الخطاب الاسلامي متغلغل وراسخ في الخطاب اليساري ..؟؟؟ الرعاع ... والرعاعة .


ابراهيم علاء الدين
2009 / 7 / 10 - 10:06     

ليسمح لي الاستاذ عدنان عاكف ببدء مقالتي اليوم بالاشارة الى عنوان تعليقة على مقالنا السابق لما يحتويه من تعبير عميق خصوصا وانه بين في سياق تعليقه معنى كلمة "الرعاع" وانها تعني الغوغاء ومعنى كلمة الغوغاء هو السفلة (حسب المعجم البسيط صفحة 690 كما اشار الاستاذ عدنان). وقد اورد هذا التعريف ليوضح لمن فشل في اجتياز الامتحان بالمدرسة في اللغة العربية ، وباعتقادي ان هذا التعريف لكلمة رعاع في رد الاستاذ عدنان اقحم عنوة لان ايرادها كان مقصودا تماما بان هناك سفلة وفوضويين سواء عن وعي او دون وعي يلعبون دورا مركزيا في تشكيل وعي الامة.
اما استخدام تعبير الرعية فهو ليس من ابتكاري او ابتكار الخلفاء والحكام او اختراع من الاستاذ شامل او أي من الاساتذة الاخرين بل هو تعبير مستمد من حديث نبوي يقول "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" والعرية هنا معناها العامة او الشعب او الجماهير.
وقال الشاعر حافظ ابراهيم مما يدل على ان هذا التعبير كان لا زال يستخدم حتى وقت قريب "وراع صاحب كسرى ان رأى عمرا ..... بين الرعية عطلا وهو راعيها ". ومعنى البيت ان كسرى اندهش بشده عندما علم ان عمر بن الخطاب يسير بين الناس دون حراس أي دون خوف من الرعية مع انه حاكمها .. مما يعني ان كسرى كان يخشى رعيته ولا يأمن على السير وسطها دون حراسة.
وفي قول الرسول تعظيما لدور كل فرد بالمجتمع بمنحه مسؤولية ما عن رعية ما .. الى ان تصل الى الراع العام أي الحاكم .. وفي الوقت الذي يشير فيه حديث الرسول الى ما معناه المسؤوليات الملقاة على كل فرد الا انه في ذات الوقت لا يمنح حقوقا متساوية في المسؤولية على الرعية بل ان الراع بمعنى الحاكم هو المسؤول عن رعيته.
وفي ذلك اخلاء مسؤولية الرعية تجاه الشأن العام واقتصارها على الحام (الراع العام)، ويبدو ان هذا التفسير هو الذي ما زال معتمدا من قبل جميع القوى السياسية دينية او يسارية او شيوعية او علمانية او ليبرالية طبعا بدرجات متفاوتة، فالخطاب الاسلامي ما زال متغلغلا بقوة في الخطاب اليساري وخطاب من يسمون انفسهم بالتقدميين، حيث ان الجميع يتفق على ان المسؤولية عن الرعية تقع على عاتق الحاكم وبالتالي فانه هو المسؤول عن كل ما يعتري واقع بلاده وشعبه من عوامل قوة او انحطاط .. وباختصار ففي هذه الرؤية الغاء تام لدور الشعب الرعية عن أي مسؤولية سواء تجاه نفسها او تجاه بلادها.

وهنا وجه الخلاف الرئيسي بيني وبين اصحاب القاء كامل المسؤولية على الحكام العرب في تخلف شعوبهم.
فانا اعتقد وبقوة ان الشعوب تتحمل مسؤولية كبرى ربما اكبر بكثير من مسؤولية الحكام في تطوير بلادها وتطوير احوالها واوضاعها وتتحمل مسؤولية كبرى عن بؤسها وتخلفها وفقرها ومرضها وكافة اوضاعها .
وقبل ان احاول عرض بعض الصور ذات الدلالة لتاكيد ما اذهب اليه اجد من الضرورة الانعطاف الى تعليق الزميل الاستاذ خالد عبد الحميد العاني وخصوصا قوله " أستطيع أن أستنتج من المقال أن هناك جملة من العوامل تجعل من وعي الشعوب العربية متخلفا وأجمله بالأتي: سطوة الفكر الديني الغيبي على عقول الرعية و تخلف مستوى الأعلام و تخلف مستوى الوعي الاجتماعي وتشبث الرعية بالقبلية والعصبية".
وبرأيي ان ما تفضلت به من استنتاج استاذ خالد صحيح تماما .. ولكن قبل ان نبحث في اسباب هذه الظواهر الدالة على مستوى التخلف فان الامر الاكثر اهمية هو البحث عن اسبابها ..
