عسو الزياني : ملاحظات حول مقالّ-الموقع التاريخي للثورة الصينية و الموقع النظري لماوتسي تونغ- لصاحبه خالد المهدي.(1)


عسو الزياني
2009 / 6 / 17 - 09:10     

سجلت هذه الملاحظات للتفاعل مع مساهمة خالد المهدي التي يطرحها لاغناء النقاش و النقد و التقويم في طبعة ثانية بتاريخ 07/04/2009 بعد ان طرحها المرة الاولى بتاريخ 04/08/2005 . هذا من جهة ، ومن جهة ثانية ، لانها تعبر عن بعض اراء و مواقف الماويين المغاربة ، ومن خلال هذه الملاحظات اود ان اسجل وجهة نظري بخصوص تصورهم .
طيلة المقال يوحي خالد المهدي بانه ضد التحريفيين و ضد المتمركسين ...الخ ، ضد الذين لم يقرؤوا حتى عشر الكتب الماركسية و لم يفهموا الفتات الذي قرؤوه. كما انه اعلن انه يعتمد المنهج الجدلي في التحليل ، الا انه من خلال اول امتحان استنتج ان هذا يبقى مجرد ادعاء .
لقد اتحفنا خالد المهدي بكثير من النصوص المنتقاة من كتب ماركس ، انجلز، لينين ، ستالين ، ماو للظهور بمظهر الباحث الذي يقرا الماركسية من مراجعها الاصلية ؛ و حتى يدافع عن الفكرة التي اجهد نفسه في البرهنة عليها و هي ان الماوية ليست الا تطويرا يناسب العصر للماركسية اللينينية . الا ان تعامله مع هذه النصوص كان فيه كثير من التعسف ، و كمثال على ذلك:
- انجلز:" ليست المبادئ هي نقطة انطلاق الاستقصاء بل هي نتيجته الختامية ، و هي لا تنطبق على الطبيعة و التاريخ الانساني ، بل تستخلص منهما ، و ليست الطبيعة و عالم الانسانية هما اللذان يتطابقان مع هذه المبادئ بل ان المبادئ لا تكون صالحة الا بقدر ما تتطابق مع الطبيعة و التاريخ...". و يضيف المهدي كلامه " و هذا التحديد النظري اذا ما تمت ترجمته سياسيا فيمكننا ان نقول ان المهام السياسية لا تكون صالحة الا بقدر ما تتطابق مع الواقع الموضوعي و تناقضاته..." .
قراء اللغة العربية يفهمون معنى "المبادئ" التي يقابلها بالفرنسية " principes " و يختلف عن معنى "القوانين" "lois " التي ظل يستعملها انجلز في ابحاثه لتحليل الطبيعة و التاريخ. و لان المهدي اجتهد و غير هذه المرة "المبادئ" ب"المهام السياسية" ، فقد وصل الى نتيجة كارثية ينقلب فيها بشكل كامل على المنهج الجدلي الذي تبناه في البداية .
ان الوجود المادي للانسان يحدد الفكر، و وعي الانسان هو انعكاس جدلي وليس ميكانيكي للواقع الموضوعي. و هذا الاخير يتطور باستمرار بغض النظر عن وعي الانسان و ارادته. و اذا كانت الطبيعة بفعل قوانينها الداخلية ، تتطور بتدخل عدة عوامل منها تدخل الانسان و التي بتفاعلها تعطي قوانين عامة لهده الحركة ، فان تاريخ المجتمع يبرهن على ان تطوره يخضع ايضا لقوانين داخلية عامة لا يستطيع الانسان غير اكتشافها .
هذه القوانين العامة التي تتحكم في تطور المجتمع الانساني ، تحتل فيها ارادة الانسان الدور الاساسي ، لكن ليس ارادة فرد واحد ، بل ارادات واهداف مختلفة و متعارضة . وفيما سبق اشرت الى ان الوجود يحدد الفكر، و هنا يجب التدقيق ، فالوجود المادي للانسان في المجتمع يتحدد انطلاقا من علاقته بوسائل الانتاج . ومن هنا تنشا الافكار و الارادات المتعارضة كانعكاس لهذا الواقع بين مالك وسائل الانتاج و المستغل (بكسر الغين) و بين من لا يملك و المستغل (بفتح الغين) بشكل عام . و لهذا اكد الماركسيون في ابحاثهم ان محرك التاريخ هو الصراع الطبقي .
