عسو الزياني : ملاحظات حول مقالّ-الموقع التاريخي للثورة الصينية و الموقع النظري لماوتسي تونغ- لصاحبه خالد المهدي.ج(2)


عسو الزياني
2009 / 6 / 23 - 06:29     

ابان الثورة الثقافية كانت الملكية الخاصة تتواجد الى جانب ملكية الدولة ، و لم تكن دكتاتورية البروليتاريا تتعمق هناك ، بل كانت سياسة " اليد الناعمة " مع الراسمالية هي السائدة . بحيث ان الراسماليين و الاثرياء لم يكن لهم وجود فقط في المجتمع كقوة مادية بل كان لهم وجود ايضا في الحزب الشيوعي الصيني الذي يتزعمه انذاك ماو . و هو ما تسبب في فوضى خطيرة داخله ، و في القرار الذي اتخذته اللجنة المركزية و اشرنا إليه فيما سبق في النقطة الثانية يشير الى ان الثورة الثقافية ستواجه مقاومة من طرف العناصر المندسة في الحزب و التي وصلت الى مراكز القيادة و تتبع الطريق الرأسمالي.
ان الذين يعطون للثورة الثقافية الصينية صورة اكبر مما كان عليها حالها لا يذكرون منها سوى انها ساهمت في تربية و اعادة تربية قواعد و اطر الحزب الشيوعي و الجماهير الصينية على المبادىء الشيوعية ، فيما ان هذه هي مهمة الحزب الماركسي اللينيني اليومية التي لا يكل منها . لكن لنعد الى وثيقة اللجنة المركزية حول الثورة الثقافية في نقطتها الخامسة ، فهي تحدد بشكل لا غبار عليه بان الحركة الحالية تستهدف بشكل اساسي مسؤولي الحزب الملتزمين بالطريق الراسمالي .
ان الحزب الشيوعي الصيني خلال الثورة الثقافية و هو يمسك بالسلطة السياسية لم يكن في وضع يسمح له بممارسة دكتاتورية البروليتاريا، كان يعيش فوضى داخلية . لذلك فالقرار الذي اتخذ لانطلاق هذه الثورة الثقافية ، كان موجه بشكل رئيسي ضد جزء منه يعارض الاشتراكية و له نفوذ من القمة الى القاعدة ، و في تلك اللحظة كان الاوان قد فات و اصبح صعبا التخلص منه .
ان كلام الجنة المركزية يجيب المهدي عن اي دكتاتورية تعمقت خلال الثورة الثقافية الصينية . بل حتى الجديد في هذه الفترة الذي اعترفت به هذه اللجنة في وثيقتها المذكورة هي لجان و مجموعات و مؤتمرات الثورة الثقافية التي انشاتها الجماهير خارج سيطرة الحزب من أجل التثقيف الذاتي ، و أشادت بها اللجنة و دعت الى ان يكون وجودها دائما و ليس مؤقتا (النقطة الثامنة) . انه اعتراف صريح بفشل الحزب في القيام بمهمته في تثقيف الجماهير، و في نفس الوقت هو رهان على هذه التنظيمات في عزل العناصر الراسمالية و ذات الميول الراسمالية داخل الحزب التي لم تعد محسوبة على رؤوس الاصابع، بل اصبحت في كل المستويات .
إبان الثورة الثقافية ، لم يكن المجتمع الصيني قد تحول الى الاشتراكية ، كانت الراسمالية ما زالت متواجدة في الاقتصاد ، و موجودة كفكر و كسياسة طبعا ، و كان الوضع العالمي يتميز بحضور قوي للامبريالية في كافة المجالات و طبعا كانت تحاول ان تجد لها موقعا داخل الصين و تقويه . باختصار في ظل هذا الوضع ، لم ينته دور حزب الطبقة العاملة ، و بالتالي فالتنصل من مهمة التثقيف على المبادىء الشيوعية و رميها الى تنظيمات الجماهير بشكل فضفاض كما صاغته الوثيقة التوجيهية ، هو كان محاولة لمعالجة الوضعية الداخلية للحزب بطرق غير صحيحة .
اما الذين يبحثون عن مفهوم دكتاتورية البروليتاريا ، فاحيلهم على النقطة السادسة من هذه الوثيقة التوجيهية التي تشير الى انه يجب الفصل بين التناقضات في وسط الشعب و التناقضات بيننا و اعداءنا . طبعا فالشعب في تلك الفترة يمكن ان يضم الفلاحين و الاغنياء و الفقراء و العامل و الراسمالي و الطالب و الاكاديمي ... و التناقضات في صفوف الشعب لا يجب اعتبارها كامتداد لتناقضاتنا مع العدو ، و لحلها يلزم خوض نقاش عميق امام الجماهير التي ستحدد من خلاله الحقيقة . و هكذا سنتوصل الى الاجماع . و توصي ايضا الوثيقة بان لا يتم استعمال الاكراه لحل هذه التناقضات حتى ضد الاقلية التي تمتلك رؤى خاطئة .