وفي مقالات سابقة اشرت الى ان السبب الرئيسي للتخلف هو تخلف البنى الاقتصادية ونمط الانتاج السائد والذي هو الذي ينتج الوعي الاجتماعي ويشكله (وبذلك يكون ما تفضلت به صحيحا تماما "الوعي لا يتشكل خارج المحيط الذي يعيش فيه الفرد والجماعة" وبالتالي فان الحل يبدأ من الاهتمام بتغيير نمط الانتاج لانه هو الذي يشكل الوعي الاجتماعي).
وقد عارضني بعض الاخوة والرفاق والزملاء انذاك وقالوا ان الاساس هو بتغيير نمط التفكير وبالتالي مطلوب القيام بحملة تنوير فكرية لاعادة تشكيل الوعي الاجتماعي، وطبعا اختلفت معهم في ما ذهبوا اليه لقناعتي بان الحاجة هي التي تدفع الانسان للتفكير بالبحث عن حلول لتوفيرها، ولما كانت الحاجات في الغالب مادية كالمأكل والملبس والمسكن والأمن في البدايات ثم تطورت الى حاجة الانسان لزيادة الموارد وتطوير الخيرات مما دفعه الى تطوير وسائل الانتاج وبالتالي تطوير نمط الانتاج وفي كل مرحلة من مراحل تطور الجهد الانساني في زيادة موارده كانت ترتقي افكاره ويزداد وعيه .. اذن فالوعي هو نتاج التجربة والبحث عن الموارد والحاجات الضرورية منها والكمالية في مختلف مراحل الحياة البشرية.
وبالتالي يصبح ممكنا الاجابة على سؤالك اخي خالد ولا تخرج الاجابة عن ضرورة اهتمام شعوبنا بتطوير نمط انتاجها ..
وهنا من المؤكد ان ينبري من يقول ان هناك عقبات ضخمة تحول دون تمكن الشعوب من تطوير نمط الانتاج واول واهم هذه العقبات هي الحكومات التي تمنع بالقانون وباساليب اخرى تطوير الانتاج (نمطا ووسائل وقوى) لانها تخشى على نفسها حيث من المحتم تقريبا ان تفقد كل امتيازاتها في حال تمكن الشعوب من تحقيق نقلات حقيقية في ميدان الانتاج.
وفي ذاك القول الكثير من الصحة .. ولكن تجربة شعوب العالم المتقدم اثبتت ان الشعوب تستطيع اجبار حكامها على تقديم التنازلات وبالتالي تحقيق قفزات كبرى في ميدان الانتاج ومن ثم في كافة الميادين الاخرى ومنها الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي والفكري والادبي والفني.
لكن شعوبنا العربية وللاسف الشديد وفي مقدمتها الكثير جدا ممن يعتبرون انفسهم طلائعها الفكرية لا يقومون باي عمل حقيقي لتحقيق التطور المنشود ولو بشكل تدريجي وليس بالقفزات، وينصب خطابهم وتحريضهم على تحميل الحكومات مسؤولية الانتقال من حالة التخلف الى التقدم. فالقضية استاذ خالد ليست الاجابة المختصرة والمحددة والقاطعة على سؤال " من هو المتخلف الرعية ام الحكام".. فالاجابة لا يمكن اختصارها في جملة محددة بل ان السؤال يطرح قضية جدلية شديدة التعقيد اشبه بالسؤال "من خلق اولا الدجاجة ام البيضة".
والمسالة اذا اردنا اختزالها باقصى ما يمكن استطيع القول ان الذي يصنع التغيير هم بشر امتلكوا الوعي وارادة التغيير وحددوا منهجهم وادواتهم ووسائلهم ، وهؤلاء الناس قد يكونوا حكاما او محكومين.
ويشير التاريخ الى العديد من الحكام الذين لعبوا دورا تقدميا تطويريا رائدا في بلدانهم (مثل محمد على باشا في مصر، وكمال اتاتورك في تركيا ، ومهاتير محمد في ماليزيا، وغيرهم الكثير، كما يسجل التاريخ للمئات بل الالاف من الرواد من ابناء الرعية او الشعوب او الجماهير الذين تمكنوا من تحقيق تغييرات جذرية في بلدانهم واسمائهم اكثر من تحصى تبدأ بالرسل والانبياء وتمر بالقادة الثورين والمفكرين العظام وسجلات التاريخ لن تتوقف عن تخليد الاف بل وملايين البشر العظام الذين سيأتون في ما هو مقبل من السنين.
