مملكة الكراهية .. تعبث يالحرية


ابراهيم علاء الدين
2009 / 8 / 15 - 10:33     

هل زار احدكم مملكة الكراهية ..؟؟ او كان احد مواطنيها ..؟ او ان معه جرين كارت حصل عليه على ظهر مواطنة فقيرة تكره نفسها والدنيا والاخرين .. ؟؟
ولكن هل للكراهية مملكة .. ؟؟ للاسف الشديد نعم موجودة ، وهي مملكة متطورة وتستخدم ارقى انواع التكنولوجيا الحديثة .
وقبل المضي في عرض صورة وتفاصيل مملكة الكراهية اجد من الضروري الاشارة الى ندوة عقدتها الامم المتحدة بمقرها في نيويورك في يونيو الماضي تحت عنوان "مخاطر نشر الكراهية على الانترنت" شارك عدد من الخبراء والشباب لبحث كيفية الحد من استخدام تكنولوجيا الاتصالات الحديثة في نشر الكراهية والصور النمطية وكذلك سبل حماية الشباب من التمييز والكراهية على شبكة الإنترنت.
وقال خلالها وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الإعلام كيو أكاساكا "فيما تعاظم دور الإنترنت لتصبح من أهم وسائل الاتصال الرئيسية في عصرنا فإن انتشار خطاب الكراهية والمضايقات قد تزايد عبرها".
واضاف " إن الكراهية تؤثر على الجميع ولكنها تضر الشباب أكثر من غيرهم، مشيرا الى أن الإنترنت توفر للشباب فرصة هائلة لاستطلاع العالم من حولهم إلا أنها تحيطهم كذلك برسائل كراهية ومعلومات مضللة.
وتحدثت في الندوة كيسي لومبرا الطالبة بالمرحلة الثانوية وعضوة إحدى الجماعات المعنية بتعليم الشباب سبل التصفح الآمن للإنترنت. فقالت ان المضايقات التي تستهدف الشباب عبر الوسائل الإلكترونية شائعة للغاية، فقد اشارت دراسة حديثة أن نحو سبعين في المئة من الطلاب الذكور في المدارس الثانوية قد أقروا بتعرضهم للتحرش الذي عادة ما يركز على الانتماء العرقي أو الديني للآخرين، وقالت إن سبب انتشاره على الإنترنت هو اعتقاد من يقومون به بأن هويتهم لن تكتشف وبالتالي لن يحاسبوا على ما يفعلونه بما يجعلهم يتمادون في تحرشهم وإيذائهم للآخرين.
اما فيليب شميدت رئيس الشبكة الدولية ضد الكراهية على الإنترنت، وهي منظمة غير حكومية، فقال "أعتقد أنه في مجال الإنترنت فإن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق القائمين على تلك الصناعة الذين يجب ألا يتسامحوا مطلقا مع ممارسات نشر الكراهية عبر الإنترنت."
وشدد شميدت على ضرورة وضع تشريع دولي لمواجهة نشر الكراهية على الإنترنت، وقال إن أهمية ذلك يجب أن تضاهي الاهتمام المكثف الذي يوليه المجتمع الدولي في الوقت الراهن لجهود التوصل إلى اتفاقية شاملة لمواجهة التغيرات المناخية في العالم.
لنرجع الى مملكة الكراهية .. ففي تلك المملكة هناك متخصصون في غرس كل اشكال الكراهية والبغضاء بين الناس .. وهم افراد يحكمهم التعصب وتحركهم الهمجية .. ومع ذلك يدعون انهم يدافعون عن حرية الراي وحرية التعبير وحقهم في الرد على تهديدات بالقتل .. بينما لو عرضوا انفسهم على اطباء نفسيين لوجدوا انهم يعانون من عقد نقص تدفعهم كي ينحصر جهدهم في الرغبة بالانتقام .
في مملكة الكراهية الغضب مشروع ويبرره مواطنوا المملكة بانه ردة فعل على فداحة الجريمة التي ارتكبها الاخر، فيما غضب الاخر مرفوض حتى لو كانت مقدساته تتعرض للامتهان ، وقيمه للازدراء وارائه للتسفيه والاحتقار.
