طالما الفساد هو السبب .. فمطلوب حل النظام السوري.. وليس اتحاد الكرة


ابراهيم علاء الدين
2009 / 7 / 30 - 05:11     

يقول عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد " في ظل الاستبداد يضطر الناس إلى إباحة الكذب والتحايل والخداع والنفاق والتذلل ومراغمة الحس وإماتة النفس، وينتج من ذلك أنه يربي المجتمع على هذه الخصال".
اصدرت القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم في سوريا منذ عدة ايام قراراً رسمياً يقضي بحل المكتب التنفيذي للاتحاد الرياضي العام ، وتشكيل لجنة مؤقتة تقوم بمهامه، لحين إجراء انتخابات مبكرة للاتحاد يرأسها اللواء فاروق بوظو.
وبالامس قام اللواء (دققوا النظر اللواء – متقاعد) فاروق بوظو بحل اتحاد كرة القدم لدواعي الفساد ....!!!
فلنهلل ونبتهج فهاهي جهود محاربة الفساد قد طالت الجهاز الرياضي ، بعد ان تم القضاء على الفساد في كل مناحي الحياة في سوريا ..!!! وها هو الرئيس بشار الاسد يفي بوعده الذي قطعه على نفسه حين اعتلائه سدة العرش خليفة لوالده بعد تزوير الدستور وتطويعه كي يرضي الاب العظيم مؤسس جمهورية الاستبداد قلعة الممانعة الحالية الرفض سابقا .. والحرية والاشتراكية والوحدة في الزمن البعيد..!!
انه لأمر مضحك .. ويثير الغضب في آن (فشر البلية ما يضحك)
والواقع ان الذي يجب حله هو النظام الحاكم ذاته وليس اتحاد الكرة .. او اتحاد الطلاب .. او اتحاد الغرف التجارية .. او اتحاد المحامين .. او الاطباء .. او المعلمين .. او المرأة .. او أي اتحاد آخر..
لماذا ..؟؟ لأن جميع هذه الاتحادات ما هي الا افرازا للنظام السياسي .. افرازا للاستبداد السياسي .. والاستبداد السياسي لا يفرز سوى الفساد في كل ناحية وصوب واتجاه.
فعندما تمنع الحريات بكل اشكالها لا بد وان يسود القهر والمحسوبية والفساد والسرقة والانتهازية والوصولية ويعم الفقر والجهل فتنتعش الدعارة العلنية والمستترة ، وتتم الصفقات المشبوهة بسرية بالغة ويتم تداول الوثائق والمستندات في نطاق العصابة الحاكمة واتباعها وازلامها ، وتجير كل امكانات الدولة لصالح النظام ورموزه واتباعه .. التي تكون شبكة مترامية الاطراف همها الاول والاخير تسخير الصلاحيات والمسؤوليات العامة في خدمة المصالح والامتيازات الخاصة، دون خوف او وجل طالما ان الحريات العامة ممنوعة، وتتسلط على المواطن اساليب القهر والعنف فأبعدته ومنعته من ممارسة دوره الرقابي .. بل شوهته اخلاقيا ونفسيا ، ودمرت القيم الانسانية ذاتها.. فصال وجال المفسدون يعبثون بالوطن ومقدراته وبشره كيفما يحلو لهم.
وهكذا هي الحال في سوريا .. الفساد ضارب جذوره عميقا في المجتمع وفي كل ثنايا وتفاصيل الحياة .. وليس فقط في الاتحاد العام للرياضة ، او في اتحاد كرة القدم .
فلو ان هناك جهود حقيقية مهما كانت متواضعه في مكافحة الفساد ومواجهة المفسدين فيفترض ان يكون الكثير من الرموز والاسماء الطنانة يمضون باقي حياتهم خلف القضبان امثال " رامي مخلوف, محمد حمشو, ماهر الأسد, نادر قلعي, هاشم العقاد, أياد غزال، اللواء إبراهيم حويجة مدير إدارة المخابرات الجوية " بطل المناقصة الخفية لبيع أجهزة اتصالات إلى قيادة القوى الجوية والدفاع الجوي التابعة "لوزارة الدفاع", التابعة " للقوى الجوية " والتي كان يرأسها " اللواء مشهور عودة "وتم تقديم عقود خارجية وداخلية، وعمار ساعاتي "صديق ماهر الأسد، وغسان بلال" ( مدير مكتب الأمن بالفرقة الرابعة التابعة إلى ماهر الأسد عملياً وهو ابن العميد علي بلال الضابط المتقاعد الذي كان نائب اللواء فوزي غازي مدير إدارة النقل العسكري وشقيقه النقيب محمد بلال ضابط في إدارة المخابرات الجوية "أمن الطائرات". والقائمة طويلة.
