في ذكرى رحيل القائد العمالي العراقي حكمت کوتاني !!


رعد سليم
2009 / 7 / 27 - 10:43     

قلما تكتب الحركات العمالية واليسارية عن تاريخ نضالها و عن قادتهم الذين لهم دور مهم في رسم سياسة الحركات الاجتماعية المهمة في الساحة السياسية. على العكس من الحركات القومية و الدينية التي دائما ما تبرز قادتها في تاريخ حركاتها السياسية و الاجتماعية وتعتبر هذه الشخصيات جزء مهما من تاريخ حركتها و يسعون دائما الى ابراز قادتهم علي حساب غمط مكانة و دور تلك الشخصيات العمالية اليسارية.

ان هذا لنقص في عمل الحركات اليسارية و الشيوعية في العالم العربي، و خير مثال على ذلك القادة حكمت کوتاني و ارا خاجادور و كثير من القيادات العمالية و النقابية ممن كان لهم دور كبير و ريادي في تاريخ الحركات العمالية الراديكالية في العراق. ان وجودهم ونضالهم كان له دور مهم بمواجهه الحكومات و الطبقة الراسمالية لحد من استغلال العمال و سلب حقوقهم.

ان اي شخص يريد الحديث عن الحركة العمالية في العراق و الشرق الاوسط ، لابد له من التطرق الى دور هؤلاء الاشخاص الذين لهم أسهامة مهمة في رسم و تفعيل الحركات العمالية الراديكالية في المنطقة.

ان تلك القيادات العمالية كان لهم دور عملي و سياسي في تنظيم العمال في نقاباتهم و نضالهم بوجه الحكومات المتتالية في تاريخ العراق الحديث. ان هذ لوظيفة الشيوعين العمالين في العراق، وظيفتهم ان يكتبوا و يبرزوا دورتلك القيادات العمالية و النقابية في ادبياتهم و كتاباتهم.

في مقالتي استعرض حياة القائد العمالي الشيوعي حكمت كوتاني. ولد حکمت کتاني عام 1923 من عائلة عمالية في مدينة بغداد . وتعرف علی المارکسية و الشيوعية في مطلع شبابه و ارتبط في اواخر عام 1948 بالحزب الشيوعي العراقي.

وکان خلال مراحل الازمات السياسية و تصاعد الحرکات الجماهرية في عقدي الخمسينات و الستينات واحدا من القادة المساهمين في حضور الحرکات الجماهيرية الي الميدان و تحريك العمال و جموع الجماهير بوجه السلطة الملکية الرجعية.

قاد في عام 1953 انتفاضة تشرين الجماهيرية في بغداد و جرح خلالها و سجن لمدة ثلاثة اشهر. و في خضم هذا الصراع، ناضل مباشرة من اجل تنظيم العمال في منظمتهم المستقلة و بهذا الشکل اصبح واحدا من القادة العملين لتنظيم الحرکة النقابية العمالية في اوساط عمال العراق. و نتيجة لهذا النضال جرح وتعرض مرات العديدة للملاحقة و الضرب و السجن.

و شارک في انتفاضة عام 1958 ليصبح في نفس العام سکرتيرا عاما لنقابات عمال العراق التي كانت تضم 250 الف عضو نقابي. وعمل رئيسا لتحرير جريدة (اتحاد العمال)، رغم ان الرفيق کوتاني قد اخذ علی عاتقه كعضو في صفوف الحزب الشيوعي العراقي عشرات المسؤوليات الکبيرة في الحزب ، منها مسؤول تنظيمات مدينة السليمانية و الموصل و انجز مهمة تاسيس النقابات العمالية .

الا انه و بسبب کونه واحدا من المخالفين الاشداء للسياسات و المواقف المساومة لقيادة الحزب الشيوعي العراقي و خصوصا في فترة الانتفاضات الجماهيرية لسنوات 56، 57 حيث دافع حکمت کوتاني بشدة عن نضال عمال العراق من اجل الاستلام الفوري للسلطة السياسية، تم ابعاده عن الحزب باساليب مختلفة.

