فتح الجديدة لن يوقفها الخطاب العصبوي المتطرف


ابراهيم علاء الدين
2009 / 8 / 14 - 06:16     

باختتام المؤتمر السادس لحركة فتح وبنجاح برهنت خلاله الحركة على رسوخ الديمقراطية في تقاليدها، وتمكنت من تجديد قيادتها وبامتياز، واطاحت ببعض الرؤوس التي خدرها الوهم وبريق السلطة ، واعاد المؤتمر للحركة وحدتها وتماسكها الداخلي، لتثبت انها كما كانت اول السلاح واول الحجارة والتي اعادت الهوية الوطنية لشعب كان مطلوبا اذابته في المحيط الجغرافي، ووضعت قواعد استعادة كيانيته القومية ، وثبتت حقوقه الوطنية باقامة دولته المستقلة، فها هي وعلى مدار سبعة ايام ترسخ وتثبت قواعد الديمقراطية في الحياة الداخلية لحركة وطنية ما زالت تقارع الاحتلال ومؤامرات التهميش ومحاولات خطف القرار الوطني المستقل.
هذا النجاح بالطبع لم يعجب البعض، وجاء متعارضا مع طموحات البعض الذين كانوا يأملوا ان يقرأ بيان نعي الحركة بدلا من بيان النجاح في لملمة صفوفها ومد قيادتها بدماء شابة جديدة من امثال الاخوة توفيق الطيرواي، وناصر القدوة ، ومحمد المدني، وسلطان ابو العينين، وعثمان ابو غربية .. وغيرهم من الاخوة، فراح البعض يثير الشبهات ويطعن بنزاهة المؤتمرين ويتحدث عن تزوير دون ان يكون لاتهاماته اي اثبات أو اي صدى في الشارع الفلسطيني، والبعض الاخر يتحدث عن مؤامرة اسرائيلية بالتعاون مع السلطة، ومنهم من شكك بقدرة القيادة الجديدة، ويلقي الاتهامات جزافا واكثرها سخافة ما ادعاه احد كتاب حماس المسمى ابراهيم حمامي والملقب ب "بارون لندن" الذي قال "ان الذي فاز بالانتخابات هو تيار اسرائيل"، وقوله " فإن انعقاد المؤتمر هو شهادة وفاة لفتح التي نعرف".
ان ما حفلت به بعض الخطابات والمقالات وما ستحفل به في مقبل الايام من تطرف وتزمت وعنجهية واتهامات لحركة فتح وقيادتها وكوادرها الذين شاركوا بالمؤتمر لا يؤدي الا الى شيء واحد فقط وهو تعزيز التفتت والانقسام والفرقة وبالنهاية الاقتتال والحرب الاهلية.
فكل تطرف من اي نوع كان لا يؤدي الا الى الفرقة والاقتتال والحروب الاهلية، وبلاد العرب كلها ودون استثناء عامرة بالاستعداد للقتل والاقتتال وانتشار الارهاب بكل مسمياته، فمن ينظر الى المنطقة ومن الجهات الاربع لا يحتاج لكثير جهد كي يرى صواعق التفجير في كل ناحية، فالمنطقة كلها تنوء تحت وباء الاستعداد للقيام باعمال اجرامية تحت مسميات ومبررات عدة، حتى البلدان التي ساعدها نسيجها الاجتماعي حتى الان على عدم السقوط في متاهات الارهاب .. باتت مهددة بنسخ الصورة العراقية التي يدفع الشعب العراقي ثمنها من دمه ولحمه كل يوم بعشرات القتلى والجرحى والمحبطين والمدمرين نفسيا .
والحمد لله (مجازا واستهجانا) في كل بلد من بلداننا هناك من القوى المهيأة والمستعدة لاطلاق شرارات الارهاب والاجرام وتمزيق وحدة الشعوب وتدمير مقوماتها ، فصورة العراق والسودان والصومال واليمن .. ماثلة امام الجميع، وصورة فلسطين وانشطار الوطن حتى تحت الاحتلال تعصف بالعقول الرزينة.
