العلاقات الاجتماعية السياسية في بابل - 2 -


عدنان عاكف
2009 / 6 / 25 - 10:10     

العلاقات الاجتماعية ـ السياسية في بابل
القرن السابع ق.م. ـ القرن الرابع ق.م.
م.أ. دندمايف
ترجمة : عدنان عاكف
الحلقة - 2 –
من تاريخ العلاقات الاجتماعية الاقتصادية
1 - الفئات الاجتماعية : تبقى البنية الفئوية ـ الطبقية للمجتمع البابلي في الألف الأول ق.م. بعيدة عن الدراسة التفصيلية. يتألف المجتمع من فئة الأحرار الذين يتمتعون بكامل الحقوق "مواطن كامل الحقوق ـ mar boni "، ومن العبيد، ومجموعات مختلفة من المواطنين التابعين أو مواطنين شبه أحرار. كان الأحرار الذين يتمتعون بكامل الحقوق أعضاء في الجمعيات الوطنية، أو مجالس الشورى ـ puhru ـ التي كانت تتمتع بسلطة قضائية محدودة تسمح لها البت في القضايا العائلية، والقضايا المتعلقة بالملُكية. ولكن من غير الواضح حتى الآن ان كان جميع الأحرار يتمتعون بكامل الحقوق ( على سبيل المثال المستوطنون الأجانب )، وهل كان يسمح بالانتقال من فئة اجتماعية إلى أخرى؟
يبدو ان الامتيازات التي كان يتمتع بها سكان المدن الكبيرة، والتي حصلوا عليها في العهد الكاشي ـ على سبيل المثال الإعفاء من الضرائب ـ قد ألغيت منذ عهد الملوك الكلدانيين، بالرغم من ان المواطنين حافظوا على تأثيرهم الكبير في مراكز الإدارة المحلية. من المعروف ان نبونيد قد أعفى معبد اجيشنوجال في أور من الضرائب ومنحه امتيازات معينة وذلك بمناسبة زيارة ابنته لهذا المعبد. ولكن هذا القرار لم يشمل جميع سكان أور، بل اقتصر على فئة صغيرة من موظفي وكهنة المعبد.
تتضمن بعض الوثائق تلميحات عن اضطرابات اجتماعية عرفتها البلاد في مناطق مختلفة. يتحدث نص أدبي يعود إلى زمن نبوخذنصر الثاني عن صدور قوانين جديدة، وهناك تأكيد على ان " الناس أكلوا بعضهم مثل الكلاب، القوي ينهب الضعيف "، والقضاة يأخذون الرشوة ولا يدافعون عن الفقراء، والولاة يَعْتدون على المعاقين والأرامل، والمرابون يأخذون فوائد مرتفعة جدا. وهاجم الكثيرون البيوت واستولوا على المزارع. وورد في أحد نقوش نبونيد ان " الناس في بابل، بورسيبا، نيبور، أور، ، ولارسيا وفي مدن أخرى افترسوا بعضهم البعض مثل الكلاب ". ونقرأ أخيرا في أحد النقوش ان داري أعلن بان الفوضى قد عمت البلاد، وقد قتل الناس بعضهم البعض، ولكنه استطاع ان يعيد الهدوء، بعد ان وضع كل فرد في مكانه، الأغنياء والفقراء على حد سواء.
ما زلنا نجهل تفاصيل هذه الأحداث. يمكن مثلا ان يكون نبوخذنصر يشير إلى التمرد الذي وقع في بداية حكمه، وحديث نبونيد عن إحتجاج سكان المدن على سياسته، الذين لم يشكلوا جبهة معارضة واحدة بل انشغلوا في صراع داخلي. اما داري ربما يتحدث عن الانتفاضات التي عمت البلاد عند استلامه الحكم.
2 - القوانين : لم تعرف الحقوق الشخصية في بابل خلال العهد الاخميني أية تغيرات مهمة، بالرغم من ان الكثير من المؤسسات العمومية تعرضت إلى التأثير الإيراني. ولكن التحولات الإقتصادية والتغيرات في إدارة الدولة التي حصلت في نهاية حكم داري الأول أدت إلى حدوث بعض التغيرات في مجال القانون.
كانت السلطة القضائية من اختصاص المحاكم الملكية ومجالس الشورى المشكلة من ذوي الحقوق الكاملة وإدارة المعابد.
