مفارقات العولمة /الحداثة / الاصالة 2


ثائر سالم
2009 / 9 / 2 - 19:44     

اشكالية التنمية

اذ يستثير مسار العولمة، اشكالات ومفارقات، بسياقات ومستويات عدة، تبقى اشكالية التنمية، الاشكالية الاولى التي تتقاطع عندها وتتجمع معظم الاشكالات. اشكالات التراث والانتماء والهوية( الدينية والاثنية ، والعقائدية والفكرية ، والسياسية)..واشكالات الحضارة والحداثة والمدنية ..الخ. ان فكرة توطين العولمة، وتبيئة عناصرها، بموازنة متطلباتها البنيوية، التي لايمكن القفز على اي منها ، بسياقات ومتطلبات فضاء " الخصائص القومية". وهذا فضاء هلامي الملامح، و الحدود، ومع ذلك يسمى فضاء الاصالة او التراث.

في التجربة كان، التمترس خلف خندق الاصالة، الوهمي في الغالب وفي معظمه، فكرة دفاعية استدعاها عجز، فشل، عدم ثقة بالقدرة على اللحاق بشروط العصر، ان لم تكن دفاع قوى تخشى ان تهدد/ هددت العولمة حقا، اوضاعها الاجتماعية، مكاسب ومصالحها. وبهذا يبدو حديث الاصالة، فرملة لعملية التحديث والعصرنة، امرا دفاعي مفهوم الدوافع والمبررات.
ولكن لاعلاقة لكل ذلك بالاستجابة المتوازنة بين العولمة والخصائص المحلية. ولاسيما تلك المنسجمة مع شروط العصر. الا ينعكس هذا الوضع الملتبس على مفهوم الهوية الملتبس هو اصلا ؟ الا يجعله مفهوما اكثر هلامية واشكالية ؟ الا تبدو اشكالية الهوية والحالة هذه وجها آخر/خلفيا لاشكالية التنمية، اكثر من كونها اشكالية حقيقية بذاتها؟.
مع ذلك يتطلب الاقتراب من موضوع العولمة ، اخذ حقائق وسياقات له، بنظرالاعتبار. فالعولمة مثلا:
• ليست ظاهرة خارج التاريخ، بدون مضمون اجتماعي ، وهدف ايديولوجي. هي ظاهرة تاريخية ارتبط ظهورها بتاريخ ، تطور الراسمالية.
• ليست ظاهرة عرضية ، بل هي لصيقة بحتمية تطور الراسمالية، سواء في المركز ام في الاطراف . فكلاهما يكمل الاخر.
• واصلت تطوير الانتاج والعلم والقوى المنتجة، الذي ابتداته الراسمالية ، وبميادين هامة، وتحقيق فوائض ضخمة في راس المال،
• جعلت المجتمع مؤهلا اليوم للتغلب على اخطر تحديات الطبيعة للانسان. بخلق الامكانية لتغير حياة اكثرمن مليارانسان، والتخلص من الجوع او الفقر والمرض. الامر الذي كان سيكسبها طابعا انسانيا، ويجعل المجتمع اكثر امنا وعدالة، ويخفف حدة الفوارق الاجتماعية.
• حتى الان على الاقل لا امكان لعولمة خارج شروط هذه الراسمالية وقيمها المعولمة. فهي تحمل في احشائها ايجابيات وسلبيات الراسمالية(تلازمها في مرحلة تعولمها).
• ان احتكار المراكز الراسمالية، اسرار العلم والتكنولوجيا، والاحتفاظ بمفاتيح التنمية سيوسع باسمرار الفجوة الواسعة اصلا بينها وبين الاطراف، ويجعل هذه العولمة تعيد انتاج مظالم وتناقضات النمط الراسمالي في الحياة ، باكثراشكال وطرق راس المال، تحايلا واستغلالا وخبثا واكثرها ظلما.

ومع ذلك لامناص من الاقرار بفشل الرهان على امكان تجنب الراسمالية والانعزال عنها ، الذي خاضته اكثر النماذج نجاحا ، وشجاعة ، وانسانية وبهمة وتضحيات ، لم تتكرر حتى اليوم ولااظنها ستتكرر. لقد تتوج هذاالمسار بالعودة الى اقتصاد السوق،( مثال الدول الاشتراكية والصين ). الا يعتبر استدراك لينين، المبكر وطرحه لسياسة النيب الاقتصادية ، تاكيدا اضافيا على علمية وواقعية القراءة الماركسية للراسمالية ؟ الم يكن ممكنا ان تاخذ الامور ، منحى آخر على النطاق العالمي ، فيما لو واصل لينين سياسة الانفتاح الاقتصادي ، وتعزيز ركائز السوق المضبوط بدرجة ما؟
الا يثبت هذا المسار موضوعية/علمية القراءة الماركسية للراسمالية... باعتبارها مرحلة /نمط ، تاريخي في الحياة (اجتماعي /اقتصادي /ثقافي) ، ستقطعه كل الشعوب والبلدان، بهذا الشكل او ذاك؟ وان العولمة الراسمالية لن تكون سوى اداة امضى ، اكثر فاعلية( بمقدار شدة قسوتها وظلمها ) في الطريق الى مدنية راسمالية ، ستكون محطة عبور وحيدة الى التاريخ .

حتمية نمط ..وضرورة نمط
اذن، ضرورة نمط الحياة الراسمالي وحتمية تعولمه ، لا تبطل حتمية وضرورة بلوغ نمط بمعايير قيمية اكثر انسانية وعدلا ومعقولية. ..اكثر توازنا وانصافا ورشادا في استخدام الموارد. وان العولمة الراسمالية، بايجابياتها وسلبياتها، ايجابيات الاسواق المفتوحة!!، الشركات المتعددة الجنسيات، النظام والتقسيم الدولي للعمل !!، لا تستطيع تفادي عواقب سلبيات العولمة،على اقتصادات هذه البلدان ومستقبل اجيالها.
فالنهب والاستغلال، القانوني والمنظم، للثروات والموارد، وشرعنته دوليا. وشرعنة فرض علاقة التبعية ،القائمة على قبول التفريط بالحقوق،وغياب توازن المصالح، وتكافؤ الفرص، وشرعنة الاستغلال وتجميل وجه الاستعمار، والتخلي عن الحرية الحقة مقابل حرية مزيفة، تحتضن قيم التخلف، وقباحات الرجعية، واوهام الثقافة الطائفية والعنصرية بلباس القومية.
هذه بمجملها اليوم، مها كانت شخوصها وقضيتها...رجعية وقحة، لا يحرجها ان تضع شعبها وقضاياه ، اليوم ، في مسار الاتجاه المعاكس، لمسار الشعوب الحرة ، المشدودة لقيم العصر الانسانية، التي لاتخدعها انانيات وتفاهات ، نخب سياسية ومرجعيات تاريخية ، فاقدة للشعور بالمسؤلية ولقيمة الانسان وقيم الحرية والانسانية الحقة.
هذا المسار ليس الطريق الى الحرية والتنمية الحقيقية، او حتى الراسمالية، التي تقتضي مجتمع المدنية والتحضر، لامجتمع العشيرة والمذهب والتعصب. لا سيما وان الراسمالية التابعة،هي اصلا راسمالية كسيحة ، مشوهة ، في احسن احوالها ، لاتزيد عن ان تكون حاضنة لتراكم راس المال الاجنبي الفائض في بلدانه، والعائد الى بلدانه. لانه ليس من مصلحته تحقيق تنمية وتقدم اقتصادي في هذه البلدان.