تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// في الذكرى المائوية للعيد الاممي للطبقة العاملة 2/3


بلكميمي محمد
2009 / 4 / 28 - 10:13     

ان الانسان الشيوعي لانه يقف على ارضية ايديولوجية مغايرة للارضية البورجوازية ، فهو لذلك يرى الامور بمنظار مغاير ايضا .
ان الشيوعي لاينفي المكتسبات الفعلية التي حققتها الطبقة العاملة الغربية في ظل حكم احزاب الاشتراكية – الديمقراطية ، فخلافه مع البورجوازي لايتعلق اذن بهذه النقطة ، بل بالمسالتين الحا سمتين التاليتين .
أ‌- هل ممكن للاشتراكية – الديمقراطية ان تشكل حلا دائما وثابتا لتناقضات النظام الراسمالي . في البلدان التي اختبرت تلك التجربة ؟ .
ب‌- وهل ممكن تعميم التجربة الاشتراكية – الديمقراطية ، اولا على جميع بلدان اوربا بشمالها وجنوبها ، ثم ثانيا على جميع مناطق العالم الراسمالي بشماله وجنوبه ؟
ان الجواب بالنفي هو التحدي الاكبر الذي يرفعه الماركسي في وجه جميع اصناف البورجوازيين ، سواء كانوا راسماليين ام ليبراليين ام ديمقراطيين .
وقبل مقاربة هذه المسالة بشيء من التفصيل ، يجب اولا تحديد معنى الحزب الاشتراكي – الديمقراطي ، أي ماهو برنامجه السياسي العام ؟ ثم ثانيا لماذا وكيف نجحت التجربة الاشتراكية – الديمقراطية في بعض البلدان الغربية ، خلال العقود الثلاثة التي اعقبت الحرب العالمية الثانية ؟ .
يقوم البرنامج الاشتراكي – الديمقراطي على النظرية الاقتصادية التالية : ان الرفع من الدخل لدى الجماهير العريضة ، سيكون من شانه ان يلعب دور الحافز لتنامي القدرة الشرائية بالنسبة لتلك الجماهير ، مما يؤدي بدوره الى نمو الانتاج ، وبالتالي نمو وظائف الشغل .
وفي البلدان الراسمالية التي طبق ونجح فيها ذلك البرنامج ، يصح القول فعلا بانه تم تحقيق نوع من تعميم الشغل في صفوف الطبقة العاملة ، بل ويمكن القول ايضا بانه تحقق نوع من "العدالة الاجتماعية " ، باعتبار ليس فقط دخل الراسمالي هو الذي كان ينمو ، بل وبجانبه نما ايضا الدخل الفردي للعامل ( رغم التفاوت الكبير في نسبة النمو بينهما ، المبرر من الوجهة البورجوازية ) .
لكن البرنامج الاشتراكي – الديمقراطي ، ليس وصفة جاهزة قابلة للتطبيق في أي بلد راسمالي متطور ( فبالاحرى في البلدان المتخلفة ) . تاريخيا ، فهو لم يتحقق الا في البلدان التي تظافرت فيها ثلاث عوامل متكاملة محددة ، طبقية واقتصادية وسياسية . وهذه العوامل لم تكن في متناول الجميع ، بل فقط ( بحكم تفاوت التطور الراسمالي ) في متناول البعض وحده .
- على الصعيد الطبقي : ان الاشتراكية – الديمقراطية ، تعني مسبقا ان التطور الراسمالي الموضوعي قد احدث قطيعة مادية - اجتماعية تامة ، مع الانتاج الزراعي الراسمالي الكلاسيكي ، بحيث ان التمركز الهائل للملكية الراسمالية الزراعية ، قد جعل البادية لاتشكل الا نسبة ضئيلة جدا من شغيلة المجتمع الاجمالية ، والنتيجة ، هي تعاظم المد الحضري للمدن ، على الصعيدين الصناعي والخدماتي ، كان من ابرز مظاهره تغيير التشكيلة السوسيولوجية للمجتمع ، بحيث ان الطبقة الوسطى الخدماتية والبروليتاريا الخدماتية والصناعية ، اصبحتا تمثلان الاغلبية الساحقة في المجتمع ، ان هاتين الطبقتين هما القاعدة الاجتماعية الموضوعية التي قام عليها تاريخيا برنامج الاشتراكية – الديمقراطية .