الملك هو المرجع القضائي الأعلى ـ على الأقل منذ العهد البابلي الحديث ـ وهو الحاكم، كممثل للملك في العهد الاخميني. أما التنافس بين المحاكم الملكية ومجالس الشورى ـ بدأ منذ عهد الملوك الكلدانيين واستمر لقرون عديدة ـ فقد انتهى بهزيمة مجالس الشورى، التي تقلصت صلاحياتها وأصبحت دائرة اختصاصها مقتصرة على النظر في الخلافات المتعلقة بالملكية وبعض الجرائم ذات الطابع المحلي. وحتى عندما كان المجلس ينظر في قضية ما فان المحاكمة تدار من قبل كبار موظفي المعبد. وهناك المحاكم التابعة للمعابد التي كانت تنظر في القضايا المدنية والجنائية، ومن ضمنها القضايا التي لا علاقة لها بالمعبد بشكل مباشر. ولكن الأحكام الصادرة عن هذه المحاكم كانت تخضع للاستئناف في المحاكم الملكية. وفي حالات غير قليلة كانت السلطة القضائية للمعبد تشمل دائرة أوسع من موظفي المعبد. وكانت محاكم المعابد تخضع للمحكمة الملكية، وخاصة في القضايا المهمة، حيث تستلم منها التعليمات الضرورية، وعليها ـ محاكم المعابد ـ ان تزود المحكمة الملكية بكل المعلومات الضرورية. كانت المحاكم الملكية تنظر في القضايا المهمة، وخاصة في جرائم القتل، ناهيك عن القضايا المتعلقة بالتمرد والعصيان والمؤامرات. وتتشكل المحكمة الملكية من خمسة أو ستة أشخاص. كان رئيس المحكمة الملكية في مدينة سيبار هو الكاهن الأعلى في معبد ايببار، وكان يتمتع بصلاحيات قضائية واسعة. كانت المحاكم تنظر في القضايا المتعلقة ببيع الدور السكنية وملكية الأرض بحضور موظفي المعابد. ونجد في الوثائق الشخصية عن البيع والشراء والتأجير، التي تعود إلى القرن الخامس ق.م. ان المحاكم كانت تنظر في هذه القضايا بحضور حكام ملكيين.
يبدو ان القانون البابلي الحديث كان يلزم المتعاملين بتدوين صفقاتهم تحريريا. وكانت العقود تنظم من قبل كتبة محترفين وبحضور الشهود ـ في العادة من ثلاثة الى عشرة أو أكثر. و يحررالعقد بنسختين وفق صيغ محددة، ويعطى كل طرف نسخته. وبدء من العهد البابلي الحديث يذكر في العقود ان الطرفين اتفقا طواعية** . وخلافا للصيغة الأحادية القديمة التي كانت سائدة في العهد البابلي القديم فقد ظهرت في العهد البابلي الحديث الكثير من الصيغ المتباينة، وبضمنها وثائق بصيغة الحوار وجدت انتشارا واسعا، وخاصة في القرن الخامس. كانت الوثائق المتعلقة ببيع الملكية المنقولة ( الماشية، العبيد ، المراكب ) تختلف بصيغتها عن الوثائق المتعلقة بالملكية الثابتة، مثل الدور والأرض. وتذكر في العقد الشروط التي تم الاتفاق عليها، ومكان وتأريخ توقيع العقد والعقوبة المفروضة في حالة نقض الشروط (غرامة ). ويختم بأختام المتعاقدين والشهود.
القانــــون المدني : يختلف قانون الزواج في الألف الأول جوهريا عما كان عليه في العهد البابلي القديم. تغير على الخصوص الموقف من الزواج. لم يعد باستطاعة الرجل ان يشتري زوجة ، كما كان الوضع في السابق. أصبحت المرأة تتمتع باستقلالية كبيرة، وأصبح بامكانها ان تتمتع بملكية خاصة وان تتصرف بها كما تشاء( بيع، تبديل، تأجير، الخ. ). بعد وفاة الزوج تخصص حسب القانون نسبة من ميراثه للزوجة، حتى وان كانت وحيدة بدون أولاد. ولكن لم يكن للمرأة الحق في ان تكون شاهدة على العقود. وفي الحالات التي يدور فيها الحديث عن نزع ملكية المرأة من قبل الزوج أو الأبن، أو من قبل أحد الأقارب فانها في الغالب تكون حاضرة عند الاتفاق على الصفقة. ولكن كان يحق للمرأة ان تكون طرفا في العقود الموقعة، ويبدو أنها امتلكت ختمها الخاص في القرنين الخامس والرابع ق.م. ( كان للنساء عند اليهود ختمهم الخاص منذ القرن السادس ق.م.). أما بالنسبة لتعيين النساء في المناصب المهمة فكان من الحالات النادرة جدا. وبقيت العائلة البابلية بزوجة واحدة، كما كان عليه الوضع في العهد البابلي القديم. وكان على الزوج الذي يتزوج من إمرأة ثانية أن يدفع غرامة كبيرة جدا للزوجة الأولى، حتى وان لم تنجب منه أطفالا.