فاصوات مثل حمامي وزعيتر والتميمي لا يمكن لها الا وان تكون معولا هداما، وسلاحا فتاكا في تدمير النسيج الوطني للشعب الفلسطيني، وهي مثلها مثل الاصوات النشاز المتناثرة على هوامش الشعب الفلسطيني، جميعهم يؤججوا التطرف والتطرف المضاد ويعززوا احتمالات الحرب الاهلية وقبلها تعزيز الانقسام والتشظي والفرقة والفراق.
ولا يدرك هؤلاء ان ادارة الخلاف السياسي او الفكري وحتى العقائدي له قواعد ومثل اخلاقية وموازين دقيقة ومعروفة، ولا يدركوا ان توظيف المناطقية والعشائرية والقبلية السياسية ، والمذهبية والمعتقدات على انواعها ، وتوظيفها في الصراع السياسي ، وتأجيج التعصب ايا كان نوعه، وصب الزيت على نار الخلافات ، لا يمكن الا وان يؤسس للارهاب والاقتتال والحروب الاهلية.
وللاسف الشديد ان كل هذا التعصب والتطرف والنفخ في الخلافات ليس الا لأسباب مصلحية في الغالب، هدفها الشهرة الشخصية ومنطلقها الانانية ومضمونها انتهازي.
فاي دعوة عصبوية ايا كان نوعها لا بد وان تذهب بالاختلافات الى حد القطيعة، وتهدد باخراج الاخر من المواطنة او الدين، او العقيدة، وأي ازدراء أو اهانة للغير ورميه بصفات ومواصفات مهينة، وتحقير معتقدات الاخر، وانتماءاته ومقدساته، لن تؤدي الا الى تمزيق النسيج الاجتماعي، ويصبح المواطن عدوا للاخر والجار عدوا لجاره حتى ابن العم عدوا لابن عمه بسبب الانتماءات السياسية. (واقع غزة مثالا)
وعندما تصبح التعبئة الطائفية والقبلية السياسية والقبلية الدينية والتفريق بين العقائد وتصبح الشتيمة والمسبة ادوات في الشحن العاطفي والتعبئة ضد الاخر ، وخصوصا عندما تقوم على منظومة من الاكاذيب ، والطابع الصبياني في توصيف الاخرين ، وصب جام الغضب وباسلوب شخصاني سخيف ، ونزق طفولي ممجوج ، فان كل ذلك يؤدي الى تأجيج الارهاب وتمادي التطرف والاساليب الهمجية في حل الخلافات ، ويؤدي الى التمادي في الشحن والتعبئة الخبيثة فتفجر تعصبا لدى الطرف الاخر ، وهذا التعصب يجر الكثير من بسطاء الناس للاصطفاف كل خلف طرف من الاطراف، "وكل مما لديهم فرحون" دون اي تفكير او تدبير .. بل يطأطؤو رؤوسهم ويحنوا ظهورهم لمن يدعو انهم مفكرون وقادة ومعلمون وفقهاء وعلماء ليمتطوهم ويصعدوا على ظهورهم لتحقيق اهدافهم الذاتية والشخصية .. فيما الغالبية من البسطاء يذهبون ضحايا الوهم والاكاذيب والافتراءات.
وللاسف الشديد ان هذا الخطاب العصبوي المتطرف يتزايد يوما بعد يوم ويكتسب انصارا جددا ويقف دعاة التعايش والحوار .. والساعين لخلق مجتمعات حديثة قائمة على العدل والمساواة وحقوق الانسان وسيادة القانون محاصرين بروح العدوانية والتعصب لتزداد الامور قتامة في بلادنا ويزداد بنفس الوقت الكفرة والمكفرون والقتلة والمقتولون، وكلما اوغل هؤلاء في دعايتهم وفي بث سموم التعصب كلما تبجحوا بامتلاك الحقيقة المطلقة .. بل وسعوا الى تأطير التطرف وقوننته والدعوة الى تكوين منظمات ومؤسسات تحمي دعواتهم الباطلة.
