليه الصحيفة الأمريكية الشمالية نظم جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس أشرفت عليها عضو الكونغرس إليوت إنغل من نيويورك، قدم فيها شهادات من ممثلين عن الانقلابيين ومساندين لهم كان منهم.. أوتو ريتش الذي يرأس كذلك، بالإضافة لـ"أوتو ريتش أوسشياتس" منظمة "أركاديا" التي وبحسب موقعها تستعرض أحد مؤسسيها وهو روبيرت كارمونا بورخاس، المحامي الفنزويلي المشارك في انقلاب عام 2002 في فنزويلا والذي حصل على حق اللجوء السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، وقام قبل الانقلاب برفع عدد من الدعاوى على الرئيس زيلايا كما كان أبرز وجوه قادة المظاهرات اليمينية في هندوراس قبل الانقلاب.

وعلينا ألا ننسى المؤسستين اللتين لا تفوتا انقلاب أو محاولة انقلاب إلا وتكونا متواجدتين USAID وNED فبالإضافة لدعمها لمؤسسة أركاديا "للترويج للديمقراطية" فلقد دعمتا منظمات أخرى منها "حركة السلام والديمقراطية" الهندوراسية، والتي ترأسها ماريا فيلا سكويس، التي دعت بالتنسيق مع "الاتحاد المدني الديمقراطي" الذي يقوده مجموعة من رجال الأعمال المحافظين إلى مظاهرات في نفس يوم الانقلاب.

NED: المنحة الوطنية للديمقراطية، التي قال فيها البروفسور ويليام روبنسون من جامعة كاليفورنيا سانتا باربارا في كتاب "صفقة تافهة" وهو الذي تواجد في أواخر الثمانينيات في نيكاراغوا ليشهد كيف تعاونت الـNED مع المعارضة اليمينية للإطاحة بالحكومة الساندينية في انتخابات عام 1990 إنها : "أداة متخصصة باختراق المجتمع المدني في دول أخرى حتى القواعد لتحقيق أهداف سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية." ودورها في الهندوراس بشكل فعّال كان عن طريق الـIRI وهو المعهد الجمهوري الدولي، الفرع الدولي للحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية والذي يرأسه السيناتور جون مكاين-ليظهر إلى الصورة أوتو ريتش مجدداً، هذه المنظمة الـIRI أنشئت عام 1983 بتكليف من الرئيس ريغان كجزء من مهمة الترويج للديمقراطية باعتبارها جزء من الـNED ودورها السابق للانقلاب الأخير في هندوراس يكشف الكثير، فقد اعترفت المنظمة بدورها في انقلاب عام 2002 ضد الرئيس تشافيز في فنزويلا عندما أصدر رئيس الـNED في حينه جورج فولسوم بياناًَ صحفياً خلال فترة استيلاء الانقلابيين على السلطة جاء فيه: "لقد ساعد المعهد كجسر بين أحزاب الوطن السياسية وكل مجموعات المجتمع المدني لمساعدة فنزويلا على صياغة مستقبل ديمقراطية جديد." مما دفع المؤسسة الأم الـNED لتوجيه توبيخ على لسان رئيسها كارل غيرشمان برسالة لفالسوم يلومه فيها على كشف الموافقة على الانقلاب بـ"الترحيب بالانقلاب، دون أي تحفظات" ولم يتوقف رغم ذلك التدخل العلني في الشؤون الفنزويلية خاصةً، ففي أواخر شهر مايو(أيار) الماضي شارك مدير الـIRI الإقليمي في أمريكا اللاتينية والكاريبي، أليكس سوتون، في مؤتمر في فنزويلا عقده اليمين الفنزويلي برعاية "سيديس" الممولة أمريكياً والتي يديرها روسيو غويخارا الذي كان ممن وقعوا على تنصيب الديكتاتورية خلال انقلاب عام 2002 وشاركه في المؤتمر الرئيس البوليفي السابق خورخي كويروغا الذي دعا للإطاحة بموراليس بانقلاب بالإضافة لقيادات فنزويلية شاركت في الانقلاب المذكور.
حصلت IRI على دفعة مالية من الـNED قدرها 700,000 دولار أمريكي للترويج لبرامج الحكم الجيد في بلاد منها الهندوراس للفترة بين 2008-2009، كما حصلت على منحة أخرى قدرها 550,000 دولار أمريكي-بعض الباحثين يرجحون أن المبلغ الحقيقي هو ضعف الرقم المعلن-للعمل مع جماعات الضغط نحو مواقف سياسية في انتخابات عام 2009 في الهندوراس.