- على الصعيد الاقتصادي : ان الاشتراكية – الديمقراطية ، تعني من جهة ، وجود قاعدة جديدة للتراكم الراسمالي ذات نفس طويل ، تكون بمثابة المحرك الاساسي الذي يتمحور حوله التوسع الاقتصادي برمته ، وتعني من جهة اخرى قدرة البلدان الراسمالية الطليعية على ضمان انتاجية تكنولوجية عالية ، تمكنها من احتلال موقع تنافسي قوي في السوق العالمية ، مما يسمح لها بتحمل مطالب طبقتها العاملة حول الزيادة في الاجور .
- على الصعيد السياسي : حين يتحقق الشرطان الماديان السابقان ، يصبح وصول الاشتراكيين – الديمقراطيين الى الحكم لتطبيق برنامجهم السياسي ، مسالة طبيعية وضرورية ، في ظل الديمقراطية البورجوازية ووجود قاعدة انتخابية اشتراكية – ديمقراطية عريضة . ان وصول اولئك الى الحكم ، هو مجرد تعبير سياسي عن واقع مادي موضوعي ، تقتضيه حاجة المجتمع الى التطا بق بين بنيته التحتية وبنيته الفوقية ، وحين تتخلف البنية الفوقية عن قاعدتها المادية ، تحدث ازمة في القيم الايديولوجية للمجتمع المدني ( ان جوهر انتفاضة ماي 1968 في فرنسا ، يكمن بالضبط في التنافر الحاصل بين القاعدة المادية الاشتراكية – الديمقراطية وبين الايديولوجية الديغولية القومية الماقبل اشتراكية – ديمقراطية ) .
- من هنا يمكن القول بان وجود احزاب اشتراكية – ديمقراطية في الحكم هي الصيغة السياسية الاصلح للراسمال الاحتكاري ، في مرحلة الازدهار الاقتصادي .
ان الشروط الثلاثة السالفة الذكر ، قد توفرت مجتمعة لبعض البلدان ( شمال اوربا وامريكا ) ، ولم تتوفر للبعض الاخر ( فرنسا وايطاليا ... الخ ) ، ولذلك كانت الاشتراكية - الديمقراطية تجربة بالنسبة للبلدان الانجلو – سكسونية ، وليست تجربة للبلدان اللاتينية .
لكن ماهو الواقع الحالي لهذه التجربة ؟ .
لقد انتهت الى ازمة عميقة ، وهذه الازمة قادت الى تصفية بعض المكتسبات العمالية التي لم تحققها ابان العقود لمرحلة ما بعد الحرب ، وهي تهدد الان كذلك جديا البعض الاخر ، ان ابرز مظاهر الازمة تتمثل في تفشي ظاهرة البطالة بشكل لم يسبق له مثيل منذ فترة الحرب ( وصلت مثلا في بريطانيا الى نسبة 10 ٪ ) ، كما تتمثل في تجميد الاجور الى الرهان الذي رفعه الراسمال الاحتكاري الالماني ، القاضي بتشطيب ظاهرة الاضرابات العمالية من الوجود من الساحة الالمانية قد سقط بعد ان خاض عمال قطاع الميتاليرجيا وهو اضخم قطاع صناعي في العالم الغربي من حيث مستوى الانخراط النقابي ، اذ يضم وحده مليونين ونصف من النقابيين – اقول ، بعد ان خاض اضرابه الاخير .
وفي امريكا التي طالما زعمت بان مصالح الراسمال ومصالح العمل ، هي كل لايتجزا ، قد اضطرت سنة 1982 الى الغاء ثلاثة قوانين تعتبر من المكتسبات الاساسية في مجال الاجور هي :
- عامل التحسين السنوي : Annual Improvement Factor ، ويعني التزام ارباب العمل بزيادة سنوية في الاجور بنسبة 3 ٪، مقابل التزام النقابات بعدم خوض اية حركة اضرابية طوال السنوات الثلاثة من العقدة المبرمة .
