ايران..غدا يوم آخر


حميد خنجي
2009 / 6 / 13 - 08:29     

توجه نحو 46 مليونا من الايرانيين بمختلف مكوناتهم الأثنية والقومية، يوم الجمعة 12 يونية إلى صناديق الاقتراع لإنتخاب رئيس جديد في الانتخابات الرئاسية العاشرة منذ تأسيس "جمهورية ايران الاسلامية" (على إثر ثورة بهمن الشعبية في سنة 1979). اتسمت الانتخابات هذه بحملاتها الدعائية الملونة- غير المسبوقة- المتعلقة بمشاهد لم تكن مألوفة ومسموحا بها من قبل! تميزت الانتخابات هذه -فيما تميزت- بحماس منقطع النظير من قبل المواطنين، خاصة قطاعي الشباب والنساء وأيضا بتراشق وحِدّة وصلت حد الاهانات الشخصية والاتهامات المتبادلة لبعضهم البعض من قِبَل المترشحين الأربعة، وخاصة "نجاد" نفسه الذي لم يتردد في استخدام موهبته الديماغوجية"الغوبلزية" إلى أقصى حد ممكن ( نسبة الى غوبلز وزير الاعلام الهتلري)، مدركا في قرارة نفسه انها معركته الأخيرة.. فإما النجاح والبقاء -بأي ثمن- أو الاندثار السياسي وانتهاء سياساته الرعناء، حيث بدا مستفيدا من وضعه الرسمي المتحكم في وسائل "الميديا" الرسمية - المرئية خاصة - التي انحازت بوضوح تام، ساعية لنجدته من ناحية الترويج والتلميع له، كونه مازال –شكليا- في منصب الرئيس المنهي ولايته، الأمر الذي لم يرض بالطبع المنافسين الثلاثة الآخرين، حيث اضطروا للانسحاب من المشاركة الأخيرة في التلفزة بسبب ضيق المساحة والوقت المخصصين لهم مقارنة بحصة الأسد المخصصة لنجاد !


تبدو الانتخابات الايرانية الحالية في الواقع، انتخابات إقليمية (شرقأوسطية) بكل معنى الكلمة وذلك بسبب تنامي الدور الايراني الاقليمي والدولي. فالفصل الأول منها حُسم الاسبوع الفائت في لبنان حينما خسرت كتلة 8 آذار بقيادة حليف ايران الأكبر في المنطقة "حزب الله"، الذي تحجم دوره إلى 9% من مجمل القوى السياسية اللبنانية.. أما الفصل الحالي فسيتقرر بعد غد الاثنين أو بعد أسبوعين فيما اذا كان سيعاد انتخاب نجاد( قد يُفرض كرئيس مرة أخرى حسب بعض المحللين المتشائمين) السند الاساس لحزب الله، حيث ستستمر سياسة المجابهة والتحدي. أم ان المعتدل" موسوي" سيُنتخب.. حينئذ لابد أن تقل درجة العضد الايراني لحزب الله إلى حد ملموس (هذا ما قاله بوضوح موسوي)، الأمر الذي يعنى ان هذا الحزب قد خسر خسارة مُركبّة في أقل من عشرة أيام!

لم يحدث من قبل ان تفككت النخبة السياسية الحاكمة في ايران منذ ثلاثين عاما وانشطرت الى هذه الدرجة من التناثر! وهذا بالطبع يدل على الازمة المتعددة الوجوه الذي يعانيه المجتمع الايراني المعاصر من جراء نظام فريد من نوعه في العالم؛ سيادة دولة ثيوقراطية في الألفية الثالثة، المتسمة بالتحولات العصرية والديمقراطية في عموم العالم وكأن إيران تسبح عكس التيار ومتواجدة خارج العصر تماما. هل سيقول الشعب الايراني كلمته غدا– تحديدا- بعد غد؛ الاثنين.. ويحسمها من الجولة الأولى لصالح المترشح المعتدل، الاصلاحي " مير" حسين موسوي ( "مير" سابقة لفظية تعني بالفارسية؛ الحكيم/الرزين) بقوة رافعة عنصر الشباب والنساء وكثافة المشاركة المأمولة ؟!.. يعتقد كثرة من المراقبين ان الشعب الإيراني قد قال كلمته عندما شكل موجة بشرية امتدت لمسافة 20 كيلومتراً وهي مكسوة باللون الأخضر ( الرمز الانتخابي لموسوي)، اكتسحت شارع "الولي" القاطع للعاصمة الايرانية من الشمال الى الجنوب، المشهد الذي أصاب السلطات بالذعر الشديد، وجهت على إثره انذاراً شديد اللهجة لأتباع "موسوي" من مغبّة التحضير لثورة مخملية!

