تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت// مفهوم الطبقة العاملة


بلكميمي محمد
2009 / 4 / 26 - 09:50     

ليس كل عامل اوشغيل او كادح ، ينتمي بالضرورة الى الطبقة العاملة ، بالمعنى البروليتاري العلمي للكلمة ، ماذا يعني اذن مفهوم الطبقة العاملة ؟ .
لننطلق من المثال التالي : ان الخياط الذي يصنع لباسا لزبون ، فهو يخلق منتوجا نافعا ، وهذا المنتوج النافع يتقمص شكل بضاعة يتم تبادلها بالمال ، من اجل سد نفقات الخياط الخاصة ووسائل معيشته .
لكن الراسمالي الذي يجمع في معمله الخاص عددا من الخياطين ، الذين يوجدون تحت اوامر وتصرف الراسمالي ، فانه يصنع علاقة اجتماعية . وفي اطار هذه العلاقة ، الاجتماعية ، فان الخياط لاينتج الان مجرد البسة ، بل ينتج اشياء تتعدى بكثير الالبسة : انه ينتج ذاته كعامل بروليتاري من جهة ، وينتج مشغله كراسمالي من جهة اخرى .
واذن ماهو الفرق بين الحالتين ؟ ماهو الفرق بين الخياط قبل الاشتغال عند الراسمالي ، والخياط بعد الاشتغال عند الرسمالي ؟ .
في كلتا الحالتين ليس هناك أي فرق في نوعية العمل الذي يقوم به الخياط هنا وهناك : فالخياط هو دائما يعمل ويكدح بقوة عمله من اجل انتاج الالبسة – البضاعة . لكن الفرق ، كل الفرق ،. . . ان الفرق الجوهري يكمن في اهداف ومرامي قوة عمل الخياط . في الحالة الاولى ، لقد ظل الخياط خارجا عن اطار علاقات الانتاج الراسمالية ، ولذلك كان يصرف قوة عمله لحسابه الخاص . اما في الحالة الثانية ، فلقد اصبح منخرطا في علاقات الانتاج الراسمالية ، ولذلك فان الاجرة التي يدفعها الراسمالي للخياط ، لاتعني مجرد قدر مالي يتم تبادله بعمل الخياط ، بل تعني قدرا من المال يتم مبادلته بعمل الخياط .
بهدف تملك القيمة التي فاضت عن مصاريف الانفاق الاصلية التي دفعها الراسمالي في بداية عملية الانتاج ، أي القيمة المستخرجة من عمل الخياط . ان هدف العمل الماجور للخياط اذن ، هو الاستحواذ على فائض تلك القيمة . ولان المال الذي يدفعه الراسمالي للبروليتاري في شكل اجرة ، لايبقى مجرد مال بل يصبح راسمالا ، لكن ليس كل راسمال قادرا على انتاج فائض القيمة ، لان الراسمال الذي يتم انفاقه في المواد الاولية وادوات التجهيز وما شابهها ، لايضيف اية قيمة للمنتوج النهائي ، بل هو فقط يحتفظ بقيمته الاصلية .
لهذا السبب فهو يسمى راسمالا ثابتا . ان الراسمال الوحيد الذي له قدرة اضافة قيمة جديدة على القيمة الاصلية ، هو الراسمال الذي يدفع في شكل اجرة للعامل ، ولهذا السبب فهو يسمى راسمالا متحولا . اما سر هذه القدرة فيكمن في الخاصية التالية: ان قوة العمل تتميز بقدرتها على الاستمرار في العمل ، حتى بعد ان تتجاوز حدود ما تستهلكه من مواد ضرورية لتحريكها كقوة عمل . وهذا معناه ان عمل العامل ينقسم الى قسمين .
العمل الضروري الذي ياخذ عنه العامل اجرة لسد وسائل عيشه الضرورية ، والعمل الفائض الذي يذهب الى جيب الراسمالي في شكل فائض القيمة .
والخلاصة ان الخياط بوصفه كادحا ، لايمكن ان يصبح بروليتاريا الا بعد ان يدخل في علاقة اجتماعية مع الراسمالي اساسها بيع قوة عمله بالراسمال المتحول .
من هنا فنحن اذا ما طرحنا هذا التساؤل : ماهو الوضع الاجتماعي للخياط ؟ فان هذا التساؤل لامعنى له ، لاننا نتكلم في المجردات . وقديما قال هيجل : ( ثم كرر من بعده كل من ماركس ولينين ) ، بان الحقيقة المجردة لاوجود لها . . . فالحقيقة هي دائما عينية . كذلك فان الخياط المجرد لا وجود له ، لان الخياط هو دائما يعمل في شروط ملموسة محددة .