لنعد الان الى صاحبنا الذي خبر جيدا قوانين الجدل و اتانا بمقولة "...المهام السياسية لا تكون صالحة الا بقدر ما تتطابق مع الواقع الموضوعي و تناقضاته..." . اذا كان يقصد بالمهام السياسية الصالحة ، اي التي يمكن ان يدافع عنها و يسعى الى تحقيقها الحزب الثوري ، فهي مهام لا تتطابق مع الواقع الموضوعي ككل و تناقضاته ككل ؛ فهي مهام تعبر عن مصلحة احد طرفي التناقض في هذا الواقع الموضوعي ضد الطرف الاخر. كما انها لا تتطابق مع الواقع الموضوعي و تناقضاته ، لانه حينما نتحدث عن هذا الاخير فاننا نقصد واقعا موجودا ، اما حين نتحدث عن مهام سياسية فاننا نتحدث عن اهداف اي عن مستقبل و بالتالي عن واقع غير موجود نسعى لتحقيقه . و حسب فهم صاحبنا فانه للتحقق من صلاحية مهامنا السياسية الان ، يجب ان ننتظر فترة من الزمن و التحقق هل مهامنا تطابقت مع الواقع ام لا ؟ و دائما حسب هذا الفهم الذي يبتعد كثيرا عن المادية الجدلية ، فانه يجب ان نطرح السؤال عن صلاحية المبادئ و المهام السياسية التي صاغها لينين مثلا في روسيا و ماو ايضا في الصين عن المرحلة السابقة لانها لم تتطابق مع الواقع الموضوعي ؟ فلما ناخذ صورة لشخص مثلا ، و نقول انها تتطابق مع اوصافه يعني ما يمكن ان نراه كاوصاف لهذا الشخص بالعين المجردة فالصورة تعكسه . و يجب ان نطرح السؤال عن صلاحية المهام السياسية للامبريالية التي تطابقت في احيان عدة مع الواقع ؟
- المثال الثاني هو هذا المقتطف الذي اختلط فيه كلام انجلز بكلام المهدي "...و اكتشاف هذه القوانين التاريخية (اي غير ازلية) و دراستها هي التي يمكن ان توفر للانسان امكانية توجيهها لما فيه مصلحته . لان الانسان لا يستطيع تغيير تلك القوانين ، بل ان مسعاه الواعي يكمن في تغيير الشروط التي تفرز هذه القوانين و تسمح بظهورهذا القانون او ذاك و بتغييره للشروط التي تجعل من تلك القوانين قوانين فاعلة لا يغيرها و لكن يفرز شروطا تجعلها خامدة لبروز قوانين اخرى . فبالمرور عبر هذه الضرورة يستطيع الانسان ان ينتقل الى الحرية اي ان يصبح سيد نفسه و سيد تاريخه ، اي ان يصنع بوعي منه (27)" . الإحالة (27) هنا هي الى كتاب انجلز" ضد دوهرينغ "، دون أن يحدد أين يبتدئ كلام انجلز و اين ينتهي.
ان انجلز الذي يعتبر من الرواد الذين كتبوا في موضوع الجدل ، يتم الافتراء عليه باسم هذا الجدل . نعم كما جاء في المقال " ... كل قانون له خاصياته و شروطه التي يفعل فيها " ، لكنه اختزال لحركة الواقع المادي في وعي الانسان . كأن نقول في الفيزياء ان اضافة كمية من الجسم "A" الى كمية من الجسم"B" تعطينا جسم اخر "X" . لهذا و دون اعادة ما ذكرت حول المثال الاول ، فالانسان حين يكتشف القوانين و يقوم بدراستها ليس من اجل توجيهها كما ذكر المهدي . بل يسعى الى التاثير في الواقع وفق القوانين التي تتحكم فيه . هذا مع العلم ان الانسان و تدخله يخضع ايضا لقوانين عامة في هذا الواقع و ليس منفصلا عنه . المتغير هو الواقع المادي ، اما القوانين فهي دائما كما هي لانها دائما مشروطة بوجود محدد . للتبسيط حين نقول كمية A و كمية B فهذه هي شروط القانون و لا نتحدث عنه بغيرها ، و التحول الى جسم X هو القانون ، و الحديث عن افراز شروط تجعله خامدا ، هو خلط للمفاهيم التي اجهد انجلز في نفس المرجع (اي " ضد دوهرينغ ") في توضيحها . فان نقول عن هذا القانون خامدا يعني اضيفت الى بعضهما الكميتين من A وB لم نحصل على الجسم X و هذا غير ممكن الا اذا اضيفت كمية من جسم اخر اختزالا نسميها C .