أما الـUSAID الوكالة الأمريكية للتطوير الدولي، فتقدم 49 مليون دولار سنوياً لبرامج "الترويج للديمقراطية" في هندوراس بتمويل وتمرين وتقديم الاستشارات للمنظمات السياسية وتدريب قياداتها، ومن هذه المنظمات: أبرشية العاصمة الهندوراسية، مجلس الملكية الخاصة الهندوراسي، مجلس عمداء الكليات، كونفيدرالية عمال هندوراس، جمعية الإعلام الخاص، وغيرها من المنظمات المنخرطة فيما يسمى بـ"الاتحاد المدني الديمقراطي في هندوراس" الذي دعم الانقلاب علانية وأعلن في يوم 23 يونيو (حزيران) أي قبل الانقلاب بأيام : "نحن نثق بالقوات المسلحة أنها ستستجيب لمسؤولياتها بالدفاع عن الدستور والقانون والسلام والديمقراطية."

فمن الصعب إذاً، وبعد استعراض هذه الحقائق، أن نقول بأن الولايات المتحدة الأمريكية لم يكن لها دور هام، بل لنكن أكثر دقة لا بد أن نقول بأنها صاحبة الدور الأساسي والأكثر تأثيراً ولولا تلك المنظمات التي تربطها ببعض علاقات صريحة وتتكرر من خلالها الأسماء بطريقة لا تترك مجالاً للشك بأن الانقلاب رسم أولاً في واشنطن ومن ثم نفذ في الهندوراس، ولكن لما رفضت الولايات المتحدة الأمريكية الانقلاب وطالبت بعودة الرئيس زيلايا، علماً بأنها لم تسمه انقلاباً بعد. للإجابة، علينا أن ننتبه إلى المفاوضات التي رعتها الولايات المتحدة الأمريكية في كوستاريكا بين ممثلين عن الانقلابيين وآخرين عن الرئيس زيلايا، رعاها الرئيس الكوستاريكي آرياس، المفاوضات التي رأى فيها الرئيس تشافيز "فخاً للديمقراطية وخطأً وخطراً، ليس فقط للهندوراس، بل لكل قارة أمريكا اللاتينية" فحوار مع من؟ "..مع نفس الأشخاص الذين يقومون الآن باضطهاد الشعب الهندوراسي؟ أولئك الذين يقتلون أناساً؟" ونجح الفخ، الدعوة لإعادة الرئيس زيلايا سمحت للولايات المتحدة الأمريكية بالدعوة للمفاوضات، وبتاريخ الولايات المتحدة الراعي لمفاوضات في بقاع أخرى من العالم، كالمفاوضات الفلسطينية-الصهيونية بإطالتها قدر الإمكان بغية كسب الوقت الذي يكون في صالح من هم على صفها، فإن الأمر ذاته وقع في هندوراس، فالوقت في صالح الانقلابيين، بل الأصح، إنه في صالح الولايات المتحدة الأمريكية التي نجحت-باعتقادها-في حرق بطاقة الرئيس زيلايا وتستخدم الانقلابيين الذين قد يحرقوا قريباً بسبب أنهم تعاملوا دبلوماسياً بشكل فظ مع المجتمع الدولي مما أضعف موقعهم كورقة رابحة للإدارة الأمريكية التي إن وجدت في غيرهم حل أفضل فإنها لن تتوانى عن التخلص منهم، وإن رفضها لأي نتائج انتخابات في ظل الحكومة الانقلابية الحالية ليس إلا تأكيداً على أنها تحضر الحكومة الانقلابية للأسوأ في حال لم تحسن ظروفها، والتي إن لم تفعل وفي حال فرض عليها "حصار" من نوع ما، فإنها أيضاً ستكون في تلك الحالة نتيجة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، ولنتحقق من المسألة علينا أن نتذكر العراق كيف تم تعطيل مجتمع بأكمله وتحييد شعب ومنعه من التقدم.
يقول الرئيس أوباما إنه من "النفاق" الطلب من الولايات المتحدة الأمريكية التدخل وفي أوقات أخرى يطلب منها عدم التدخل، رغم أن ما طلب منها هو التوقف عن التدخل وليس التدخل، إلا أن "النية الحسنة" المفترضة للرئيس أوباما المعتقد بأنه إذا لم يصدر أوامر بالتدخل فإذاً لا يوجد تدخل! هذه النية لا تعني شيئاً، فسواء أصدر الرئيس أوباما أوامره وتوجيهاته بقيادة الانقلاب أو لم يصدر، فالانقلاب خطط في واشنطن ولا يمكن أن يكون غير ذلك لبلاد تعتمد لحد كبير على التجارة التي تبلغ نسبتها مع الولايات المتحدة الأمريكية الشمالية 70% منها وتعتمد على مساعدات الإمبراطورية الشمالية بشكل شبه كامل، فلو كانوا ضد الانقلاب لأوقفوه فوراً. ولا نحتاج لما قاله الرئيس زيلايا أخيراً كدليل للأمر الأمريكي بالانقلاب، إنه عندما اعتقل من منزله اقتيد لقاعدة الولايات المتحدة الأمريكية أولاً ومن ثم أمر الأمريكيون الشماليون بنفيه إلى كوستاريكا.