وهذا في رايي اقرب الى الميتافيزيقية منه إلى الماركسية. فإذا كان من دروس كمونة باريس أن الرأسمالية حتى وإن كانت أقلية و لا تمتلك السلطة ، فإنها لن تتردد في اتباع أبشع الطرق من أجل تقويض الثورة و الانقلاب عليها. وبالتالي فالامساك بالسلطة السياسية من طرف الطبقة العاملة عبر ممثليها و ممارسة الدكتاتورية ضد الطبقات الرجعية لا يجب ان تكون محل تشكيك بين الماركسيين. في المقابل وضعت هذه الدروس جانبا و أصبح المفهوم السائد لهذه الدكتاتورية خلال الثورة الثقافية الصينية، هو إقناع المعارضين للاشتراكية من رأسماليين و أكاديميين و غيرهم عبر النقاش"العميق" وحمايتهم في نفس الوقت. و هنا لا أطرح التساؤل حول من هي أهم من الأخرى، تجربة كمونة باريس، أم تجربة الثورة الصينية ؟ كلتا التجربتين ساهمت فيهما القوى التي لها مصلحة في التغيير، وقدمت خلالهما تضحيات جسام. لكن الاختلاف هو حول القراءة لهما و الدروس التي يمكن استخلاصها. الثورة الثقافية 1966-1976، لم تنته بفتح افاق جديدة تقدمية للثورة الصينية، بل بانعطافة بارزة نحو الرأسمالية والتراجع عن المكتسبات. تمجيد المهدي لدكتاتورية البروليتاريا الأكثر شمولا خلال الثورة الثقافية الصينية يدفعني لطرح التساؤل : هل نتيجتها المنطقية هي هذه الانعطافة ؟ حتى تفسير ذلك بالانقلاب غير مقنع لأن نجاحه يعني أن هذه الدكتاتورية كانت تحمل ما يكفي من عوامل الفشل، و التي لا يستطيع المهدي الوقوف لتبنيه القراءة التمجيدية المشار إليها أعلاه.

إن التذبذب بين قطبي الصراع في الصين ، الذي طبع كتابات ماو و محاولاته التوفيقية بين الرجعية و التقدمية، هي نفسها الميزات التي طبعت السياسة الخارجية للحزب الشيوعي و النظام الصيني على عهد ماو.
لن أخوض هنا في نظرية "العوالم الثلاث " أو نظرية "العالم الثالث " التي تعرضت لنقد قوي من طرف الماركسيين اللينينيين ، مما دفع بالكثير من الماويين إلى التنكر لها ، كونها لم تتطور في نصوص ماو، مع العلم أن البعض منهم لازال يدافع عنها (غونزالو في البيرو مثلا).
لنرجع إلى مؤتمر باندونغ للأمم الأفريقية الأسيوية، حيث نجد البعض من الأسس التي تطورت عليها هذه النظرية. هذا المؤتمر انعقد من 18 إلى 24 أبريل 1955 في باندونغ باندونيسيا، و حضره ممثلين عن حكومات 29 بلد من أفريقيا واسيا، منها الصين التي ترأس وفدها الوزير الأول آنذاك و الزعيم البارز في الحزب الشيوعي شوان لاي.
تمثلت بصفة رسمية في هذا المؤتمر، وصادقت على مقرراته حكومات البلدان التالية: بورمة (مينمار اليوم)، سيلان (سري لانكة اليوم(، الهند، اندونيسيا، باكستان، أفغانستان، كامبودج، الصين، مصر، إثيوبيا، كوت ديفوار، إيران، العراق، اليابان، الأردن، لاوس، ليبيا، لبنان، ليبريا، نيبال، الفلبين، السعودية، السودان، سوريا، تايلند، تركيا، الجمهورية الشعبية لفيثنام، دولة الفيثنام، و اليمن.