3 - القضية الزراعية ـ الزراعة هي أهم فروع الإنتاج في بابل ، وفي الشرق القديم بشكل عام. ويمكن تلخيص الوضع الزراعي الذي كان قائما على النحو التالي:
تشير النصوص الكادسترائية على ان جميع الأراضي المزروعة قد خضعت لعملية المساحة وحددت بدقة. وكان الجزء الأكبر منها يعود إلى العائلة المالكة والمعابد، وكبار التجار، وكبار العسكريين، وموظفي المعابد والإدارة. كان الملاكون الصغار ( وبضمنهم الحرفيون ) يستحوذون على قطع صغيرة، وخاصة بالقرب من المدن الكبيرة. وتتراوح مساحة هذه الأراضي من ثلث هيكتار إلى بضعة هيكتارات.
كانت الأرض غالية الثمن، لذلك كان الاهتمام ينصب على زراعة البساتين، وبالدرجة الرئيسية زراعة النخيل.
يعتبر الشعير من أهم المحاصيل الزراعية للحبوب، وإلى جانبه يزرعون الحنطة الرومية والقمح والكتان والحمص والسمسم، وغير ذلك. تقدر كثافة البذر في المتوسط بنحو كور واحد ( 150 لتر ) من الشعير في كور واحد ( حوالي 13230 متر مربع ) من الأرض. وهذا ما يعادل 67.5 كغم من الشعير في إلهيكتار الواحد. يتراوح محصول الشعير بين 785.5 و3375 لتر من إلهيكتار الواحد. وفي المتوسط حوالي 575 لتر من الهيكتار. ويبدو ان معلومات هيرودوت وسترابون عن ان إنتاجية الشعير في بابل، والمقدرة بنحو 200 ـ 300 ضعف مبالغ بها. يحرثون بواسطة المحراث، يبدأ موسم الحصاد في نهاية شهر نيسان ويستمر حتى نهاية حزيران. تعتبر التمور من الغذاء الرئيسي، بالإضافة إلى الشعير. يقدر معدل إنتاج النخيل بنحو 49 كور تمر من كور واحد من الأرض. وكانت أشجار النخيل تعطي ثمارها في السنة السادسة من عمرها.
بالنظر لشحة الأمطار فقد كان للسقي الاصطناعي أهمية كبيرة في الزراعة. وبالنظر للكميات الكبيرة من الطمى لم تكن هناك حاجة للتسميد. كان هناك عدد كبير من الأقنية التي تعود ملكيتها للدولة، وأحيانا للمعابد أو لبعض الأفراد. وكان بوسع جميع المزارعين والمستأجرين استخدام قنوات الري، مقابل مبلغ محدد.
كان ملاكي الأرض الصغار يزرعون أراضيهم بأنفسهم، وبالاستعانة بأفراد العائلة. أما الملوك والمعابد والملاكين الكبار فكانوا يؤجرون أراضيهم لمزارعين آخرين، أو يؤجرون الجزء الأكبر منها. وبدل الإيجار نوعان: إما يحدد البدل مسبقا، عند توقيع العقد، ويتوقف على نوعية الأرض. وكان البدل يقدما إما عينا أو نقدا ( sutu ). أو ان مالك الأرض يحصل على ثلث المحصول والمستأجر على الثلثين الآخرين( imittu ). تبلغ مدة العقد سنة واحدة، وبالنسبة للأرض البكر ثلاث سنوات. وجرت العادة ان لا يدفع المستأجر عن الأرض البكر في السنة الأولى، وفي السنة الثانية لا يدفع سوى جزء من البدل الاعتيادي، ويدفع البدل الطبيعي في السنة الثالثة. وفي الغالب كانت الأرض تؤجر للمستأجرين الكبار بمساحات شاسعة، وهؤلاء بدورهم يقسموها إلى قطع صغيرة ويؤجروها إلى مستأجرين ثانويين. ويحصل أحيانا ان يتفق شخصان أو أكثر على تأجير قطعة أرض واحدة. بالإضافة إلى ذلك استخدم في الزراعة وبشكل واسع عمل الأجراء، وخاصة في مواسم الحصاد وجمع المحاصيل.