كما ذكرنا، نحن لسنا أمام احتمال تورط أمريكي أم لا، بل نحن أمام احتمالين، أولهما يقول بأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما بارك الانقلاب وما يعلنه هو مناورة سياسية يفترض توقعها ممن يجيد بعضاً من فنونها، والثاني أنه لم يعلم وأن الولايات المتحدة الأمريكية تقودها مصالح شركاتها باستخدام مؤسساتها واستخباراتها ولا تحتاج لموافقة القادة الرسميين الذين يفترض أنهم المسؤولون عنهم.
وفي الـ2 من أغسطس (آب) أجرى ديك إمنويلسون مع رينيه أندريز بافون، رئيس لجنة حقوق الإنسان الهندوراسية CODEH لقاءً تحدث فيه بافون عن دور صهيوني في الانقلاب:
-إمنويلسون: ما الذي يفعله الإسرائيليون هنا؟
بافون: ما نعرفه حتى الآن هو أن مهمتهم تحضير القوات المسلحة والشرطة لمواجهة المظاهرات بعنف وعدائية، بارتكاب جرائم ذات طبيعة انتقائية بغية بناء الخوف والإرهاب المنظم وتفكيك المقاومة.. هذه هي الممارسات التي يقومون بتطويرها، مستخدمين الخبرة في الصراع في فلسطين وبعد تطبيق بعض من هذه الممارسات في كولومبيا..
-إمنويلسون: البارحة في الساعة الواحدة صباحاً مات روج فاليخو..جراء هجوم قناص.. ما الذي تعرفونه عن ذلك، لأنها حالة الوفاة الثانية التي يتسبب بها قناص.. هل اختيار هؤلاء السادة كأهداف هو تعبير عن الاستشارة المقدمة من الإسرائيليين؟
بافون: نعم، طبعاً!

