اصحاب الحقوق المنقوصة واصحاب الحقوق الكاملة في الاردن


وليد حكمت
2009 / 5 / 24 - 06:33     

قبل بضعة سنوات حدثت قصة في أطراف البادية الشرقية وبالتحديد في منطقة باير شرق معان والتابعة لها ، وهذه الحادثة ربما تحدث مع المئات والآلاف من المهمشين في المناطق النائية جنوب وشمال وشرق ووسط الأردن حيث لا يتعامل مع الإنسان باحترام

سيدة في مقتبل العمر من البادية جاءها المخاض وأصابها عسر الولادة واحتاجت إلى عملية ولادة قيصرية لكن هذه المناطق التي تقطنها القبائل البدوية والريفية لا يوجد شيء فيها شيء من ذلك فالخدمة الصحية والعلاجية والطواريء معدومة كما هي تماما باقي الخدمات ، ولم يعرف أهل هذه المريضة ماذا يفعلون فاضطروا إلى نقلها بواسطة مركبة قديمة ( قلاب قديم) يسير في الطرق الترابية المتعرجة والمتعثرة لأجل إيصالها إلى اقرب مركز صحي وهو الذي يبعد حوالي 50كم في قرية الحسينية فلم تصل هذه المركبة المتعثرة إلى تلك القرية حتى قضت هذه المريضة نحبها هي وجنينها ، بالطبع هذه المرأة قبل وفاتها كان تحمل الجنسية الأردنية والرقم الوطني ولها كافة الحقوق الإنسانية والقانونية في الدستور الأردني مكتوبة على الورق ، فقد كفل لها الدستور حق العمل وحق العيش بكرامة وحق التعليم وحق اللباس النظيف وحق الغذاء الكافي والماء النظيف فهي مكتملة الحقوق نظريا وعمليا منقوصة الحقوق فهل استفادت من تلك الحقوق وهي التي لم تجد المأوى والملبس والغذاء والصحة والعلاج والحياة الكريمة ماذا استفادت من هذه المكتوبات النظرية وهي فقدت حياتها وأغلى ما تملك جنينها وماذا بعد ذلك ...
من هذه الحكاية النابعة من المناطق المهمشة والمعزولة والتي تكون خارج التغطية غالبا يمكننا الانطلاق وتوضيح بعض الصور لهذه الظاهرة فهناك الآلاف مثلها من نساء ورجال وأطفال منتشرون في أطراف الريف والبادية محرومون من الخدمة الصحية والتعليمية وخدمة الطرق والمواصلات والحصول على وظيفة والعيش بأمان فحيث تنتشر جيوب الفقر في المريغة وطاسان وأبو اللسن وسويمرة والحسينية والهاشمية والمحمدية والجفر وباير والمدورة والنقب وقرى النعيمات وعشرات القرى المحرومة من كل شيء شتاؤهم قارس يحتطبون له طيلة الصيف من تلك الصحراء الشحيحة الموارد وصيفهم لاهب يقيظون في أكواخهم وبيوتهم المتهدمة الغير صالحة للسكن او في بيوت الشعر والبعض يحمل متاعه ويهاجر إلى المناطق الألطف مناخا في الكرك والأزرق بحثا عن الكلأ والماء ، مدارسهم إن وجدت فهي مفتقرة للخدمات والوسائل التعليمية وقراهم يخيم عليها شبح الفقر والبؤس والحرمان فلا يوجد خدمة او رفاهية او معلم اقتصادي او حتى حياتي ، هؤلاء مسالمون وبشر من حقهم أن يجدوا ويحصلوا على حياة كريمة ولكنهم ربما لا يمتلكون الطرق الكافية والوعي الكافي للتعبير عن مطالبهم ومظالمهم ورفعها إلى الحكومة فهم صابرون كادحون يكدون ليلا ونهارا في سبيل البحث عن لقمة الكرامة دون ان يمدوا أيديهم إلى المسؤول ليستجدوا بعضا من حقوقهم التاريخية...

