تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//الصيرورة التاريخية لتشكل الطبقة العاملة


بلكميمي محمد
2009 / 5 / 3 - 09:17     

قد راينا في الفقر السابقة "مفهوم الطبقة العاملة " بان النجار والفلاح مثلا ، قبل ان يصبحا بروليتاريين كانا في الاصل منتجين مستقلين عن العلاقات الراسمالية ، ان الاصل التاريخي للبروليتاريا اذن، هو الطبقة الوسطى الحرفية في المدن وجماهير الفلاحين في البوادي ، بشقيهم معا : الفلاحون الاحرار ، والفلاحون الخاضعون لعلاقات الانتاج الاقطاعية .
وبما ان الفلاحين يشكلون الاغلبية الساحقة في المجتمع ، فيمكن القول بان الفلاحين هو الخزان الاحتياطي الضخم للاصول التاريخية للبروليتاريا .
لكن لكي يمكن للفلاح و الحرفي ان يتحولا الى برولتاريين يجب ان يتم تجريدهما من كل وسائل انتاجهما ، بحيث يصبحان لايملكان سوى قوة عملهما ، التي يضطران لبيعها الى الراسمالي من اجل تامين شروط عيشهما .
ان تاريخ تشكل الطبقة العاملة ، هو اذن تاريخ انفصال الفلاحين والحرفيين عن وسائل انتاجهم ، ومن اجل تحقيق ذلك الانفصال ، عمد الراسمال في المغرب الى شتى الاساليب ، كان ابرزها : 1 ، اسلوب العنف الذي استعمله الراسمال الاحتكاري الاوربي في المرحلة الكولونيالية ، من اجل تدمير علاقات الانتاج ماقبل الراسمالية وانتزاع الاراضي من الفلاحين . . . 2، مزاحمة منتوجات الحرفيين بالمنتوجات المصنعة الراسمالية . . . 3، اثقال كاهل الفلاحين بالديون الربوية والتجارية ، لارغامهم على بيع اراضيهم بابخس الاثمان . . . 4، انفتاح الاقطاعيين المغاربة على نمط الانتاج الراسمالي ، وتحويل فلاحيهم الى عمال زراعيين .
لقد لاحظنا في الفقرة السابقة ، " مفهوم الطبقة العاملة " ، بان الراسمال ليس مجرد مال يتم مبادلته بالعمل ، ولكنه مال يتم مبادلته بالعمل بهدف انتاج فائض القيمة والاستحواذ عليها من قبل مالك الراسمال . وفي كل الحالات التي يتم فيها مبادلة المال لذلك الغرض ، فان ذلك يقود الى خلق علاقات اجتماعية جديدة هي العلاقات الراسمالية ، وحينما تصل تلك العلاقات الى درجة من التوسع ، فانها بدورها تقود الى خلق الطبقات الاجتماعية ، الجديدة ، من هنا فان الصيرورة التاريخية المؤدية الى خلق المجتمع الراسمالي ، ليست شيئا اخر سوى ذلك التوسع في العلاقات الراسمالية القائمة اساسا على فصل المنتجين الصغار المباشرين عن وسائل انتاجهم ، ومن ثم تعريضهم للبلترة .
في البلدان الاوربية المتطورة وفي الولايات المتحدة الامريكية ، لقد بلغت صيرورة التبلتر اوجا ، بحيث لم يعد الفلاحون يمثلون سوى 4 ٪ او اقل ، من مجموع السكان ، زد على ذلك ان معظمهم اصبحوا عمالا زراعيين ، ان هذه البلدان اذن ، قد استنفذت بالكامل خزانها الاحتياطي التاريخي من اليد العاملة ، الذي كان يتكون من الفلاحين ، ولذلك فان المصادر البديلة التي لجات اليها من اجل امداد التراكم الراسمالي بما يحتاجه من قوة عمل ، هي المصادر الثلاثة :
1) فلاحو بلدان المحيط ، مثل الفلاحين في المغرب العربي وافريقيا ، والفلاحين الامريكيين الجنوبيين وخاصة المكسيكيين والبورتوريكيين ، والهنود والباكستانيين ، وكذا فلاحي جنوب اوربا مثل البرتغاليين والاسبان والطليان والاتراك واليونانيين ، ولقد كانت الحاجة جد ماسة لهؤلاء الملايين من الفلاحين المبلترين ، في المرحلة التي اعقببت الحرب العالمية الثانية والتي تميزت بنمو متسارع للتراكم الراسمالي . . .
2) الخزان الاحتياطي الذي تمثله النساء . .
3) الاستفادة من قانون التراكم الراسمالي نفسه : ذلك ان تطور الملكية والانتاجية ، يؤدي حتما الى الاستغناء عن جيوش هائلة من العمال ، بحيث يتم تسريحهم ورميهم في الشوارع كعاطلين ، ان هؤلا ءالعمال يمثلون اذن ، جيشا احتياطيا صناعيا في خدمة الاستثمارات الراسمالية الجديدة .
وفي المغرب ايضا ، لقد عرفت البلترة ( بغض النظر عن طبيعتها ) مستوى عاليا من التطور . فالفلاحون الذين كانوا يمثلون في مطلع القرن (20) حوالي 90 ٪ من السكان ، لم يعودو يمثلون في الوقت الحاضر من نفس القرن سوى 56 ٪ وهذه النسبة نفسها حتما ستهبط بالتدريج ، لان ذلك يدخل في صلب القوانين الموضوعية التي تحرك الراسمال التبعي ، ولا احد بمقدوره وقف ذلك الهبوط مادام ذلك الراسمال هو المتحكم في البلاد والعباد .
ان الانتقال من وضع اجتماعي الى اخر . . . من علاقات ماقبل راسمالية الى علاقات راسمالية ، يعني عدة اشياء ، انه يعني الانتقال من العمل المستقل الى العمل المسخر لخدمة الرسمال ، ويعني تحول الانتاج التبادلي البسيط الى الانتاج التبادلي الراسمالي ، وتحول العلاقة بين الناس الى علاقة بين الاشياء ، كما يعني الانتقال من الانتاج المشتت الى انتاج المقاولات الراسمالية .

في حلقة مقبلة / الاشكال الاجتماعية الثلاثة للطبقة العاملة .