اما بخصوص ما اثاره الاستاذ عدنان عاكف حول ما اصابه من لخبطة فكرية حول تباين الرؤى بين وجهة نظري ووجهة نظر الاستاذين الكريمين الدكتور طارق حجي وشامل عبد العزيز حيث نسب للاول قوله وهو قاله بالفعل في تعقيب له على احد مقالات الاستاذ شامل " (تزيدنى السنون ايمانا بانه لا توجد شعوب سيئة ، وانما نحن بصدد حكام سيئين وجهلة وفاسدين).
ولا بد من الاشارة الى انه امر طبيعي ان اختلف في بعض الزوايا مع الدكتور الحجي ومع الاستاذ شامل ومع الاستاذ عدنان ومع أي زميل اخر .. فالتطابق الفكري لا يمكن ان يتحقق بين اثنين في أي زمان ومكان واذا كان الدكتور الحجي يعتبر ان الشعوب ليست سيئة فانا ايضا لا اجروء على وصف الشعوب بالسيئة ولكني وبملء الفم استطيع القول ان الشعوب جاهلة ومتخلفة ومحبطة وسلبية واجزم ان هذه الصفات اكثر تجذرا وشمولية مما يتصف به الحكام من وحشية وسفالة وفسادا.
وربما اذهب اكثر من ذلك فاقول انه اذا كان من الطبيعي ان يستغل الحاكم شعبه، وان يمارس كل انواع القهر ضد كل من يحاول استلابه سلطانه ، وان تعمل الطبقات الحاكمة على استمرار تسلطها وتحكمها برقاب الشعب وهي تملك من الامكانات والقوى ما يجعلها تحقق اهدافها بطرق شتى كما اشار الكثير من الزملاء الذين يلقون بالمسؤولية كاملة على الحكومات ويبرئون الشعوب ولا يحملونها اية مسؤولية.
لكن السؤال المركزي يجيب عليه الشاعر بقوله "ومن يهن يسهل الهوان عليه" وينطبق عليه المثل القائل "قيل من فرعنك يا فرعون قال لم اجد احدا يردني" فاذا كانت شعوبنا استسهلت الهوان، ولم ترد الفرعون اذن فهي المسؤولة عما هي فيه، والى ان ترفض الهوان وتمتلك بيدها من يرد الفرعون فانها سوف تظل محتقرة مضطهدة مستغلة متخلفة مسلوبة الارادة.
وهنا ياتي دور القوى التي تعتبر نفسها طليعة لهذه الشعوب لتقف امام نفسها وتسال نفسها بكل جرأة وصراحة وشفافية ووضوح ... ماذا قدمت لشعوبها كي تمتلك الاسباب التي تجعلها ترفض الهوان، وماذا قدمت لشعبها حتى تمكنه من رد فرعنة الفرعون.. وهذا يقودنا الى توجيه اقصى الانتقادات لكل القوى السياسية التي ادعت انها طليعة الشعوب وانها ممثلته والمعبرة عن ارادته، ونوجه الادانة لها لفشلها وهزيمة برامجها وبالتالي لا نقبل منها الخطب الرنانة والديباجات الطنانة والمقالات المليئة بالمراثي والشكاوي وآهات الغلابا.
ان المشكلة اخي عدنان ليست وصف انفسنا بالرعاع وليست البحث عن التفسير اللغوي لها او لمعنى كلمة الرعاعة فليس كل مثقف هو الفراهيدي او يجب ان يكون عالما باللغة العربية وحافظ للمعجم البسيط او المعقد ... المثقف يعبر عن راية في مسالة ما .. ورايه قد يكون صحيحا تماما او على النقيض او بين بين. المهم ان يساهم المثقفون من كل المنابت والانتماءات في ايجاد السبل القويمة الواقعية والعملية بتغيير هذا الواقع المزري لشعوبنا وبلادنا .. وكما يقال فلكل مجتهد نصيب.
واسمح لي ان اخالفك الراي فانت تعتبر "انه لا يوجد مرؤوس سيء وانما رئيس سيء" وانا ادعي انه لا يوجد رئيس سيء الا ووجد مرؤوس سيء".
وكما سبق واشرت في فقرة سابقة فانني اعتبر ان العملية جدلية اذا وجد الاول وجد الثاني ولكني اعتبر ان من المنطقي والطبيعي ان يسعى الحكام الى تحقيق اقصى ما يستطيعوا من مكاسب على حساب شعوبهم في دول تفتقد للديمقراطية وحقوق الانسان .. وبالتالي فان المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الشعوب في فرض الديمقراطية والحصول على حقوقها الانسانية.
