ماوتسي تونغ يرد على المتعلمنين الداعين الى ابادة المسلمين


ابراهيم علاء الدين
2009 / 8 / 10 - 07:58     

في حمأة الحوار حول العلمانية والدين على صفحات الحوار المتمدن حيث انبرى عدد من الكتاب والمعلقين بالدعوة الى مواجهة الاسلام والمسلمين فدعا بعضهم الى ابادتهم والقضاء عليهم، واعتبروا انه ما دام هناك اسلام ومسلمين في هذه الدنيا فلن ترى البشرية الامن والسلام، واخر دعا الى اجبارهم ب "الصرماية" (هكذا بهذا اللفظ المنحط) على ترك دينهم، والبعض بتسفيه الاسلام والمسلمين وشتم نبيهم ورميه بكل ما تفتقت عنهم ثقافتهم اللغوية المنحطة من الفاظ بذيئة، وبعصبية مقيتة كشفت عن روح التعصب والتزمت والتطرف ورفض الاخر، ورفض التعايش ورفض الحوار، وبأسلوب ديكتاتوري فظ استشرس البعض بالتاكيد على "تعرية" الاسلام و "فضحه" باعتباره وحده من بين الاديان الذي يقف في طريق تطور البشرية وسلامها وسعادتها. ولم تتوقف عبقرية بعضهم عند الاصرار على ان نشر العلمانية يتطلب تحقير وتسفيه دين المسلمين، وشتم واهانة الاسلام والمسلمين .بل طالب البعض بشن حرب مسلحة ضد الاسلام والمسلمين.