وهذه الشروط هي التي تحدد وضعه الاجتماعي . فاذا كان يعمل خارج اطر العلاقات الراسمالية ، فانه يكون كادحا مستقلا . اما اذا كان يعمل داخل ذلك الاطار ، فانه يكون عاملا بروليتاريا .
يتبين اذن مما سبق بان نفس العمل ، يمكن ان تكون له مضامين متناقضة ، وفق الشروط التي يتم فيها . فالنجار الذي يعمل في حانوته لحسابه الخاص ، يتحول الى نقيضه ... الى البروليتاري بمجرد ان يصبح مشتغلا في معمل الراسمالي .
والفلاح الذي كان يعمل في قطعة ارضه الخاصة ، يصبح بروليتاريا في ضيعة الراسمالي الزراعي ، كذلك هناك فرق جوهري بين الميكانيكي الذي يصلح لي سيارتي في محله الخاص ، وبين الميكانيكي الذي يصلحها في احد معامل الاصلاح الرسمالية ، بين ان احلق راسي عند حلاق الحومة ، او ان احلقه في احدى صالونات الحلاقة الكبرى ، في الدارالبيضاء ، بين ان اشتري سلعة من حانوت صغير ، او اشتريها من احدى العاملات في احد المحلات التجارية الكبرى في الدار البيضاء . بين ان اطلب من ابن جاري تنظيف باب شقتي في العمارة التي اسكن ، وبين ان اطلب من احدى شركات التنظيف بان ترسل الي احد عمال النظافة ... الخ .
ان الخياط والنجار والفلاح والتاجر الصغير والحلاق والميكانيكي ، وما شابههم ، ينتمون خارج اطار العلاقات الراسمالية ، الى طبقة اجتماعية محددة هي الطبقة الوسطى او البورجوازية الصغيرة ، والخاصية الجوهرية لهذه الطبقة هي التالية:
فهي لايتم تشغيلها من طرف الرسمال كيد عاملة ماجورة، كما انها من جهتها لاتعمل على تشغيل عمال ماجورين لصالحا ، وان فعلت ، فانها تفعل ذلك بطريقة ثانوية وهامشية ، ولهذا السبب ، فهي لا موقع لها في التناقض بين العمل والراسمال .
واضح اذن ان التمييز الذي وضعناه ، بين الكادح البورجوازي الصغير والكادح البروليتاري ، لا يقوم على اساس الدخل وانما على اساس علاقات الانتاج : هل هي من طبيعة راسمالية ام لا . وهذا معناه امكانية وجود كادحين لهم دخل اقل من دخل بعض البروليتاريين ، بدون ان يترتب عن ذلك بالضرورة انتماؤهم للبروليتاريا ، ماداموا كادحين مستقلين يوجود خارج اطارالعلاقات الراسمالية .
ولنتوقف قليلا عند الملاحظة التالية :
توجد في المغرب فئة واسعة من الكادحين ، الذين يعملون كخدم في بيوت الراسماليين . في أي اطار تصنيف هؤلاء الخدم ؟ هل يمكن اعتبارهم بروليتاريين ؟ .
بالطبع لا ، والسبب هو التالي : ان الاجرة التي يدفعها الراسمالي للخادم ، لايدفعها في شكل راسمال متحول وانما في شكل دخل . أي ان مال الراسمالي ، لايتم انفاقه على قوة عمل الخادم بهدف الحصول على فائض القيمة ، وبالتالي المساهمة في رفع راس المال ، بل يتم انفاقه فقط من اجل ان يقوم الخادم بانجاز الخدمات التي يعتبرها السيد الراسمالي ضرورية لراحته . من هنا فان هذا الدخل الذي ينفقه نفس الراسمالي ، من اجل شراء اغذيته والبسته وكل ماطاب له من وسائل المتعة واللهو . انه الدخل غير المنتج ، لانه لا يصرف في شروط الانتاج : الراسمال الثابت او الراسمال المتحول .
فالخادم الذي يعمل اذن في بيت الراسمالي ، والذي يتقاضى جزءا من دخل الراسمالي غير المنتج ، يوجد بالتالي خارج اطار العلاقات الراسمالية . ولذلك فهو لايعتبر عاملا بروليتاريا ، بل فقط عاملا كادحا .

في حلقة اخرى ، الصيرورة التاريخية لتشكل الطبقة العاملة .