حركة فتح هي القادرة على هزيمة مشروع الاسلام السياسي في فلسطين


ابراهيم علاء الدين
2009 / 8 / 8 - 09:02     

جاؤوا من حوالي 152 دولة الى مدينة السيد المسيح لحضور مؤتمر الحركة السادس ، جاؤوا من كل المنافي، من القارات الست، من كل بقاع الارض جاء رجال الفتح .. لكنهم لم يستطيعوا المجيء من غزة ..!!! لماذا لم يتمكنوا المجيء من غزة التي لا تبعد عن بيت لحم سوى اقل من 100 كيلو متر ..؟؟ الجواب جدا بسيط وهو.. بسبب رفض حركة المقاومة الاسلامية حماس السماح لهم بمغادرة القطاع ...
لكن لماذا رفضت حماس مشاركة كوادر فتح الغزيون في المؤتمر السادس للحركة .. ؟ وهل صحيح انها حاولت "تحرير اسراها في سجون السلطة "العميلة" في رام الله، والحصول على جوازات سفر لسكان غزة"..؟
أم أن هناك سبب اخر وراء الموقف التعسفي للحركة الربانية يرتبط بمشروعها الالهي المستمد من دستور جماعة الاخوان المسلمين، والملتزم باستمرار الحرب مع اليهود الى ان ينزل عيسى الدجال فيملأ الارض فسادا، ومن ثم ياتي عيسى المسيح ليدحره وينظف الدنيا من اليهود ويشيع السلام والرخاء والعدل والمساواة.. تمهيدا ليوم القيامة ...؟؟
وما هو هذا السبب ..؟؟
ان السبب يرجع الى جهود حماس التي لم تتوقف منذ 50 عاما لاضعاف حركة فتح العلمانية الليبرالية البراغماتية ، (طيلة 30 عاما وهي ترفض ممارسة الكفاح المسلح لانه يمارس من قبل منظمات علمانية ليبرالية ويسارية كافرة) وبالتالي فانها سعت بكل السبل وبعد تشاورها مع حلفائها المحليين والاقليميين لافشال عقد المؤتمر، لأن انعقاده يوفر الفرصة لامكانية استعادة فتح وحدتها الداخلية وتصليب وضعها التنظيمي ، وتمكينها من حشد قواها خلف موقف سياسي واضح يفسح الطريق امام تسوية سلمية شاملة في المنطقة ..؟
كما ان انعقاد مؤتمر فتح وما سينتج عنه من انطلاقة جديدة للحركة فانه سيؤدي الى التأثير بشكل سلبي على جميع انجازات حماس ويضرب "الثورة الاسلامية الفلسطينية" في الصميم، وسوف ينعش الامال من جديد في اوساط الشعب الفلسطيني مما يؤدي الى ردة فعل سلبية من قبل سكان قطاع غزة سوف تتطور بالتدريج لمقاومة متصاعدة سوف تفشل برنامج حماس لأسلمة القطاع وفرض احكام الشريعة الاسلامية التي لا بد منها في سياق ترسيخ امارتها الاسلامية في غزة.
لكن لماذا كل هذا الموقف العدواني تجاه فتح تحديدا والحرص على افشال مؤتمرها .. هل لانها تنظيم علماني ليبرالي براغماتي كافر .. ولو كان الامر كذلك فهناك منظمات يسارية لها موقف واضح ومحدد ضد الاديان بشكل عام وسمحت حماس بعقد مؤتمراتها في قطاع غزة نفسه ..؟
ان هذا الموقف العدواني نابع من الادراك التام والقناعة الاكيدة ان فتح وحدها هي القادرة على هزيمة المشروع السياسي لحركة حماس وانها الوحيدة القادرة على تحجيم قوى الاسلام السياسي في فلسطين، وهزيمة مشروعهم العدمي بتحويل الصراع في المنطقة الى صراع ديني يستمر الى يوم القيامة .
لكن كل مراهنات واحلام حماس فشلت ، وها هي فتح على وشك اختتام مؤتمرها ، الذي بدا فيه اصرارا من المؤتمرين على استعادة وحدة الوطن الجغرافية أي انهاء اختطاف قطاع غزة من قبل حماس .. وان احلامها باقامة امارة اسلامية في القطاع قد لا تتحقق ابدا.