و هنا سنتكلم ليس عن قانون جامد و لكن عن قانون اخر شروطه هي اضافة كمية A وBوC الى بعضها.
ساكتفي بهذين المثالين فقط لابراز التخبط الذي تخلل مقال المهدي من بدايته حتى نهايته فهو لم يكن منسجما بالمطلق ، اضافة الى انه اغمض العين عن الاسئلة و الانتقادات التي توجه الى الماويين من طرف الماركسيين اللينينيين على المستوى العالمي .
بحيث نجده يطرح السؤال " يمكن طبعا لكل مطلع و لو من بعيد عن واقع الحملم (اي الحركة الماركسية اللينينية المغربية) ان يدرك لماذا كل هذا الذعر من استحضار واقع الحركة الشيوعية العالمية ؟ انه الخوف من النزيف ، من التشتث، و الانقسامات في صفوف المناضلين الماركسيين المغاربة... انه خوف رجعي، خوف يعيق تطور الحركة الشيوعية و يعيق تطور الثورة ".
هكذا يختزل المهدي كل الانتقاذات في الذعر و الخوف الرجعي الذي تكلم عنه ، و يقابله بالشجاعة في استحضار واقع الحركة الشيوعية العالمية ، او للتدقيق الانفتاح على الحركة الماوية العالمية و تبنيها في المغرب . ان الماركسيين اللينينيين لا يتماشون مع طرح المهدي ليس تشبثا ب"خصوصية معينة او بيئة" و انما لان الماوية تتعارض في كثير من النقط الجوهرية مع المنهج العلمي الذي يعتمدونه ساذكر البعض منها في هذا المقال. و هم قبل كل شيء مناضلون امميون ، و هنا ساطرح السؤال هل اذا استحضر الماركسيون اللينينيون واقع الحركة الشيوعية العالمية و وجدوا الموضة السائدة هي الماوية عليهم تبنيها كي لا يكونوا رجعيين !?و كي لا يعيقوا تطور الثورة!? هكذا هي المبادئ و المهام السياسية التي تتطابق مع الواقع!؟
سطحية التحليل الذي دافع به المهدي عن الماوية تظهر من خلال فقرة اخرى ليست الأخيرة: " اولا و قبل كل شيء يجب التاكيد على ان النظرية الماركسية نظرية كونية هذا اذا تجاوزنا طبعا المفهوم الصبياني الضيق الذي يعطيه البعض للماركسية بوصفها ما قاله روادها من البيان الى المجلد45 للينين " .
من قرأ و فهم ما كتب رواد الماركسية من البيان الشيوعي الى المجلد 46 للينين، لابد سيقف على حقيقة ان ما قام به هؤلاء هو اكتشاف القوانين التي تحكم الواقع المادي و تطوره و دراستها . كما انهم قاموا بتعرية النظريات الاخرى التي تشوش على وعي الطبقة العاملة كالمثالية والمادية الميكانيكية و غيرهما، و ميزتهم انهم كانوا يوضحون للمستغلين (بفتح الغين) و المضطهدين طريق الخلاص و انخرطوا بانفسهم في هدا السبيل (اي سبيل الشيوعية)، وهذا الذي وضع الحد الفاصل بينهم و بين مثقفي البرجوازية . كما انهم وجهوا الدعوة ضمن هذه الكتب الى كل الثوريين لتدقيق القوانين التي توصلوا اليها ، و لما لا لسد الثغرات و النواقص التي يمكن ان تظهر فيما بعد . و ماركس نفسه اعترف بضرورة تحيين " البيان الشيوعي" بعد تجربة كمونة باريس . اذن فمن قرأ هذه الكتب و فهمها و تبنى ما فيها ، لابد انه يتبنى حتى هذه الدعوة . ان الماركسيين اللنينيين يفهمون الماركسية كمذهب اي كقوانين يطبقونها في فهم الطبيعة و التاريخ و المجتمع، و كذلك لرسم طريق الخلاص من الاستغلال و الاضطهاد . لكن لنفترض ان احدا طرح هذه الفكرة ، فالمهدي لم يستطع ان يصوغ الاسئلة الصحيحة لان الذي يتضايق منه في هذه الفكرة ليس من هم هؤلاء الرواد ؟ و ما هي هذه الكتب ؟ الذي يتضايق منه هو ان كتابات ماو البارزة حسب الماويين لم تتزامن مع المرحلة التي كتب فيها البيان الشيوعي الى كتابات المجلد 45 . و يتضايق ايضا لانه فقط اخضاع ما انتجه ماو للمقارنة مع القوانين التي برهن عليها انجلز و ماركس و لينين تبرز نتائج لا ترضيه . لهذا فالمهدي يريدنا ان نقفز عن هذه الفترة الزمنية و عن الكتب التي انتجت خلالها ، لان تطورا هائلا قد حصل في الوجود ، و بالتالي فالماركسية اللنينية ايضا تطورت و اصبحت هي الماوية بجرة قلم ! و لا داعي للرجوع الى الوراء !، و هذا كلامه في النص:
