الحنين كمطهر _ من باسم سليمان- صحيفة الثورة السورية


فرات إسبر
2009 / 6 / 28 - 10:39     


الحنين كمطهر .
كتب
الأربعاء 24-6-2009م
باسم سليمان
فرات إسبر تكتب حنينها أم الحنين يكتب فرات إسبر؟!, فإذا اعتبرنا هاتين الجملتين مقدمتين تكون النتيجة : فرات,هي حنينها وحنينها ,هو ,هي.
وعلى هذا تحضر هي ,إذ غاب حنينها ,ويحضر هو ,إذ غابت هي: ( امرأة، أنا تجوب البراري بنعل أحلام صدئ), فيرد الحنين في غيابها: (تذكّروا دائماً، امرأة ,مضتْ في فوضاها كنهر ,وفي فقرها كصحراء»).‏
هكذا هي فرات إسبر في مرثية الأنثى الحنين تعود لتتصالح مع خساراتها ولنقل انتصاراتها, لكن بقليل من الضجة ولربما بالهمس تأخذ من الحرف الذي يصنع الكلمة حدته وليونته بالوقت نفس : (في الهزيمة انتصار آخر) ,لتعيد ترتيب أثاث بيت هذا القادم الجديد القديم: (في وردة الحنين أخبئ أشواقي. أعصر الندى كأساً على شرفات المغيب، أرشفها حريقاً وشوقاً وسمّاً زعافاً. أحياناً، وفي ذروة الحنين إليها، أبكي منها، وأبكي عليها، ألومها،فهي نهري، وأنا ضفتاه، ولا لقاء بيننا). هذا الكشف الهادئ ترده لجد الحب ابن عربي، ولا تعنيها الخيانة المرتكبة بعد اليوم, فلربما حال لسانها يقول كالحلاج « أقتلوني ياثقاتي فإن في موتي حياتي», فتقول :( هكذا المؤنّث لا يُؤنّث، هكذا لا يُعوّل عليه. خالفوا جدهم، فبقدر القرب منه، بقدر البعد عنه، متساوون.) فهذه الصوفية المتلبثة عباءة الحنين والمتمثلة بجمل الهايكو كأنها شطحات صوفي تنجيها من الوقوع في شرك الغضب والكره:( سلام عليهنّ النساء، يغادرن مرتين فم الجرح: جرح الغياب، وجرح اللا عودة.).‏
هذه المرثية التي تخرج من خلالها فرات من الشريعة إلى الحقيقة تريد بها تجاوز الظلم الذي التف حول الأنثى كعقد من لؤلؤ في حين هو كحبل المشنقة: (الفصول لا تنام في جسدي !! يقصصن الروايات عن سيرتي الأولى , ومضت بالنهر جراحات, إلى منبعه.) فالحنين الذي ينمو كأنثى تغدو في روعة جمالها عندما تتبدى عارية , تعري فرات إسبر موجودات الكون بدءا بالرجل وانتهاء بالوطن والعري يمنحها القدرة على القول:(سأحيلكُ إلى المطلق ,أنا الرمز الذي لاتعبّر عنه الأرقام ,فأنا لست عددا, ولو كنتَ أنت الوجود.).‏
والوقوف بالحنين له من خاصية البرق تلك الإضاءة السريعة لكنها كافية لتحدد معالم مواقع الخطوات/ النجوم , فأتت القصائد كبوصلة الحمام الزاجل فمهما تبتعد دوما تجد طريقها عبر خط مغناطيسي تسلمه كل جملة للأخرى لكن بخاصية المنفصل المتصل , فالقصيدة الواحدة تستطيع أن تأخذ منها مقطعا ولا يختل معناه هو بل يقوم كفعل تأمل ذاتي ينطلق من كينونته هو ليصب في مجرى القصيدة , لأن الحنين لا يوجد كنهر وإن كان هو كذلك بل حضورك به يأتي عبر لقياه في منحنياته التي تعبر أرض الحاضر المعيش:( أوقظُُ الحواسّ المسروقة مني أجمعُ أنقاضي وما تبقّى,كنتُ كلمّا تقمَّصتُ نفسي، أخذتني شبهة,اسمها حياة ! ) .‏
وهذه الصيغة الشكلية تكاد تطبع مجمل القصائد , ونستطيع أن نقول : إن فرات إسبر استعرتها من شعرية الهايكو إلى حد ما, والسبب قد يكون لأن الحنين فيه من خاصية الهايكو الكثير يقول لاو تسو: لأنه لا يجهد نفسه , يصيب هدفه , هكذا هو الهايكو الذي يشبه ضربة سيف الساموري في رقته القاتلة والمنتجة لآلاف من تداعيات التأمل التي تنتجها حجر/ جملة الهايكو الكاملة في بحرة ذواتنا القارئة ( ولأن المكان أرجوحة,تعلقت أحلامها بالهواء)( نكهة الملح في دمعي، حمتني من انقراض الوجود.)( أدعوكم أيها الموتى إلى بيتي، هنا)( هو الزمان ضيّق كخاتم الزواج.)‏
هكذا تختار فرات إسبر ليونة الحرف وحدته لتكتب شعريتها وحنينها وكأنها: (تركتُ طهري يركض كنهر فاض من المطر.)‏
« زهرة الجبال العارية» مجموعة شعرية ل فرات إسبر صادرة عن دار بدايات , لعام 2009‏