ولأنني مسلم ويشرفني جدا ان اكون "نموذجا للرجل المسلم" الذي يؤمن بحرية الاخر وحقه بالحياة والمساواة والعيش الكريم وأؤمن بحرية الرأي والمعتقد والاديان وحقوق الانسان، ولديى قناعة راسخة بان العلمانية لا تلغي الاديان وليست بديلا لها وانما هي نظام للتعايش بين الجميع بغض النظر عن اللون او الجنس او المعتقد، وبانها نظام يضع حدا فاصلا بين الادارة (الدولة) التي تدير شؤون الناس من خلال منظومة فكرية تشمل النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبين الدين ومؤسساته ورجالاته.
ولأنني على قناعة تامة بان على العلمانيين ان يراعوا في دعوتهم لتعميم العلمانية في اوساط الجمهور الحذر من الاصطدام بعقائد الجماهير بصورة جافة وحادة لانهم بذلك يقدمون خدمة جليلة لتيارات التطرف الديني التي تبذل قصارى جهدها لاثبات ان العملمانية ضد الاسلام والمسلمين وان اتباعها كفرة ملحدون مما يضع عقبات كبرى امام جهود العلمانيين في نشر الوعي ومواجهة الخرافات والاساطير والاوهام الدينية .
واستند في قناعتي هذه الى المفهوم العام للعلمانية والتي اسهب عدد من الكتاب المحترمين خلال الاسبوع الماضي من خلال العديد من المقالات في عرضها وشرحها وتوضيحها وتبيان اسسها واهدافها وموقفها من العقائد والتنوع والاختلاف بين البشر، وفي هذه المقالة سوف اعرض راي احد ابرز القادة الشيوعيين على مستوى العالم الزعيم ماوتسي تونغ ومفهومه للتعامل مع العقائد الدينية ولا اعتقد ان احدا سيتهم ماوتسي تونغ بانه كان شيخا للاسلام او نموذجا للرجل المسلم . وتجدر الاارة بان عرض موقف ماوتسي تونغ لا يعني انني شيوعي ماوي مع اني احترم جميع الشيوعيين بكل تلاوينهم ولا يعني ذلك انني اؤمن بكل ما يؤمنوا به.
لقد تبنى ماوتسي تونغ في محطات عديدة مواقف واضحة حددت كيفية التعامل مع اتباع العقائد الدينية، ونصت كافة مواقف الزعيم الصيني وباني الصين الحديثة على ضرورة احترام الاديان وحماية اصحابها واتباعها.
فقد فقد كان من ابرز قرارات الاجتماع الموسع للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في 18 شباط 1951 ما يلي :
اولا : لقد تبني الحزب الشيوعي سياسة لحماية الأديان. المؤمنين وغير المؤمنين ، المؤمنين بدين او بآخر ، كلهم محميين بصورة متشابهة ، ومعتقداتهم محترمة. نحن اليوم ، نتبنى سياسة حماية الأديان هذه ، وفي المستقبل سوف نستمر في المحافظة على هذه السياسة
ثانيا : مسألة اعادة توزيع الأرض تختلف عن السياسة نحو الدين. في المناطق المسكونة من قبل شعب الهان الأرض قد تم اعادة توزيعها ، وفي هذه المناطق لا تزال الأديان محمية
وقد اكد ماوتسي تونغ الى ان الاصلاح الديني يؤدي الى التحرر من الدين، رافضا الاجبار اوالقهر او القسر، كما ورد نصا في مؤلفاته المجلد الاول ، وفي هذا السياق جاء تصريح الحكومة المركزية لشعب منغوليا الداخلية في ديسمبر 1935 وجاء فيه:
نحن نشعر بأن شعب منغوليا الداخلية يمتلك الحق ليحل كل مشاكله الداخلية ، ولا يمتلك احد الحق للتدخل بالقوة في حياتهم ، عاداتهم ، دينهم ، اخلاقهم ، وكل حقوقهم الأخرى.
واضاف ان كل الصينيين ، المسلمين ، القوميات المنشورية في منغوليا يجب ، بموجب مبدأ المساواة بين الأمم ، أن تطور الديمقراطية ، بحيث أن كل الأقليات تأخذ نفس المعاملة التي يحظى بها سكان منغوليا الداخلية ، ويجب كذلك أن يتمتعوا بحريات اللغة ، الدين ، الأقامة.
وفي نيسان 1945 اتخذت الحكومة الائتلافية عدد من القرارات منها ابطال جميع القوانين والمراسيم الرجعية المستهدفة القضاء على حرية الشعب في الكلام والصحافة والاجتماع وتأليف الجمعيات والعقيدة السياسية والايمان الديني وحرية الشخص ، وضمان الحقوق المدنية الكاملة للشعب.
واكدت القرارات على ان حرية الكلام والصحافة والاجتماع وتأليف الجمعيات والمعتقد السياسي والايمان الديني وحرية الشخص هي أهم الحريات الشعبية. وان المناطق المحررة وحدها هي التي حققت في الصين هذه الحريات بصورة كاملة. ( مؤلفات ماو تسي تونغ المختارة ، المجلد الثالث ، الطبعة العربية ، ترجمة فؤاد أيوب ، دار دمشق).
وفي حديث مع مندوبي التبت في اكتوبر 1952 اكد ماوتسي تونغ ان سائر الأديان مسموح بها في مناطق الصين المحررة ، وذلك بصورة متفقة مع مبدأ حرية الايمان الديني. ان جميع المؤمنين بالبروتستانتية والكاثوليكية والاسلام والبوذية والمعتقدات الاخرى يتمتعون بحماية حكومة الشعب ما داموا يعملون بقوانينها. ان لكل امرىء الحرية في أن يؤمن او لا يؤمن ، ونحن لا نسمح لا بالالزام ولا بالتحامل.
بل ودعا ماو الى تعاون جميع قوى الشعب في مواجهة العدو القومي والطبقي فقال : من الضروري توحيد المثقفين ، الصناعيين ، رجال الاعمال ، الشخصيات الدينية القائدة ، الاحزاب الديمقراطية والشخصيات الديمقراطية على قاعدة الصراع ضد الامبريالية والاقطاعية واجراء التثقيف في صفوفهم.
واكد ماو على ان الدين جزء اساسي من مكونات الحضارة فقال : ان الأقتصاد والحضارة ايضا تحتاج لأن تتطور. مشيرا الى ان "الحضارة تشتمل على اشياء من قبيل المدارس ، الصحف ، السينما ، الخ. وقال "الدين ايضا من ضمن الحضارة." واضاف الحزب الشيوعي يرغب في مساعدة منكم في تطوير شعبكم ، اقتصادكم ، وحضارتكم. وقال لو أن الحزب الشيوعي غير قادر على تطوير شعبكم، اقتصادكم ، وثقافتكم ، لكان غير ذي فائدة بالمرة. (المجلد السابع).
وفي الجلسة الموسعة للجنة المركزية الثامنة للحزب الشيوعي سنة 1957عاد ماو ليؤكد على ان تحرير الناس من عبودية الدين لا تتم قسرا بقوله " ايديولجية الدين ليست في انسجام مع الأشتراكية ، لكن لانزال في حاجة لترميم دور العبادة. ترميم دور العبادة ينجز لتحقيق هدف تحطيم هذه الأديرة ، لماذا نحن نقول ، أن هذا منسجم بشكل عام؟
لأن ذلك يؤدي لتطوير القوى المنتجة. لقد انجزت الهند الخطة الخمسية وزادت انتاجها من الفولاذ ب 300 الف طن. نحن زدنا انتاجنا بمقدار 94 مليون طن. (المجلد السابع).

