هل الدين هو سبب تخلف الدول العربية ..؟؟


ابراهيم علاء الدين
2009 / 9 / 8 - 00:59     


احيانا تجذبك مساهمات رائعة على احد المقالات اما للتوسع في ذات المضمون الذي تضمنه المقال، او يدفعك لتوضيح عددا من النقاط التي تطرح بشكل ذكي تحمل وجهة نظر معارضة او متعارضة او مختلفة بهذه الدرجة او تلك مع وجهة نظرك، وهذا الحوار المتمدن الذي يقوم على مباديء وقيم الحوار الاخلاقي الديمقراطي والبعيد عن الازدراء والشتيمة ، حيث يجبر أي كاتب ولو من باب الالتزام الاخلاقي وتقدير مساهمات الاخرين على تناول تلك الملاحظات اما بالرد على التعليق في الجزء المخصص للتعليقات او يفرد لها مقالا خاصا والذي يقرر هذا او ذاك جدية المساهمات من ناحية وحيوية واهمية مضمون المساهمة (التعليق).
وقد استوقفتني الملاحظات التي عرضها عدد من السادة الكرام على مقال الامس (المنشور بالحوار المتمدن تحت عنوان كيف يمكن تغيير الافكار السائدة في المجتمع). ونظرا لاهميتها وجدت ضرورة لافرد لها مقالا خاصا.

واول هذه الملاحظات تلك التي تقدم بها استاذ تحت اسم "قاريء" ..ومن ابرز ملاحظاته "يشترك الكاتب الكريم مع غيره- حسب ما تيسر لي من فهم – بارجاع أسباب الكثبر من مظاهر التخلف لأسباب مادية وأقنصادية وعليه فليسمح سيادته لي بالأختلاف معه فأنا أميل لعكس السبب والنتيجة فلا أعتقد أن كثير من مجتمعاتنا العربية والتي لديها الحاجة الملحة حتي في القطاع الغني منها للأخذ بقواعد الحضارة والرقي للتعاون مع الأخريين الا أنها تجنح لأفكار غيبية تميل لأنتظار خيرات يسخرها الخالق تنزل من السماء هدية لقوم يتقون بدلا من احياء قيم العمل" ..( انتهت الفقرة).
وقد لفت نظري في هذه الفقرة جملة " حسب ما تيسر لي" مما يشير الى التواضع الجم من قبل السيد قاريء، مما يدفعني لان اقدم شكري واحترامي وتقديري لشخص "قاريء" الكريم).

لكن الموقف الاساسي في الفقرة السالفة الذكر تلك المتعلقة بالفكر الغيبي (واظن ان المقصود به الفكر الديني) واعتباره مسؤولا عن التخلف في بلاد العرب.

اما الملاحظة الثانية فقد ذكرها الاستاذ رياض اسماعيل وجاءت في ذات السياق السابق حيث قال في مداخلته " اراؤك حول دور البنية التحتية والاقتصاد في تطور المجتمع مستمدة من تجارب و صراع حدث في مجتمع مختلف عن مجتمعنا وهو المجتمع الأوروبي ولا أعتقد أنه يمكن اسقاط تلك التجربة على مجتمعنا وذلك لأن عناصر الصراع مختلفة .. هناك مسيحية وهنا اسلام وهنا مربط الفرس، بتاريخها كله لم تصل أوربا الى درجة التخلف والانحطاط الذي وصل اليه المجتمع الاسلامي في عصور المماليك والعثمانيين. والتخلف عندهم كان له مكون اقتصادي أهم من المكون الفكري لهذا السبب كان من السهل على الأوربيين الانتقال الى عصر النهضة بفضل تطوير وسائل الانتاج بينما عندنا التخلف أساسه فكري ديني فتعاليم الاسلام صارمة وقاسية وتتدخل بكل شيء ولا تترك أي حيز للتفكير والابداع، كل الأجوبة جاهزة وعبادات لا تنتهي وتستهلك وقت وطاقة الناس، احتقار للمرأة وتعطيل لطاقاتها وتمييز بين الناس ، باختصار الشرخ عندنا كبير ووصل الى كل بيت ، الدين فرق أزواجا وفرق أخوة وفرق أصحابآ. (انتهت مداخلة الاخ رياض).