ماو وحكومة الجمهورية الشعبية الصينية والحزب الشيوعي الصيني، الذين وافقوا على إرسال الوفد، وشوان لاي الوزير الأول الذي ترأس الوفد، وصادق على مقررات المؤتمر، كانوا على يقين جميعا بأن الأمر لا يتعلق بمؤتمر لحركات التحرر الوطني، فاليابان الامبريالية مثلا وعدوة الأمس القريب كانت ممثلة بشكل رسمي . وكانوا على علم بأن الوفود هي ممثلة لحكومات الأنظمة السياسية القائمة بهذه البلدان وليست تمثيليات شعبية. هذه الأنظمة وإن نادت باستقلال المستعمرات من داخل المؤتمر فإن الأمر كان يتعلق بحلف سياسي أقدم عليه الحزب الشيوعي الصيني كمثل التحالفات التي عقدها في الداخل.
التصريح النهائي الذي خرج به هذا المؤتمر ذكر عشرة مبادئ هي التي قام عليها هذا التحالف السياسي، و منها:
"2.احترام السيادة و الوحدة الترابية لجميع الأوطان،
4. عدم التدخل في الشؤون الداخلية لباقي البلدان،
8. حل جميع النزاعات الدولية بالوسائل السلمية، كالمفاوضات، التراضي، التحكيم أو أمام المحاكم وفق ميثاق الأمم المتحدة.
9. تشجيع المصالح المشتركة و التعاون.
10. احترام العدالة و الالتزامات الدوليين.
..."
كما جاء في هذا التصريح:
" مقترحات التبادل الاقتصادي بين الدول المشاركة لا يلغي طموح أو ضرورة التعاون مع الدول خارج المنطقة الأفروـالاسيوية، بما في ذلك استثمارات الرساميل الأجنبية.."
يحدث هذا في عز أيام الثورة الصينية التي يمجدها الماويون و التي يعتبرونها ثورة اشتراكية تناسب العصر!
واضح جدا أن هذا التحالف، ليس فقط بعيد عن طموحات الطبقة العاملة على المستوى العالمي، بل ضدها. لكن قبل الخوض في بقية النقاش حول هذه النقطة أسأل الماويين: هل "الماركسية في مرحلتها الثالثة المتطورة" تصلح لفهم و تنظيم العلاقات الخارجية للدول؟ أم فقط للعلاقات الداخلية؟
النظام الصيني في ذلك الوقت، إذا فعلا يمثل الطبقة العاملة فمكانه في العلاقات العالمية سيكون بين الأحزاب الشيوعية و الأنظمة السياسية الثورية التي تشكلت أو يمكن أن تتشكل وحتى المناضلين من الاشتراكية أفرادا وجماعات صغيرة في بعض البلدان ؛ و طبعا ليس وراء الحزب الشيوعي السوفياتي. ولا يخفى أن النزاعات "الدولية" التي يمكن أن تجمع الماركسيين مع غيرهم هي الصراع الطبقي على المستوى العالمي، ضد الرأسمالية و الامبريالية كأعلى مراحلها، وبقايا الأنظمة ما قبل الرأسمالية. و الماركسيون لا يغالطون أنفسهم و لا يغالطون الجماهير، و لأنهم يمثلون صوت المستغلين (بفتح الغين)، فهم يؤمنون بأن الرأسمالية التي تنفق جزءا هاما من الأرباح التي تجنيها لبناء جيشها و تسليحه وعلى الأبحاث العسكرية، لا تستعد للتخلي عن سلطتها بالوسائل السلمية، بل تستعد للحرب. و الالتزام بهذه الوسائل السلمية من طرف الأحزاب الشيوعية و الأنظمة الاشتراكية لا يعني سوى التفريط في الثورة و الإبقاء وضع الاستغلال و الاضطهاد.
كما أن النظام الصيني من خلال هذا المؤتمر، لا يلتزم فقط بحل النزاعات "الدولية" بالوسائل السلمية، بل أيضا باحترام العدالة و الالتزامات الدولية التي تصون بشكل عام الامبريالية. هذا النظام كان يدعي بأنه يشكل "حلفا دوليا " ضد الامبريالية، وهو على يقين بأن كثير من الأنظمة السياسية الممثلة في هذا المؤتمر لم تقطع علاقاتها مع الامبريالية ، وإن تخلصت من وجودها السياسي و العسكري المباشرين في بلدانها. وقد أعلنتها بشكل واضح في التصريح المشار إليه أعلاه ب"ضرورة التعاون مع الدول خارج المنطقة الأفروـالاسيوية، بما في ذلك استثمارات الرساميل الأجنبية..". مع العلم أن الامبريالية في ذلك الوقت، لم تكن تسعى سوى إلى تأمين تواجدها الاقتصادي في المنطقة ، لأن التواجد السياسي و العسكري المباشرين أصبحا يشكلان عبئا ثقيلا عليها.