لقد كان الرفيق کوتاني نموذجا للشيوعي البلشفي و الثوري، و کانت لديه افکارا و توجهات و قناعاته الراسخة بان ليس بالامکان تحرير الطبقة العاملة بدون ان تستلم السلطة السياسية. و کان ذلك احد اهم خلافاته مع الحزب الشيوعي العراقي. يقول كتاني في احدى مقابلاته مع جريدة الشيوعية العمالية " ان السلطة البرجوازية الاوتوقراطية القائمة حاليا عدت تنخبط بازماتها الخانقة من کافة الجوانب و ليس لديها متنفسا و لا تمتلك حلولا لها، و بات من الصعب و العسير ديمومتها اذ اغلقت امامها امکانات البقاء و امسی الافلات من السقوط مستحيلا، حيث غدت الجماهير الغفيرة في حالة ترقب دائمة لمبادرة مقدامة من شانها اشعال فتيل انتفاضة ثورية مسلحة تطلق العنان لجموع الکادحين الثائرين لکي يصنعوا مستقبلهم الافضل".

و يقول في مقابلته مع جريدة (العامل الشيوعي) الصادرة من الحزب الشيوعي العمالي الايراني في سنة 1998:
((......... تم اعتقالي في اليوم الاول من سنة 1955، وقامت الشرطة بتعذيبي، وبعد خروجي من المعتقل، بعد اربعة اشهر و اطلاق سراح زوجتي ايضا، قررت قيادة الحزب الشيوعي ارسالي الي مدينة الموصل لقيادة الحزب هناك وخلال فترة وجيزة اصبحت المنظمة اقوى منظمة للحزب وفتحنا مجالات واسعة للعمل الجماهيري. في شهر ايلول قادت منظمتنا اضرابا جماهيريا في مدينة الموصل، تحول الي انتفاضة عارمة( سميت باضراب القصابين في حينه) ، ضد ضرائب البلديات المفروضة بمرسوم ملكي علي نطاق العراق كله. وذهبت الي بغداد بطلب من الحزب الشيوعي للمشاركة في الكونفرانس الثاني، ووصلت بعد انفضاض الكونفرنس (المؤتمر الحزبي) بينما كنت مندوبا فية، وأدعت قيادة الحزب ان اثنين من المندوبين لم يحضروا الى الكونفرانس بسبب خطا فني!!؟ وكنت انا احدهما.

اجتمع معي حال وصولي سكرتير اللجنة المركزية، سلام عادل، ومعة سكرتير منظمة بغداد وتناوب بالمجيء ايضا جمال الحيدري عضو مكتب السياسي. وانتقدت بشدة قرارات الكونفرنس، لاسيما استنتاجه بان تغير الحكم سيتم بطريقة سلمية علي الغالب، وكان الاستنتاج متاثرا بتوجيهات موسكو في هذا المضمار و ناقشت ايضا امكانية توسيع انتفاضة الموصل لتعم كل العراق، ومن خلالها وبواسطتها يتم اسقاط السلطة الملكية الرجعية الغاشمة. و قدمت تاکتيک الانتفاضة المسلحة في بغداد، القادرة علی اسقاط السلطة و ذلك بتوسيع المليشيات المسلحة التي انشأها الحزب في حدود ضيقة بهدف ضرب مؤسسات اجنبية في بغداد علی اثر العدوان الثلاثي علی مصر، اي جعلها متمکنة و مدربة و واسعة، تضم عشرات المسلحين الذين يتجهون وفق خطة محکمة منذ الصباح الباکر لاحتلال اهم مؤسسات الدولة و خاصة الاذاعة، لاذاعة بيان الثورة، و قلت بان هذا التکتيك و نجاحه يطلق العنان لثورة العمال و الفلاحين والکادحين وکل احرار الشعب. و لکن قيادة الحزب لم تهضم هذا التاکتيك، ولم تقتنع به اطلاقا، جراء نهجها الاصلاحي المزمن. و استغرب السکرتير حينما اجبته علی سؤاله لي عن امکانية القوة المسلحة في منظمة الموصل فقلت له تريد عشرة مسلحين فتسائل مستغربا عشرة؟ قلت له ضع صفر علی اليمين قال مائة؟ قلت ضع ضفرا اخر قال الفا؟ اجبته بان لدينا في الموصل الاف المسلحين تحت قيادة الشيوعين. مارست لجنة عمال بغداد ، في حينها ضغطا قويا علی قيادة الحزب متبينة تاکتيك الانتفاضة المسلحة. ولکن قيادة الحزب رفضت هذا التاکتيك و استجابت الي تاکتيك الحرب الاهلية، و انيطت لجمال الحيدري ولي شخصيا. و ذهبنا الي الموصل و استعرضنا قوانا المسلحة، و بعد انجاز ذلك سألت جمال الحيدري، هل کنت مبالغا في تقديري؟ فقال بالعکس کنت متواضعا جدا.
فاتني القول ان العسکرين الاحرار من الضباط خاصة، اتصلوا معي عن طريق قريبي و هو اقدم شيوعي في العراق، و طلبوا وضع امکاناتهم في الجيش معنا و و ذکروا له‌ بعض هذه الامکانات شريطة ان لا ابلغ قيادة الحزب عنهم!! و تعهدت بذلك، فطلبوا مني التوسط لدی الحکومة السورية لفتح مطار حلب لاحتمال ان تلجا اليه اربعة طائرات مقاتلة حديثة کانت مهيئة للقيام بالهجوم علی السلطة، و فعلا لم اذکر ايه معلومات لقيادة الحزب عنهم!! ان الاحرار من العسکريين لم يثقوا بقيادة الحزب الشيوعي!!
طلبنا من جمال الحيدري الذهاب الي سوريا لاقناع الحکومة بفتح مطار حلب. ذهب جمال حيدري دون رجعة و بقيت في الموصل منتظرا دون جدوی، وقفلت راجعا الي بغداد، لأجد قرارا صادرا من قيادة الحزب يقضي بطرد و معاقبة کافة اعضائها باستثنائي)).


