سيد القمني: اصوم رمضان واصلي التراويح وأقرأ القرآن


ابراهيم علاء الدين
2009 / 8 / 31 - 09:42     

من المؤكد ان تصريح الدكتور سيد القمني "للعربية نت" قبل ايام والذي اعلن فيه بأنه يصوم رمضان ويصلي التراويح ويقرأ القران في رمضان، قد اغاظ المتعلمنين وفرقة التبشير في موقع الحوار المتمدن، بدءا من التي توجها انصارها ملكة عليهم، وانتهاء بفرقة التبشير المختبئة خلف الاقنعة، والمتسربلة بالاسماء المستعارة. والحمد لله انه لم تدبج بحق الدكتور القمني مقالات الادانة والتشهير والازدراء والتوقير والتعزير، ووصفه بصفة المرتد عن العلمانية، من جماعة المتعلمنين من يتلقفوا أي جملة ولو عابرة من مفكر او اديب او شاعر او سياسي مسلم ينتقد فيها الفقه الاسلامي، من قريب او بعيد. حتى ينصبوا السرادق ويقيموا الافراح والليالي الملاح ويتمايلوا طربا حتى الصباح.
الدكتور سيد القمني المفكر المصري العلماني المسلم اعلن على الملأ انه يصوم رمضان ويصلي التراويح بانتظام، وأنه يعتبر أن هذا الشهر يمثل له إجازة سنوية يستريح فيها من عناء شهور السنة كلها. وقال د. سيد القمني في تصريحات لـ"العربية.نت" إنه "يستغل شهر رمضان كل عام ليعيش الحالة الوجدانية والروحية مع الله"، مؤكداً أن "هذا لا يعني ألا يعيش الإنسان هذه الحالة في بقية شهور السنة، ولكن لشهر رمضان خصوصيته في العبادة وذكر الله".
واضاف "لكن للأسف الشديد رمضان هذا العام أصبح بالنسبة لي شهر محاكمات واستدعاءات للنيابة وملاحقات قضائية من قبل من كفروني، وطعنوا في عقيدتي، وطالبوا بسحب جائزة الدولة التقديرية التي حصلت عليها هذا العام".
والدكتور القمني الذي حصل على جائزة الدولة التقديرية لهذا العام على مجمل اعماله في ميدان العلوم الاجتماعية تعرض لحملة مسعورة من المتاسلمين فاتهموه بالكفر والالحاد والخروج على ملة الاسلام، وقام عدد كبير من المحامين برفع دعاوي قضائية وبلاغات للنائب العام متهمينه بالردة وطالبوا بسحب الجائزة منه.
وبعد انتشار الاخبار وان السيد القمني الذي دبجت بحقه عشرات مقالات المديح باعتباره رائد النهضة العلمانية الحديثة، تعرض للتكفير من قبل كهنة الاسلام الجدد حتى تدافعت فرقة الطبالين المتعلمنة وعلى راسها معلمتها ذات "الضمير الحي" والتي تنهمر الانسانية وعاطفة الامومة من وجنتيها، لتحتضن في شقتها المتواضعة في بلاد العام سام جميع المضطهدين الفارين من عبودية المجتمع الاسلامي الى رحاب الحرية والحضارة والعدالة والمساواة وحقوق الانسان.
وارتفعت اصوات التعلمن توجه سياط مفرداتها المكرورة الى الاسلام والمسلمين .. وحوش هذا العصر وكل عصر، وذهب الحماس ببعضهم الى المطالبة بالقضاء على المسلمين، باعتباره شرطا لاقامة المجتمع او الدولة العلمانية.
وزخرت صفحات الحوار المتمدن وعلى مدار اسابيع بمقالات حول الاسلام والعلمانية بين عقلانيين يرون بان العلمانية لا تتناقض مع الاديان او مع الالحاد، وانها نظام او مجموعة مفاهيم لتنظيم حياة المجتمع المدني، وتأكيد عدد من السادة والسيدات الكتاب والكاتبات والمفكرين وفي مقدمتهم الدكتور صادق جلال العظم الذي لم تقم ادارة الحوار المتمدن باعادة نشر بعض مقالاته المتعلقة بالعلمانية والدين مجرد حدث عابر او تعبئة فراغ. على ان العلمانية لا تتعارض مع الاديان بما فيها الدين الاسلامي.