إن ماويينا لا يقتنعون بأن النظام الصني في تلك المرحلة لم يكن يشكل صوت الطبقة العتملة على المستوى العالمي أو المحلي، حتى بتوقيعه على " احترام السيادة و الوحدة الترابية لجميع الأوطان" و "التعايش السلمي بين الأنظمة الاجتماعية المختلفة". طبعا، هو كانت له مشاكل مع التيبت و تايوان، ويهمه انتزاع الاعتراف بسيادته على هذه الأراضي، لكن مقابل ماذا ؟ مقابل احترامه لسيادة الأنظمة السياسية على الأقل الحاضرة، على كامل أراضي أوطانها، والتي كانت تمثل ليس فقط مصالح الرأسمالية الوطنية واللاوطنية، بل حتى مصالح الاقطاع. واحترام السيادة لايعني سوى احترام استغلال الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء داخل هذه البلدان، احترام القمع و الاضطهاد المسلط ليس على الأقليات، بل على الأغلبية، بحكم أن الكثير من هذه الأنظمة لم تكن تحظى سوى بدعم الامبريالية ودعم الأقلية المنتفعة في الداخل. احترام هذه السيادة، يعني الامتناع عن دعم و مساندة الحركات السياسية المناهضة لهذه الأنظمة الرجعية. واذا كانت الأنظمة السياسية هي تعبير عن البنية الاقتصادية السائدة، وبالتالي تعبير عن مصالح الطبقة السائدة في المجتمع، فكيف يمكن أن يتجسد مبدأ "تشجيع المصالح المشتركة و التعاون " بين دولة العمال و دولة الرأسماليين؟ ألن يكون هذا على مصالح العمال أنفسهم؟.
النظام الصيني بما هو معبر حتى عن مصالح" الشعب" بما فيه البرجوازية، كان يرى في بلدان المنطقة الأفرو- الأسيوية سوقا و مجالا مستقبليا لاستثماراته، وعلى هذا الأساس تعامل مع المؤتمر. وهذا بدأ يتجسد على أرض الواقع ابتداء من سنة 1970 عندما نما الرأسمال الصيني وبدا يتوسع في الخارج.
الآن بعد هذه الإطلالة على ملامح الثورة الصينية في الداخل والخارج، لنعد الى مقالة المهدي، و سِؤال الموقع التاريخي للثورة الصينية و الموقع النظري لماوتسي تونغ؟
من خلال ما أشرت اليه سابقا فهذه الثورة كانت برجوازية ضد الاقطاع، وضد الاستعمار الأجنبي للصين ولأن العمال و الفلاحين الفقراء كانوا يشكلون قوة كبيرة و قدموا تضحيات وازنة خلال هذه الثورة ، كان من الطبيعي أن تستجيب القيادة السياسية لبعض مطالبهم. لكن المكتسبات المتحققة لايمكن بأي حال من الأحوال أن تحول هذه الثورة الى اشتراكية. لأنها بكل بساطة لم تلغ الملكية الخاصة لوسائل الانتاج و حتى عندما شرع النظام الصيني في 1957 في تحويل المقاولات المشتركة مع الراسمال الخاص الى مقاولات تابعة بشكل كامل الى الدولة حافظ على منح تعويضات قارة – جزء من فائض القيمة- الى الرأسمالببن الافراد المنسحبين؟ هكذا ففائض القيمة تتكفل "الدولة الاشتراكية" بمنحه للرأسماليين الخواص عوض تسلمه بشكل مباشر.
اما ماو تسي تونغ قائد الثورة الصينية ، فقد كان ثوريا محترما في حدود مهام هذه الثورة و كان ابرز منظريها. هذا لايعني أن كل ما كتبه يختلف مع الفكر الماركسي او يناقضه ، لكن الأمثلة التي سقتها فيما سبق تبرز أن ماو في كثير من النقط الجوهرية كان بعيدا عن هذا المنهج العلمي. هذه الأفكار الماوية ليست تطويرا للماركسية اللينينية، بل كانت رجوعا الى الوراء واعتمادا لمناهج ما قبل ماركسية.
رفاق المهدي يعتبرون كتاباته أبحاثا نظرية. هذا يفرض عليه اجتهادا أكثر لتوضيح الشعارات التي يرددها و المؤطرة لتصورهم، كالحديث عن الماوية مرحلة ثالثة في تطور الماركسية. وإذا كانت كذلك، ما كان المهدي سيحتاج في مقاله إلى ذلك الكم من مقتطفات نصوص إنجلز، ماركس، لينين، إذ المفترض أن نصوص ماو فيها الكفاية.

عن موقع : revolt.maktoobblog.com