الاولويات الوطنية ومستلزمات التطبيق


عبد العالي الحراك
2009 / 4 / 25 - 09:39     

هناك مجموعة من الاولويات الوطنية,التي يتوجب تحقيقها في عمل اية حكومة وطنية في ظروف غير اعتيادية,كالتي يعيشها العراق بعد سقوط النظام السابق وحل الدولة والغاء مؤسساتها وسيطرة الاحتلال على مقاليد الامورالكبيرة والصغيرة وتفشي الفوضى والعنف والفساد.. الاولويات الوطنية كبيرة واساسية تتعلق ببناء الدولة على اسس جديدة,ارتضي لها ان تكون دولة ديمقراطية مدنية تعددية ذات مؤسسات رسمية ومؤسسات مجتمع مدني تعترف بها الدولة وترعاها وتدعمها, يحكمها دستورثابت وقانون فعال يساوي بين مواطنيها على اساس الكفاءة وحق المواطنة ويمنحهم الحرية الكافية. المشكلة الكبيرة الي واجهت العراق منذ السقوط ولحد الان,ان سيطرعليه الاحتلال الامريكي وتدخلت في شؤؤنه دول الجوار,وحكمته حكومات طائفية اتخذت من المحاصصة طريقة للحكم والسلطة من اجل الكسب المادي والسياسي الضيق..مواجهة المشكلة يتم عن طريق معرفة الاولويات الوطنية والاقراربها والالتزام بتطبيقها, متزامنة ومترابطة بعضها مع البعض,بحيث تبني دولة تتكامل وتنهض من قبل حكومة وطنية تمثل جميع الاطراف السياسية,تعبر بصدق عن مصالح الشعب والوطن. فالاولوية الوطنية الاولى هو الحكومة الوطنية ذاتها التي تؤمن بمباديء الديمقراطية والتعددية.. فهي اي(الحكومة) من جانب تعتبركأولية وطنية,ومن جانب اخر كأداة لتطبيق جميع الاوليات الوطنية الاخرى,التي تبدأ باخراج الاحتلال بأقل الخسائر,مترافق مع بناء القوات المسلحة على اسس وطنية,مترافق هو الاخر مع النهوض بالاقتصاد الوطني الذي يؤدي الى القضاء على البطالة وبناء البلاد واعمارها من خلال اولويات يصبح انجازها امرا روتينيا حسب الواجبات والاعمال التي تؤديها الوزارات المعنية.. لم تتوفرفي البلاد احزاب وطنية ديمقراطية,لتبني حكومة وطنية حقيقية,ولم (يساعد) الاحتلال الامريكي على تهيئة ذلك عن طريق تشجيع ودعم الاحزاب الوطنية المتواجدة ,ولو انها كانت قليلة وضعيفة, بل سرعان ما انتشرت احزاب الاسلام السياسي القادمة من دول الجوار,والاحزاب القومية الكردية المستقرة في شمال العراق والتي كانت مدعومة من الدول العظمى وخاصة امريكا وبريطانيا,التي سارت مع نهج الاحتلال,مجتمعة في ائتلافات طائفية وقومية. هنا يبدأ تعقيد المشكلة وليس حلها..وهنا يبدأ ايضا اهمال الاولويات الوطنية,والانشغال بالمصالح الشخصية والحزبية والمذهبية.. فظهرت مشاكل مضاعفة اخرى,عبر فوضى لا مثيل لها,وعنف اعمى وارهاب احرق
الاخضر واليابس.. فعوضا عن العمل الوطني الجاد لأخراج الاحتلال, صارت الاطراف السياسية جميعها تتشبث ببقائه لأعذارمختلفة, لغرض حمايتها ودعم حكومة لا تعرف شمالها من يمينها.. وعوضا عن بناء قوات مسلحة من جيش وشرطة على اسس وطنية ثابتة,انتشرت ميليشيات الاحزاب السياسية والمجموعات المدعومة من قبل الدول المجاورة,والتي تدافع عن مصالحها في نشرالقتل والتهجير واشاعة الفوضى والارباك.. وبدل ان تنهض الحكومة بالاقتصاد الوطني وتطوره,فقد استبدلته بأنعاش اقتصاد الدول المجاورة عن طريق استيراد النطيحة والمتردية من منتوجاتها,وعززته بسرقة الاموال العامة وتهريب النفط وشيوع الرشوة والفساد المالي والاداري وكل هذه الاعمال تسيرفي ظل العنف و الفوضى.. وعوض القضاء على البطالة, فقد تفشت بين الشباب واصبحت سوقا رخيصة ورائجة للارهاب والقتل والتهجير..وعوض البناء وتقديم الخدمات الاساسية للمواطنين, فقد شرعت مشاريع وهمية,سرقت مبالغها وهرب المقاولون خارج البلاد..