وها هو سيد القمني الذي فتحت له اياها منزلها وتبرعت بتذكرة سفر مجانية في سياق تشجيعه على الهرب من وطنه والهجرة الى حيث تقيم ليقضي بقية عمره في كنفها وفي ظلال عطفها وكرمها. ها هو القمني يقول في حديثه لـ"العربية.نت": "أنا أقرأ القرآن بانتظام في رمضان، وأتدبر آياته والأحاديث المتعلقة به، وأصلي التراويح، ولكن للأسف فى المنزل بسبب التعليمات الأمنية التي حرمتني من أشياء كثيرة في رمضان، ومن أهمها لقائي بالأصدقاء والمقربين، وحضور المنتديات والليالي الرمضانية، ولهذا أنا أعيش رمضان هذا العام في حالة حرمان إلا إذا سافرت إلى قريتي، حيث أصلي هناك التراويح في جماعة، وأحيي مع أولادي وأحفادي وأبناء عمومتي العشر الأواخر من شهر رمضان، خاصة ليالي 27 و28 و29، حيث نقيم السرادقات ونستمع إلى القرآن وإنشاد المداحين ونتحرى ليلة القدر".
وكشف أنه سيبدأ من السبت القادم حملة قضائية ضد كل من كفّره، وقال "لن أتنازل عن حقي، ولن أصمت إزاء كل من أساء إليّ، وطعن في إسلامي وعقيدتي، خاصة من يتقلدون مناصب قضائية فى القضاء المصري، وعلى رأسهم المستشار أحمد مكي، وأقول له عيب يا مكي وموقفك مني لن يجعلني أشكك في القضاء المصري".
وأكد القمني "سأبدأ بالرد على كل من تعرض لي بالسوء؛ لأنه من حقي كمواطن ألا أهان في وطني لمجرد أني حصلت على جائزة هي من حقي".
ولا اشعر باي نوع من الاستغراب عندما اقرأ لاصحاب العلمنة السلطانية هذا الخلط الهائل بل العبط وعدم ولوج بواكير الوعي بطبيعة علاقات الدين بالمجتمعات ومن بينها المجتمع العربي بالدين الاسلامي.
ونفس الشعور ينتابني عندما اقرأ للمتطرفين المسلمين سواء كانوا بن لادينيين او طالبانيين او سلفين او اخوان مسلمين او أي جماعة من تلك التي نبتت كالفطر سواء كان اسمها جند الله او سيوف الله او حزب الله او انصار الله او الي كان الله.
فكلا الفريقين يعتقدوا عندما يشاهدوا عدد المصلين في الجوامع يوم الجمعة ويستمعوا الى خطب شيوخ التأسلم السياسي ويتابع تنظيراتهم على القنوات الفضائية ان تيارات الاسلام السياسي خصوصا الاشد تطرفا منها تسيطر على الجماهير وتقود الشارع العربي. وبالتالي يصبح في نظر كلا الطرفين المتعلمن او المتأسلم ان غالبية المسلمين يحملون نفس افكار تيارات الاسلام السياسي وتيارات التطرف والارهاب، فيصبح كل مسلم بنظرهم ارهابيا وقاتلا وبالتالي لا يمكن ان يكون علمانيا، وبالتالي فانه يقف حجر عثرة امام شيوع العلمانية في بلاد المسلمين وبناء عليه يجب قتل كل المسلمين كي تنتصر العلمانية.
ولا يدرك هؤلاء ان كل من يمتلك البصر وليس بالضرورة البصيرة يعرف تماما ان ملايين المسلمين منشغلون في البحث عن احتياجاتهم اليومية ومطالبهم المعيشية ومنهمكين في مواجهة شؤون حياتهم وحقوقهم المدنية، ولا يكترثون الا ساعة المرض او الضيق او الازمات بالدين ولا يهمهم اين سيكون مستقرهم في الجنة او في النار.
فيما شيوخ التاسلم ينظروا في باحات المساجد فيجدوها ممتلئة فيظنون مثلهم مثل المتعلمنين بان كافة ابناء الوطن نساء ورجالا واطفالا اصبحوا اتبعا لهم فيحمدوا الله كثيرا لنصرة دينه ورسوله.

لهؤلاء واولئك رد عليهم الدكتور القمني وباختصار شديد "انا مسلم واصلي واصوم رمضان واصلي التراويح واقرأ القران ولا اجد أي تعارض بين اعتباري مسلم وبين كوني علماني".