واسمح لي ان اوجه سؤالا يا استاذ عدنان لماذا تعتبر ان النطق بالحقيقة هو بصق او بصاق .. هل لديك وصفا اخرا لما اطلقه الاستاذ شامل على شعوب ينخرها سوس التخلف والصوفية الدينية وتسيطر عليها اساطير سطرها جهلة نصبوا انفسهم سادة الدنيا والاخرة ممن وصفوا انفسهم بعلماء الامة، وما زالوا يبذلوا اقصى طاقتهم للحيلولة دون حدوث أي تغيير فكري او تطور نوعي في شتى الميادين وبعضهم يبذل جهده ليل نهار لاعادة نظام خلافة الخازوق.
ربما فيما سبق اجابة على سؤالك استاذ عدنان " حقا من يتحمل المسؤولية" واضيف على ما سبق قولي وبكل وضوح ان الشعوب عموما وفي مقدمتها من يدعون تمثيلها من قوى سياسية أي كان وصفها وأسمها تتحمل المسؤولية كاملة عما تئن تحته شعوب العرب ومن يماثلها في التخلف والهوان من الشعوب الاخرى.
اما سؤالك اللي على الماشي ...!! وهو من العمق ما يحتاج الى وقفة طويلة وعميقة لما فيه من اتهام لمن يخالفك الراي في تحديد من هو المسؤول عن التخلف بانهم ليسوا كتابا ليبراليون بل هم كتاب سلطة .. فاسمح لي ان اختلف معك فهؤلاء الذين تصفهم بكتاب السلطة هم اكثر الناس تاثيرا حقيقيا وفعليا في تغيير المجتمع وتخفيف قبضة السلطة عن مصائر الناس وترسيخ مفاهيم التسامح والديمقراطية وحقوق الانسان كل بقدر طاقته وامكانته وحجم تاثيره .. اما لماذا اقول ذلك ...؟ فلانهم تخلوا عن اسلوب جلد الذات وتدبيج مقالات الرثاء والبكاء .. وبدلا من ذلك يحاولوا طرح بعض الحلول الواقعية والعملية لاحداث التغيير المطلوب ولو على مراحل ، وهم بذلك يشعلون شمعة خير الف مرة من لعن الظلام.
ولعل في تعليق الاستاذ صلاح يوسف من العمق والوضوح في تحديد الاجابة على سؤال الاستاذ عدنان فهو يقول " لا فرق جوهرياً بين ثقافة الحكام وثقافة الشعوب، فالمتحدثون عن الحضارة وقيم التقدم هم قلة قليلة نادرة إذا ما قارناهم بدعاة الاحتفاظ بالموروث".
ويؤكد الاستاذ "توت عنخ امون ما ذهبت اليه وما ذهب اليه الاستاذ صلاح بقوله "قد تتمكن الشعوب من اصلاح حكامها أو عزلهم او اسقاطعهم - في حالة وجود قيادة معارضة سياسية قديرة - وقد تستطيع الحكومات الرشيدة اصلاح شعوبها والارتقاء بها وتغييرها.
ومع ان الاستاذ توت يعيد اصل المسؤولية الى الرعاة الا انه يقول ما معناه انه اذا كان الحكام سيؤون مما يؤدي الى تعرض القطيع للهلاك .. فان ذلك يتطلب ان يخرج من بين القطيع من يستأسدون ويطردوا الكلاب والذئاب
وهذا ما ندعو اليه ... ان يخرج من بين الرعية من يمتلك القدرات والامكانات ليطرد عنها شبح التخلف والفقر والعوز والجوع والاضطهاد وكل اشكال القهر وما اكثرها.
وفي الختام اود السؤال .. هل تجبر الحكومات الطلبة على الغش بالامتحانات ليتخرج من جامعاتنا الاف الجهلة والجهولين بمن فيهم حملة شهادات عليا كالماجستير والدكتوراه..؟؟ وهل تجبر الحكومات التاجر في السوق على ان يغش الزبائن ..؟؟ وهل هناك قوانين تجيزها الحكومات تسمح للموظف في الدائرة الحكومية بالكسل وعدم الانتاج والفظاظة والقسوة في معاملة المراجعين..؟؟ وهل تجيز الحكومة قوانين تسمح بالرشوة والواسطة والمحسوبية بل والسرقة والابتزاز ...؟؟؟ وهناك الاف الاسئلة نستطيع ايرادها من الواقع المعاش في كل عواصم العرب .....
ايضا .. الخلاف بالراي لا يفسد للود قضية.