الاستاذة رشا ممتازممثلة العلمانية الحقيقية


ابراهيم علاء الدين
2009 / 8 / 1 - 09:31     

بداية وبدون ادنى مجاملة استطيع القول ان الاستاذة رشا ممتاز عبرت بشكل رائع في مقالها امس على صفحات الحوار عن المضمون الحقيقي للعلمانية كما جاء في معظم التعريفات التي قيلت بشانها .. وفي الوقت الذي اتفق فيه مع ما تفضل به الاستاذ عدنان عاكف بان الاستاذة رشا هي التي تمثل العلمانية مضيفا ان المتعلمنين (والسبق في هذا اللفظ للاستاذة رشا وهو حقوق محفوظة لها) لا تنقصهم المعرفة، فتفسير وتعريف العلمانية موجود على محركات البحث على النت وهناك الاف الصفحات التي تشرح وتفسر بمنتهى الدقة تاريخ العلمانية ومؤسسيها والمعركة الضارية التي خاضها المصلحون ضد الكنيسة والكهنوت حتى تمكنوا من فرضها في الحياة العامة بالمجتمع الغربي.
أي ان المعركة الرئيسية التي خاضها العلمانيون كانت ضد رجال الكنيسة والكهنوت ، وكان الانتصار الحقيقي للعلمانية هو في اجبار رجال الكنيسة على الانطواء والانعزال في كنائسهم وابعادهم عن التدخل في الشؤون الدنيوية، بعد ان كان استبدادهم احد اركان النظام الاقطاعي في اوروبا القرون الوسطى.
ولم تكن المعركة بشموليتها ضد الدين المسيحي، ولم يخوضها الملحدون بل خاضتها الطبقة البرجوازية الصاعدة في نضالها الطويل والدموي احيانا ضد الاقطاع.
وبالتالي فان المعركة في بلادنا هي ضد قوى الاسلام السياسي ورجال الدين وكهنوتهم الذي يهيمنون بواسطته على العباد والبلاد. وليس ضد الاسلام والمسلمين. وايضا لا نريد ان يخوضها الان الملحدون او العلمانيون او القوى المنطوية تحت أي اسم مهما كان بل كل الشعوب بكل طبقاتها وهذا لن يتحقق الا اذا شعرت الشعوب ان لها مصلحة مادية في ذلك في الدنيا وخصوصا تحسين احوالهم المادية والمعيسشية، تواجه المصلحة المعنوية التي يسوف يحصلون عليها في الاخرة.
أي ان العلمانية هي رؤية للحياة ليست دينا او مذهبا بل سلوكا بشريا ينحو نحو التحرر من استبداد الاقطاع والانتقال الى عصر البرجوازية حيث الانتاج الغزير والميكنة والات الغزل والعجلة المائية وبداية الاختراعات .. مما يعني ان التطور الفكري هو لصيق جدا بالتطور الاقتصادي للمجتمعات وليس منفصلا عنه باي حال من الاحوال.
ولذلك فان المتعلمنين الذين يرفعون شعار القضاء على الاسلام والمسلمين هو الطريق نحو العلمانية في بلاد العرب ينقسمون الى نوعين :
القسم الاول : قسم يستخدم الثقافة التبشيرية المسيحية ولا اريد ان اقول مبشرين يحاولن اظهار كل مفاسد الدين الاسلامي وتلميع مميزات الدين المسيحي بشكل او ياخر، ويستخدمون اقذع الكلمات في تسفيه وتحقير الاسلام والمسلمين، ويشكل هؤلاء لوبي اصبحت اسمائهم الصريحة والمستعارة والقابهم معروفة ويتحركوا بنظام وانتظام سواء للتاييد او رفض ما يتفق او يختلف مع ارائهم وكان هناك قيادة تحركهم وتوجههم، والاغرب من ذلمك ان القاعدة العريضة من المفردات والشواهد والادلة التي يستخدمونها متشابهة تقريبا وكأنهم مثل ما يقولون (قاريين على شيخ واحد).
