جاء الوقت لتصبح طهران تحت مرمى النيران


ابراهيم علاء الدين
2009 / 7 / 4 - 09:37     

في جلسة خاصة جدا خصصت لبحث الاثار المحتملة للاحداث الجارية في ايران لم تخلو من متعاطفين مع الجناح المحافظ كما يسمى بروتوكوليا ويسميه البعض وانا منهم بالجناح المتزمت المتطرف قوميا ودينيا وطبقيا والذي يمثله المرشد الاعلى للجمهورية علي خامنئي وتابعه محمود احمدي نجاد، وضعت فيه على طاولة البحث مجموعة من الاسئلة من اهمها :
هل ما يجري في ايران هو نتيجة طبيعية لاحتقان سياسي طال امده افرز تيارا اصلاحيا معاديا لنظام الملالي وولاية الفقيه وما فرضه هذا النظام من استبداد سياسي باسم الدين..
ام هو نتاج لتدخل امريكي اوروبي كما يروج محمود نجاد ورموز التيار المستبد متهما خصومه السياسيين بالعمالة للغرب والتآمر معه لتحطيم اركان الجمهورية الاسلامية..؟
والسؤال الاكثر اهمية مفاده هل يتوقع ان تسفر التحركات الجماهيرية والسياسية الجارية عن تغيير جذري ..؟ ام تغييرات شكلية كون ما يجري لا يخرج عن نطاق الصراع على السلطة من قبل رموز نفس الطبقة الحاكمة ..؟
وقد لفت نظري خلال الاجتماع واستنادا الى متابعة واسعة للاحداث الجارية ان بعض الحضور استعان بموقف وتصريحات بعض الزعماء المتعاطفين مع المرشد الاعلى ومحمود نجاد واستخدموا نفس مضمون العبارات التي استخدمها من اخافتهم الانقسامات العميقة والتظاهرات الغاضبة التي شهدتها طهران والمدن الايرانية الرئيسية، وقال احدهم " ان ايران تمكنت من تجاوز مؤامرة ارباكها .. مشيرا الى وجود عبث غربي واضح في الجمهورية الاسلامية "،
وهذه العبارة منقولة حرفيا عن نائب الامين العام لحزب الله اللبناني نعيم قاسم في تصريح له لوكالة فرانس برس واضاف " الامور تسير في اتجاه انتهاء الازمة وعودة الامور الى طبيعتها" واضاف " اصبح واضحا حجم العبث الغربي والامريكي في الشؤون الداخلية الايرانية وما نشهده هناك ليس مجرد اعتراض على انتخابات رئاسية بل توجد اعمال شغب واعتداءات في الشارع لها ادارة خارجية لبلبة النظام الاسلامي في ايران" .
لكن بعض الحضور رد على هذا الموقف بالقول "ان مثل هذا الرأي لا يعدو وان يكون حلما ورغبات مستمدة من الولاء الطائفي والمذهبي، وتأتي في سياق المساهمة الاعلامية في الدفاع عن نظام بدأت تهتز اركانه ويسير في طريق نهايته المحتومة ، فالعالم المعاصر لايقبل نظما استبداية تقوم على التمييز المذهبي والطائفي، كما ان المجتمعات باسرها بما فيها المجتمع الايراني اصبح اكثر وعيا وادراكا بحقوقه الانسانية وايمانا بالديمقراطية السياسية والاجتماعية وحقوق الانسان.
وبعد ان استبعد غالبية الحضور السؤال الثاني تركز الحوار في الاجابة على السؤال الاول وجوهره ان الاحداث الجارية بايران ما هي الا نتاج للاحتقان السياسي المستمر منذ ثلاثة عقود ، منذ ان بدأ يترسخ نظام الملالي بطهران وساد منهج القهر الديني المذهبي والقومي والشعبوية وتم اعادة انتاج الاستبداد الشاهنشاهي ولكن بعباءة الرجال المعممين من انتاج قم ومشهد والحوزات العلمية.