ما هو جوهر الفلسفة
وليسمج لي الاستاذان "قاريء" ورياض ان اختلف معهما ايضا .. حيث ان الجنوح نحو الافكار الغيبية هو نتيجة منطقية بل حتمية لطبيعة الانتاج المادي للمجتمعات.
لذلك نجد هذ الافكار الغيبية ليست مزدهرة في بلاد العرب فقط ، وانما في جميع الدول ذات الاقتصادات المشابهة للاقتصادات العربية، في افريقيا واسيا وامريكا اللاتينية، ممن تسمى بدول العالم الثالث، فما بالنا بدول جنوب الصحراء، وهذا التشابه قائم رغم اختلاف الاديان (مسلم ومسيحي وهندوسي وبوذي) . وهذا يعني من وجهة نظري ان سبب التخلف هو مادي صرف.

ورأيي هذا مستمد من تفسيري لماهية الفلسفة وفق وجهة النظر الماركسية ومفادها ان التاريخ شهد فلسفات كثيرة وضعها فلاسفة كل منهم يمثل طبقة اجتماعية مختلفة ولكن كافة الفلسفات التي ظهرت في كل العصور تنقسم الى قسمين اساسيين هما : المادية .. و المثالية.
وتقوم الفلسفة المادية على اساس ان كل ما هو موجود بالكون هو مستقل وخارج عن وعي الانسان. ويعتبروا ان المادة ازلية لم يخلقها احد (تنفي اساس جميع الاديان التي تؤمن بقصة الخلق وادم وحواء والرسل والانبياء) وان الوعي هو نتاج التطور التاريخي للمادة
اما الفلسفة المثالية فتقوم على ان كل ما هو موجود في الكن موجود في وعي الانسان. وان الوعي بالتالي سبق المادة ، وان المادة مجرد نتاج ثانوي عن الوعي الذي انتج كافة الموجودات في الكون. ومن بين الفلاسفة المثاليين من يطلق عليهم بالفلاسفة الذاتيون الذين يرون ان العالم خلقه وعي انسان مفرد هو الذات، فيما هناك فريق اخر من الفلاسفة المثاليون يطلق عليهم الفلاسفة الموضوعيين يعتقدوا ان الكون خلقه وعي موضوعي خارج عن وعي الانسان .
وفيما يرى الفلاسفة الماديون انهم يستطيعون معرفة العالم وان معارف الانسان يجب الوثوق بها، وأن عقل الانسان قادر على معرفة جوهر الاشياء، فيما اغلب الفلاسفة المثاليين ينكروا امكانية معرفة العالم "اللأدريين" وبعض هؤلاء يعتقد ان الانسان لا يعرف العالم الموضوعي وانما يعرف افكاره.
وعلى مر العصور كان هناك تضاد وصراع بين الفلسفتين في تحديد المسالة الاساسية وهي هل المادة انتجت الوعي ام الوعي اوجد المادة. وايضا شمل التضاد والصراع الفلسفتين سؤال : هل يمكن للانسان معرفة العالم؟؟.
أي ان المسالة المركزية للفلسفة هي مسالة العلاقة بين المادة والفكر. فالفلسفة المادية تعارض بشدة الافكار الغيبية بينما الفلسفة المثالية تعارض العلم وتعتبره وهما غير واقعي.