" و لتحديد الموقع التاريخي الحقيقي للثورة الصينية يلزم تحديد اي اضافات قدمتها الطبقة العاملة و الجماهير الشعبية في نضالها الطبقي ، فلا احد ينكر ان الطبقة العاملة و شعوب العالم المكافحة قد راكمت و قدمت من الاضافات الكثير و الكثير منذ كمونة باريس الى اليوم ، او لنقل منذ الحركة الشارتية الى يومنا هذا . و سوف احاول رصد هذه الاضافات و هذا الجديد الذي تبلور من خلال صراع القوى المنتجة و علاقات الانتاج على المستوى العالمي او المحلي . و كيف تمكن الرفيق ماوتسي تسونغ من التعبير على هذه الحركة نظريا و سياسيا . ان هذه الطريقة تنطلق من القاعدة الاولى في الماركسية " الوجود يحدد الفكر" و تدمجها مع مبدا " عمومية التناقض/ التطور مطلق".
بالنسبة للمهدي ، فالموقع التاريخي للثورة الصينية يتجلى في كونها لعبت الدور الذي لعبته كمونة باريس بالنسبة للماركسية ، هذا كلامه:
".. لنعد الى الاصل ، الى مصادر الماركسية . الم يتطور مفهوم دكتاتورية البروليتاريا على قاعدة كمونة العمال الباريسيين ؟ الم يغتن بفضل السوفيتات الروسية ؟ الم يصبح اكثر شمولا ابان الثورة الثقافية الصينية ؟ ".
وقبل تناول دكتاتورية البروليتاريا إبان الثورة الثقافية الصينية ، لنتطرق إلى جديد ماو حول الديمقراطية من خلال هذه المقتطفات من " حول تكتيك مناهضة الامبريالية اليابانية ":
- " اذا كانت حكومتنا في الماضي تقوم على اساس التحالف بين العمال و الفلاحين و البرجوازية الصغيرة في المدن ، فينبغي لنا من الان فصاعدا ان نجعلها تضم ، فضلا عن العمال و الفلاحين و البرجوازية الصغيرة في المدن ، العناصر التي تريد ان تشارك في الثورة الوطنية و التي تنتمي الى سائر الطبقات الاخرى .
ان المهمة الاساسية لمثل هذه الحكومة هي في الوقت الراهن مناهضة مساعي الامبريالية اليابانية الرامية الى ابتلاع الصين . و سوف تتوسع دائرة تركيب هذه الحكومة ، بحيث يمكن ان تضم اليها اولئك الذين يميلون فقط الى تأييد الثورة الوطنية دون الثورة الزراعية، و حتى اولئك الذين لا يعارضون الامبريالية الاوربية و الامريكية لما لهم بها من علاقات لكنهم يستطيعون معارضة الامبريالية اليابانية و عملائها ، يمكنهم ايضا الانضمام الى هذه الحكومة اذا شاؤوا . و لذلك يجب ان يكون برنامج مثل هذه الحكومة قائما على اساس مبدئي و هو ان يتفق مع المهمة الاساسية - مقاومة الامبريالية اليابانية و عملائها ، و على هذا الاساس تعدل سياستنا الماضية تعديلا ملائما ".
- " لماذا يجب تحويل جمهورية العمال و الفلاحين الى جمهورية شعبية? ان حكومتنا لا تمثل العمال و الفلاحين فحسب ، بل تمثل الامة باسرها . لقد كان ذلك مفهوما بالاصل من شعار الجمهورية الديمقراطية للعمال و الفلاحين ، لان العمال و الفلاحين يشكلون 80 الى 90 بالمئة من السكان . و ان البرنامج ذا النقاط العشر الذي اقره المؤتمر الوطني السادس لحزبنا ، لا يمثل مصالح العمال و الفلاحين فحسب بل يمثل مصالح الامة باسرها بيد ان الظروف الراهنة تحملنا على تبديل هذا الشعار و تحويله الى شعار جمهورية شعبية ، و السبب في ذلك يعود الى ان العدوان الياباني قد غير العلاقات الطبقية في الصين ، بحيث اصبح لا في امكان البرجوازية الصغيرة فحسب بل في امكان البرجوازية الوطنية ايضا ان تنضم الى النضال ضد اليابان ".