لو كانت هناك اجراءات صادقة في مكافحة الفساد فلماذا لم يتم محاسبة ابطال الصفقات السرية وتبييض اموال النفط العراقي المهرب في البنوك اللبنانية ، وتهريب المخدرات من البقاع اللبناني، وسرقة فروق الأسعار وسن القوانين على مقاسهم ليتمكنوا من إقامة مشاريعهم، وكيف يتمكن أصحاب المليشيات المغطاة تحت اسماء رجال اعمال والتي تفرض الخاوة على أي مواطن يقدم على اقامة مشروع خاص حتى لو على مستوى بقالة مثلهم مثل رجال عصابات المافيا في نيويورك او شيكاغو ، والذين طال جشعهم كل ثنايا الوطن وفاحت روائحهم الكريهة بسبب استغلال نفوذهم بوحشية ودون رحمة فسرقوا سوريا وما تملك وتركوا المواطن جائعا هائما على وجهه لا يجد قوت يومه ولا يملك ثمن القليل من المازوت يداري فيه برده في الشتاء القارص.
كيف يكون هناك مكافحة للفساد وهو اصبح احد الشروط بل الشرط الوحيد تقريبا لاختيار الافراد لتولي المسؤوليات الحكومية .. وكيف غزا فساد المحسوبية هذا ليدمر القيم والعقول والضمائر، حتى اصبحت الثقافة الشعبية تعتبر هذا السلوك احد القيم الايجابية ومن يتقنها فهو الذكي والماهر والشاطر، بعد ان تخلى المواطن وبات يزدري قيم الحق والنزاهة والمساواة والشرف ويعتبرها (ما بتطعمي خبز) واصبح من يحترم القيم النبيلة هو الانسان الضعيف الساذج قليل الحيلة (الذي لا يدري من اين تؤكل الكتف).
وكيف يحارب النظام السوري الفساد وهو يضع بنودا سرية في الموزانة العامة للفساد توفر لرموزه المقدرة والمرونة على التعامل مع العقود التي تبرمها الدولة مع الشركات، وتتيح للموظفين الكبار في الدولة او الشركات الاستفادة من مناصبهم ومواقعهم للحصول على رشا غير شرعية اما على شكل هدايا او نسب من العقود او بطرق مختلفة.
وهنا تحضرني نكته ربما بات ضروريا ذكرها لتخفيف الضغط العصبي على القاريء
تقول النكتة .. ان وزيرا سوريا زار نظيرا له موسكو حين كانت عاصمة للاتحاد السوفياتي ، فوجد الوزير السوفياتي يعيش في رغد من العيش ظاهر وواضح ويتعارض مع كل الشعارات التي يسمعها الناس سواء في داخل الاتحاد السوفياتي او خارجه.
فسال الوزير السوري نظيره السوفياتي قائلا : من اين لك كل هذه الامكانيات لتعيش بهذا المستوى الرفيع ..؟
فقال الوزير السوفياتي بعد رفع الستارة عن النافذة انظر يا صديقي الى ذاك الجسر
نظر الوزير السوري وسأل ما به ..؟
قال السوفياتي : وضعنا ميزانية قدرها (كذا كذا ..) لبناء الجسر فانفقت نصفها ووضعت الباقي في جيبي.
وبعد سنتين قام الوزير السوفياتي بزيارة دمشق وقام بزيارة صديقه في منزله فوجده على مستوى رفيع ، وجد امامه منزله بموسكو وضيعا بسيطا لا يليق بوزير.
فساله من اين لك ان تمتلك مثل هذا المنزل الفخم ..؟
فرفع الوزير السوري الستارة عن النافذة وقال له انظر ..
نظر الوزير السوفياتي فلم يرى شيئا .. وقال لا ارى شيئا .
ضحك الوزير السوري وقال لقد صرفنا ميزانية قدرها (كذا وكذا ) لبناء جسر فلم اقم ببنائه ووضعت كل المال في جيبي ..
والنكتة لا تعبر الا عن احد مظاهر الفساد .. وتعبر عن جزء من مظاهر الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وبسبب هذا الفساد المتعدد والمتنوع الاشكال يصبح كل ما يقال عن التنمية هراء وكذب وافتراء، واي حديث عن انتعاش اقتصادي عبارة عن اوهام لا تدغدغ سوى احلام الفقراء الذين كل ما يهمهم هو ايجاد فرصة عمل تعينهم على مواجهة ضنك المعيشة ، في ظل ارتفاع معدلات البطالة والفقر والارتفاع الجنوني في اسعار المواد الاستهلاكية التي تبلغ حد الجنون في شهر رمضان.