الاديان – فلسفة مثالية
وبناء على هذا العرض السريع لمفهوم الفلسفة وكما اكد معظم الفلاسفة فلا يمكن تفسير سيرورة تاريخ المجتمعات البشرية الا بناء على احدى الفلسفتين اما المادية او المثالية.
ولما كان الدين وهو جزء رئيسي من مكونات الفكر الغيبي ينتمي للفلسفة المثالية التي ترى بان الوعي هو سيد الكون .. فالوعي بل والايمان بالذات الالهية هو جوهر الاديان السماوية الثلاث وبالتالي هو جوهر المعرفة وكينونتها لتصبح مصادر الاديان العهد القديم والعهد الجديد والقران هي التي تفسر وتوضح مسار التاريخ منذ "خلق الله اول انسان – آدم" وهي التي تفسر التاريخ الحاضر والتاريخ المستقبلي الى "ان يرسل الله ياجوج وماجوج ليكنسا الارض من البشر".
وهذا الوعي المثالي رافق الانسان في معظم حياته منذ ان خرج من طور اجداده "القردة" وحتى اليوم وسوف يظل الى ان "يرث الله الارض وما عليها" ومع ذلك مرت البشرية بعدد من العصور الرئيسية وكل عصر يتميز بشدة عن العصر الذي سبقه كما يقول ماركس " العصر المشاعي البدائي حين كان الصيد نمط الانتاج السائد، العصر الرعوي حيث استانس الانسان بعض الماشية بعد ان تمكن من ابقاء بعض صيده حيا ولم يقتله مما خلق فائض انتاج فبدأ باستثماره مما قلل من اعتماده على الصيد، ومع تطور عصر الرعي وبناء على احتياجات المواشي للغذاء بدأ الانسان بانتاج طعام الماشية، وتطور انتاجه لينتج غذاء الانسان ذاته، فاصبح يأكل اللحوم والنبات ليتميز عن باقي الاحياء حيث انه الوحيد بين الاحياء الذي يأكل اللحوم والنبات، وهكذا انتقل الانسان الى عصر الاقطاع ، ومن ثم ومن احشاء عصر الاقطاع ظهر عصر الراسمالية الصناعية والذي تدرج من المشغل الصغير (المانيفاكتورة) الى الانتاج الكبير وما زال يتدرج في تطوره رغم وصوله الى مرحلة الامبريالية التي اعتبرتها الماركسية اعلى مراحلها".
اذن المسيرة التاريخية للبشرية تؤكد انه في ظل وجود الوعي المثالي (الفكر الديني والوثني على السواء)، تمكنت البشرية من التقدم والتطور، وقول الاستاذ رياض بان اوروبا لم تشهد تخلفا كما شهدت بلاد المسلمين في عصر المماليك والعثمانيين ففيه عدم دقة كبير .. يكفي ان اشير هنا الى ان ايطاليا مثلا كانت نحو 400 مملكة متقاتلة متصارعة قبل ان يوحدها "غارليبلدي" وكذلك المانيا في فترة نشوء الدولة القومية.
وهناك الاف الامثلة التاريخية التي تؤكد وحشية المجتمع الاقطاعي وتخلفه وهيمنة وتسلط رجال الكنيسة على المجتمع الذي كان ينقسم الى احرار وعبيد ..
وهنا لا بد من التوضيح بان المسالة ليست اسقاطا لهذه التجربة او تلك وانما استخدام اسس وقواعد الفلسفة المادية في تفسير الظواهر الطبيعية والاجتماعية .. حيث ان اسس وقواعد المسيرة الانسانية واحدة في كل اصقاع الارض مع بعض الاختلافات الهامشية.
فتعاليم الدين المسيحي في عصر هيمنة الكنيسة على العالم لم تكن اقل صرامة او قسوة من تعاليم الاسلام، وكانت تتدخل في كل شيء ولا تترك حيزا للتفكير والابداع ، والمسيحية مثل الاسلام كانت لديها الاجوبة جاهزة وتحث على عبادات لا تنتهي وتستهلك وقت وطاقة الناس، وكانت تحتقر المرأة وتعطل طاقتها وتميز بين الناس على اساس ليس الدين فحسب بل وعلى اساس المذهب (الصراع الضاري بين الكاثوليك والبروتوستانت) والحروب الدينية بين المذاهب اكثر من ان تحصى في هذه العجالة، كما ان المسيحية الاصولية في العصور الوسطى فرقت بين الزوج وزوجه وبين الاخ واخيه وبين الام وابنها وبين الاصحاب والاصدقاء وكل ذلك مستمد من تعاليم الله الحليم العليم الكريم وعلى اساس مدى ايمانك بهذه الكنيسة او تلك ومدى ايمان الانسان بتعاليم الله او الرب او يسوع. اذن علينا الا نغالي في ادانة دين وانصاف اخر فكلها متشابهة الى حد التطابق على الاقل بالنسبة للايمان والعبادات ودرجة الالتزام بعلم الغيب.


