الثورة..نقص السلع والحل الجذري


فنزويلا الاشتراكية
2009 / 6 / 6 - 09:10     

بقدر ما تكون الحلول العلاجية لآثار المشاكل ذات تأثير إيجابي في المسار الطبيعي لحياة مجتمع ما، بقدر ما تفقد قدراً كبيراً من قيمتها في ظل ثورة لا يمكن للحلول الوقائية أن تقدم لها ما تحتاجه. وإن كانت تحتفظ بدورها الهام، فإنه لا بد من فسح المجال لما هو أقوى بتأثيره، لا بل إنه حتى يفرض نفسه كحل راديكالي يعود لأساس المشكلة ليقتلعها من جذورها للتمكن من تجاوز ما لا يمكن أن يبقى مشكلة لفترات طويلة تعطل مسيرة مجتمع بأكمله.

جذور مشكلة السلع الغذائية
نقص المواد الغذائية، لم يعد مشكلة بحد ذاتها في فنزويلا، فالدولة قدمت دورها في زيادة الإنتاج، من خلال ما أطلق عليه بالمعامل الاشتراكية، إلا أن الكم الذي تقدمه لا يكفي لتغطية احتياجات السوق الداخلية، كما أنه بات من الواضح أن الاكتفاء ببناء المعامل لزيادة إنتاج السلع ليس الحل المثالي والشافي لمشكلة من هذا النوع.
فالسلع الاستهلاكية باتت متوافرة بشكل جيد، إذا ما حسبنا التي ينتجها القطاعان العام والخاص، إلا أن تلك التي تنتجها البرجوازية أصبحت هي مشكلة بحد ذاتها، فبعد أن جربت أن تمتنع عن الإنتاج بهدف قطع السلع عن السوق ونشر الفوضى والتهديدات بخصوص التحول الاشتراكي وخاصةً قبل كل انتخابات، انتقلت لتخفيض الإنتاج للاستمرار بتحقيق ذات الربح خاصةً بعد أن أخضعت الدولة أسعار السلع الأساسية للتقييد، لكن تخفيض الإنتاج بحد ذاته أي التقليل من العرض بغية رفع السعر لا يحقق الغاية في ظل تقييد الأسعار فعمد البرجوازيون للتحايل على القوانين والتلاعب بقوت الفنزويليين بتغيير هيئة السلع للتهرب من السيطرة السعرية التي تفرض فقط على السلع الأساسية.
فالأرز، تضاف إليه منكهات فيخرج من تلك السيطرة، ولا يباع فقط بأسعار تحقق الربح القديم، بل يتجاوزون ذلك ببيعه بأسعار مضاعفة وبقدر ما يقللون من إنتاجهم بقدر ما يقل عرض المنتجات وبالتالي يرتفع سعرها أكثر فأكثر، أما الأرز غير المعدل والذي يفرض القانون أن يكون له الحصة الأكبر في إنتاج كل معمل لا يسوق أحياناً حتى بنسبة 5% وشركة كارغيل الأمريكية اكتشف أنها لا تسوقه مطلقاً مما دفع الرئيس تشافيز لمصادرة معامل معالجة الأرز التابعة للشركة في فنزويلا.

المشكلة ليست سلوكيات البرجوازية فحسب بل وجودها بالذات
وبالرغم من القوانين الصارمة المتعلقة بحجم الإنتاج والتحكم بالأسعار إلا أنها لم تلبي المطلوب منها، فهي تعالج الآثار وخلال العلاج تمر بعض الفترات التي تشكل خطراً على مستوى المعيشة السكانية، فالبرجوازية تتحايل على القوانين بشكل مستمر حتى وإن كانت قلة من المنتجين قد التزموا بالقوانين بالغين مستوى من الوعي يكفيهم ليقتنعوا ويستوعبوا أن مقداراً من الربح أياً كان هو أفضل من فقدان الربح كله، وقد دعا الرئيس تشافيز البرجوازية إلى أن تسلك هذا السلوك بالتقيد بالقوانين والالتزام بها والابتعاد عن العمل غير المشروع. إلا أنها كانت قادرةً وبشكل متفاوت لا على مراوغة القوانين بل أيضاً تقدمت للتعاون مع الفئات الانتهازية والبيروقراطية في داخل الحركة البوليفارية لتمرير الكثير (التتمة ص7..)من الأعمال المعادية للثورة، ولكنها لم تتمكن من تسييد هكذا وضع بفضل أن البيروقراطية لم تتحول بعد إلى طبقة أي أنها لم تتمكن من الحزب الثوري والدولة ولا تزال طرفاً في الصراع الطبقي-الفئوي الدائر داخل الحركة البوليفارية وخارجها على الطرف المعادي.
وإن كانت الفترة الماضية قد علمتنا شيئاً في هذا الخصوص فهو أن البرجوازيين حتى وإن التزموا بالقوانين فإنهم سيعودون لألاعيبهم وبشكل جديد في كل مرة، والمسألة هي كسب لبعض الوقت بالنسبة للثورة ولكن هي كذلك للبرجوازية، لذلك يدرك التيار الثوري بقائده الرئيس تشافيز بأن هذه المناورات إن كانت تنفع في مرحلة ما فإنها ليست الخيار الأبدي بل هي فقط مخطط مؤقت محسوب النتائج لكنه لا ينفع دوماً، فالبرجوازية لا يمكن التعاطي معها دائمًا بذات الشكل لا لأنها تتمتع بمرونة عالية للتعاطي مع الظروف المتغيرة فحسب، بل لأن الثورة نفسها تفرض ما لا يمكن لهذه المواجهات المتفرقة أن تحققه لها.