واضيف الى ما اكده السيد القمني بان من يتبجح به المتعلمنين حين يذكروا اسمائهم عدد من علماء ومفكري المسلمين الذين اضطهدوا ولوحقوا وقتل بعضهم وسجن بعضهم للتدليل على وحشية وبربرية المسلمين.
ويغيب عن هؤلاء ان هؤلاء هم مفكرون مسلمون وقدموا رؤاهم النقدية لاقدس مقدسات المسلمين ليس بدءا من الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية وانما من العقود الاولى لظهور الدين الاسلامي، بدءا من حروب الردة مرورا بالفتنة الكبرى التي انتهت بمقتل الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان على يد المسلمين وامام انظار عدد كبير من المسلمين الاوائل وكبار القادة يتقدمهم الامام علي بن ابي طالب، ومن ثم حركة الخوارج، الذين تمردوا على النظام السياسي وكانت لهم رؤاهم المتميزة للاسلام وتعاليمه تخالف راي (الاجماع في ذلك العصر)، الى جانب عشرات الثورات والانتفاضات والخلافات الفقهية والدينية والسياسية في العصر الاموي وانتهت بتدمير الاسرة الاموية وانهاء امبر اطوريتها على يد العباسيين.
ولم يكن العصر العباسي اكثر استقرارا من العصر الاموي فقد اندلعت فيه مئات الثورات والانتفاضات واشكال العصيان، كما ظهرت فيه الفرق الاسلامية كالمعتزلة التي قالت بخلق القران، واصبح راي المعتزلة هو راي الدولة بعد ان اعتقد الخليفة المأمون برأيهم.
وعندما عارضه احمد بن حنبل وهو احد الائمة الاربعة الذين يعترف بهم الفقه الاسلامي واعترض على فكر المعتزلة واعتبره يحول الله الى فكرة مجردة، وانبرى يدافع عن الذات الالهية فتم القاء القبض عليه، وقام الخليفة المعتصم بضربه علنا في مجلسه، وظل مسجونا طيلة 28 شهرا. اذا كانت الدولة العباسية في عهد المامون والمعتصم مخالفة "لشرع الله" باعتمادها مذهب المعتزلة.
وظهور المعترضين واصحاب الرؤى المخالفة للجماعة والسنة وحتى لجوهر الدين نفسه ليست وليدة القرنين او الثلاثة الماضية بل يمكن القول انه لم يخلو عصر الا وكان هناك رواد وقادة وفلاسفة ومفكرين وشعراء يوجهون انتقادات قاسية للفكر الديني ولنظم الحكم والخلفاء ورجال البلاط والسلطة حتى ان الخلفاء انفسهم في العصر الاموي ازدرى بعضهم الدين وتندر عليه وعلى رجال ومن يريد الترع8ف على موقف الكثير من خلفاء بني امية من الدين فليرجع لتاريخ الطبري (الامويين لم يكونوا قد قبضوا الدين جد).
ولعل حركة القرامطة من اكثر الحركات عنفا ووضحا في بعدها عن اسس التعاليم كما يرويها البخاري ومسلم ، وهي حركة انبثقت من الاسماعيلية احدى الفرق الاثنا عشرية الشيعية، قام اتباعها بمهاجمة مكة عام 319 هجري وفتكوا بالحجاج وهدموا بئر زمزم وملؤوا المسجد الحرام بجثث القتلى ونزعوا عن الكعبة كسوتها، وقلعوا الحجر الاسود ونقلوه الى منطقة الاحساء شرق الجزيرة وبقي الحجر هناك 20 سنة.
واقام القرامطة اول دولة اشتراكية في العالم فيها الملكية عامة وحرمت الملكية الخاصة والغوا العبادات الاساسية كالصلاة والصوم وسائر الفروض الاخرى.
بل والاكثر من ذلك انهم اشاعوا النساء كما تفيد بعض المراجع بحجة الغاء اسباب "المباغضة" يعني الغاء الكراهية وقالوا بانه لا يجوز لاحد ان يحجب امراته عن اخوانه.
وهؤلاء القرتطة مسلمون وموحدون بالله ويؤمنون بالرسول وبالانبياء .. ومع ذلك هناك بعض المتعلمنون ليس في خيالهم الا اسلام بن لادن والظواهري والقرضاوي وشيوخ حماس والجهاد.