اما الملاحظة الثانية التي لفتت نظري فكانت ايضا من مساهمة الاستاذ رياض تلك التي جاء فيها " والتخلف عندهم (يقصد الاوروبيون) كان له مكون اقتصادي أهم من المكون الفكري لهذا السبب كان من السهل على الأوربيين الانتقال الى عصر النهضة بفضل تطوير وسائل الانتاج".
وفي هذه الفقرة ايضا عدم دقة كبير...!! فلا يمكن ابدا الا وان يكون هناك انسجام تام بين طرق ووسائل الانتاج وعلاقات الانتاج وبين الفكر، فالصراع بين البرجوازية الصاعدة وبين الاقطاع المتسلط والمهيمن والمتحالف مع الكنيسة هو الذي ادى الى تطوير الفكر لدى طليعة مفكريى اوروبا في تلك العصور، فكما ذكرنا في مقال امس فان فولتير وجان جاك روسو اشهر رواد النهضة الاوروبية كانا ممثلان مخلصان للبرجوازية الصاعدة وكانا بمثابة المدفعية تقصف بفكرها افكار الاقطاع الكنسي. مستندين على انجازات البرجوازية وتطويرها لنمط الانتاج المادي (الاقتصادي).

هولندا واسرائيل ومصر
اما الملاحظة الثالثة التي استوقفتني فقد وردت في مساهمة الاستاذ "قاريء" وتساءل فيها عن سبب تقدم هولندا واسرائيل وعدم تمكن مصر من التطور وبعبارة اخرى ظلت اسيرة التخلف .. وفي هذا السياق تجدر الاشارة الى الموارد الطبيعية والبشرية في مصر اكبر بما لا يقاس بموارد هولندا او اسرائيل الا انها تخلفت ولم تستطع تطوير نمط انتاجها والانتقال الى الاقتصاد الرأسمالي ولذلك سبب رئيسي وجوهري ليست الافكار طرفا فيه .. كيف ذلك ..؟؟
كانت مصر كغيرها من الدول القومية الصاعدة بعد الحرب العالمية الثانية وتمكنت البرجوازية المصرية من انجاز الاستقلال كدولة قومية .. وبدأت البرجوازية المصرية تمارس نشاطها الاقتصادي وظهرت في بداية الاربعينات ما يشبه النهضة الاقتصادية ورافقها نهضة فكرية وفنية وعلمية وجاءت الحرب العالمية الثانية لتضعف من وتائرها بشدة .. ثم عادت لتستكمل دورها وحققت انجازات لا باس بها على طريق بناء الاقتصاد الوطني المتطور.. لكن البرجوازية الصغيرة بقيادة العسكر والتي سيطرت على السلطة في ثورة 23 يوليو احبطت بل دمرت توجهات وامال وقدرات الطبقة البرجوازية من خلال القوانين الاشتراكية فانزوت البرجوازية الوطنية لتترك الساحة تماما للبرجوازية الصغير التي تمكنت من اقامة ديكتاتورية البيروقراطية واستبدلت الراسمالية الوطنية براسمالية الدولة "القطاع العام" فكانت النتيجة مدمرة لسياق التطور الطبيعي الذي كان سائدا فتراجعت قيم الحرية والعدالة والمساواة وساد الاستبداد ليعيد من جديد انتاج الافكار الغيبية.
وهذا بالتاكيد لم يحصل في هولندا واسرائيل مع الاختلاف بينهما فهولندا نما اقتصادها بشكل طبيعي رغم الحرب العلامية الثانية وفواجعها وظلت الطبقة الراسمالية الوطنية تقود الاقتصاد الوطني وبانسجام تام مع مصالحها وبدافع تطوير قدراتها وهيمنتها الاقتصادية وبانسجام مع جيرانها وبالاستفادة من المعونات الامريكية تمكنت من تحقيق نهضة اقتصادية لا تقل عن النهضة التي حققتها الدول الاوروبية الاخرى.
اما اسرائيل فان اقتصادها قام اساسا على خدمة الحرب اي اقتصاد ذو طابع عسكري انتج مجتمعا عسكريا بكل مكوناته الفكرية .. فالفكر الصهيوني الذي انشأ اسرائيل وقادها وما زال يقودها هو فكر عسكري قائم على الحرب والاستيلاء على املاك الغير
ولذلك فان الانتاج العسكري الاسرائيلي يشكل نسبة رئيسية في الناتج الاجمالي للاقتصاد الاسرائيلي..
اما الحقيقة الاكيدة ايضا فهي ان طبيعة الانتاج هي التي تنتج الافكار فاذا كان طبيعة الانتاج في هولندا محليا ووطنيا واصيلا فانه باسرائيل كان مستوردا جاهزا، فقد استوردت اسرائيل نمط الانتاج ووسائله وقواه في ذات الوقت.