في مناطق الجنوب وفي تلك المساحات الشاسعة تتوافر الثروات الطبيعية بكميات خيالية وهي التي تدر على الحكومة الأردنية مئات الملايين من الدولارات فمناجم الفوسفات المنتشرة هنا وهناك والمعادن المختلفة والسياحة والمعالم الأثرية كالبتراء والخامات المعدنية والمياه الثرة الغزيرة كمياه الديسي التي تعتبر من أنقى المياه بحسب المواصفات العالمية لكن تلك الثروات يحرم منها السكان الأصليون أصحاب هذه الأراضي منذ مئات السنين فمياه الديسي ومزارع الديسي استغلت لصالح مجموعة من البرجوازيين الذين لا هم لهم سوى امتصاص دماء الأردنيين واحتكار ثرواتهم والاستئثار بمياههم ومنعهم من العمل وممارسة العنصرية ضدهم ورفض دفع أثمان المياه إلى الحكومة الأردنية أطفال منطقة الديسي ورم البؤساء المحرومون يتطلعون الى الثمار والفواكه الطازجة واللذيذة في مزارع صبيح المصري فيرون خيرات أراضيهم وأراضي آبائهم واجدادهم تصدر إلى الخارج وتدخل الى جيب البرجوازي الأناني الذي حرمهم من السعادة ومن خيرات أرضهم ويتطلع اليهم بنظرة الاحتقار وهم يحرمون لقمة الخبز ويعيشون شظف العيش ... هناك شركة الفوسفات لمن تعمل ولصالح من وماذا تقدم من خدمات ومساعدات لتلك المناطق الفقيرة المعزولة عن العالم ، هل تبرعت هذه الشركة بتأسيس ناد للشباب ثقافي ورياضي وهل تبرعت بتأسيس مدرسة حديثة مجهزة بخدمات وملعب ووسائل الترفيه لأطفال تلك المناطق وهل ساهمت شركة الفوسفات بإصلاح الطرق والحفاظ على البيئة وتقديم المعونات العاجلة لأبناء تلك المناطق المحرومة والذين سكنوا هذه المناطق واستصلحوها في الرعي والاحتطاب منذ مئات السنين وهل تبرعت حتى بيوم طبي مجاني لأجل علاج هؤلاء الأشباح الذين أعيتهم الأمراض والأوبئة ، هل أسهمت الشركة الهندية في شيء من هذا القبيل ولو حتى عيادة صحية متنقلة تسهم في التخفيف والحد من انتشار الأوبئة بين سكان تلك المناطق الواسعة وهل فكرت تلك الشركات الضخمة بتقديم خدمة لنساء تلك المناطق من اجل تأهيلهن وتوعيتهن بحقوقهن وتقديم المعونات للتخفيف من معاناة المرأة الريفية والبدوية التي تكدح ليلا ونهارا في تلك الصحراء لأجل جمع الحطب ورعي الماشية والعناية بصغارهن وكلنا يعلم بان القطاع الخاص في جميع دول العالم يقدم الخدمات الاجتماعية والمعونات لأبناء مجتمعه ويسهم في مساعدة المحتاجين وأصحاب الظروف الصعبة فالمجتمع ما دمت استفيد من خيراته واربح فلماذا لا أضحي بجزء يسير من أرباحي لصالحه .... ثم ماذا قدمت شركة عدنان سالم الترك والمسماة بشركة تطوير معان سوى الحديث بلغة الملايين الوهمية وتعيين موظفين يداومون في عمان ويعيشون عيشة الطبقات المرفهة على حساب جوع سكان الريف والبادية في الجنوب ماذا قدمت هذه الشركة سوى لوحات الإعلانات الكاذبة والتصريحات المفتقرة إلى الحقائق والوقائع لقد اكتشف الناس تلك الأوهام والأكاذيب الممنهجة وعرفوا بان هذه الشركة لا تخدم سوى نفر من الذوات الذين لا يؤمون الا بأنفسهم وجيوبهم.....

هذه المناطق يسمونها الأقل حظا وهي في الواقع الأوفر حظا من حيث توافر المعادن والمقالع والمحاجر والصخر الزيتي والبترول غير المستخرج والفوسفات والمياه والآثار العالمية فهي كالبقرة الحلوب تحلب ليلا ونهارا لتصب تلك الأموال في جيوب الغير والمستثمرين الأجانب دون أن يكون لتك المناطق فتاتا قليلا من هذا الفائض الكبير يسهم في تغيير الحال

وعندما ترد أسماء أغنى خمسين عائلة في الأردن نجد أنها تأخذ حقوقها كاملة حتى لو لم تحمل الرقم الوطني او الجنسية الأردنية ، العلاج متوفر لها في أرقى المستشفيات العالمية ، والمواصلات تحت أمرها والخدمة الأمنية تحت الطلب السريع والقانون يحميها حتى المناصب الكبيرة أحيانا تكون من نصيب أبنائها يتوارثونها جيلا بعد جيل ، هذه الفئات تتوفر لها جميع متطلبات الحياة المرفهة وكل شيء تحت أمرها ويتوفر لها في لحظات، تعيش كالطفيليات على امتصاص دماء غيرها ولا تقدم شيئا لأبناء المجتمع الأردني باستثناء القليل وهم قليل ، وهذه الفئات وعلى الرغم من قربهم او بعدهم او انتمائهم او عدم انتمائهم للأردن يأخذون حقوقهم كاملة فهم ليسو منقوصي الحقوق وهم فوق الجميع فهم أصحاب الحقوق الكاملة أما فقراء الريف والبادية والسكان الأصليين فهم منقوصو الحقوق واقعا ومكتملو الحقوق نظريا.
http://www.jordandays.com/ArticleDetails.aspx?Aid=611