وفي عبقرية تنم عن ادراك علمي وحقيقي لكيفية التعامل مع ما هو راسخ في عقول الناس من عشرات القرون ، وان تغيير قناعات الناس الدينية والعقيدية لاتتم بقرار فوقي او بالعنف او بالقهر او بتسفيه عقائدهم وتراثهم الفكري قال ماوتسي تونغ ... اما الغاء نظام العشيرة ، وازالة الخرافة وعدم المساواة بين الرجال والنساء ، فسوف يتم عقب ذلك كنتيجة طبيعية للانتصار في النضال السياسي والاقتصادي . واذا بذلت جهود كثيرة لازالة هذه الأشياء عنوة وبدون نضوج الظروف فلا شك أن العتاة المحليين والوجهاء الأشرار سوف يتخذون هذا ذريعة لشن دعاية مناهضة للثورة بهدف تحطيم حركة الفلاحين بالقاء شعارات مثل )اتحاد الفلاحين لا يحترم الأسلاف) ، و (اتحاد الفلاحين يسىء الى الآلهة ويحطم الديانة) و (اتحاد الفلاحين يدعو الى اباحية الزوجات). وخير شاهد على هذا هو الحوادث الأخيرة التي وقعت في شيا شيانغ من مقاطعة خونان وفي يانغشين من مقاطعة خوبي حيث استطاع ملاك الأراضي استغلال معارضة بعض الفلاحين تحطيم الأصنام.

ويؤكد ماوتسي تونغ على بعد نظره وادراكه لقواعد واصول العمل في وسط الجماهير والاساليب الاكثر جدوى للوصول الى ما يريده الحزب الشيوعي فيقول : ان الفلاحين هم الذين صنعوا الأصنام، وعندما يحين الوقت فهم الذين سيطرحونها جانبا بأيديهم ، وليست هناك حاجة لأن يؤدي هذا العمل شخص آخر نيابة عنهم وقبل أن تنضج الظروف.
ان الفلاحين وحدهم هم الذين يقررون القاء الأصنام جانبا ، وهدم المعابد الخاصة بالعذارى الشهيدات والأقواس المقامة للأرامل العفيفات والنساء البارات ، ومن الخطأ أن يقوم أي شخص آخر بهذا العمل نيابة عنهم.
ولكن اذا كان لديكم فقط الاله قوان وآلهة الرحمة ولم تكن لديكم جمعية للفلاحين أكان في امكانكم اذن أن تطيحوا بالعتاة المحليين والوجهاء الأشرار؟ ان هؤلاء الآلهة مساكين عاجزون، لقد عبدتموهم قرونا عديدة ولم يطيحوا لكم بواحد من العتاة المحليين أو الوجهاء الأشرار ! والآن تريدون تخفيض الايجارات ، وأود أن أسألكم ما هو سبيلكم لتحقيق هذا؟ هل تؤمنون بالآلهة أم بجمعية الفلاحين. (من تقرير عن تحقيقات في حركة الفلاحين في خونان ، مؤلفات ماو تسي تونغ المختارة ، الطبعة العربية ، دار النشر باللغات الأجنبية .

ملاحظة 1 : في مقال قادم سوف اعرض رأي لينين في كيفية التعامل مع الدين وتحذيره للشيوعيين في تعاملهم مع شعوب الشرق في المسائل الايمانية. كما ساعرض موقف ماركس من مسألة كيف يتشكل الوعي الانساني فوفق منهج المادية التاريخية اعتبر أن الواقع الاقتصادي والعوامل الاقتصادية هي الاساس في بناء المجتمع وهي العامل الحاسم في التطور الاجتماعي ، اما الواقع الفكري من وعي الافراد والوعي الاجتماعي بكافة اشكاله "العلم ، الفلسفة ، الفن ، الاخلاق والدين .. بالاضافة الى النظريات الاجتماعية والمؤسسات السياسية والتشريعية" فقد اعتبرها ماركس بنى فوقية في المجتمع وهي انعكاس للواقع الاقتصادي.

ملاحظة 2 : ان ما استهدفه من خلال هذا المقال والذي يليه هو تبيان الاسلوب الامثل من وجهة نظري في الدعوة للعلمانية وكيف يمكن تحقيق اهداف العلمانيين بنشر افكارهم وارائهم على اوسع نطاق دون ان يتركوا فرصة لاعدائها لتأليب بسطاء الناس ضدها.