المشاركة الصهيونية لا يجب أن تكون مستغربة، فخبراتهم بإتباع وسائل إرهابية "فعالة" يقدمونها ومنذ فترة للحكومة الكولومبية في مواجهة قوات الفارك المتمردة، وبتاريخ 4 سبتمبر (أيلول) أرسل توم نيومان المدير التنفيذي للمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي JINSA رسالة لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون جاء فيها: ”JINSA تحثك بقوة.. على تشجيع الولايات المتحدة للعمل المشترك مع الحكومة الهندوراسية المؤقتة التي تحضر لانتخاب رئيس جديد. إن إزالة الرئيس السابق زيلايا كان في حقيقة الأمر ضرورياً للحفاظ على الديمقراطية وليس انتقاصاً منها. نحثكم على إعادة الـ18 مليون دولار على شكل مساعدة والتي ألغيت عقب أحداث 28 يونيو (حزيران) وأن تستخدمي قيادتك لتأكيد مشاركة الهندوراس في اتفاقية أمريكا الوسطى للتجارة الحرة.." فمثلث الولايات المتحدة الأمريكية-كولومبيا-إسرائيل الذي أشير له سابقاً في فنزويلا لا يمكن أن يكون أكثر وضوحاً مما هو عليه في الهندوراس التي بدا فيها واضحاً استخدام أعضاء ميليشيات كولومبية يمينية كقتلة مأجورين من الانقلابيين تحت قيادة الديكتاتور ميتشيليتي الذي يتواجد اسمه على لائحة تجار مخدرات كتبها الكولونيل رينيه ألفارو من وزارة الدفاع والأمن الهندوراسية تظهر علاقته بشبكة تهريب المخدرات الكولومبية "كارتل كالي".

قال الرئيس البوليفي إيفو موراليس معلقاً على الانقلاب "إمبريالية أمريكا الشمالية قررت إيقاف النهوض، الذي هو جزء من تمرد الشعوب ضد الإمبريالية، كتحذير وتهديد." ولكنها سابقاً كانت توقف النهوض، لكنه يعود مجدداً بفترة زمنية غير طويلة، فجل ما تفعله تلك الإمبراطورية هو تعطيل النهوض لا أكثر، فمقابل الانقلاب العسكري تشكلت حركة اجتماعية فاعلة على الأرض متمثلةً بالمقاومة الوطنية ضد الانقلابيين، التي تجمع ناشطين من اليسار والمنظمات الشعبية والحركات الاجتماعية في عمل شعبي واحد، أي أن هذا اللحاق بدول أمريكية لاتينية أخرى متقدمة على صعيد المنظمات الشعبية تم بشكل أفضل بكثير مما كان لو أن الانقلاب لم يقع ويوحد نضالهم، الذي يستمر وبشكل متصاعد ولا يبدو عليه التعب بعد أشهر من الاغتيالات السياسية وتعذيب المعتقلين وانتهاك حقوق آلاف من المواطنين الهندوراسيين الإنسانية البسيطة. وعن مستقبل المقاومة الوطنية والانقلابيين تحدث الرئيس زيلايا في مقابلة مع دير شبيغل الألمانية بتاريخ 5 أغسطس (آب):
-دير شبيغل: ما الذي سيحدث في حال فشلت محاولاتك بالعودة؟ هل ستدعو الهندوراسيين للتمرد؟
زيلايا: في ظل الدستور، للشعب حق المقاومة والتمرد إن استحل أحدهم السلطة بالقوة.
-دير شبيغل: لكن ذلك يخلق تهديداً بحرب أهلية.
زيلايا: إن الخطر نفسه موجود إذا ما ساد قادة الانقلاب، إذا ما حصل ذلك، قد نواجه صراعاً طويلا.. نحن لا نخاف السلاح..إذا ما حملنا السلاح، فبإمكاننا أن نبدد بسهولة حفنة الجنود أولئك..لكننا نريد أن نعزل النظام بطريقة سلمية.