تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// الاشتراكية وقضية الصحراء المغربية /مبدأ تقرير المصير ليس مطلقا


بلكميمي محمد
2009 / 6 / 4 - 09:08     

ان العدو الاول للفكر الماركسي هو التجريد المتافيزيقي . ومن ابرز خاصيات هذا التجريد هو التعامل مع المقولات والمبادئ كمنطلقات ثابتة لاتتغير . اما الماركسية فهي تتميز بكونها تخضع جميع المبادئ ، مهما كانت قدسيتها ، للشروط العينية الملموسة للحالة المحددة التي هي قيد الدرس والتحليل . وعلى هذا الاساس ، فمن وجهة نظر الماركسية ، ان نفس المبدأ يمكن ان يكون قابلا للتطبيق هنا وغير قابل للتطبيق هناك .
وحين يساند اصحاب تقرير المصير ذلك المبدأ ، لالسبب الا لان " الشعب" الصحراوي قد طالب به ، فهم بذلك لايضعون فكرهم على ارضية الماركسية النقدية ، بل على ارضية التجريد المتافيزيقي المبتذل .
ولنستعرض بتركيز الطريقة التحليلية النقدية التي تعامل بها كل من ماركس وانجلز ولينين ، مع مبدا تقرير المصير .
في سنة 1863 ساند ماركس وانجلز مطالبة الشعب البولوني بحقه في الانفصال السياسي عن روسيا . لكنهما في نفس الفترة التاريخية تقريبا ، قد عارضا بشدة ذلك المبدأ بالنسبة للشعبين التشيكي والسلافي الجنوبي اللذين كانا يطالبان بحق الانفصال عن النمسا .
اكثر من ذلك : لقد ساندا بولونيا في مطالبتها بتقرير المصير ، رغم ان الاقطاع هو الذي كان يتزعم تلك الحركة . لكن من ناحية اخرى ، فهما لم يكتفيا فقط بمعارضة تقرير المصير بالنسبة للشعبين التشيكي والسلافي الجنوبي ، بل ايضا لقد اعتبرا هذين الشعبين شعوبا رجعية .
لماذا اذن كان ماركس وانجلز مع مبدأ تقرير المصير في الحالة الاولى ، وكانا ضده في الحالة االثانية .؟
ان موقفهما يستند الى تحليل نقدي للشروط الملموسة التي كانت تتحرك فيها كل حالة .
بالنسبة للحالة البولونية : كانا يعتبران ان روسيا الاقطاعية القوية ، كانت تخنق وتعيق كل امكانيات التطور الاقتصادي – الاجتماعي البولوني . لذلك اعتبر ان تاسيس دولة وطنية بولونية مستقلة عن روسيا القيصرية ، هو الاطار الحر الذي يسمح بنضج التناقضات الاجتماعية وتطور الراسمالية وظهور بروليتاريا قوية تقود النضال .
بالنسبة للحالة التشيكية – السلافية : فقد كان تحليلهما هو التالي : في تلك الفترة التاريخية ، كانت المانيا تعرف تطورا راسماليا سريعا ، لكن فرنسا التي كانت تشكل القوة الاقتصادية الراسمالية المهيمنة على اوربا ( القارية ) ، ستجد في ذلك التطور الراسمالي الالماني صعودا لدولة راسمالية قوية ، منافسة لها وتهدد هيمنتها على اوربا . لذلك لجات فرنسا الى كل الوسائل من اجل عرقلة واعاقة الصعود الالماني ومن بين تلك الوسائل ، كان التحالف الذي ابرمته فرنسا مع روسيا القيصرية ، التي كانت تعتبر في ذلك الوقت ، ليس فقط قوة رجعية محلية بل ايضا ذات هيمنة على بلدان اوربا الشرقية وسندا رئيسيا لكل الحركات الرجعية على صعيد اوربا .
من هنا ففي راي ماركس وانجلز ، فان مطلب تقرير المصير الذي كان يرفعه الشعب التشيكي والشعب السلافي ، وحقهما من الانفصال عن النمسا ، لن يؤديا ابدا الى تاسيس دولا وطنية مستقلة ، وانما سيقودان الى سقوطهما تحت نفوذ الهيمنة الروسية لانهما شعبين صغيرين ضعيفين ، وبالتالي لن يشكلا اكثر من ركيزة في يد روسيا لضرب المانيا البورجوازية . ان شعار تقرير المصير للشعبين التشيكي والسلافي الجنوبي ، هدفه خدمة مصالح الدولتين الفرنسية والروسية ، ولذلك فقد عارضاه بقوة واعتبرا الشعوب التشيكية – السلافية شعوبا رجعية . ( لنلاحظ ان الشعب التشيكي المكون من البوهيم والموراف ، والشعب السلافي الجنوبي الذي كان يقطن اقليم سلوفاكيا ، لم يؤسسا دولة تشيكوسلوفاكيا الفيدرالية الا سنة 1918 بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى ).
هذا اذن هو موقف ماركس وانجلز من مبدا تقرير المصير الذي لم يكونا يتعاملان معه بطريقة مجردة – مطلقة ، بل بطريقة نقدية ملموسة ومشروطة . فماهو الان موقف لينين ؟ .
يقول لينين :
" ان مطلب حق الامم في تقرير مصيرها ، ليس مطلبا مطلقا ، بل هو جزء من مجموع الحركة الديمقراطية . وفي بعض الحالات الملموسة ، يمكن للجزء ان يدخل في تناقض مع الكل : وهنا يجب معارضته " ( لينين – المؤلفات المجلد 22 الطبعة الفرنسية – ص 367 ) .
ويقول :
" لنفرض ان هناك بلدا ملكيا صغيرا يوجد بين بلدين ملكيين كبيرين . ولنفرض ان ملك البلاد الصغير تربطه بملوك البلدان الكبرى ارتباطات عائلية او غيرها . ولنفرض ان شعب البلد الصغير اراد ان يقوم بثورة ضد نظامه الملكي لاحلال الجمهورية وللاستقلال عن البلدين الملكيين المجاورين . ولنفرض ان قيام الجمهورية وطرد الملك ، يعني عمليا نشوب حرب بين البلدين الكبيرين بسبب المنافسة بينهما من اجل ارجاع الملكية للبلد الصغير في ظل ملك تابع لهذا الطرف دون الاخر .
ماذا سيكون موقفنا في هذه الحالة الملموسة ؟ اننا بكل بساطة سنكون ضد الثورة وضد الجمهورية ومع الملكية في البلد الصغير ." ( نفس المصدر ).
نعم ان لينين الثوري الراديكالي ، يقول بلا تردد وبشجاعة عالية ، بانه ضد الثورة وضد الجمهورية ومع الملكية في حالات ملموسة . ان الثوريين علماء الجدل هم وحدهم الذين لايترددون في نعت بعض الشعوب بالشعوب الرجعية ( ماركس وانجلز ) ، والذين لايرون في الجمهورية الجمال المطلق ، وفي الملكية القبح المطلق .
ان الماركسيين هم اكثر المشركين اشراكا بالمطلقات والمثاليات . فلينين نفسه يقول : " ان تغيير الملكية بالجمهورية ليس مسالة مطلقة ، بل هو مطلب ديمقراطي خاضع لمصلحة قضية الديمقراطية بوجه عام " ( نفس المصدر – ص 372 ) .

في الحلقة المقبلة : هل هناك شعب صحراوي ؟ .