فشل انظمة ..ام شلل مجتمع وثقافة


ثائر سالم
2009 / 8 / 15 - 07:34     

من وحي المشهد الايراني
3
رغم مواردها المادية والبشرية الهائلة، وعوائد بعضها النفطية الضخمة ورهانات استثماراتها الخارجية في الاقتصادات الغربية . فشلت الانظمة العربية " انظمة الشمول الدكتاتورية، وانظمة الاعتدال (الدكتاتورية ايضا)، في ان تحقق تقدما في انظمتها السياسية يوازي معطياته الاقليمية، حتى بالمقارنة بالمقاييس الاقليمية،..بتركيا الديموقراطية الاسلامية، او الاتاتوركية والدكتاتوريات العسكرية..او بايران الشاهنشاهية، او الاسلامية الشمولية.
فلم تتمكن تجارب كل الانظمة العربية، الملكية والجمهورية، من " المحيط الى الخليج"، من ان تقيم انتخابات تمتلك ولو نسبة ضئيلة من المصداقية،التي ظهرت في التجربة الانتخابية الاخيرة في ايران. من حيث : تداول السلطة ، وهامش الحرية، وشفافية وعلانية النقد ، موضوعا وشخوصا ـ شموله اكبر شخصيات النظام وابرز رموزه.
في اي بلد عربي يمكن تصور حدوث هذا ؟ ومتى يمكن له ان يحدث ، وباية مقدمات ؟.
هل سمح او كان سيسمح اي من قادة الممالك والامارات ،.. الجمهويات والثورات الشعبية..
.من عبد الناصر وبومدين، رموز الامس الى خلفائهم في الارض (ابناء يومنا الحاضر)، بان يكون هو وسياسته محط انتقاد علني ومعارضة جماعية ومنظمة، من اقرب وابرز شخصيات النظام، مدعومة بتحرك جماهيري واسع وصلب وشجاع ومستعد للتضحية،على هذا المستوى الذي شهدناه، في تجربة الانتخابات الايرانية ؟ بما يعنيه ذلك من مخاطرة بمستقبل النظام والقائد السياسي. حتى لبنان التي ، يعترف خاتمي بانهم تعلموا من مدرسته السياسية وتجربته الثقافية، ونظروا باحترام خاص لسقف الحرية فيه، وللديموقراطية، الاوسع اقليميا. الا ان غلبة الطابع العفوي الحرية، والذي له اسبابه التاريخية ، والطائفية السياسية في البلد، انعكست سلبا على ، ديناميكية تعدديته، السياسية والقومية والمذهبية والطائفية، واضعفت من فاعلية ومضمون ديموقراطيته، وتعدديتها السياسية

كل مالمسته الشعوب العربية من ، طريق الرهان على ارضاء وصداقة الغرب، او طريق الثورة والتحرير، كانت ترجمته العملية على الارض ، ثراء الحاكم والنخبة وتصرفها بالثروة والبلد وحياة ابنائه وكانه ملك مشاع لهم . واختزلت مصلحة الوطن بمصلحة الحاكم والعائلة والطبقة الحاكمة. واخيرا جعل الموارد في خدمة(العدو!) وليس الصديق. والغريب وليس (الشقيق)،.البعيد وليس القريب.

اين العلة اذن ؟ اهي في تعثر مشروع الحداثة،؟ في انصاف الحلول ؟ام في التباس علاقة المواطنة بعلاقات وهويات اخرى يغلب عليها التعصب، ويصعب عليها التوازن، وهي تحول الاختلاف، خلافا وتباغضا وتعاديا؟ الا تشكل الاستعانة بهذه الثقافة، في حل قضايا المجتمع، والنظام السياسي، بيئة حاضنة لتفاقم اشكالات التنمية والحداثة وقوة كبح لقواها، الفتية والضعيفة اصلا ؟ اليس هذا مايحصل باحد وحوهه في ايران اليوم ؟
وهذا ما حصل في لبنان، والعراق ويراد تعزيز مفاعيله في والسعودية ، والبحرين والسودان واليمن، ودول عربية ، واعادته مفاعيله باشكال اخرى حتى الى مصر ودول اقليمية كايران وتركيا ؟

