الرئيس إيفو موراليس ينتصر في محاولة لاغتياله


فنزويلا الاشتراكية
2009 / 7 / 17 - 09:36     

لم يلبث أن انتصر الرئيس البوليفي إيفو موراليس في معركته الفريدة التي قاد فيها مصالح الفقراء وصولاً إلى التشريع القانوني لها، حتى بدأت القوى المعادية له بمواصلة سلسلة الضربات التي تستهدف مشروعه الثوري في البلاد. فبعد أن أضرب الرئيس موراليس عن الطعام عدة أيام دفاعاً عن مشروع قانون يعطي حقوقاً عادلة للسكان الأصليين في بوليفيا، وهو المشروع الذي لم يتوقف الرئيس موراليس عن إضرابه إلا بعد أن تم تمريره، دخل الرئيس مجدداً في قضية جديدة تمثلت في محاولة اغتيال استطاعت فيها الإرادة البوليفية أن تحقق انتصاراً آخراً.

فكما كان انتصاره الأول مستمداً من إرادة النسبة الأكبر من الشعب البوليفي، لم يتمثل انتصاره الثاني فقط بإحباط محاولة الاغتيال واكتشافها من قبل الجيش الذي يضع ثقة عالية في الرئيس، بل كان الانتصار الأكبر هو في الكشف عن مؤامرة واسعة باتت أوضح في هذه العملية الفاشلة التي حملت في طياتها دلائل عدة تشير لعلاقة جهات خارجية بمثل هذه الاستفزازات التي تستهدف البرنامج الاجتماعي الاشتراكي الذي انتصر الشعب البوليفي للرئيس موراليس من أجله.

في 16 نيسان/ابريل استطاعت قوات الأمن البوليفي بعد 15 دقيقة من الاشتباكات، من إحباط التحضير لمحاولة اغتيال كان يعد لها أشخاص دخلوا إلى فندق في تمام الساعة الرابعة صباحاً في مدينة لا باز. وقد قتل في الاشتباكات 3 منهم يحملون الجنسيات الهنغارية والأيرلندية والرومانية كما تم اعتقال اثنين آخرين من الجنسية الكرواتية والهنغارية.
أثناء إحباط المحاولة لم يكن الرئيس موراليس في بوليفيا إذ كان في زيارة إلى فنزويلا وأعلن أثناء هذه الزيارة "أصدرت تعليمات لنائبي قبل مغادرتي بالتحرك لإلقاء القبض على المرتزقة الذين كانوا يخططون لاغتيالي" مشيرا إلى أن "مرتزقة أجانب شاركوا في محاولة الاغتيال"،لافتاً إلى أن "لديه معلومات بأن المؤامرة كانت تستهدف قتله مع نائبه وأحد الوزراء". مؤكدا أن هذه المؤامرة كانت بتجهيز من اليمين البوليفي وبدعم أجنبي.
نائب الرئيس البوليفي ألفارو غارسيا أعلن في لا باز أن الرجال كانوا مسلحين أثناء الاشتباكات وأنهم اعتدوا على رجال الشرطة مؤكداً أن الشرطة وجدت بعد وقف إطلاق النار وثائق تثبت ضلوعهم في محاولة اغتيال الرئيس ونائبه بالإضافة إلى العثور على مواد متفجرة في مكان قريب من الفندق الذي كانوا متواجدين فيه.

لم تكن هذه المحاولة هي الأولى من نوعها إذ أن الرئيس موراليس، أول رئيس بوليفي من السكان الأصليين، كان دوماً في صراع مع القوى اليمينية في بلاده والأوليغارشية في بلد يبلغ عدد سكانه 10 ملايين نسمة. كما أنه طرد السفير الأمريكي من بوليفيا على خلفية علاقته بمحاولة اغتيال سابقة.
وعلى الرغم من أنها محاولة ضده، فقد وجد الرئيس موراليس نفسه متهماً بوجهة نظر دول أجنبية إذ قامت كل من هنغاريا وأيرلندا وكرواتيا ورومانيا بمساءلة بوليفيا حول ما تعرض له مواطنوها من قتل واعتقال. وفيما رفض الرئيس موراليس التجاوب مع هذا الاستجواب، أعلن من الأمم المتحدة في 22 نيسان/أبريل موافقته لأي حملة تحقيق دولية في هذه القضية.
أما القوى اليمينية في بوليفيا، فقد اتهمت الحكومة بالمحاولة للتأثير على مجريات الانتخابات التي ستجرى في نهاية العام رداً على اتهام نائب الرئيس البوليفي ألفارو غارسيا لهم بالتآمر والتحضير لاغتيال الرئيس.

وبحسب المدعي العام في بوليفيا مارسيلو سوسا، فإن المتهمين المعتقلين قد أدلو بمعلومات تفيد بأن شخصيات من المعارضة لها علاقة قوية بهذه المحاولة وأن إحدى هذه الشخصيات قد دفعت مبلغ 200 ألف دولار كمساهمة للمجموعة التي أتت لتنفيذ محاولة الاغتيال. بالإضافة إلى الكثير من المغريات المادية التي كانت هذه الشخصيات تتقدم بها إلى منفذي العملية. وأكد سوسا أنه سيستجوب هؤلاء قريباً.