المشكلة الجذرية تتطلب حلاً جذرياً
"لتكون هنالك اشتراكية، لا بد من نقل البنية الاقتصادية الفنزويلية، علينا أن نعمل باتجاه الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج، مما سيتيح لنا أن نولد الظروف المطلوبة لتحقيق العدالة الاجتماعية، حيث لن توجد المأساة والفقر والجريمة في فنزويلا" والأمر كذلك فعلاً، فالإبقاء على وسائل الإنتاج في يد البرجوازية أبداً وإن كان جزئياً تحت أي ذرائع لا يمكن أن يكون خياراً اشتراكياً-كما هو الحال في الصين-ويضيف الرئيس قائلاً "الاشتراكية إما أن تكون علميةً أو لا تكون" والروح العلمية-وهي ما تميز الاشتراكية العلمية-عليها أن تكون دوماً كما نبه الرئيس تشافيز بعيدةً سواءً عن الإصلاحية أو الدوغمائية، فكون الانتقال الاشتراكي يتطلب نقل ملكية وسائل الإنتاج فإن ذلك لا يعني أن يتم الانتقال مباشرةً ولا يعني بالضرورة عكس ذلك، بل يتطلب الأمر النظر إلى الواقع بأعين فاحصة موضوعية لا الحكم على الأمور بمنظور جامد ضيق الأفق، وكما ذكرنا مراراً وتكراراً فإن الوقائع تفرض كيفية نقل الملكية استناداً لقدرة ناقلها ولحاجته لهذا الانتقال، ولهذا نجد بأن التعامل مع معامل معالجة الأرز كان بالاستيلاء على مالا يمكن التعامل بخصوصه مع ملاكه الرأسماليين من جهة، وبتهديد من يمكن أن يخضعوا مؤقتاً لحكم القانون من جهة أخرى، ولأن هذا الحل ما عاد يكفي، فقد تم التوجه مباشرةً إلى صلب المسألة فبدأت عمليات الاستيلاء على الأراضي الزراعية التي تمتلكها عائلات ثرية وشركات متعددة الجنسيات. فبدايةً، تحرك معهد الأراضي الوطني للاستيلاء على 5,000 هكتار من الأراضي الزراعية، وستستمر المسيرة، إذ دعا وزير الزراعة والأراضي إلياس خاوا "الشعب أن يخرج ويسيطر على وسائل الإنتاج".
لأن الأرض هي الركيزة الإنتاجية بما يخص السلع الغذائية الأساسية، والحاجة لزيادة الإنتاج التي باتت مطلباً ملحاً للحصول على كم كافٍ من الغذاء وبأسعار رخيصة شكلت سبباً، إلا أن مجرد الحاجة ليست كافية ولا بد من القدرة على تولي عمليات الإنتاج، وهذا ما سيكون بفضل الاستناد إلى عدد من التجارب الناجحة التي شكلت نموذجاً لبناء كومونات إنتاجية على هذه الأراضي الزراعية لتجاوز الملكية الخاصة وإطلاق الملكية الاجتماعية في هذا القطاع.
فالقدرة والحاجة متوفرتان ويبقى أن تبرهن الثورة على أنها "ثورة" وهذا ما فعلته بانطلاقها في هذا الاتجاه للبدء بالتخلص من المشكلة الغذائية كلياً من جهة ولدفع طاقاتها باتجاه جديد من جهة أخرى خاصة وهي في بداية مرحلتها الثالثة بالانتقال نحو الاشتراكية.

إذاً، الثورة برهنت ذاتها وأثبتت قدرتها وعلميتها وأكدت على جوهرها الطبقي الاشتراكي مع بداية المرحلة الجديدة، وإن كانت المعركة مستمرة وصعبة وشاقة فإنها لا يمكن أن تكون غير ذلك، إذ لا يمكنها إلا أن تكون "ثورة دائمة" حسب وصف الرئيس، فتخوض المعارك الواحدة تلو الأخرى ودوماً وبشكل مستمر تأتي الدلائل المادية لتؤكد على استمرار التيار الثوري في مقدمة الحركة البوليفارية ومجابهته للقوى التي تعترض مسيرة الثورة. قال الرئيس تشافيز: "على الثورة أن تستمر بالتقدم. لا يمكن أن يكون هنالك اتفاق مع الأوليغارشية أو اتفاقات مع أي أحد في الأعلى، سأضمن بأننا سنضع قدمنا على دواسة بانزين الثورة".
ويبقى المعيار العلمي-المادي الثوري-هو الأساس في الحكم على مجريات الثورة وانجازاتها الطبقية في كل خطوة وتحرك.