وكان رأيي ان ماشهدته وما تشهده وسوف تشهده ايران ليس الا نتيجة لانقسامات الطبقة الحاكمة وصراعها على السلطة بعد ان تبلور في السنوات الاخيرة تيار يطلق عليه معتدل (وهو معتدل بكل المقاييس مقارنة بتيار المرشد الاعلى). وفي ذات الوقت تفاقم تزمت التيار المتشدد (المتخلف) وامتدت تاثيراته ليس في الداخل الايراني بل والى كل دول الجوار في الخليج العربي وفي منطقة الشرق الاوسط (العراق لبنان وفلسطين والسودان وحتى مصر والمغرب العربي).
الامر الذي كان لا بد معه من بروز تيار ياخذ بعين الاعتبار المقاومة التي تزداد قوة كل يوم من الدول العربية على وجه الخصوص للتدخلات الايرانية في الشؤون العربية، ورفض المجتمع الدولي للعنجهية الايرانية التي تسعى لفرض حضورها بالقوة النووية لاقتسام النفوذ في منطقة الشرق الاوسط.
وجاءت انتخابات رئاسة الجمهورية لتفجر الخلافات الصامتة والصراع النائم بين رموز النظام ، وكل منها استخدم الفئات الشعبية لحشد التاييد لوجهة نظره، وجاءت لحظة الانفجار التي ذهب ضحيتها حتى الان حوالي 30 قتيلا واكثر من الف معتقل حسب البيانات الرسمية لتكشف عن حجم الخلافات والتناقضات وتبين انها ليست تناقضات او خلافات ثانوية، وان الشرخ الذي تعمق كثيرا خلال سنوات من الصراع الصامت لا يمكن ان يندمل عبر مصالحات عشائرية او تدخلات المصلحين من مخاتير السياسة .
وعززت وجهة نظري هذه بمجموعة من التصريحات المتبادلة بين الطرفين في اجابتي على السؤال الثالث واكدت على ان التحركات الجماهيرية والسياسية هناك لن تسفر عن تغييرات سياسية او اجتماعية جذرية، وانها في احسن الاحوال ستحقق بعض الاصلاحات هنا وهناك، وسيظل جوهر النظام الحاكم هو ذاته قائم على فكرة الامام الملهم وولاية الفقيه والمذهبية والسعي بطريق او باخر للتدخل في شؤون دول الجوار في سياق النظرية التي لا تتغير لدى حكام طهران وهي نظرية تصدير الثورة وان باساليب مختلفة ليس بالضرورة ان تكون من خلال فوهات المدافع.
وللتدليل على عمق الخلاف وتجذره ، وجدية الاصطفافات السياسية في الساحة الايرانية ، وفرص استفحال التناقضات واحتمالات تفاقم الصراع، اشرت الى تاكيد المرشح للرئاسة مير حسين موسوي بان النظام القائم ليس شرعيا، وايده في ذلك مهدي كروبي.
فيما وجه احمدي نجاد اتهامات بالعمالة للغرب لكل الرموز التي وقفت رافضة نتائج الانتخابات حيث اتهم رئيس مجلس خبراء القيادة هاشمي رفسنجاني بالعمالة للغرب، وهو الذي تولى رئاسة مجلس الشورى اربع دورات، وكان رئيسا للجمهورية لدورتين، ويتولى حاليا رئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام ومجلس خبراء الفقهاء، كما كان نائبا للقائد الاعلى للقوات المسلحة ابان الحرب على العراق.
كما وجه اركان واتباع المرشد الاعلى اتهامات مماثلة الى موسوي وخاتمي ومنتظري الذي يحتل اعلى مرتبة دينية في ايران، وشن نجاد هجوما حادا على ناطق نوري الذي يعتبر من الشخصيات التي يشار لها بالبنان في ايران ويتولى منذ 20 عاما مسؤولية ادارة التفتيش والمراقبة في مكتب السيد علي خامنئي المرشد الاعلى للجمهورية، كما تولى رئاسة مجلس الشورى ووزارة الداخلية.
وفي المقابل نجد محسن رضائي قائد قوات الحرس الثوري سابقا والشيخ مهدي كروبي رئيس البرلمان السابق والسيد محمد خاتمي رئيس الجمهورية السابق ومجموعة من كبار الشخصيات الذين يعتبرون من اكثر تلاميذ الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية يوجهون نيرانهم بقوة الى استبداد المرشد الاعلى خامنئي ونجاد الذي لا يكف عن الصاق ابشع الصفات لهم اقلها الارتباط بالغرب.
