خطاب اوباما..واقع الحال ونوايا التغيير


عبد العالي الحراك
2009 / 6 / 9 - 08:10     

يخطأ من يقول ان الريس الامريكي اوباما جاءت به المخابرات المركزية الامريكية الى السلطة, لتحسين وجه امريكا في العالم العربي والاسلامي بعد تدخلها في افغانستان واحتلال العراق والدمار الذي سببته .ولكن هل لهذين العالمين العربي والاسلامي اهمية اعتبارية توليها المخابرات المركزية الامريكية ورؤؤساء امريكا اهتمامهما؟ فقد كانا وما زالا عالمين تابعين صاغرين لامريكا في جميع المراحل والحقب, الا ما ندر ان تخرج عن طاعتها دولة هنا او دولة هناك, خاصة في مرحلة ثورات التحرر الوطني ودعم الاتحاد السوفييتي..لدى اوباما شخصية كاريزماتية جذابة وافكار جديدة ودخول في السياسة بشكل مباشر وقوي ظهر واضحا بعد فشل بوش في افغانستان والعراق وبروز الازمة الاقتصادية الخانقة.. فكانت اطروحاته ونشاطه السياسي ورفعه شعار التغيير, هي من بين العوامل الاساسية التي اوصلته لرئاسة الولايات المتحدة الامريكية, متجاوزا مرشحين مهمين في حزبه وفي الحزب الجمهوري.. جاءت به شخصيته وافكاره وحركته وشبابه ودعم فقراء امريكا وافارقتها وغيرهم وهو يحمل شعار التغيير في امريكا والعالم وقد ينجح في ذلك او يفشل.. على العرب والمسلمين ان يعرفوا قدرهم ويشخصوا واقعهم ومصالحهم وما هي امكانية ان يشملهم هذا التغيير المطروح والسؤال
بماذا يشملنا هذا (التغييرالاوبامي) القادم؟
اذا لم نملك عصا تغييرنا بايدينا, نحن العراقيون والعرب ونجلد انفسنا على ما نحن فيه من تخلف وما نحن عليه من اصرارعلى استمرارالتخلف في داخلنا والغرورالفارغ الذي نعبر عنه مع انفسنا.. انه انسان فقيرعرف منذ صباه كيف يقود الفقرالى النجاح الاجتماعي عبرالاصراروالتحدي والنضال..ملتصق بواقعه معترف به ساعيا الى تغييره الى ان تغير شخصيا ثم مسك بمفاتيح التغييرالاجتماعي في بلاده وقد ينجح في العالم ايضا.. هو ليس اداة المخابرات الامريكية كما يقول اصحاب الجمود العقائدي الذين لا يعتقدون بغير ما يمليه عليهم جمودهم على عقيدتهم وليس فحوى وجوهر ايديولوجيتهم.. انه يعمل اكثر مما يتكلم ويحقق ما وعد به دون ضمان مسبق للنجاح في المستقبل.. انه حقق بعض الشيء لفقراء بلاده ووعد بالمزيد كلما اقترب من حل للازمة الاقتصادية التي تعصف ببلاده والعالم وابتعد عن تأثيرالكنيسة في امريكا ودعم حقوق المرأة ومساواتها بالرجل . زيارته للسعودية وخطابه المركز في جامعة القاهرة اخيرا يدل على انتهاجه سياسة جديدة في علاقات امريكا الدولية التي يريدها ان تكون مبنية على الاحترام المتبادل بين الدول كبيرها وصغيرها والمشاركة في التغيير,بدلا من التدخل الخارجي المفروض بالقوة العسكرية و الضغوط الاقتصادية والعلمية والثقافية..ازاء هذا الموقف الامريكي الجديد لا يمكن مقابلته باللابالية او بالتشكيك وسوء النية, بل بالمشاركة بالواجبات الوطنية والانسانية مقرونة بالمطالبة بالحقوق .