- " اذا انضمت البرجوازية الوطنية الى الجبهة المتحدة ضد الامبريالية ، فقد ارتبطت الطبقة العاملة و البرجوازية الوطنية بمصالح مشتركة . و ان الجمهورية الشعبية لن تعتمد في عهد الثورة الديمقراطية البرجوازية الى نزع الاملاك الخاصة باستثناء املاك الامبريالية و الاقطاعية ، و لا الى مصادرة المشاريع الصناعية و التجارية التابعة للبرجوازية الوطنية ، بل ستشجع نموها . و اننا سنحمي كل راسمالي وطني مادام لا يساند الامبرياليين و الخونة الصينيين . و ان الصراع بين العمال و الراسماليين محدود في مرحلة الثورة الديمقراطية . و ان قانون العمل في الجمهورية الشعبية يحمي مصالح العمال، الا انه لا يعارض في اثراء الراسماليين الوطنيين او في تطور مشاريعهم الصناعية و التجارية ، لان هذا التطور ليس في صالح الامبريالية بل في صالح الشعب الصيني ".
-"كانت ثورة 1924-1927 ثورة ديمقراطية برجوازية، الا انها لم تنجز بل باءت بالفشل ، و ان الثورة الزراعية التي نقودها منذ عام 1927 حتى اليوم هي ثورة ديمقراطية برجوازية ايضا ، اذ ان مهمة هذه الثورة هي مناهضة الامبريالية و الاقطاعية و ليست مناهضة الراسمالية . و سوف تبقى الثورة كذلك لفترة لاحقة طويلة . ".
هذه من ميزات الثورة الصينية التي تحدد موقعها التاريخي ، انها ثورة على الاقطاع و الامبريالية و لا شان لها بمناهضة الراسمالية . زد على ذلك انها ليست ثورة ضد الامبريالية بشكل عام ، بل ضد الامبريالية اليابانية بالتحديد ؛ اما الامريكية و الاروبية فحلفاؤها لهم الحق ليس فقط في النشاط . بل لهم موقع في الحكومة الثورية حسب ماو.
في هذه المقتطفات يختصر علينا ماو الطريق ، بحيث اوضح بشكل مفصل مفهوم الدكتاتورية " الأكثر شمولا " ؛ انه باختصار مفهوم دكتاتورية الشعب التي تضم حلفاء الامبريالية الامريكية و الأوربية، الرأسماليين ، العمال ، الفلاحين و باقي معارضي الامبريالية اليابانية . السؤال لانصار هذا المفهوم الشمولي هل في المستعمرات الاخرى و شبه المستعمرات الاخرى يصلح تطبيقه ؟ ام اننا سنشهد مثلا في افريقيا دكتاتورية "اكثر شمولا" للعمال و الفلاحين و الراسماليين و حلفاء الامبريالية اليابانية و الامريكية و باقي مناهضي الامبريالية الاوربية ؟ و في امريكا اللاتينية دكتاتورية البروليتاريا مشتركة لحلفاء الامبريالية اليابانية و الاوربية و العمال و الفلاحين و باقي المناهضين للامبريالية الامريكية ؟ ! و اذا كان هذا المفهوم الذي حدده ماو تطويرا للماركسية و اكثر عمقا من دكتاتورية البروليتاريا الذي صاغه ماركس ، فهل يصلح تطبيقه في البلدان الاوربية و الامريكية ؟
الم يكن ماو في هذه الفترة ماركسيا (الثلاثينات من القرن الماضي) ؟ الم يكن يعرف ان الامبريالية الاوربية و الامريكية ترتكب المجازر في حق الشعوب المستعمرة و في حق الطبقة العاملة داخل بلدانها ؟ و ان يكون امميا يفترض الا يحتضن حلفاء الامبريالية داخل الصين ؛ و ان يساند نضالات الطبقة العاملة حول العالم .