وتشن السلطات الايرانية ومليشياتها حملات قمع منظمة ضد انصار الاعتدال فقد ذكر الموقع الرسمي للسيد موسوي انه تم توقيف مئات الاشخاص منذ بداية الاضطرابات التي أعقبت الانتخابات من بينهم 140 سياسيا وجامعيا وطالبا وصحافيا
ونشرت صحيفة اطلاعات لائحة من 70 اسما لمسؤولين ايرانيين اصلاحيين من الصف الاول وصحافيين ومسؤولي حملة المرشح المعارض حسين موسوي ، كما اوقفت السلطات الامنية صحافيان اجنبيان احدهما ايراني كندي والاخر يوناني بريطاني ، وادعت السلطات انها فككت شبكات "عقول مدبرة" كانت تخطط لتنظيم تظاهرات معارضة. وقتل 17 ايرانيا على الاقل وتم توقيف مئات اخرين في تظاهرات نددت باعادة انتخاب نجاد واعلنت السلطات توقيف 457 شخصا فيما تقول اوساط المعارضة ان الموقوفين يصل عدده الى بضعة الاف .
ومن الظواهر البارزة امتناع 105 نواب عن حضور حفل دعا اليه نجاد بمناسبة فوزه.
ايران في عصر ولاية الفقيه ارتدت الى الوراء عشرات السنين فارتفعت معدلات الفقر والجريمة (نحو 200 الف معتقل بتهم تتصل بالمخدرات) ونحو 5 ملايين مدمن على المخدرات، ونحو نصف مليون عاهرة في طهران وحدها، بالاضافة الى انتشار الامية في صفوف الطبقات الفقيرة، وانتشار الفساد والرشوة والمحسوبية، وسيادة نهج القبلية السياسية والدينية في المجتمع الايراني الذي كان قطع شوطا لا باس به من التطور الحضاري في زمن الاستبداد الشاهنشاهي.
ولذا فان النظام الايراني بقيادة المرشد الاعلى ومحمود احمدي نجاد وفي سياق الدفاع عن نفسه ومحاولته الاستمرار في السلطة لن يكف عن توجيه اقصى الضربات للمعارضة الايرانية في الداخل، ومحاولة نقل معاركه للخارج لتخفيف الضغط الداخلي وحشد التاييد الجماهيري على اسس قومجية شوفينية شعبوية ، ومن هنا وجب الحذر الشديد من دول الجوار والانتباه جيدا لاحتمالات استخدام ساحاتها لتاجيج الفتن والصراعات ، كما حدث وما زال في العراق عندما وجهت كل ثقلها لتاجيج الصراع الطائفي والمذهبي بدعمها جميع الاطراف المتصارعة وتزويدهم بالسلاح والمال والرجال في كثير من الاحيان.
وليس مستبعدا في حال احتدم الصراع الداخلي في ايران ان تعمد ادارة المرشد الاعلى الى تفجير ساحات مثل لبنان او فلسطين للفت الانظار عما يجري في الداخل.
وباعتقادي انه من الصعب جدا حسم الصراع السلطوي في ايران خلال فترة قصيرة، وان الاحداث الجارية ما هي الا مقدمة لاحداث ضخمة لن تكون ساحتها الجغرافيا الايرانية بل كثير من دول الشرق الاوسط.
فايران التي لم تتوقف تفجر النيران هنا وهناك، ها هي تطولها النيران، لتكتوي بما كوت به شعوبا اخرى استخدمتها في سياق استراتجيتها التوسعية وعقلية الهيمنة القومية والمذهبية.
واظن ان المرحلة المقبلة سوف تكون مناسبة لبروز واصطفاف القوى الديمقراطية الحقيقية في المجتمع الايراني التي نجح ملالي طهران بتشتيتها وتمزيقها وتوزيعها في اركان الارض الاربعة لرص صفوفها والتصدي بهمة عالية وقدرة واقتدار لمهمة بناء الدولة العصرية الديمقراطية لتساهم في توفير الاستقرار لمنطقة ما زالت منذ قرنين من الزمان مسرحا لكل ما هو مشين اخلاقيا وسياسيا .