في مملكة الكراهية يخلط مواطنوها بين حرية التعبير وبين ازدراء مقدسات الاخرين سواء كانت فكرية او مادية فما بالنا برأي الاخرين..؟
في مملكة الكراهية هناك قوانين ثابتة لا تقبل النقاش او الاعتراض في مقدمتها العمل على اقصاء الاخر ونفيه وتدميره ان امكن .. ويجوز لتحقيق ذلك استخدام كل انواع الاسلحة وفي مقدمتها الكذب والتضليل والافتراء والتزوير والانتقائية ..
في مملكة الكراهية .. هدف رئيسي ينتظم عليه مواطنوها هو نشر الكراهية والبغضاء، وهي مملكة ضد المجتمع اي مجتمع مهما كان وكل مواطن فيها يجب ان يمتليء قلبه بالكراهية والحقد ضد الاخر، ويجب ان يتقن فنون نشر الاكاذيب والشائعات ضد اي كان خارج المملكة .. وان يكون محترفا بخلق الاعداء من كل لون وجنس، فكل من هو خارج حدود مملكة الكراهية اما ان يكون شيوعيا او ملحدا او علمانيا او ليبراليا .. او مؤمنا بدين ما خصوصا اذا كان مسلما او كان معتدلا يدعو الى ثقافة التصالح مع الآخر والى مزيد الحوار معه ونبذ افكار الانغلاق والانعزال.
مملكة الشر هذه لها اطماع امبر اطورية تسعى بكل ما اوتيت من قوة لمد نفوذها خارج المملكة بكل السبل والوسائل مهما كانت همجيتها وقسوتها ووقاحتها ..
ويؤمن مواطنوا مملكة الكراهية بنظام الصدمة أي "قول للاعور اعور بعينه" لذا يتفاخروا بجرأتهم وقدرتهم على احتقار الغير دون أي وازع من ضمير او اخلاق واغلب مواطني هذه المملكة يتسترون باقنعة من الالقاب والاسماء مما يمتحهم اعتقادا بأن هويتهم لن تكتشف وبالتالي لن يحاسبوا على ما يفعلونه بما يجعلهم يتمادون في تحرشهم وإيذائهم للآخرين. (كما قالت الطالبة كيسي لومبرا).
وتستقبل المملكة بترحاب شديد جميع المغفلين والمرضى النفسيين وممن نفسياتهم محطمة لسبب من الاسباب، وممن تغلي قلوبهم بالحقد والكراهية والانتقام . وتهنئهم على انضمامهم لمواطني المملكة التي تتيح لهم الشعور بالحرية المطلقة ببمارسة حقده وكراهيته للاخرين وشتمهم وسبهم وازدرائهم وتسفيه ارائهم واحتقار مقدساتهم وتسخيف قيمهم واعرافهم ، بكل ما اوتيت من قسوة ودون رحمة حتى لو تطلب ذلك ابادة نصف الجنس البشري.
مملكة الكراهية متخصصة بنشر الكراهية والحقد والاخطر من ذلك بذر بذور العنف والارهاب، بالاضافة الى الكذب والتضليل والنفاق والهراء.
في مملكة الكراهية هناك متخصصون بنبش القبور كل بطريقته الخاصة، فبعضهم لتثبيت ما دفن في القبور منذ قرون واخرين لمحاكمة الحاضر بما دفن في القبور.. وكل منهم يستخدم الرميم لاثبات وجهة نظره.
واي عضو جديد في مملكة الكراهية لن يجد صعوبة في التعرف على مواطنيه .. فما زالت "الفزعة القبلية" تفعل فعلها في العقول .. فبمجرد ان تصبح مواطنا في مملكة الشر حتى ينبري شركاؤك بالمواطنة بالدفاع عنك بأقصى واشد عبارات التأييد، وتصل عبارات الاطراء لك بمنحك من الالقاب ما شئت "حكيم الزمان، سلطان الزمان، قاهر الاعداء" صانع الدنيا وباني المستقبل وسيد الازمان" خذ ما شئت من الالقاب .
يتندر الفقراء عندما يجدوا فقيرا سما ابنه او ابنته اسما جميلا بالقول " لو الاسامي بتنشرى كان الفقير سما ابنه خ....." اسف لا استطيع كتابة الكلمة لانها تخدش الاحساس.