التطور في ظل التمييز العنصري
الملاحظة الرابعة وردت ايضا في سياق مساهمة الاستاذ "قاريء" وتساءل فيها " هل ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تجيد توظيف مواردها هل هي قيم المساواة واحترام الحريات أم ان العكس هو الصحيح..؟".
والجواب هو ان الولايات المتحدة تمكنت من توظيف مواردها طبقا لما يتناسب مع مصالح الطبقات الراسمالية الامريكية .. وحتى عهد قريب جدا لم يكن في الولايات المتحدة قيم للمساواة واحترام الحريات .. فالتمييز العنصري لم يتم الغاؤه الا في النصف الثاني من القرن الماضي وما زالت اثاره باقية حتى الان .. فالسود كانوا اشبه بالعبيد الارقاء حتى وقت قريب ..بينما المساواة والحريات فكانت للابيض فقط دون الاسود
ولم يتم تحرير العبيد ومساواة السود بالبيض في امريكا الا ايضا لخدمة السيد الراسمالي الذي لم تعد ثروته تستمد من الاقطاعيات الزراعية الكبيرة، واصبح يريد عمالا مهرة وموظفين اكفاء ومستهلكين قادرين على شراء انتاجه .. وهذه اسباب مادية ايضا وليست نتاجا فكريا ..
واسوق هنا مثلين للتاكيد على وجهة نظري من روسيا والصين وكلتاهما قام نظامهما على اساس ديكتاتورية البروليتاريا ولم تكن هناك قيم للمساواة او احترام الحريات ومع ذلك تمكنتا من اقامة بنية تحتية راسمالية (راسمالية الدولة) وتمكنتا من بناء اقتصاد متطور لا يختلف كثيرا من حيث اسسه وطبيعته وعلاقاته الاجتماعية عن نمط الانتاج الراسمالي لذلك اندمجت روسيا بسرعة هائلة في الاقتصاد الراسمالي العالمي .. كما اندمج الاقتصاد الصيني ايضا بالاقتصاد الراسمالي بل اصبحت البلدان ركنا اساسيا في دول المنظومة الاقتصاية الراسمالية المتطورة.

الملاحظة الخامسة وردت في مساهمة الاستاذ عوني حيث يطالب بقيام قيادة واعية بفرض التطور قسرا على المجتمع ويقدم مثلا على ذلك الرئيس التونسي بورقيبة.
وليسمح لي الاخ عوني بالاختلاف معه لان مضمون فكرته تلتقي تقريبا مع الفكر الاصولي الاسلامي الذي ما زال ينادي على صلاح الدين لينهض من قبره ليحرر القدس. وبعضهم ينتظر المهدي ليخلص البشرية من الظلم والتسلط.
وهذا لن يتحقق فلن ينهض صلاح الدين من قبره وحتى لو خرج فلن يتمكن من القيام بما قام به في بداية الالف الميلادي الثاني، فالدنيا تغيرت بما لاتستطيع مئات المجلدات ان تحتوي تفاصيل التغيرات.
كما ان الرئيس بورقيبة وبالرغم من احترامي لبعد نظره في مواجهة الاصولية الاسلامية الا ان ما قام به لم يضع تونس على طريق التطور الراسمالي المعاصر والحديث فما زالت تونس تئن كباقي بلدان العرب في ظل التخلف والبؤس والفقر والبطالة وديكتاتورية البيروقراطية.