لقد توجه اوباما الى السعودية ومصر,لأنهما قلب المصالح الامريكية في المنطقة وفي العالم التي يبحث عنها اي رئيس امريكي وكذلك قلب الرجعية والتخلف في المنطقة والمصدر الرئيسي للتطرف والارهاب الذي يؤمن اوباما بضرورة تغييره نحو التقدم والديمقراطية عبرالتعاون المشترك.. قد يستغرب المرء من هذا التوجه المتناقض لانسان يدعو الى التغيير والتقدم ويتوجه به في نفس الوقت الى دول رجعية بل قيادة الرجعية العالمية,لانه توجه يناقض امكانية ان تحقق السعودية تقدما او تطورا في واقعها الاجتماعي والثقافي وهي القاعدة الاساسية والمنبع المتقدم للتخلف ومعاداة حقوق الانسان والتعصب الديني والمذهبي, او مصر التي تستبد وينتشر فيها مد الاسلام السياسي المتطرف.. ولكن مصالح امريكا هناك ومساعي اوباما للتغيير لابد ان تبدأ من هناك في اعتقاده.. فهل يتمكن اوباما من تحقيقها اوالمحافظة عليها وفي ذات الوقت احداث تغيير في هاتين الدولتين وامتداداتهما العربيية والاسلامية لصالح الديمقراطية والتقدم والحد من الظاهرة الأرهابية وما جلبته من اضرارعالمية ومن تفشي ظاهرة العداء للاسلام وللمسلمين في عموم دول العالم..؟ قد يسأل سائل..اليس الاجدر بأوباما ان يتوجه الى الشعوب واحزابها الديمقراطية لاحداث التغيير..؟ نعم ..لكنه رئيس الولايات المتحدة الامريكية,بلاد الرأسمال وشركاته الاحتكارية واجهزة المخابرات وسهولة الاغتيالات..هو ليس قائدا ثوريا يقود ثورة شعبية عالمية, انه ليبرالي متقدم وواقعي يحلم بالتغيير ويسعى له بطريقته, ثم انه لم يقف في وجه الديمقراطيين اينما كانوا ولم يعارض تقدم الشعوب ومطالبتها بحقوقها التي من واجبها وواجب قادتها ان تعمل باعلى طاقاتها من اجل الديمقراطية والحرية والتقدم, لا ان تقف مكتوفة الايدي او تتعاون مع امريكا بوش في احتلال بلادها والوقوف في الضد من مصالح شعبها, كما حصل بعد الاحتلال والخنوع الذي ابداه قادة العملية السياسية لسياسة بوش واوامر بريمر.. فهو الذي دعى ويؤكد ذلك باستمرار ويدعو الان في خطابه الى سحب القوات الامريكية من العراق.. الم يكن هذا مطلبا شعبيا عراقيا قد تستغله قوى اخرى غير ديمقراطية لصالحها, وهنا يأتي دورالقوى الوطنية والديمقراطية لان ترفع اصواتها وتطالب اوباما ان يدعمها وان يمنحها الفرصة التي افقدها اياها بوش في بناء الديمقراطية الحقيقية, لا الديمقراطية المتعثرة بالطائفية والتوافقية.. ان تعيد بناء نفسها وتطالبه ان يساعد في بناء الديمقراطية في العراق تعويضا عن الطائفية التي ساعد على بنائها بوش في مجلس الحكم وما تلاه وان كان بحضور طائفي عراقي ودعوة له وقبول به ولكن بعد ان اكتشف الجميع خطورة الطائفية واضرارها صارت الوطنية مطلبا عاما, ولكن اوبا يدعو الان الى وحدة العراق ارضا وشعبا لذا يصح القول ان من واجب العراقيين ان يعملوا بانفسهم وحدتهم وان يطالبوا بقوة من اوباما مساعدتهم وليس العكس.
توجه اوباما الرسمي الى الانظمة العربية والاسلامية الرسمية ,موقف رسمي لرئيس امريكي لا يمنع من حركة الشعوب واحزابها التي تتبنى قضاياها الوطنية باخلاص..اما اذا اختفت خلف احزاب طائفية وقومية لا ديمقراطية كما يحصل في العراق فما عسى اوباما ان يفعل؟ صحيح انه مطلوب منه ان يعوض بالخير ما قام به بوش من شر في العراق.. فمقابل الهدم يحتاج العراق الى البناء , وقبل سحب القوات العسكرية يحتاج الى الامن والسلام وبدل الديكتاتورية يحتاج الى الوئام الشعبي والديمقراطية الحقيقية واذا لم يتطوع اوباما بتحقيق هذا فالمطلوب من الشعب واحزابه ان تطالب بمظاهرات واحتجاجات. فهل بنت الاحزاب الوطنية العراقية نفسها, لان تطالب؟ ام ان يختفي بعضها في العملية السياسية وان يتشتت الاخرون لأمورهم ثم يقيمون اوباما رئيسا امريكا كجميع الرؤساء؟ وهو الذي يقول (لنترك العراق للعراقيين مستقلين في بلادهم لا تابعين ولا عملاء بل مشاركين ولا ننوي بناء قواعد امريكية في العراق..)اليس الفارق كبيرا بين تصريحات بوش ومكين الذين ارادوا العراق خيراته وشعبه ان يبقى تابعا ذليلا وقاعدة امريكية دائمية متقدمة في العالم؟ ولكن الفارق في الرد على اوباما والتجاوب معه ما زال ضعيفا, لان الاحزاب وقادتها لم يستغلوا المواقف الجديدة لصالح شعبهم فهم لا يتجددون ولا يجددون افكارهم ومواقفهم وهم لم ينتبهوا الى ان اوباما يدعو الى الديمقراطية في العراق ولم ينادي احد منهم او يخرج جماهيره التي يتباهى بها في المناسبات الخاصة فقط لتطالب اوباما وتحذره بان الديمقراطية العراق في خطرمن الطائفية.. وهم ايضا لم ينتبهوا الى ان اوباما يدعو الى وحدة العراق ارضا وشعبا وخيرات, وكيف امتعض ويمتعض قادة الاكراد القوميين من مواقفه هذه.. فاين منه وطنيو العراق ورافعي شعار وحدته الوطنية الذين لم يكف البعض منهم عن الخنوع لتلك القيادات القومية والعشائرية التي لا تريد للوحدة الوطنية الا اضعافا وتمزيقا..في جميع الاحوال فان اوباما افضل من بوش لامريكا وللعرا ق والاهم ان نكون افضل من غيرنا لوطننا ولمصالحنا الوطنية العامة . الفرصة الان بيد العراقيين, فهل يحسنوا استغلالها مستقلين و مطالبين منه وبقوة بتعويض عن حقوقهم المادية والمعنوية التي هدرها بوش.. لقد نقد اوباما نقدا واضحا وصريحا قيام بلاده بأسقاط حكومة وطنية منتخبة في ايران في منتصف الخمسينات ويقصد بها حكومة مصدق الوطنية وهذا موقف تقدمي كبير وشجاع لاوباما. فكيف يقال عنه قد جلبته المخابرات المركزية الامريكية الى السلطة؟
تكلم اوباما عن حقوق المرأة في التعليم والعمل.. فلتتحد جميع منظمات المرأة في العراق داخله وخارجه مدعومة من قبل الاحزاب والشخصيات الوطنية والديمقراطية وتعرض عليه حال النساء في مجال العمل النسائي ومجال التعليم وما هو حظهن من ذلك وما هي عدد المدارس التي بنيت وعدد البنات التي فيها واين ذهبت الاموال وما هو دوره التطبيقي عندما يتكلم عن مشاركة العراق في العلم والبناء وليس تبعيته.. انا لا ادعو للتصفيق الاعمى لاوباما كما صفق وما زال يصفق بعض العراقيين لبوش.. انا اطالب وادعو القوى الوطنية والدمقراطية العراقية الى الحضور السياسي الفاعل والمطالبة بتطبيق ما تكلم به وما وعد دون التشكيك المسبق ودون فقدان الاستقلالية الذاتية والوطنية او الاختفاء خلف الاخرين.. لقد حور الرجعيون والمتخلفون مواقفهم وشعاراتهم في سبيل ان يكسبوا.. فهذا ملك السعودية يدعو الى حوارالاديان وهو لا يعترف الا بالمذهب الوهابي العنيف والشديد التخلف. وهؤلاء قادة احزاب الاسلام السياسي في العراق وغيرهم يدعون الى الديمقراطية العمياء, لأغراض انتخابية وسياسية تعمق حكمهم وتسلطهم على الشعب. اما الاحزاب الوطنية والديمقراطية فهي ما زالت بعيدة عن تحقيق ابسط الامور لمنتسبيها, ناهيك عن عموم الشعب.. فقط التشكيك بقدرات الاخرين واستعدادهم لاحداث تغيير في العالم لصالحهم اولا ولصالح من يتقدم ويعمل ويطالب ثانيا. اوباما ليس ماركسيا ثوريا حتى يطالبه البعض بالحل الجذري لازمات العالم انه ليبرالي ديمقراطية وما يطرحه يناسب فكرة والحالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في امريكا وهو افضل بكثيرمن الفكر الديني المحافط لسلفه بوش.
خطاب اوباما في القاهرة يشمل الديمقراطيين العرب في بلدانهم, رغم انه وجه الى الجميع من خلال الدول الرجعية والاستبدادية ويجب عليهم الارتقاء الى مستوى كسب اوباما ومطالبته المستمرة بالدعم وكشف سلبيات تلك الانظمة العربية والاسلامية الرجعية والاستبدادية التي لا تستطيع التقدم خطوة واحدة على طريق الحرية والديمقراطية, بينما الديمقراطيون مؤهلون لذلك رغم الظروف الصعبة وضعف امكانياتهم المادية.. واقع الحال في هذه الدول ومنها العراق واقع صعب ونوايا التغيير لابد من ترجمتها بالحركة والنشاط والعمل والنقد والتجديد المستمر وعدم الاستسلام للامر الواقع الذي يشكل خطورة كبيرة على الديمقراطية ومستقبلها..فكما هو واضح وشديد الوضوح في موقف اوباما من القضية الفلسطينية وامتعاض قادة اليمين الاسرائيلي من هذه المواقف, ولكن هل يرتقي قادة الشعب الفلسطيني لاستثمارها في صالحهم بالطريقة الايجابية؟ اما الموقف من ايران فهو شديد الغموض والاشد غموضا فيه يتعلق بضعف احتمالية نجاح اوباما في ايقاف نوايا ايران النووية التي حسبت لها اكثر من حساب.. بمعنى استمرار ايران بتطوير سلاحها النووي القادم وعدم الاتفاق على امر سوى استمرار الضغوط الاقتصادية والسياسية الأمريكية والاوربية الى ان تحين الفرصة الانسب لامريكا لأستخدام الحل العسكري في نهاية طريق الحواروالدبلوماسية ان يحققا شيئا ايجابيا, بسبب ابتعاد المسافات في العقيدة والرؤى بين الجانبين . عبد العالي الحراك 8/6/2009