ويتغطي هؤلاء بالعلمانية احيانا وبالليبرالية احيانا اخرى لتمرير ثقافتهم المسيحية بشكل ظاهر احيانا وبشكل خفي في احيان اخرى .. ويتصدرهم مجموعة من الاقباط الذين لا يخفون حقدهم وتعصبهم ضد الاسلام بصورة عامة، وهؤلاء يبدو انهم يستمدوا تحريضهم من القنوات الفضائية الدينية المنتشرة للتبشير وقدوتهم القمص بولص، وتزداد عصبية هؤلاء وتعصبهم من مشاهدتهم لقنوات الدراويش الاسلامية التي تبث ايضا التعصب والحقد ضد الديانات الاخرى . ويوجد على موقع (بال توك الاف الغرب للمناظرة بين المسلمين والمسيحيين المتعصبين من الطرفين يحاول بعض من يكتب او يعلق بالحوار ان ينقل تلك الاجواء الى صفحات الحوار المتمدن التي ترفع شعار الليبرالية والعلمانية أي شعار عدم التطرف والتزمت والدعوة الى الحوار والتسامح والتعايش المشترك دون احقاد ودون تمييز وعلى قاعدة المساواة بين الجميع، مما يؤدي احيانا وبسبب كثافة الهجمة المنظمة التي يشنها هؤلاء بان تصبح صفحات الحوار وكانها متخصصة بالهجوم على الاسلام والمسلمين وهذا على ما اعتقد مناف تماما لرسالة الحوار المتمدن.
اما القسم الثاني : فهو يضم مجموعة من الكتاب الملحدين سواء شيوعيين او غير شيوعيين او يساريين مراهقين، ممن اصطدم خطابهم الفلسفي بمعتقدات الناس في هذه البلدان وخصوصا المعتقدات الاسلامية فظنوا ان فشلهم وفشل احزابهم كان بسبب هذه المعتقدات وباتوا على قناعة بانهم ما لم يقضوا على هذه المعتقدات من جذورها فانهم لن يحققوا اهدافهم .
وقد غاب عن بال هؤلاء المراهقين ان الشيوعيين الصينيين كانوا عندما يذهبوا الى القرى في الريف لتنظيم سكانها كانوا يقومون بطلاء المعابد البوذية وتجميلها ولم يحدث قط ان اصطدمت دعايتهم بمعتقدات السكان، بل كانوا يختارون سرا الاكثر تطورا وقبولا بمعتقداتهم ويضموهم للحزب.
كما انه في تجربة الحزب الشيوعي العراقي كثيرا من سكان الريف الذين انضموا الى الحزب الشيوعي العراقي خصوصا في منطقة الناصرية والبصرة كانوا لا يميزون بين الشيوعي والشيعي .. وحتى في لبنان ولفترة السبعينات كان الكثير من شيعة الجنوب اعضاء في الحزب الشيوعي اللبناني ولا يميزون بين الشيعي والشيوعي فكيف يمكن للفلاح البسيط ان يميز بين هذا وذاك المهم ان هؤلاء الشيوعيين يريدون تحسين احوالهم المعيشية فايدوهم ومن يمتلك درجة اعلى من الوعي كان يستقطب ويلحق بدورات خاصة كي يستطيع التمييز ويدرك كنه الشيوعية .
لذلك فان الدور المراهق الذي يلعبه من ينتمي لهذا القسم يؤدي الى الحاق ضرر فادح بالجهود الحقيقية التي يبذلها الليبراليون والعلمانيون الحقيقيون لنشر افكارهم والتي لا تتعارض مع أي دين من الديانات بل هي لتنظيم شؤون الدولة بحيث تقوم على قوانين وضعية تسير حياة البشر .
ويخطي هؤلاء خطأ فادح في دعوتهم هذه يجب معه مواجهتهم وتصحيح مفاهيمهم اذا كانوا حقا يؤمنون بالعلمانية كمفهوم لادارة شؤون دولة ومجتمع وليس دينا جديدا جاء ليحل محل الاسلام.