اعتقل حکمت کوتاني تي عام 1963 و بعد هجمة القوميين علی النشاط السياسي و قيام نظامها البرجوازي الرجعي بمجازر واسعة ضد الشيوعين، حيث سجن لمدة ستة سنوات في نقرة السلمان.
بدآ نشاطه من جديد بعد اطلاق سراحه و بعد انقلاب 17 تموز ولکنه حيث علم بمراقبة الشرطة له غادر العراق صوب سوريا و ليمارس نشاطات ثقافية سياسية و فکرية وکتابة مقالات و کتابة دروس و تجارب الحرکة النقابية في البلدان العربية.

و قد اسس في تلك الفترة مع مجموعة من الشيوعين عصبة ثورية و اصدارجريدة باسم المناضل الشيوعي ليصل في عام 1985 الي النتيجة التالية و هي ان يترك صفوف الحزب الشيوعي العراقي. و بهذا الصدد يقول في نص قصير عن حياته: اثناء کتابتي للمقالات وصلت تدريجيا الي هذه النتيجة و هي ان الحزب الشيوعي العراقي فقد خاصيته الطبقية و اصبح حزبا برجوازيا و نوعا من الاحزاب الاشتراکية الديموقراطية و قد فکرت بتاسيس حزب جديد من طراز لينيني للطبقة العاملة و هکذا اصبح تاسيس حزب شيوعي عمالي في العراق، حزب يرفع راية الحرية و المساواة و الحکومة العمالية و يقف بصلابة و بدون مساومة ابدا مقابل البرجوازية و الرجعية و کافة الميول الديموقراطية و القومية و الدينية و الليبرالية و يناضل للدفاع عن هوية شيوعية مارکس و هدف اقامة عالم افضل و الامساك بالسلطة السياسية و قلب الحکومة البرجوازية ..... اصبح ذلك من الاماني و امال السنوات الاخيرة من عمره لذا ارتبط بحزبنا مع اول فرصة لتعرفه بالحزب الشيوعي العمالي العراقي و سياسته عام 1995.
و في الاجتماع الموسع الثامن للجنة المرکزية للحزب الشيوعي العمالي العراقي انتخب حکمت کوتاني مشاورآ للجنة المرکزية.
و في الساعة السادسة و النصف من صباح المصادف السابع من ايلول 1998 رحل عنا القائد العمالي و الشيوعي حکمت کوتاني في احدی مستشفيات کندا.

لقد کان حکمت کوتاني مناضلا جسورآ و صلبا فلم تتمکن اعتي سجون البرجوازية النيل من شجاعته و ايمانه بالشيوعية و کان معلما جيدا للعمال، کان يؤمن بان العدالة الاجتماعية لا يمکن ان تتحقق و بان الانسان لا يمکن ان تتحرر انسانيته الا بدك المجتمع الراسمالي و بناء المجتمع الاشتراکي. و سيبقی نضال حکمت کوتاني و جهده و اعماله المهمة في تاريخ الحرکة الشيوعية و العمالية في العراق و المنطقة الي الابد و لن تمحی من الذاکرة.

المجد و الخلود للقائد العمالي و الشيوعي حکمت کوتاني و کافة القادة العمالين و الشيوعيين الذين ناضلوا بحياتهم من اجل الحرية و المساواة و من اجل الطبقة العاملة و حقوقها .