شكل الموقف من الأرض الأساس الذي بموجبه تحدد طبيعة المجتمع البابلي. ولكن لا يمكن القيام بهذه المهمة إلا بعد دراسة عدد كبير من الوثائق. ويمكن القول ان هذه القضية قد درست في اوروك القرن السادس ق.م. ونيبور القرن الخامس ق.م. بشكل أفضل مما هي عليه في المدن الأخرى.
لقد أوضحت الباحثة Cocquerillat D. كيف أقدم الملوك الآشوريون الجدد، حسب نزواتهم وأهوائهم، إلى تغيير نظام الملكية للأرض. لقد صادر آشوربانيبال مساحات واسعة من الأراضي الزراعية من سكان اوروك وحول ملكيتها الى معبد ايانا. وقد أدت تلك الإجراءات إلى تغيرات اقتصادية وزراعية كبيرة. وبالرغم من بقاء الملكية الخاصة للأرض، إلا ان الجزء الأكبر من الأراضي الزراعية في اوروك أصبحت من أملاك معبد ايانا. وكانت بعض المزارع الواقعة في الأرياف القريبة من اوروك تعود ملكيتها لأشخاص يعيشون في مدن أخرى. وفي نفس الوقت كان معبد ايانا يملك عقارات ضخمة في مراد، وسيبار، وفي المنطقة الساحلية. بينما كانت لبعض المعابد من مدن أخرى ( مثل معبد ايبابارا في سيبار ) أراضي زراعية في اوروك. وأخيرا، كانت هناك الأراضي الزراعية التي يعود محصولها بشكل مباشر إلى الملك.
ان إقدام الملوك الآشوريين على إعادة توزيع الأراضي الزراعية ليس دليلا على عدم وجود الملكية الخاصة للأرض في بلاد الرافدين القديمة. يبدو على الأغلب ان الملوك الآشوريون تصرفوا بالأرض وفق قانون الفاتحين. لقد سبق لنا الإشارة إلى ان الجزم بعودة ملكية الأرض في الشرق القديم إلى الملك هو مجرد رأي لا يجد ما يدعمه. لنتوقف بشيء من التفصيل عند هذا الموضوع.
لقد أشار بيزر Peiser F. في نهاية القرن الماضي إلى ان ملكية الأرض ـ من الناحية النظرية ـ تعود إلى الآلهة. لذلك ينبغي على الملاك ان يدفعوا الضريبة إلى المعبد الذي يكون إلهه المالك الحقيقي للأرض. وطرح ميسنر ب. Meissner B. رأي مشابه، حيث كان يعتقد انهم كانوا يعتبرون الأرض ملك للآلهة. ويشير شوينسر Schwenzner W. إلى ان الأرض التابعة إلى المعابد كانت وحتى القرن السادس ق.م. ( على أقل تقدير ) تعتبر هبة ملكية للمعابد، وان الأرض كلها ملك الإله، وبالتالي فهي ملك ممثله على الأرض، أي الملك. ويؤكد E. Ebeling على ان الأرض ظلت منذ العصور المبكرة للتأريخ السومري وحتى العصر البابلي الحديث تعتبر من أملاك الملك الخاصة. في حين يرى البعض ان الملك خلال حكم الإخمينيين كان، من الناحية النظرية، يعتبرالمالك الشرعي للأرض (G., Fryer R., Carscia).
ولكن دياكونوف يؤكد على ان الملك لم يكن المالك الوحيد للأرض في بابل القديمة. ويمكن ان نعثر على رأي مشابه عند بعض العلماء الغربيين أيضا. فقد أشار سان نيكول ـ San Nicolo منذ عام 1931 بأنه لو حكمنا وفق ما يتوفر لنا من وثائق عن بلاد الرافدين فيمكن القول بأنه لا تتوفر أية معلومات لصالح الادعاء بأن الملك هو المالك الوحيد للأرض، منذ منتصف الألف الثالث ق.م. ولكن ليس من المستبعد ان تكون هذه الوضعية هي التي كانت سائدة بالفعل بالنسبة للمراحل الأسبق، ولكنها لم تثبت حتى الآن. أما Gelbi J فيؤكد على ان بلاد الرافدين، ومنذ الزمن السومري لم تعرف أية نظرية تكرس الحق في ملكية كل الأرض للملك. لذلك ليس هناك أي أساس للجزم بان الملك كان المالك الأعلى للأرض في بلاد الرافدين القديمة.