ورغم الحملة التي شنتها حماس لتشويه الحركة .. وتشويه صورة قادتها ومسيرتها، والعمل على تحجيم دورها السياسي، لكن كافة المؤشرات تقول ان فتح نجحت بتجاوز الازمة .. ونجحت بتجاوز محاولات تشويه صورة قادتها وخصوصا الرئيس ابو مازن الذي سلطت عليه حماس ما يفترض انه رفيق دربه فاروق قدومي وقبله بعض الصغار من المحسوبين على فتح .. كما فشلت فشلا ذريعا في ضرب حكومة سلام فياض رمز البناء والاستقرار والتنمية في فلسطين .
فكافة التقارير الصحفية تقول انه رغم الحوارات الحادة احيانا حول بعض المسائل التنظيمية الا ان هناك شبه اجماع على قيادة ابو مازن للمسيرة الفتحاوية وللسلطة ولمنظمة التحرير الفلسطينية، وان أي من قيادات فتح لم يبد أي تحد لقيادة الرئيس.
ومع ان مجرد عقد المؤتمر يمثل نجاحا كبيرا للحركة وقادتها، الا ان النجاح الحقيقي لن يكتمل الا اذا تمكن المؤتمر من تجديد ثقة الشعب الفلسطيني بالحركة، وقدرتها على استنهاض قواها وتجديد قيادتها وتعزيز وحدتها ، وقدرتها على رسم معالم المستقبل وفق رؤية واقعية واضحة ، واقامة الاطر والمؤسسات المناسبة لتحقيق الحلم الفلسطيني بالحرية والعودة والاستقلال واقامة الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانية الليبرالية على كامل الاراضي المحتلة عام 1967.
فالحرب التي تخوضها حماس ضد الحركة وضد السلطة لن تتوقف .. فانها تهيء نفسها لمعركة كبرى لاجهاض منظمة التحرير الفلسطينية ، او السيطرة عليها ومن ثم على السلطة، مستغلة فقدان النصاب في اللجنة التنفيذية للمنظمة بوفاة الاخ المناضل الدكتور سمير غوشة امين عام جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، وتمكن حماس من استمالة فاروق قدومي الى جبهتها المعادية للسلطة وللرئيس عباس شخصيا.
وهذا يضع الحركة امام استحقاق خطير حيث الشرعية الفلسطينية بمجملها تواجه خطر سياسي، سيكون مدمرا لو لم تتمكن الحركة ومعها فصائل المقاومة الوطنية من تفادي هذا الخطر الذي لن تتركه حماس يمر مرور الكرام وهي التي تشن منذ عقود حربا لا هوادة فيها ضد شرعية المنظمة ورموزها وقادتها ومؤسساتها، بلغ اقصى مداه بدعوة زعيمها خالد مشعل الى الغائها واقامة مرجعية سياسية بديلة لها، وذلك بخطابه الشهيرفي العاصمة القطرية قبل عدة اشهر.
فالحفاظ على شرعية منظمة التحرير يمثل شرط اساسي لاستمرار الامل بتحقيق المشروع الوطني والمتمثل بحق تقرير المصير واقامة الدولة الديمقراطية، وحل قضية اللاجئين وفقا لقرار 194.
ان حركة فتح التي فجرت الثورة المعاصرة للشعب الفلسطيني ونجاحها في بعث الهوية الوطنية الفلسطينية رغم حطام النكبة عام 48 ، ومن ثم تمكنها بقيادة منظمة التحرير من انتزاع الاعتراف الدولي بحقوق الشعب الفلسطيني، وبوحدانية تمثيله رغم كل المؤامرات، فانها جديرة بان نراهن على قدرتها بافشال مشروع الاسلام السياسي لحركة الاخوان المسلمين في فلسطين، وقدرتها على الحفاظ على شرعية منظمة التحرير الفلسطينية.
ولا نشك مطلقا بقدرة الحركة الموحدة بقيادتها الجديدة المطعمة بعناصر شابة .. والتي تستنهض قواها وتستعيد ثقة الشعب بها من انهاء حالة الانقسام الجغرافي بين جناحي الوطن واعادة غزة الى الحضن الفلسطيني وبناء وحدة وطنية حقيقية لا تقوم على الاقصاء والتكفير والتخوين، وطي هذه الصفحة السوداء في تاريخ الشعب الفلسطيني.
ونثق بان حركة فتح بما تمتلكه من ثراء وتنوع وتعدد فكري وثقافي وسياسي تدرك تماما بان من اولى مهامها تعزيز التجربة الديمقراطية في اوساط الشعب الفلسطيني وفي مؤسسات الحركة وتعزيز النهج الديمقراطي في مؤسسات السلطة، وان اخلاص قادتها ورموزها وكوادرها لا يمكن ان يتحقق الا بالحرص على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب بغض النظر عن انتمائه الفكري او التنظيمي طالما انه يؤمن بالدستور ويؤمن بالديمقراطية كمنهج اساسي وثابت للحكم، وبالسلطة القائمة على اساس مبدأ سيادة القانون، والعمل باقصى جهد ممكن للقضاء على كل اشكال الترهل والمحسوبية والواسطة في مؤسسات السلطة.
