في ذكرى رحيل (أنجلز) تثمين لا تأبين!!!


عبد الفتاح بيضاب
2009 / 8 / 6 - 09:54     

في 5/8/1895 توقف عن الخفقان قلب (انجلز) الممتلئ حباً للعمال، لأنهم سادة الأرض وصناع الحياة فيها، ووعداً عليهم سيحرروا البشرية من عبودية العمل المأجور والاستغلال والقهر بالميزة السالبة للملكية الخاصة والطابع الاجتماعي للإنتاج، وانطفأ شعاع فكره والذي سخره منذ نعومة الظفر لتلك الشريحة المستلبة بأثر الاقتصاد الرأسمالي المعاصر وقتذاك إذ أنه في 1838 ترك المدرسة الثانوية ليعمل مستخدماً في مؤسسة تجارية رغم أنه ولد في (1820) لأب صاحب مصنع وكان في مقدمة الاروتقراطية في مملكة بروسيا، فكان حديث بلدته بارمن في إقليم ريناني إذ عاف رغد الحياة في كنف ذاك الوالد ليمارس العمل المأجور بتلك المؤسسة الشئ الذي أكسبه الفهم الباكر لبؤس عيش المأجورين وبائعي قوتهم وجهدهم البدني والذهني لحفنة من بارونات المال الذين يمسكون بعصم الوسائل والأدوات التي تنتج الخيرات المادية للمجتمع ولو أنه استكان لنعيم العيش ونشأ في الحلية لما كان في الخصام مع البرجوازية مبين، لم يثنيه الانشغال بالعمل عن مواصلة التثقيف الذاتي علمياً وسياسياً في النشاط الذي بدأه في دراسته الثانوية إذ أن دراسته في الفلسفة وتسليحه بمذهب هيغل في التطور والتحول الدائم لمجانبته الثورية رغم الصورة المعكوسة الجانبين في جدل أسبقية الطبيعة على العقل (انجلز وماركس) وعكساً على العكس عند (هيجل) إلا أن إفادته اللافتة من الهيجيلية هي الأسئلة التي فرضت نفسها موضوعياً وفي مقدمتها، إذا كان كل شئ قابل للتحول والتطور الدائمين فلماذا لا يكون ذهاب النظام الرأسمالي والأوتوقراطية ودك حصون الأسس الاقتصادية والاجتماعية السائدة خاضعة لهذا القانون العام للتطور !؟ حيث تتبدى الإجابة بحتمية (الاشتراكية) ، وإذا كانت المسؤولية في أنسنة الطبيعة لصالح الإنسان والمجتمع تقع على عاتق الدماغ (العقل) لأنه الناتج النهائي لتطور الطبيعة العضوية، فلماذا لا يكون الناتج النهائي لإفرازات التناحر الأساسي في سياق تطور القوى المنتجة هو (البروليتاريا) – وقتذاك - مماثلة للعقل لتصبح(البروليتاريا) هي المسؤولة عن خلق عالم جديد يكاد يخلو فيه استغلال الإنسان لإنسان أو قهر طبقة لطبقة !؟ وهكذا لم يكن عشقه للعمال حالة ذهنية وعاطفية غير مسنودة بحائط مادي متين الشئ الذي قاده للمرافعات الخالدة في قضية (الطبقة العاملة) كصاحبة مصلحة حقيقية في تحول دولاب التاريخ نحو المجتمع الاشتراكي والشيوعي من بعد، لذا حين هاجر 1842 لمانشستر ثم لندن والتي اندمج مع العمال حين عمله في مؤسسة تجارية والده شريكاً فيها، لم يكتف بمخالطة الطبقة العاملة ساعات العمل بل كان دائم الجذب أن يمارس الحياة بكل أشكالها في أحيائهم وأكواخهم واجداً فيها أكثر لحظات المتعة والإنسانية رغم القاذورات والأوساخ التي تبدو عليها ظاهرياً، كان دائم البحث والدراسات عما كتب عنهم في لندن والمدن الأخرى بانكلترا فيما قبله الشئ الذي أخرج سفره المكتوب " حالة الطبقة العاملة في انكلترا" يعطي صورة حية للتعاسة والبؤس كما أنه خرج بطريقة أخاذة وجاذبة وإلا لما جعله معظم العمال في أوربا بمثابة بطاقة شخصية للمعرفة والوعي، قبلاً من ذلك مرافعاته هو ورفيقه ماركس عن الطبقة العاملة والمنهج الثوري لتحررها رداً على الفيلسوفيين الأخوين (باور) وأتباعهما في نظرتهم (الانعزالية) بالاكتفاء بالنظر والتأمل في مقابل النضال الثوري والاستهزاء بالطبقة العاملة والنظر لها من علو وباعتبارها شريحة تخلو من عناصر النقد والحيلة فكان الرد الساخر في تسميتهم (بالعائلة المقدسة) والذي كان الإسهام الكبير فيه للرفيق ماركس. كان اشتراكه في انتفاضة الشعب المسلحة وثلاثة معارك من أجل الحرية في بروسيا دليلاً على إيمانه القاطع بقضية الطبقة العاملة ،الأمر الذي جعله دينمو للجهود الثورية هناك ، كما انتمائه للتنظيمات العمالية الإنجليزية والعالمية جعلت منه الأمين على صياغة أطروحاتها النظرية والعملية والتي صدرت باسم (البيان الشيوعي) في العام 1848 الوثيقة التي ما زالت منهلاً للفكر الثوري رغم الحاجة الماسة لإعادة قراءتها فيما يتسق بمستجدات العصر والتغييرات البنيوية الحادثة في تركيبة البرجوازية من جهة وفي الأخرى البروليتاريا بعيداً عن أوحال الجمود وجنوح التحريف.
عبد الفتاح بيضاب