- تصحيح كلفة العيش : Cost of living Adjustement ، ويعني الزيادة في الاجور كلما ارتفع معدل التضخم .
- الانفاق المرجعي : Master Contract، ويعني ان أي مكتسبات يحققها عمال مقاولة معينة ، يتم تعميمها او توماتيكيا على جميع المقاولات الاخرى من نفس القطاع .
وفي نفس السياق عمدت الراسمالية الامريكية ايضا ، الى الغاء مجموعة من القوانين الاخرى التي كانت تحمي الشغل من البطالة .
اما في بريطانيا ، فان الراسمال لم يكتف فقط بتصفية بعض المكتسبات الاقتصادية ، بل لجا كذلك الى تصفية مكتسبات نقابية – سياسية نفسها ، وفي هذا الاطار سنت حكومة تاتشر القوانين التالية :
- في سنة 1982 ، تم سن قانون يمنع النقابات من خوض الاضرابات التضامنية .
- في سنة 1982 ، تم سن قانون الغاء الحصانة النقابية ، حيث اصبح بموجبه ممكنا متابعة قضائيا بعض الاضرابات العمالية .
- قانون 1984 الذي يمنع على النقابات عدم اتخاذ قرار خوض " اضراب مهم " الا بعد اخذ بالاعتبار اصوات العمال المعنيين ، عن طريق المراسلة ( بدل الاكتفاء بالتصويت في تجمع الحاضرين ، كما كان سابقا ) .
- تصفية حق النقابات في احتكار الشغل ، حيث اصبح ممكنا للراسمالي تشغيل عمال غير متنقبين .
ان ازمة الاشتراكية – الديمقراطية الغربية ، قد عبرت عن نفسها من خلال تساقطها من الحكم وصعود الاحزاب اليمينية البورجوازية في معظم البلدان الانجلو – سكسونية ، وحتى السويد البلد العريق للاشتراكية - الديمقراطية والذي مارسها لاكثر من نصف قرن ، لم ينج من تلك الازمة الشاملة التي اطاحت سنة 1976 بالوف بالمو احد ابرز ممثلي الاشتراكية – الديمقراطية في الغرب .
ان تراجعات الاشتراكية - الديمقراطية ، قد فتحت اذن الباب امام اشرس ممثلي اليمين البورجوازي : الريكانية في امريكا ، والتاشيرية في بريطانيا .
ماهي اسباب ازمة الاشتراكية – الديمقراطية ؟ .
هي ازمة الراسمالية نفسها ، وهذه الازمة تكمن حاليا في التالي :
اولا ، ان قاعدة التراكم الراسمالي التي لعبت دور المحرك للتوسع الاقتصادي خلال العقود الثلاثة بعد الحرب ، والتي قامت اساسا على محور بعض الصناعات الاستهلاكية ( وخاصة صناعة السيارات) ، هذه القاعدة قد استنفذت امكاناتها ، التراكمية الموضوعية .
ثانيا ، من النتائج الاساسية التي تمخضت عنها مرحلة مابعد الحرب ، بلوغ الراسمال والانتاج والتجارة درجة عالية من التدويل والاندماج ، مما ساهم في تعديل ميزان القوى الاقتصادي بين البلدان الراسمالية المتنافسة على السوق العالمية ، وهكذا فقد تقوت مواقع البعض وضعفت مواقع البعض الاخر ( مثلا العلاقة بين امريكا واليابان : ان الانتاجية التكنولوجيا تتطور في اليابان بسرعة اكبر ، بل ان هذه الاخيرة قد تجاوزت امريكا في بعض القطاعات نفسها التي كانت تعتبر " اقطاعات " محصنة. والسبب في ذلك يعود اساسا الى حجم الاستثمارات المتفاوت بين البلدين : ان اليابان المتحررة من النفقات العسكرية الضخمة ، لها امكانية الاستثمار في بعض القطاعات المنتقاة اكثر من امريكا ) . ولذلك فان البلدان التي تحس بتقهقر مواقعها التنافسية ، تضطر الى مراجعة سياستها الاقتصادية من منطلق مراقبة كلفة الانتاج ، وضمنها كلفة قوة العمل ، مما ينعكس داخليا في شكل تصفية بعض المكتسبات العمالية ) .