ان هذه الصيغة في التحالف تجعلني اطرح السؤال عن الفهم لدى ماو للامبريالية . اليست اعلى مرحلة في تطور الراسمالية ؟ ان الامبريالية لحل ازماتها الداخلية داخل بلدانها لها اطماع في التوسع عبر استعمار البلدان الاخرى . و بالتالي فليست هناك امبريالية شقيقة و امبريالية عدوة. إن هذا تحوير للصراع الطبقي الدائر على المستوى العالمي ، و التحالف مع عملائها المحليين في اي بلد لطرد امبريالية اخرى هو خدمة و فتح الباب امامها للسيطرة على هذا البلد . هذه تحالفات لن يعقدها الماركسيون الامميون . اذا تذكرنا الحرب التي كانت دائرة انذاك بين الامبريالية الامريكية و اليابانية سنفهم معنى هذه التحالفات . ثم اليست الحرب ضد الامبريالية كاعلى مرحلة هي في الان ذاته حرب ضد الراسمالية ؟ الا ان ماو له فهم اخر، فثورته ليست مناهضة للراسمالية ، و اكثر من ذلك يتعهد بحماية الراسماليين الوطنيين الذين حدد شرط وطنيتهم في تاييد طرد الامبريالية اليابانية فقط . و هو لا يعارض اثراءهم و تطوير مشاريعهم . اذا كان ماو ماركسيا الا يعلم ان القانون الذي يحكم تطور مشاريعهم و اثراءهم هو ان يتحولوا الى امبرياليين لهم اطماع في استعمار و استغلال الشعوب خارج الصين ، و بالتالي عليه ان يعارض لا ان يسمح؟ . الم يكن ماو يعرف ان ثراء هؤلاء الراسماليين سيكون على حساب الطبقة العاملة الصينية ؟ انه يذكر ان العمال و الفلاحين يشكلون 80 الى 90 بالمئة من سكان الصين في ذلك الوقت . و اذا كان من حق الفلاحين ، في هذه المرحلة التي تحدث عنها ماو ، القيام بثورة ضد الاقطاع ، فما الذي يمنع العمال من الثورة على الراسمال ؟ خاصة انه حسب العدد الذي صرح به ماو ، سيكونون الى جانب الفلاحين الفقراء وقود الثورة الديمقراطية . او بشكل ادق ، حسب " نظرية المهدي في الجدل " ، فان قانون الصراع الطبقي في هذه الشروط سيكون مجمدا .
لقد سقت هذه المقتطفات من كتابات ماوتسي تونغ لابين انه كان مقاوما من اجل استقلال بلاده عن الامبريالية اليابانية الا انه لم يكن يمتلك رؤية ماركسية عن الثورة و عن حزب الطبقة العاملة ، لذلك نجده في نفس المرجع السابق يقول:
".. و باختصار ، فان الوضع الراهن هو ان قوتين اساسيتين تتنازعان و من البديهي ان سائر القوى الوسيطة ستنحاز الى هذا الطرف و اما الى ذاك . و ان السياسة التي يتبناها الامبرياليون اليابانيون لاستعباد الصين و سياسة خيانة الوطن التي ينتهجها تشيانغ كاي شيك ، لا يمكن الا ان تدفعها قوى عديدة الى جانبنا ، فهي اما ان تنضم مباشرة الى صفوف الحزب الشيوعي و الجيش الاحمر، و اما ان تتحالف معهما في جبهة متحدة ، و سوف تتحقق هذه الغاية ما دمنا لا ننتهج تكتيك الباب المغلق ".
هنا تتضح الصورة بشكل جلي ، فكل اولئك الذي ذكرهم سابقا كحلفاء في جبهة مناهضة الامبريالية اليابانية هم من حيث المبدا يمكن حسب ماو ان يكونوا اعضاء في الحزب الشيوعي الصيني المفترض ان يكون حزب الطبقة العاملة . و سياسة الباب المفتوح هذه لم تستشعر قيادة الحزب خطورتها الا ابان الورة الثقافية، فاصدرت قرارا في 8 غشت 1966 باسم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني يدعو في النقطة الثامنة الى عزل اطر الحزب اليمينية المعادية للحزب و للاشتراكية .

هذا القرار يعتبر من الوثائق الحزبية الهامة و التي تضمنت 16 نقطة كانت بمثابة توجيهات للثورة الثقافية الكبرى في الصين. و في النقطة الأخيرة اعتبرت فكر ماو هو الموجه في هذه الحركة ودعت إلى دراسة و اعتماد كتاباته. ومما ذكرته من هذه الكتابات الهامة: " الديمقراطية الجديدة" المؤرخة في يناير 1940، و "حول الحل الصحيح للتناقضات في وسط الشعب" المؤرخة في فبراير1957.
لنأخذ مقتطفات من هذه الكتابات:
- من "الديمقراطية الجديدة":
"5. النظام السياسي للديمقراطية الجديدة:
.. جمهورية الديمقراطية الجديدة تختلف من جهة عن الجمهوريات الرأسمالية في النموذج القديم الأوربي الأمريكي تحت الدكتاتورية البرجوازية، لأنها جمهوريات الديمقراطية القديمة التي انتهت صلاحية نموذجها. ومن جهة أخرى، تختلف أيضا عن الجمهورية الاشتراكية في النموذج السوفيتي تحت دكتاتورية البروليتاريا.