اننا نامل من مؤتمر حركة فتح ان يبلور تصورات واضحة حول الخيار الديمقراطي كاساس للنظام السياسي الفلسطيني كما قال القائد الاسير مروان البرغوثي في رسالته الى المؤتمر، والتمسك بمباديء واسس النظام الديمقراطي وفي مقدمتها بند تحريم العنف في حل الاشكالات والخلافات والنزاعات الداخلية، والاصرار على الحوار خياراً وحيداً وتحريم الدم الفلسطيني، والتمسك بمبدأ التداول السلمي للسلطة، ومبدأ فصل السلطات، واستقلال القضاء، وسيادة القانون ، وحماية الحريات العامة والفردية، وحماية التعددية السياسية، وحرية الرأي والتعبير والاعتقاد ، وحرية الصحافة، وتكريس مباديء المحاسبة والمساءلة.
ومن المؤكد ان التمثيل الحقيقي للمرأة الفلسطينية وبما يتناسب مع دورها التاريخي في الحركة الوطنية الفلسطينية وعلى قدم المساواة مع الرجل يعتبر شرطا اساسيا من شروط كمال الدولة الديمقراطية العلمانية، وللحركة تاريخ مجيد في انصاف المرأة فهي التي كانت وراء منحها 20 بالمائة من القائمة النسبية في القانون الانتخابي للمجلس التشريعي و 20 بالمائة من مقاعد المجالس البلدية والمحلية اتاح لاكثر من 600 امرأة ان يتبوأن مواقع في هذه المجالس البلدية والمحلية. ونامل ان يكون هناك تمثيل مناسب للمراة في اللجنة المركزية والمجلس الثوري.
ومن نافل القول ان بناء الدولة الديمقراطية العلمانية يتطلب انهاء مظاهر الارتجال والفوضى والقضاء على الاقطاعيات والاستزلام وتهميش مؤسسات الحركة والانفلاش التنظيمي ووقف عمليات التسرب خارج التنظيم وانهاء الصراعات الشخصية والتنافس على المواقع والمناصب والانتهازية واعادة الفعالية لمؤسسات الرقابة الحركية واعادة الاعتبار للاهتمام بالمؤسسات الثقافية والفنية والرياضية وانعاش الحراك الفكري والسياسي في اوساط المجتمع.
كلنا ثقة بان فتح سوف تخرج من مؤتمرها اكثر قوة وتماسكا واتحادا لتبقى رافعة المشروع الوطني الفلسطيني، وان يمثل مؤتمرها انطلاقة جديدة تقوم على التمسك بالثوابت الاساسية وفي مقدمتها الحرية للوطن وحق تقرير المصير وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانية وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين وفق قرار الامم المتحدة 194. وأن يخرج برؤية واضحة لمواجهة المرحلة المقبلة فلسطينيا وعربيا ودوليا.
كما ان هذه الحركة الرائدة تدرك تماما ان هنالك طغمة فاشية حاكمة في اسرائيل، تسعى بكل الاساليب لاخضاع الفلسطينيين لارادتها والحصول على الارض والسلام والأمن، مقابل ادارة ذاتية ضعيفة خاضعة لشروطها وتعليماتها .. ولذا فان المراهنة على مؤتمر الحركة ان يخرج ببرنامج سياسي يجند قوى الشعب الفلسطيني لخوض كل اشكال الكفاح بما فيها المسلح حسب ماتمليه الظروف الذاتية والموضوعية لاجبار العدو للتخلي عن غطرسته وعدوانيته ووحشيته تجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه القومية.
اننا نحلم بوطن ديمقراطي حر يكفل حقوق الانسان وتسود فيه المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز، ويضمن تكافوء الفرص ، يزدهر فيه الاقتصاد الحر، ونظام تعليمي متطور ومؤسسات علمية وبحثية عصرية ، واشعاع ثقافي وفكري وفني في كافة الميادين.
هذه بعض المهام النضالية .. فالمقاومة تتعدد اشكالها وتتنوع، ولم تكن ابدا صواريخ عبثية اوقنابل بشرية .. فكلما تفوق شاب او شابة في مجال من المجالات كلما انتزع الشعب الفلسطيني قيدا من القيود التي يسعى العدو الصهيوني او الاصوليين الاسلاميين من تكبيله بها.