ان ازمة الاشتراكية – الديمقراطية الغربية ، تجد اسطع تجلياتها اليوم ، في المازق الكبير الذي وصل اليه الحزب الاشتراكي الفرنسي .
تتميز فرنسا عن البلدان الانجلو- سكسونية ، في كونها لم تتمكن من بناء الاسس المادية العميقة للاشتراكية – الديمقراطية ، الا خلال العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية . ولان بناء تلك الاسس لم يكن مبكرا ، فلذلك ظلت القيم القومية للمواطن - الملاك الصغير - الجندي ، تحتفظ باصداء قوية لها داخل المجتمع الفرنسي ، خصوصا بعد التجربة المريرة للحرب العالمية ( الهزيمة امام الالمان في بداية الحرب ، واستعلاء الحلفاء في نهايتها ) .
ان تلك القيم القومية سيتخذها ديغول كعناصر لبناء الايديولوجيا الديغولية ، التي حاول من ورائها ان تكون بمثابة الاسمنت الذي يلحم الاجماع الوطني .
لكن الايديولوجيا الديغولية التي ساهمت بشكل كبير ، في احداث التحولات المادية والطبقية للمجتمع الفرنسي في مرحلة ما بعد الحرب ، سرعان ما ستتناقض مع قاعدة المجتمع الجديدة التي اصبحت تتكون من اغلبية سوسيولوجية ساحقة ، تمثلها البروليتارية الصناعية ( الخدماتية والطبقة الوسطى الخدماتية ، ان انفجار الاحداث الطلابية الواسعة في ماي 1968 ، وما رافقها من مناداة بقيم ومثل جديدة ، كان اول تعبير مجتمعي عن التنافر الحاد بين بنية المجتمع التحتية التي اصبحت اشتراكية – ديمقراطية ، وبين قيم الايديولوجية الديغولية الماقبل اشتراكية – ديمقراطية ، ان حركة ماي 68 اذن ستمهد الطريق امام المجتمع الفرنسي لتحقيق التطابق المنشود بين البنيتين التحتية والفوقية والذي سيعبر عنه وصول الحزب الاشتراكي الفرنسي الى الحكم في انتخابات 1981 .
لكن مصيبة الاشتراكيين الفرنسيين هي ان تجربتهم الاشتراكية – الديمقراطية جاءت متاخرة . . جاءت في ظروف ازمة الراسمالية الدورية وظروف استنفاذ تلك التجربة لامكاناتها التاريخية .
لذلك ، وهم في الحكم ، وجدوا انفسهم امام خيارين اثنين لاثالث لهما : 1) اما الانحياز الى مصالح القاعدة السوسيولوجية العريضة التي اوصلتهم الى الحكم ، وهذا يعني ان تطبيق النظرية الاقتصادية الاشتراكية - الديمقراطية ( رفع الدخل الشعبي ◄ارتفاع القدرة الشرائية للجماهير◄ نمو الانتاج ◄ نمو وظائف الشغل ) اصبح يقتضي في الشروط المستجدة ، الانسحاب من المنافسة في مجال التكنولوجيا المتطورة مع البلدان الراسمالية الكبرى ، ونهج حماية جمركية راديكالية ، واعتبار السوق الداخلية هي المحرك الاستراتيجي للتوسع الاقتصادي ( وهذه هي وجهة نظر الشيوعيين الفرنسيين ) .
2) واما الانحياز الى مصالح الراسمال الاحتكاري ، عن طريق تقوية الموقع التنافسي الفرنسي في السوق الراسمالية العالمية ، مما يفرض حتما التحديث الغير منظم لوسائل الانتاج الذي من نتائجه طرد جيوش العمال من القطاعات الخاضعة للتحديث ، كما يفرض ايضا الضغط على كلفة قوة العمل لتحسين الموقع التنافسي في السوق العالمية .
لقد اختار الاشتراكيون الفرنسيون الخيار الثاني ، وكان ذلك سبب انهيار تحالفهم مع الشيوعيين اولا ، وهزيمتهم في انتخابات مارس التشريعية لذلك الوقت .