ان حديث النظام التسلطي عن مكافحة الفساد كذبة كبرى .. لانه لا يستطيع ان يستمر مهيمنا على مقدرات الشعب السوري الا بالفساد والافساد، فهو مرافق له بل هو صنيعته ومصدر بقائه وحياته.
اما الذي يستطيع القضاء على الفساد فعليا فهو الشعب نفسه وحتى تتمكن من الخلاص من براثنه وتقضي عليه وعلى رموزه فعليها ان تبدأ بتنظيم حركة احتجاجات جماهيرية وتوقيع العرائض وتوزيع البيانات واقامة الندوات والمحاضرات والاعتصام ورفع الشعارات التي تطالب بمحاسبة المفسدين والفاسدين والقيام بمسيرات سلمية ووقفات احتجاجية .. للتعبير عن التذمر الشعبي من سوء الاوضاع بسبب استفحال الفساد .
ويجب ان تتصدر مؤسسات المجتمع المدني عمليات الاحتجاج الشعبية وان ترفع مطالبها بزيادة الاجور .. لان انخفاضها هو الذي يجعل شرطي المرور والموظف الصغير يتقاضى الرشوة لسد رمق اسرته، في ظل ارتفاع اسعار السكر والحليب ومستقاته ومعظم المواد الغذائية والمحروقات والمواصلات والنقل والماء والكهرباء ومختلف الخدمات. ومستلزمات الدراسة .
وعلى مؤسسات المجتمع المدني والقوى الديمقراطية على اختلاف مسمياتها ان تتصدى بحركات سلمية متعددة الاشكال لفرض النزاهة ووضع قوانين نافذة لمحاسبة الفاسدين وان تعمل بكل قواها وتعبيء الجماهير للقضاء على الاستبداد السياسي وفرض الديمقراطية واشاعة مناخات الحرية التي تسمح للمواطن بالمشاركة في ادارة شؤون وطنه ، وتنهي التداولات السرية للمعلومات، وان تعيد النزاهة للقضاء ، وان تضع حدا للفساد السياسي والاداري والاجتماعي الذي يقوده ضباط المخابرات والامن والشرطة والجيش، وان يعيدوا للحياة وجهها المدني.
ان مواجهة الفساد تتطلب ايضا حرية الرأي والتعبير .. ورفع الحجر عن النشاط السياسي بعيدا عن تدخلات الحكومة وعيونها المخابراتية ، والاحترام الكامل لحقوق المواطنة، واحياء دور المجتمع المدني في مراقبة اداء مؤسسات الدولة ورموزها .. وتوفير السبل لمقاضاة كل مرتش وفاسد يستغل وظيفته للتكسب غير المشروع.
ان الفساد المستشري في سوريا بات ظاهرا في كل زاوية وشارع ومنعطف .. فرجالات الدولة يعيشون في عالم من الترف والثراء والعيش الرغيد .. والمواطن يعيش في ضنك ومشقة ومعاناة لا حصر لها ..
والا لما شغلت بيوت الدعارة الطوابق العليا من فنادق وسط دمشق .. ولما تخصص الاف القوادين في بيع المتعة الحرام .. ولما باتت الشقق المفروشة المحمية من رجال الشرطة والمخابرات مرتعا للسائحين يستقبلون بها بائعات الهوى من كل صنف ونوع ، ولما بات الغش والخداع والمخادعة ملاصقة للبائع في الاسواق الشعبية والراقية على حد سواء ..
وكذا الامر في المطاعم والاماكن السياحية، وحتى سائقي التاكسي كل يتفنن في التحايل على قواعد الاخلاق والشرف.. وهذه الصورة ليست في دمشق عاصمة البلاد بل منتشرة وعلى نطاقات متباينة في كافة المدن السورية بلا استثناء.
عدا عن طرق الخداع الاكثر احترافا التي يمارسها رجال الاعمال مع كل من يحاول البحث عن فرصة استثمارية في سوريا ..
الصورة بشعة الى حد لا يطاق يصبح معها من العيب حقا ان يدعي النظام انه قام بهذه الخطوة او تلك في اطار مكافحة الفساد .. لان مكافحة الفساد الحقيقية والفعلية والتي باتت ضرورية لا تتحقق الا بحل النظام وتدمير قواعد واسس الاستبداد السياسي .. ووضع اسس جديدة لا تسمح مطلقا لاي قوى مستبدة قومية او دينية او من اصحاب الحتميات التاريخية ان تنفرد بالسلطة.