وللاسف ايضا فان بعض من تؤلمهم على حد قولهم الاوضاع البائسة في بلادنا يساهمون بوعي او بدونه في تأجيج الصراعات وتعميق الخلافات ويقومون بدور مدمر بابعاد الناس البسطاء عن جادة الصواب ودفعهم دفعا للوقوع في براثن التطرف والتعصب والارهاب والاجرام.
ولطالما تبجح البعض بشعارات جوفاء وكليشيهات ركيكة وجمل انشائية تدغدغ العواطف وتذهب بالعقول، وكونهم لا يمتلكوا القدرة على رؤية المتناقضات وان حساب الحقل من النادر ان يطابق حساب البيدر وان الواقع على الارض يختلف بشكل جذري غالبا عما يصول ويجول في الرؤوس من اماني واحلام او بعبارة اخرى اوهام وخيالات، فانهم يقوموا في الواقع بدفع الامور في الاتجاه المعاكس للتصالح والتعايش والتسامح والعيش المشترك، وتعزيز الانتماء الوطني وتحفيز المواطن على الابداع والانتاج وبالتالي تعزيز العلاقات الديمقراطية وتعزيز مؤسساتها ..
فكل نوع مهما كان اسمه من انواع التطرف والتعصب وتحت اي مبرر او حجة او قناع فانه يوفر البيئة الصالحة لاستنبات الارهاب بكل اشكاله من اللفظي الى الجسدي ، وما نراه في العراق وبكل اسف ليس الا نتيجة منطقية لذاك الشحن الطائفي والعنصري في بعض الاحيان والعشائري والقبلي في احيان اخرى.
وهو ذاته ما نراه في السودان والصومال واخيرا باليمن ، وقبل ذلك في فلسطين والجزائر ومصر، والمغرب والسعودية وقد يمتد ليشمل مواقع اخرى في المنطقة، والذي تؤججه القوى السياسية الدينية بشكل رئيسي، مما يتطلب الحذر الشديد، والاهتمام بمواجهة كل دعاة التطرف، من اي جهة جاؤوا ، سواء من يتطرف في مواجهة التطرف كالقمع الحكومي الذي يزيد تعاطف البسطاء مع المتطرفين، او دعاة التطرف انفسهم.
وفي هذا السياق نجد المتطرفين من مختلف التيارات في فلسطين يغذون بعضهم بعضا ويخدم كل منها الاخرين، مما ينذر في حال عدم كبح جماح المتطرفين الى نتائج مدمرة لن تقف عند اختطاف جزء من الوطن بل الى الاقتتال والحرب الاهلية .
لذا فان ما اسفر عنه المؤتمر السادس لحركة فتح من قيادة معتدلة وواقعية يعتبر انجازا للشعب الفلسطيني باسره لما لحركة فتح من وزن ودور وتاثير في واقع ومستقبل الشعب الفلسطيني، وبالتالي فان من المنطقي والطبيعي ان نجد المتطرفين من كل الاصناف في منافسة حادة في مجال اثارة الشبهات وكيل الاتهامات وبث سموم التحريض على الانقسام والتمزق.
تهنئة حارة للشعب الفلسطيني تمكن حركتهم الرائدة على افشال كل المخططات التي حاولت النيل من وحدتها ومكانتها ودورها الوطني ، وهنيئا لحركة فتح قيادة وكوادر واعضاء وانصار واصدقاء توطيد وحدتها الداخلية.
وننتظر تفرغكم لتحقيق استعادة الوحدة الجغرافية للوطن، واستعادة اللحمة الوطنية، وتحقيق حلم شعبنا باقامة دولته الوطنية الديمقراطية العلمانية المستقلة.