... الصنف الثالث – أي جمهورية الديمقراطية الجديدة- يعتبر شكل الدولة الانتقالي الذّي يجب اعتماده من طرف الثورة في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة."
"6. اقتصاد الديمقراطية الجديدة:
.. اقتصاد الدولة في جمهورية الديمقراطية الجديدة التي تقودها البروليتاريا له طابع اشتراكي، ويشكل قوة مسيرة لكل الاقتصاد الوطني. لكن هذه الجمهورية لا تلغي الأشكال الأخرى للملكية الخاصة الرأسمالية، ولا تمنع تطور الإنتاج الرأسمالي حيث لا يراقب وسائل وجود الشعب بسبب الحالة المتخلفة جدا للاقتصاد الصيني ...
في البادية سيكون مسموح بوجود الفلاحين الأغنياء."

- من "حول الحل الصحيح للتناقضات في وسط الشعب":
"في الشروط الحالية لشعبنا لبلادنا، التناقضات في صفوف الشعب تضم التناقضات في وسط الطبقة العاملة، التناقضات في وسط الفلاحين، التناقضات بين المثقفين، التناقضات بين الطبقة العاملة و الفلاحين، تناقضات العمال والفلاحين مع المثقفين، تناقضات العمال مع البورجوازية الوطنية، التناقضات في وسط البورجوازية الوطنية نفسه.. الخ
.. في الصين تتخذ البورجوازية الوطنية طابعا مزدوجا:
في مرحلة الثورة الديمقراطية البرجوازية، تتخذ طابعا ثوريا وفي نفس الوقت نزوعا نحو الهدنة. وفي مرحلة الثورة الاشتراكية تستغل الطبقة العاملة وتجني من هذا أرباحا، لكن في نفس الوقت تحمي الدستور و تبدي الاستعداد لقبول التحول الاشتراكي."
"VI.. الصناعيون و التجار:
في ميدان إصلاح نظامنا الاشتراكي، في 1956 إضافة إلى تنظيم التعاونيات و الصناعة التقليدية، أنهينا تحويل لمقاولات الخاصة للصناعة و التجارة إلى مقاولات مشتركة بين الرأسمال الخاص و رأسمال الدولة. الإنجاز السريع لهذه المهمة يرتبط بشكل وثيق بتعاملنا مع التناقض بين الطبقة العاملة و البرجوازية الوطنية كتناقض في وسط الشعب."

هذه المقتطفات تكشف العديد من المغالطات التي يروج لها الماويون ومنها:
- أن الديمقراطية الجديدة أو الشعبية و ما إلى ذلك من التسميات التي أطلقها الحزب الشيوعي الصيني ويرددها الماويون، كدكتاتورية الشعب هي تطوير و تعميق لدكتاتورية البروليتاريا.
نرى أن ماو نفسه يعترف بأن النظام السياسي الذي نظر له هو مرحلة انتقالية بين الدكتاتورية البرجوازية و دكتاتورية البروليتاريا، و يصح للبلدان المستعمرة وشبه المستعمرة.
- إن الاقتصاد على عهد ماو كان له طابع اشتراكي.
ماو يحدد أن الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج لم تلغ، ونمط الإنتاج الرأسمالي كان مسموحا بتطوره. إضافة إلى أن التطور الهام حتى 1956 في البناء الاشتراكي، هو تحويل مقاولات الصناعة والتجارة إلى ملكية مشتركة بين رأسمال الدولة ورأسمال الخاص.
لن أقف عند جميع المغالطات، و سأكتفي بهذا النموذجين البارزين لأعود إلى كلام ماو. فمن المنطلقات التي يبني عليها هذه الاستنتاجات هو أن الثورة الديمقراطية و الثورة الاشتراكية مرحلتين منفصلتين في الزمان والفاصل بينهما سيمتد لسنوات، ولم يحدد شروط تحول المرحلة الأولى إلى الثانية. ويبني على أن الصراع الطبقي بين البرجوازية الوطنية و الطبقة العاملة سيكون محدودا خلال المرحلتين، لأنهما معا إضافة إلى باقي مكونات الشعب ستمارسان دكتاتورية الشعب.