علاوة على ذلك، فقد كشفت التحقيقات اللاحقة لمحاولة الاغتيال أن شخصيات من مؤسسة حقوقية أميركية لها علاقة بالـ CIAلهم علاقة بمحاولة الاغتيال. إحدى هذه الشخصيات، هوغو آشا، نفى علاقته بالعملية إلا أنه أقر بأنه التقى بقائد المجموعة في عدة مناسبات.
قائد المجموعة إدواردو روزسا فلوريس، الذي قتل في الاشتباكات الأخيرة، كان قد أجرى لقاء مع صحفي هنغاري لم يتم بثه إلا بعد موت روزسا. في هذا اللقاء أقر روزسا أنه سيغادر إلى بوليفيا للمساهمة في حركة انفصالية في سانتا كروز ضد الرئيس موراليس وهو ما جعل نائب وزير المنظمات الاجتماعية في بوليفيا ساشا لورنتي تتهم الصحفي الهنغاري بالسكوت والتستر على المؤامرة.
قالت لورنتي "إن موقف هذا الصحفي الهنغاري قد أخفى معلومات تؤثر على أمن بلدنا، لذا فإن بوليفيا ستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة ديمقراطياً ودولياً لضمان ألا يمضي هذا الأمر بلا محاسبة."
روزسا الذي أثبتت التقارير أنه قائد المجموعة ومجند أعضائها مولود في بوليفيا وكان مقيماً في هنغاريا وأحد أعضاء مجموعات اليمين المتطرف في هنغاريا. وكان قد انضم إلى الجيش الكرواتي عام 1999 وتم إبعاده للاشتباه في تورطه في عمليات تهريب أسلحة ومخدرات ومن ثم عاد إلى هنغاريا وانضم إلى النازيين الجدد. أما في بوليفيا فقد كان على علاقة بمنظمة فاشية مرتبطة بالـCIA.

وكان الرئيس موراليس قد طالب نظيره الأميركي باراك أوباما، بإبداء حسن نيته بإدانة المؤامرات التي تحيكها ضده المعارضة في بوليفيا وطلب من الرئيس الأميركي أن "يبدي رأيه في ذلك الاعتداء الخطير" وذلك خلال لقاء بين أوباما والعديد من قادة أميركا اللاتينية خلال قمة الأميركيتين في ترينيداد وتوباغو وأضاف الرئيس موراليس في تصريح للصحافيين أن "تحسين العلاقات مع بوليفيا بأيدي الحكومة الأميركية" وتابع "طلبت منه ألا يلتزم الصمت كرئيس الولايات المتحدة السابق (جورج بوش) الذي لم يقل شيئاً السنة الماضية." وقال في مؤتمر صحفي في وقت لاحق إنه يتعين على أوباما أن يتبرأ من محاولة الاغتيال علانية وانتقد ما وصفه بالتدخل الأميركي في بوليفيا.

أما أوباما فقد قال في تعليق له على مؤامرة الاغتيال إن إدارته " تعارض تماماً" الإطاحة من خلال العنف بالحكومات المنتخبة بشكل ديمقراطي. وعندما سئل أوباما عن اتصالاته مع قادة أميركا اللاتينية اليساريين خلال اجتماع القمة فقال خلال مؤتمر صحفي ختامي أنه يرفض مؤامرات الانقلاب ضد القادة الديمقراطيين. وقال" أريد فقط أن أوضح بشكل تام إنني أعارض تماماً وأدين أي محاولات للإطاحة من خلال أعمال عنف بالحكومات المنتخبة بشكل ديمقراطي أينما تحدث في نصف الكرة الغربي. وأضاف "هذه ليست سياسة حكومتنا. ليست هذه هي الطريقة التي يتوقع الشعب الأميركي أن تقوده بها حكومته ومن ثم أريد أن أكون واضحاً بقدر الإمكان بشأن ذلك". واعترف أوباما بتاريخ الولايات المتحدة من التدخل في المنطقة. وقال إنه شدد في محادثاته مع القادة على ضرورة التحرك قدما إلى الأمام رغم هذا الماضي. وأضاف "إنني مسؤول عن الطريقة التي تتصرف بها هذه الإدارة وسنحترم تلك الحكومات المنتخبة بشكل ديمقراطي حتى عندما نختلف معها."

وبذلك يكون قد وضع الثقة بالولايات المتحدى الأمريكية بشكل أبدي على المحك، فبعد إظهار النية الحسنة من رئيس الدولة فلا يمكن احترامها في حال استمرت أجهزة مخابراتها بالتدخل والتخريب في الدول المستقلة الأخرى ففي حينها لن يكون التعاطي مع الإدارة الأمريكية الشرعية بل سيكون التعامل الحقيقي مع عصابات الأموال فيها والتي تتولى فعلياً عملية تحريكها وبشكل كامل لا جزئي كما كان الاعتقاد سابقاً.

بوليفيا التي هي محط أنظار رأس المال العالمي لا للاستثمار فيها وفق قواعد القانون البوليفي وتحت إشراف ومراقبة السلطة التشريعية المنتخبة ديمقراطياً فيها، بل لنهبها كما اعتادوا، وبات يبدو عليهم أنه من الصعب أن يقلعوا عن عاداتهم وخاصة مع الثروة الطبيعية في بوليفيا التي يضاف إلى الغاز فيها معدن الليثيوم الأخف الذي يستخدم في بطاريات أجهزة الكومبيوتر النقالة والهواتف الخلوية ومستقبلاً في العربات الكهربائية. الثروة البوليفية الضخمة من هذا المعدن لا تترك مجالاً للشك لمن يرجح أن الولايات المتحدة لا مكان للسلطات المنتخبة فيها في توجيه سياستها الخارجية على الأقل، بأنها لن تترك بوليفيا وشأنها ولا رئيسها الاشتراكي بل سنتوقع أن نسمع المزيد من محاولات الاغتيال.

إن إحباط محاولة الاغتيال الأخيرة هو الجزء الأبسط من انتصار الرئيس موراليس ومشروعه الثوري في هذه الجولة من الضربات اليمينية، أما الانتصار الأكبر كان بالكشف عن المؤامرة السياسية-المالية الكبيرة التي تكمن وراء كل هذه الضربات.