ولما كانت تيارات الاسلام السياسي تعارض انتزاع الملك والسيطرة والهيلمان والوجاهة منها فمن المنطقي ان تحارب الدعوات العلمانية والليبرالية وهنا تكمن المعركة الحقيقية للعلمانيين واليبراليين أي مع تيارات الاسلام السياسي واي تيارات دينية سياسية اخرى لو وجدت وليس مع جوهر الدين واتباعه وان يصل الامر الى دعوة البعض منهم لقتل المسلمين او لاعلان الكفاح المسلح في وجه المسلمين ويقول احدهم في بعض تعليقاته انه لم يعد يثق باصدقائه من المسلمين او كأن تقول السيدة وفاء سلطان في مقالاتها وتقصد به الرسول محمد"رجل واحد استطاع أن يغسل أدمغة مليار ونصف بشري بتعاليم لا يمكن أن يقتنع بها ذو عقل، ألا تستطيع امرأة واحدة أن تغسل تلك الأدمغة من تلك التعاليم؟!!"".
نعم لن تستطيعي يا دكتورة ولن تستطيعي ما اوتيت من قوة وحشد وادعاء وغرور. وحديثك هذا لا يمت للعلمانية باي صلة لا من قريب او بعيد .. انه حديث تبشيري مسيحي متعصب مليء بالحقد ولا ينتمي لا ي مذهب من مذاهب البحث والدراسة ..
لأن منلديه ذرة او عقل يدرك بان قوة في الارض لم تنهي دين منحياة البشر سواء كان سماويا او ارضيا وثنيا .. وحديثك يدل على مراهقة فكرية وطرح سطحي وازدراء لعقول الناس .. وشحن لصغار المبشرين الذين يصفقون لك ويمطروك بالتأييد في قائمة التصويت.
واخر ترهاتك دعوتك البائسة للدكتور القمني للهجرة واستقباله في منزلك ودفع قيمة تذكرة الطائرة .. وانت تدركين حق الادارك الا اذا كنت جاهلة ان قيام الدكتور القمني بتلبية دعوتك فيه اغتيال لنفسه بيده وليس بيد المجرمين الذين افتوا بهدر دمه ..
كما تجدر الاشارة الى كتابات الدكتور النجار كذلك .. وقد كان مقاله "لماذا انتقد الاسلام" ضعيفا ركيكا متهافتا لا يستند الى ركيزة على الاطلاق لان جوهر الدينات الثلاث اليهودية والمسيحية والاسلام واحد وهناك نقاط مشتركة تزيد على 90 بالمائة .. لذا فما يستوجب نقد الاسلام يستوجب نقد الدينات الاخرى ام قوله بانه ليس لديه معرفة بالديانات الاخرى وانه فقط كونه مسلم ادرى بدينه فهذا ينطبق عليه شر لابلية ما يضحك .. لان الذي يود ان يصبح علما وناقدا للدين الاسلامي عليه ان يكون عالما بكل الاديان حتى يعرف كيف نقل كل دين عن الاخر وما هي اوجه التهيب التي طالت كل منها ليتناسب مع المرحلة التاريخية التي جاء فيها.
ومع ذلك فليس هناك أي اعتراض او حجر على نقد الدين أي دين على اسس علمية دون تسفيه او ازدراء لان العالم يناقش القضايا باسلوب علمي ومنطلقات علمية دون استخدام العبارات والجمل العاطفية التحريضية والتي تنطوي على الازدراء والتسفيه والتحقير.
ولكن لا يحق للدكتور النجار ان يعتبر ابحاثه بغض النظر عن تقييمي لمستواها هي تعبير عن العلمانية والعلمانيين .. لانني اؤكد مرة اخرى ان احدا من علماء السياسة او الاجتماع او الاقتصاد او النفس قال بان العلمانية تعني الالحاد .