في مملكة الكراهية يمكنك ان تعلن دون خوف عن كل ما تكرهه مهما كان واي كان دون اي مراعاة لمشاعر الاخرين .. ويمكنك ان تشتم اي كان وتحتقر اي كان وتزدري اي كان . لك مطلق الحرية بممارسة فنون الكراهية كما تشاء. وكلما ابدع الفرد في اشاعة الكراهية كلما حصل على المزيد من النقاط وترتقي القابك كلما برعت في ممارسة دورك في كراهية الاخرين .. وربما تصل الى موقع السيادة والريادة وتنافس على كرسي العرش بغض النظر عن كونك رجلا او سيدة ففي مملكة الكراهية المساواة مكفولة بين الرجال والنساء بل حظوظ المرأة اكبر لان مواطني مملكة الكراهية تسحرهم الانثى مثلهم مثل غيرهم الذين يفجرون انفسهم مستعجلين لقاء حور العين.
احدى مواطنات مملكة الكراهية تقول انا اكره الاخرين لانني انسانة مكروهة .. ففي هذه الممكلة اشعر بالراحة وسط هؤلاء الناقمين على الحياة والبشر والناس، فهنا اشعر بالحرية لانني اشيع مشاعر الكراهية ولعنة الاشياء.
ان هذه المملكة وكل مواطنيها وبغض النظر عن مناصبهم والقابهم والبيئة التي جاؤوا منها واعمارهم وجنسهم وديانتهم تقوم ثقافتهم على نشر الكراهية والبغضاء ، بهدف ترويج التمزيق النفسي، و إذكاء النزعة الانعزالية "الدينية المذهبية السياسية الايدلوجية العشائرية القبلية المناطقية " وهي ثقافة مقيتة تبث خطاب مأزوم يستحضر الماضي ويوظفه في سياقات ومرامي شريرة ومقاصد سيئة .. وهو خطاب ضار ومستفز ويعيق كل الجهود المخلصة الساعية نحو لبناء مجتمعات جديدة متطورة ومعاصرة.
هل يستطيع احد ان يترك الساحة لنشطاء ومناضلي مملكة الكراهية سواء كانت دشاديشهم قصيرة او تنانيرهم قصيرة .. سواء من اصحاب الحجر على المرأة او دعاة تحررها .. سواء من يحبون اللون الاحمر او يحبون اللون الاخضر .. هل تترك الساحة لاولئك المازومين يعبثون بها ادعاء وبهتانا وزورا ام يجب التصدي لهم من كل من ينتمي لفكرة بناء المجتمع المدني العلماني حيث تسود روح المحبة والمودة والتسامح والحوار العقلاني، واعلاء القيم الانسانية وحقوق الانسان وحرية الراي والتعبير والعقيدة والدين
نعم يجب التصدي لضعاف النفوس .. لانه يجب التصدي وبكل قدرة واقتدار لنبذ ثقافة الكراهية الثقافة التي لا يؤمن بها الا مرضى العقول والنفوس، لانها تؤدي الى تمزيق الوطن، وتمزيق النسيج الاجتماعي وتخلق مناخات التوتر والتعبئة الانعزالية الاقصائية، وبالتالي الاقتتال بين ابناء الوطن الواحد .
على المثقفين والمفكرين المخلصين لاوطانهم الحريصون على مواجهة الواقع المؤلم ان يحاصروا هذا الخطاب النشاز الساعي لغرس الضغائن والكراهية وان يعززوا مناخات الحرية والديمقراطية وان يوجهوا جهودهم للدعوة الى برامج عملية حقيقية على الارض والا يتركوا لجهدهم ان يسلبه مواطنوا جمهورية الكراهية.
لابد من تعميم القناعة بان الحوار الديمقراطي باسسه الاخلاقية هو البديل المجدي للصدام .. لا بد من الاتفاق على المشترك ليكون عقدا راسخا يضمن امن وسلام المسيرة الانسانية نحو مستقبل افضل .
واختتم ببيت شعر عله يقنع البعض في ممكلة الكراهية ان الكل يستطيع ان يستخدم ارذل الكلمات واكثرها سفالة ويرميها في وجه الاخر .. مما يتطلب الحذر الشديد عند محاورة الاخرين
يقال ان قبيلة كان اسمها (انف الناقة) وكانت تخجل من اسمها هذا لأن القبائل الاخرى تعيرها به. الى ان ظهر شاعر يدعى (الحطينة) ويقال انه كان ذو وجه بشع مشوه لكنه يجيد الهجاء فكتب قصيدة مطلعها:
قَوْمٌ هُمُ الأَنـْفُ والأَذْنابُ غَيْرُهُم .......... ومَنْ يُسَوِّي بأَنـْفِ الناقةِ الذَّنَبا؟