لقد أثبت كرداسيا Cardascia G. ان البابليين لم يبلوروا مفهوما مجردا عن الملكية. وبدل من تعريف الملكية، الذي صاغه المشرعون الرومان ـ الحق بالامتلاك والاستعمال والتصرف، فقد شاع بينهم مفهوم واحد: الاستحواذ على الشيء أو الإنسان. غير ان هذا الأمر لا يغير أي شيء من حيث الجوهر. لقد كانت الأرض من الناحية النظرية والعملية ملك لمن يزرعها‎، في العهد البابلي الحديث، وفي العهد الاخميني على أقل تقدير. ويستثنى من هذا الأمر المستأجرون والمستوطنون العسكريون الذين كانوا يعملون بالأجرة، بأمر من الملك. لذلك لم تعرف هذه المرحلة شيأ عن ما يسمى بنظرية الملكية العليا للأرض. لقد كانت الأرض تباع وتؤجر وتهدى بكل حرية وبدون موافقة الملك المسبقة. وهذا ما تؤكده مئات الوثائق المتوفرة.
ولكن مع توسع المناطق المحتلة، اخذ المحتلون الفرس يستحوذون على الأراضي الزراعية ( والخصبة منها على الخصوص ) التي تسلب من السكان المغلوبين على أمرهم. وكان الملك المنتصر في مثل هذه الحالات يستحوذ على أملاك الملك المهزوم وأملاك المقربين منه، خاصة ان لم يستسلموا للفرس طواعية. وكان الأخمينيون يوزعون الأراضي المغتصبة على شكل ملكيات كبيرة لتصبح ملكا مستورثا للمالكين الجدد: أفراد العائلة المالكة، النبلاء من الفرس، وكبار الموظفين وغيرهم. ويتحول جزء من هذه الأرض الى ملكية العاهل الملكي. وقد كانت هذه الضيعات معفية من الضرائب.
في عهد الإخمينيين شاع النظام التالي لاستغلال الأرض: تنشأ مستوطنات للعسكريين في الأراضي التابع للملك وتوزع عليهم الأرض ليقوموا بزراعتها جماعيا، وفي المقابل يدفعون الضريبة العينية أو النقدية، وتعتبر بديلا عن الخدمة العسكرية. وكانت كل حصة تحمل اسما خاصا بها مثل: حصة الفرس وحصة القوس، وحصة العربة، الخ... وسميت كذلك لأن العاملين في هذه الأراضي من العسكريين ويفترض بهم ان يؤدوا الخدمة العسكرية، فمنهم صاحب القوس ومنهم الفارس ,وقائد العربة، وهكذا.
كانت الوضعية الاقتصادية لأصحاب هذه الحصص مستقرة نسبيا في المرحلة الأولى من السيطرة الاخمينية. كانت الفتوحات العسكرية متواصلة، والملوك منهمكون في حروبهم. وعندما يتوجه أصحاب الحصص إلى الحرب فان الأرض تزرع من قبل عوائلهم. وعندما تكون الدولة في غنى عن خدمات هؤلاء الناس كمحاربين، فعليهم دفع الضريبة. ولكن تدريجيا ومع مرور الوقت أصبحت عملية إستبدال الخدمة العسكرية بالضريبة مجرد عادة. ولكن الضرائب من الناحية الأخرى أثرت سلبا وبدرجة كبيرة على العسكريين البسطاء. من أجل دفع الضريبة كان عليهم اللجوء إلى المرابين. و في مثل هذه الحالة يضطر بالطبع إلى رهن الأرض التي بحوزته، وقد لا يستطيع تسديد الدين واستعادة الأرض. لا يحق للدائن ان يستملك هذه الأراضي بل يحق له ان يستحوذ على المحصول فقط. وفي حالة وفاة المالك تعود الأرض إلى الورثة، وفي حالة عدم وجود الورثة فان الأرض تعود إلى الدولة. ومع ذلك فقد أصبح الكثير من المالكين مكبلين بالديون، بحيث أصبح الدائن هو المالك الفعلي للأرض. بالإضافة إلى ذلك كان يحق للدائن تأجير الأرض إذا كان صاحبها ( المدين) في الخدمة العسكرية.
وقد حصل الموظفون الصغار على قطع صغيرة من الأرض وفق نظام الحصص. وكانت الأرض تنتقل بالوراثة بموافقة الإدارة الملكية.
4 - الحرف : يتردد في الكثير من الوثائق اسم: حجار، حداد، عامل النحاس، بناءـ صائغ، خباز، صانع البيرة، غسال، حائك، الخ.. كان الحرفيون يبيعون ما ينتجوه في السوق. ولكنهم في الغالب كانوا يعملون بعقود موقعة مع الزبائن لصناعة شئ ما مقابل سعر محدد. ويعملون أحيانا مقابل حصولهم على الطعام فقط.