ايها الاخوة والاخوات الزملاء والزميلات ان معركتنا الحقيقية كما قال صديقي العزيز خالد العاني هي مع مظاهر التخلف والبؤس والفقر والاضطهاد ، وهي معركة سياسية بكل المقاييس والمفاهيم ولا يجب ان نسمح بحرف اتجاه المعركة الى ميادين الثرثرة الفكرية .. فساحات المناظرة بين المسيحيين والمسلمين اكثر من تحصى على الشبكة.. علينا ان نركز الجهد على طرح تصوراتنا للمستقبل وان يبدع كل منا بتقديم فكرة او رؤية او وجهة نظر تساعد شعوبنا على الارتقاء من اوحال التخلف .. ولا انكر انه في صلب هذه المعركة يجب مواجهة الاصوليين وكل دعاة التطرف وتيارات الاسلام السياسي وهرطقاتهم وفضح اساليبهم وطرق تجارتهم بالدين، ولكن في اطار المعركة السياسية .. المعركة التي تهدف الى بناء الدولة الديمقراطية الليبرالية العلمانية ، والتي لا يمكن الوصول اليها الا بالنضال الشاق ضد سطوة واستبداد بقايا عصر الاقطاع والانتقال الى عصر الانتاج المعاصر، وهذه معركة لا يمكن ان يقودها الا البرجوازية الصغيرة في الغالب بالتحالف مع البرجوازية الكبيرة ذات المصلحة باستثمار خيرات اوطانها لمصلحتها في مواجهة بقايا الاقطاع والكمبرادور (اصحاب الوكالات التجارية) وقوى الانتاج الهامشية ..
أي ان المعركة تتطلب النضال على جبهتين في ان واحد جبهة النضال ضد نمط الانتاج الاقطاعي وهيمنة تجار وكالات السلع الاجنبية .. ويفرض هذا النضال صراعا من نظم العولمة .. وفي نفس الوقت نضالا ضد الفكر الاقطاعي الذي يستند على الدين بصفة اساسية والتي لم تكن تيارات الاسلام السياسي الا افرازا له. ولاجل حمايته ومده بمقومات الحياة لاطول فترة ممكنة.
فاوروبا لم تنتقل الى العلمانية فكريا ثم انتقلت من عصر الاقطاع الى الراسمالية .. بل ان التطور في ميادين الانتاج كان يفرز المصلحين والفلاسفة الذين قادوا الفكر الانساني الى ما اعتبروه ارقى شكل من اشكال تنظيم المجتمع .. وهو المجتمع العلماني.
ومع ذلك جاءت الماركسية لتقول ان تطور وسائل الانتاج ووصول الراسمالية الى اعلى مراحلها سينقل المجتمع الى نظام اخر وهو النظام الشيوعي.
وفي الجدل الفلسفي حول من الاصل المادة او الفكر .. يقول الماديون بان المادة هي الاساس .. ومن تناقضاتها وجدليتها تبلورت الافكار .. وعندما كنا صغارا ونجادل بعكس ذلك كان يقال لنا .. ايهما يخلق اولا العقل في راس الانسان ام التفكير .. وكانوا يؤكدون لنا ان العقل يوجد في راس الانسان منذ مولده بينما عملية التفكير تبدأ ربما بعد عدة اشهر او يزيد. وكان هذا كاف لاقناع كثيرين .
فهل نحن بحاجة لنطرح مثل هذا السؤال على كتاب كبار بالتاكيد نكن لهم كل احترام
فكفى عبثا باسم العلم والعلمانية بمشاعر الناس ومعتقداتهم لان هذا لن يغير شيئا ابدا .. فالتغيير يبدا مع تغيير الوقائع على الارض أي بتغيير نمط الانتاج ووسائله واسليبه ثم تتغير على ضوئها العلاقات الاجتماعية هكذا قال ماركس .. وانا مسلم ومقتنع بما قاله ماركس .. كما انا مقتنع بكل الافكار التي تعزز العمل الحقيقي على ارض الواقع لتحقيق نتائج عملية .

ملاحظة : وانا اكتب في المقال كان برنامج على العربية حول تركيا حيث ذهب احد المرشحين لمقابلة ممثلي قريتين فقالوا للمرشح نريد رصف طريق بين قريتينا طولها 600 متر اذا وعدتنا بذلك نعطيك 1300 صوت .. أي ان المسالة نفعية بشكل مباشر دون لف او دوران .. ولم يسالوهم من أي حزب او ما هو دينهم او معتقدهم .. هذا ما يريده الناس .. يريدون من يحقق لهم مصالحهم فيعطوهم اصواتهم .. فهل يدرك اصحاب الثورة الثقافية كم هم مخطئون...!!

مع التحية للجميع والاعتذار ممن لم يعجبه رأينا