ثراء البلدان لا يعني تطورها
الملاحظة الاخيرة وردت في مساهمة الاخ Sir Galahad جاء فيها قوله " يبدو ألامر واضح أنه حين تتباين المجتمعات في درجه رقيها المادي والاجتماعي رغم تشابه في الموارد الطبيعيه فلا بد من استنتاج ان السبب انساني لا غير".
اعتقد من سياق العبارة ان السيد sir يقصد بكلمة انساني معنى فكري .. أي انه يريد القول .. يبدو الامر ..... الى ان يصل الى فلا بد من الاستنتاج ان السبب فكري لا غير..!
ومع انني اكدت في السطور السابقة ان الفكر هو نتاج للمادة أي للواقع الاقتصادي وما يفرزه من قيم وعلاقات انتاج ومفاهيم أي ما ينتجه من وعي .. لكنني اجد من الضروري التوضيح ان امتلاك بلد ما للموارد الطبيعية ان البلد غنيا .. البلاد تصبح غنية اذا استمرت مواردها، فالنفط موجود في باطن الارض في الخليج منذ قرون وقرون ومع ذلك كانت معظم دول الخليج قبل 70 سنة من الان تئن تحت وطأة الفقر والحاجة وتقطنها مجتمعات بدوية بدائية.
ولان مستوى تطور المجتمع الانتاجي لم يكن بحاجة الى مجرد التفكير في هذا المورد الطبيعي الموجود تحت اقدامهم فان وعيهم لم يطرح مطلقا ولا حتى نظريا البحث عن هذا المورد .. ولذلك فان من اكتشف النفط هم الاوروبيون والامريكان وذلك نظرا لحاجة الاقتصادات المتطورة التي في تلك البلدان لمصادر جديدة ورخيصة للطاقة بديلا للفحم لادارة مصانعها العملاقة.
ومن الاهمية بمكان الاشارة الى ان استثمار الموارد الطبيعية قد يؤدي الى ثراء الطبقات السائدة ولكنه لا يعني تطور نمط الانتاج .. فالسعودية او الكويت من اغنى دول العالم ولكن اقتصاداتها ريعية هامشية متخلفة وبالتالي لا زال الوعي الاجتماعي هناك متخلفا رغم الثراء الفردي او الجماعي .. وذلك يؤكد للمرة الالف ان الوعي يتطور بقدر تطور نمط الانتاج .
ولعل الفقرة السابقة تتضمن توضيحا لاحدى الملاحظات التي تقدم بها احد الاخوة على مقال سابق وجاء فيها انه من الافضل الا يتطور الاقتصاد في البلدان المتخلفة لانها ستقوم بتصدير الارهاب وتصدير الثورة الخ ، فاطمئن الاخ وكل من يشاركه الراي بان تطور نمط الانتاج كفيل بكنس الفكر الاصولي الارهابي بكل مسمياته وانواعه وتبريراته .. وتطور نمط الانتاج هو المقدمة الضرورية لاقامة الدولة الديمقراطية المدنية العلمانية والليبرالية.
الولايات الامريكية الخمسين وحدها الاقتصاد بما اوجده من طرق ووسائل مواصلات لتصدير المنتجات بين الولايات، ايطاليا وحدها الاقتصاد وكذلك المانيا .. والممالك السبعة الماليزية وحدها الاقتصاد .. اما الانقسام والاقتتال والحروب الاهلية في الكثير من دول العالم فسببه ايضا الاقتصاد حيث لا يوجد اقتصاد مركزي فكل شيخ قبيلة او عشيرة يمتلك اقتصاده الخاص ويريد ان يقيم دولته الخاصة.
مركزية الاقتصاد .. يخلق دولة مركزية .. فيما بعثرة الاقتصاد يؤدي الى قيام امارة غزة الحمساوية ودولة رام الله قيد الانشاء. واذا لم تتمكن الحكومة العراقية على مركزة الاقتصاد الوطني فقد نجد ثلاث دول عراقية ..
فالاقتصاد المركزي يوحد البشر بغض النظر عن العقيدة اوالجنس او اللون او العرق .
وايضا الاستقلال الوطني الناجز للدول لا يمكن ان يتحقق الا بالاستقلال الاقتصادي

ملاحظة : كان المفترض ان يكون مقال اليوم خاص بالاجابة على سؤال انتهى اليه المقال السابق وهو : من هي القوى التي تستطيع تغيير المجتمعات المتخلفة والانتقال بها الة مجتمعات متطورة ...؟؟
فاعتذر وامل ان يكون ذلك في مقال قادم .