لنستعرض باختصار شديد "الفرسان الاربعة"، الذين تأهلوا للتنافس على منصب رئيس الجمهورية بواسطة "المشخال الاسلامي/المذهبي" من أصل 475 ( 433 رجلا و 42 سيدة ) مواطنين مترشحين للمنصب! فالرئيس الحالي(المنتهية ولايته) "نجاد"، الذي لقب نفسه بمحبوب الشعب( حسب موقعه الكتروني) والمتسم بالبساطة،الزهد والتقوى كان شخصا مغمورا تقريبا قبل 2005. ولكنه أضحى الآن شخصية سياسية معروفة بتحديه للغرب واسرائيل وبتصريحاته العجائبية، مع "هالة" الكريزما الشعبوية التي يملكها (أو يدعيها)، لم يتوان من اتهام خصومه بأكثر الألفاظ غضاضة إلى درجة إلصاق صفة الهتلرية/النازية بهم، الخصلة التي إن وجدت في ايران فانها ستكون أقرب إليه من أية شخصية قيادية أخرى!

المترشح الثاني للرئاسة، زميله المنافس والأقرب إليه فكريا وعقائديا؛" محسن رضائي" وإن كان قادم من مدرسة "نجاد" العقائدية المحافظة، فإنه يدعو إلى برنامج اقتصادي من خلال شعاره؛ محاربة الفقر والغلاء من باب تحرير الاقتصاد. والغريب أنه لا يتحدث عن "الحريات العامة"، التي تعتبر المفتاح السري لهذه الانتخابات، خاصة للطبقات المتوسطة، بعد الحاجة المعيشية لعموم الناخب الايراني

أما الشيخ الاصلاحي" مهدي كروبي" فأنه كاد أن يتأهل في انتخابات 2005، حيث كان الفارق بينه وبين "نجاد" 2 من 10 ( عُشرين 5،19 - 3 ،19)، حين قرر أن يستقيل من جميع مناصبه الرسمية في يونية من السنة نفسها، بعد أن اتهم السلطات بالتزوير لصالح "نجاد". يعتبر "كروبي" اصلاحيا حقيقيا، صريحا، مبدئيا ومخلصا، أقرب الى المصطلح الاصلاحي من "موسوي"، الذي يعتبر معتدلا اكثر منه اصلاحيا. ولكن مما يؤسف له أن هذا الشيخ العفيف يتحرك في الوقت الضائع، فيما يتعلق بعمره المتقدم نسبيا وعمامته "الرمز" التي لا سوق لها الآن لدى الجيل الجديد من الشعب الايراني!

واخيراً المرشح المفضل لدى غالبية الايرانيين؛ "مير حسين موسوي"، ليس بالضرورة حباً فيه بل كرهاً للمؤسسة الحاكمة عامة وسلطة نجاد خاصة. فالمهندس والفنان "موسوي" البالغ 67 عاما والمتقن للغات أربع بما فيها لغته الأم "الآذرية"(الفارسية/الآذرية/الانجليزية/العربية) له حظوظ أكثر من غيره كونه الحصان المرهون عليه، خاصة من قبل الجيل الجديد وإن كان يشكو من مشكلتين سلبيتين؛ أصوله الآذرية وميله الفني وحبه للجمال، الذي يعتبر في نظر المتزمتين الدينيين نقيصة، بالاضافة الى عدم أفضليته لدى "الولي الفقيه"( كما يبدو)..على أن نقاط ضعفه المحدودة هذه لا تقارن بنقاط قوته العديدة؛ سِجلّه الحافل أيام كان رئيس للوزراء إبان الحرب العراقية الايرانية، دماثة خلقه وتواضعه الجم مع الناس، علاقته الطيبة مع أغلب التيارات ومزايا عديدة أخرى فطرية ومكتسبة.. تؤهله كلها أن يكون الرئيس القادم لإيران..إن لم تحدث أمور لم تكن في الحسبان!

للتواصل مع الكاتب [email protected]