كما ان ابن رشد مسلم واتهم بالكفر والضلال والرازي مسلم ومن اكبر فلاسفة المسلمين ومع ذلك له رسالتان احداهما في نقد الاديان والاخرى في مخاريق الانبياء (أي نقد كا سميت بالمعجزات او الاعمال الخارقة للانبياء.

كلهم مسلمون ويدعون للعلمانية
كما ان محمد عبده ليس مسلما ازهريا بل مفتي الديار المصرية واحد رواد عصر النهضة والتنوير وكذلك طه حسين مسلم ومحمد شحرور ونصر حامد ابو زيد وحسن حنفي والاف غيرهم يناضلون ويكافحون في كل الساحات والميادين للقضاء على الفكر المنعلق المتخلف الذي يشيعه رجال الدين خصوصا ممن ينتمون للتيارات السياسية وكلهم مسلمون وكلهم في نفس الوقت اما شيوعيين او ليبراليين او علمانيين او يساريين . وكل هذه التيارات الفكرية والتي ينضوي فيها الاف وربما عشرات الالاف وربما ملايين في بلاد العرب هم مسلمون.
وملاييين السيدات المسلمات في الاسواق وفي مؤسسات الحكومة والخاصة موظفات لا يلبسن الحجاب، وملايين المسلمين لا يصلوا ولا يصوموا .. وملايين الملايين لم يحجوا الى بيت الله وليست لديهم النية، وملايين الملايين من المسلمين ادائهم لفروض العبادة هي عادة اكثر منها عبادة .. وملايين المسلمين والمسلمات يتزوجون بعد قصص حب وغرام عاصفة .. وملايين الملايين من المسلمين يشربون الخمر ويتعاملون مع البنوك "الربوية" وملايين المسلمين والمسلمات يحنفلون باعياد ميلاد ابنائهم وبناتهم .. وملايين المسلمين والمسلمات يذهبون للسينما والمسرح ويعشقوا ام كلثوم وعبد الحليم وشادية .. وملايين المسلمين والمسلمات يرفضوا التزمت والتطرف الديني ويعادون الارهاب.
وملايين المسلمين بتطلعوا الى الدولة المدنية التي تقوم اركانها على العدل والمساواة وحقوق الانسان ومبدأ سيادة القانون.
ومن يشكك بما ندعي فليتجول في شوارع أي عاصمة عربية ليرى مظاهر الحرية الاجتماعية، فلا احد في معظم مدن العرب يجبر احدا على الصلاة او الصيام او اللبس ولا احد يمنع احدا من الذهاب للمسجد او الحانة او الكنيسة.
غالبية المسلمين - وانا الحقيقة لا احب استخدام هذه المفردات في ما اكتب ولكن المتعلمنين والمتعلمنات اجبروني على استخدامها – يطلعون الى استقلال بلادهم وحريتها وتطورها وتقدمها ويدركوا ان تيارات الاسلام السياسي لن تستطيع تحقيق هذه الامنيات ولذا فان امالهم معقودة على التيارات التقدمية يسارا او شيوعيين او ليبراليين او علمانيين .
لكن المشكلة الرئيسية التي تواجه شعوبنا هي بالسلطات المستبدة التي تحكم بلادنا متحالفة مع رجال الدين وتبذل اقصى جهودها للحفاظ على الواقع كما هو ومحاربة أي محاولة للتغيير لان التغيير في البنية التحتية سيؤدي حتما الى تغيير البنى الفوقية .
اما قول احدى المتعلمنات بان من يرفض معلوم من الدين فهو ليس مسلم وطالما انه لا يرفض شيئا من المعلوم فهو ليس علماني فهذا كلام اطفال مراهقين وهي بقولها هذا تناصر المتطرفين من رجال الدين الذين يعتبروا العلماني كافرا. وانه بالضرورة يجب ان يكون ملحدا.

ملاحظة : كتبت قبل عدة اشهر مقالا تحت عنوان : لا احب السجالات المشخصنة .. أي لا ارد على المواقف الشخصية وما زالت متمسكا بقولي هذا .. ولو انني تخليت عنه لنشرت منذ فترة عددا من الوثائق كان يمكنها اسقاط هامات بعض المدعين والمدعيات، فمن لديه ملاحظات على وجهة نظرنا فليطرحها بشكل علمي ومهذب ووفق قواعد واصول الحوار وسيكون له عندنا كل تقدير واحترام .

ولنا عودة