التشخيص الذي اتفق مع ماو حوله لهذا الوضع، أنه يشكل فترة انتقالية. لكن في أي اتجاه؟ هنا لا يمكن الجزم بأنه نحو دكتاتورية البروليتاريا . لأنه في وضع يسمح بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وبتطوير نمط الإنتاج الرأسمالي في الصناعة و التجارة وبإطلاق العنان للفلاحين الأغنياء سيتطور استغلال الطبقة العاملة وستتطور الرأسمالية كطبقة في الوجود المادي و في البنية السياسية كونها طرفا في »الديمقراطية الجديدة « . وطبعا كلما ازدادت قوتها في الواقع المادي ، كلما ازداد نزوحها ورغبتها في ممارسة دكتاتورية البرجوازية التي تحدث عنها ماو. لأن هذه الدكتاتورية تصبح ضرورة لتطوير رأس المال الذي لا تحكمه الأخلاق الوطنية. وجود رأس المال و تطوره مقرون في كل وقت بإنتاج فائض القيمة و الزيادة في الأرباح و المزيد من الاستغلال ، أما الحديث عن رأسمال من طينة وطنية له الاستعداد للتحول نحو الاشتراكية ! هذا لا يستطيع أي ماركسي البرهنة عليه.
إن حديث ماو عن المصالح المشتركة بين البرجوازية الوطنية و الطبقة العاملة خلال مرحلة الثورة الديمقراطية وإمكانية ممارسة الديمقراطية المشتركة ، لا أقول انه تجميد للصراع الطبقي – لأنه قائم بمساهمة ماو أو بدونها – ، و لكن هو محاولة لتحريف الحزب الشيوعي عن خوض الصراع على السكة الصحيحة، و فسح المجال أمام الرأسمالية لتطوير نفسها اقتصاديا وسياسيا. لهذا فقبول هذا الموقف هو تزكية الوضع الانتقالي نحو دكتاتورية البرجوازية وليس دكتاتورية البروليتاريا. ويغفل ماو بأن الضمانة لنجاح الثورة حتى في البلدان المستعمرة هو حفاظ البروليتاريا على استقلاليتها السياسية و الاديولوجية، وأن تضع نصب عينها تسلم السلطة السياسية و ممارسة دكتاتوريتها تجاه باقي الطبقات الرجعية لأنها الطبقة الوحيدة التي لها مصلحة في الاشتراكية. أما حديثه عن إمكانية التأثير في الرأسمالية الوطنية عن طريق تثقيفها وإعادة تربيتها فهو قلب للحقائق و لقوانين الجدل المادي. طبعا هناك تبرير يسوقه البعض أن الطبقة العاملة في بعض البلدان تشكل أقلية، بالنظر إلى التخلف، لكن من يستطيع أن يثبت أن البرجوازية الوطنية تشكل الأغلبية؟. في هذه البلدان تتشكل الأغلبية من العمال و الفلاحين الفقراء، و كما رأينا سابقا فماو لا يتحدث عن هذا التحالف الموضوعي، بل يروج لتحالف موسع ، و يروج كذلك لمصالح عليا للوطن لأجلها يجب أن نقبل و نتعايش مع الاستغلال و الاضطهاد للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء، انه يروج لمصالح البرجوازية بالضبط. أليست هذه المصالح الوطنية هي نفسها التي تروج لها الامبريالية لإخضاع الطبقة العاملة في بلدانها للاستغلال والاضطهاد؟.
و قد استفادت البرجوازية في الصين من هذه الهدنة التي منحها إياها ماوتسي تونغ، سواء خلال الثورة الديمقراطية أو خلال الثورة الاشتراكية لتتغلغل في كل مؤسسات الدولة وفي أجهزة الحزب الشيوعي الصيني أيضا، الذي كان يعاني خللا كبيرا في دوره داخل الصراع الطبقي. وكي نأخذ فكرة عامة، يكفي أن نعرف أن المدة الفاصلة بين مؤتمره السابع (1945م) ومؤتمره الثامن (1956م) هي إحدى عشر سنة، وأن المدة الفاصلة بين مؤتمره الثامن و مؤتمره التاسع (1969م) هي ثلاثة عشر سنة. ولكم أن تتصوروا حزبا حسم السلطة السياسية بمعية حلفائه في 1949م، وأنجز ما سماها الثورة الديمقراطية و كذلك الثورة الاشتراكية، و دخل في الثورة الثقافية الكبرى في 1966م، وهو على هذه الوضعية. إنها وضعية غير سليمة لم يعبر عنها فقط المنتقدين لتجربته بل حتى بعض الأصوات من داخل قيادته.