اليست ثقافة الاستبداد بكل قيمها وتجلياتها الاجتماعية والشخصية، وفضائها الثقافي، هي حاضنة نظام الدكتاتورية والقمع والامساك بالسلطة ؟، الا تغذي ثقافة الحاكم العامة، المحدودوة والمتاخرة المضمون وتجربته الثقافية والسياسية، كل هذا الشلل في الوضع العربي، وهي خصائص اصيلة في الثقافة السياسية للنظم العربي؟ اليست هي التي دفعت البعض، الى المخاطرة بمستقبل البلد والتعاون مع المستعمر والطامع ( كما جرى في التجربة العراقية) ؟
ماذا يعني هزالة وتفاهة هامش الممارسة الديموقراطية في الانظمة العربية ، مقارنة بمعطياتها الاقليمية ؟ ...بل وصمودها العجيب بوجه موجة الدمقرطية وضغوط المحافظون الجدد، رغم تسويق مشروع تهميش الدولة الوطنية والقومية تحت مسمى العولمة، بدور اساس الى الليبرالية !!) التابعة ، والتي باتت مرتبطة بمشروع اعادة استعمار المنطقة؟ . لقد ازدادت هذه الدول ممانعة، مع تعثر مشروع الاحتلال وتفاقم مصاعبه في العراق، واكتفت اكثرها استجابة للضغوط، بحدود اصلاحات شكلية محدودة جدا، لا قيمة لها في الحياة السياسية، ولا تاثير لها على موضوع تداول السلطة ، والبرلمان الحقيقي ، والرقابة على المال العام والاهدار والفساد.
بشكل عام في هذه الاشكالية وجهان. تناقضان.

الاول: علاقة الريف والمدينة
الناجم عن التناقض بين مشاريع قوى الحداثة، ومشاريع قوى ماقبل الحداثة وموروثاتها.
اشكالية الصراع بين قيم المدينة، الاميل الى ثقافة التقدم والتنمية، والانفتاح على الاخر والعمل معه، ...تجد في الحرية والنظام الديموقراطي، تعبيرا اصيلا عن كينونتها المدنية.. في احترام التنظيم ومراعاة قوانين عمل السلطة والدولة، في الميادين المختلفة. وبين قيم الريف.....الاميل الى نزعة المحافظة ، الجمود، الفردية في العمل واتخاذ القرار، والانعزال ، وعدم الالتزام، بالنظام والدقة في العمل، فالامور تجري على (البركة والتسهيل )...وتلك ثقافة كانت دوما حاضنة، الدكتاتورية والاستبداد ، بكل اشكاله (ديني، سياسي ..فلسفي ..الخ).
هذا الاشكالية كانت في اوضح صورها اقليميا ، في التطورات الايرانية الاخيرة.

الوجه الثاني: اشكالية التنمية.
وهي العامل الحاسم في مستقبل مشروع الحداثة. وهي اشكالية تباين مصالح قوى مشروع الحداثة. غلبة الاصول الفلاحية او الاقطاعية ـ العائلية(شيوخ ووجهاء او عوائل دينية)، لاغلب كادرات الدولة والسلطة، والاحزاب السياسية و" العلمانية".. القومية..الليبرالية..الاشتراكية، كانت في الغالب، حاضنة التاريخ الاستبدادي في دول العالم الثالث، وسببا اساسيا في تلكؤ مسارالحداثة والتنمية، وفي الترجمة الخاطئة، لمشروعها وآلية انجازها، وفي الجمع الغير منهجي
.. بين المدنية والبداوة....التراث والحداثة ..الحاضر والماضي....القديم والجديد..
الانتماء للعصر وللهوية الخاصة...علاقة الذات بالمجموع...
.المصلحة والقيم..الحرية والالتزام.
باختصار بين المتنافرات والمتوائمات،... بحدودها وفوارقها البنيوية والشكلية.

استعانة معظم النظم السياسية في مجتمعات العالم الثالث، ببنى اجتماعية لازالت فاعلة وتشكل جزءا اساسيا في تركيبة المجتمع الاجتماعية والاقتصادية، افضت الى زحف هذه القيم على المدينة ومحاصرة مظاهر التمدن، وانماط الحياة الحضرية فيها..الامر الذي تجلى في السلوك الفردي،..وفي العادات والتقاليد،..في الذوق العام.. وفي الملبس والماكل. ....في الثقافة والقيم العامة.
اذا نحن امام مسار ومشهد، مناقض للعصر والعولمة. فبدل تمدين الريف ستكون هناك مدينة متريفة. الامر الذي ادخل مشكلة الحداثة ، في ازمة تتجاوز حدود الطبيعة السياسية للنظام. بل تغدو ازمة ثقافية بنيوية ، تمتد الى مسار المجتمع التاريخي والثقافي.