اي لم يطبق اي شيء يوحي بان هناك حكومة وطنية تعمل بشكل اعتيادي مثل بقية الحكومات,ولا نقول بشكل استثنائي,لان الوضع استثنائي في العراق. لهذا مرت ستة سنوات على الاحتلال ولم يلحظ شيء يستحق الاشارة الا في الاتجاه السلبي الضار بالمصلحة الوطنية,والسبب هو الاحتلال والحكومة الطائفية المبنية على المحاصصة.. جميع الاطراف السياسية الحاكمة تدعي الآن الوطنية وترفض ان توصف بالطائفية,علما بان تأسيسها الاول كان وما زال طائفيا,ولم يتغير شيء حتى تتغيرالتسميات والعناوين ونلاحظ انعكاساتها في الواقع,سواء في رئاسة الجمهورية او في البرلمان او في الحكومة.فاين هي العلامة الوطنية البارزة في وطنية الحكومة؟ ولا يقصد بأعمال الحكومة الوطنية تصريحات رئيس وزرائها,او خطابه السياسي الذي وفر له نصرا سياسيا وانتخابيا شخصيا وحزبيا..المقصود بالحكومة الوطنية مجموعة وزراء وطنيون مشهود لهم بذلك,عبراعمالهم ومنجزاتهم, ينسجمون مع رئيس الوزراء وينفذون خطة وزارية خمسية تراقب وتتابع من قبل البرلمان والشعب, ويلاحظ من خلالها تطورالاحوال العامة لدي المواطنين وفي البلاد,نحو الافضل وباضطراد يتناسب مع نشاط وهمة الحكومة. فاذا نظرنا الى القوات المسلحة العراقية في وزارتي(الدفاع والداخلية).. فهل هي الان بالمستوى الوطني الذي يستطيع وزيري الدفاع والداخلية ان يوضحا حالتي وزارتيهما ومنتسبيهما وانحداراتهم وتربيتهم الوطنية,اوان الموجود في معظمها ما يناقضها واعداد المندسين في صفوفهما والمدافعين عن مصالح احزابهم ومذاهبهم وطوائفهم وتجهيزاتهم واستعداداتهم التدريبية والقتالية في سبيل الوطن وليس في سبيل جهات معينة,دون غيرها ونسبة الدورات التثقيفية الوطنية التي تؤهلهم للدفاع عن الوطن داخليا وخارجيا. كذلك لو تكلمنا عن وزارة النفط ودورها في النهوض بالاقتصاد الوطني وتطويرالانتاج, فالكميات المصدرة ما زالت كما هي منذ بدء الاحتلال ولحد الان. وكذلك الحال في اي وزارة واي قطاع انتاجي او خدمي ,مما يدل على ان الحكومة مازالت غير مؤهلة ان تؤدي واجباتها كما ينبغي,اولا بسبب جهل الوزراء وعدم كفائتهم السياسية والفنية,وثانية لطائفيتهم وتابعيتهم لها وليس للوطن,كما لا يمكن لرئيس الوزراء ان يغطي على عجز الوزراء جميعا مهما تحرك ونشط,وما يترتب على هذين الامرين من مضاعفات سلبية خطيرة. لقد دعى السيد رئيس الوزراء الى ضرورة عودة اصحاب الكفاءات الى العراق,كي يساهموا في بناء البلاد واعمارها,كل حسب كفائته واختصاصه,ولكن ماهي خطة عمله وبرنامجه,واللجان المشرفة على تنفيذ تلك الدعوة,والاموال المرصودة لنجاحها,والشروط الواجب توفرها في من يرغب العودة, وما هو دورالسفارات العراقية في الخارج, لتوضيح الامرومساعدة الراغبين في العودة,التي يفترض ان تكون دعوة مدروسة جيدا وجماعية منظمة على وجبات كي تعطي انطباعا سياسيا ناجحا يدعم الحكومة ويؤيد وطنيتها,لان لهفة العراقيين للعودة تفوق رغبة ودعوة السيد رئيس الوزراء,وما يحملونه من افكاروملاحظات تفوق ما يتمتع به مسشتاروه باضعاف مضاعفة..فاذا كانت النية صادقة لدىالحكومة التي يعبرعنها رئيس الوزراء,ان يشكل لجنة وزارية باشرافه المباشر,تنفذ خطة واضحة ابتداء بالحاجة النوعية لأصحاب الكفاءات واعدادهم وحقوقهم وواجباتهم,والمستمسكات والوثائق الرسمية التي يفترض توفيرها ومسؤلية اللجان والسفارات في متابعتها وتسهيل انجازها, وليس ترك الكفوء العائد الى الوطن يستجدي رحمة هذا المسؤؤل الجاهل او ذاك في وزارة الهجرة والمهجرين,دون جدوى يضيع وقته وجهده هباء, ثم يعود ادراجه الى بلد الهجرة مرة اخرى,دون اي اهتمام او ادنى شعور بالمسؤؤلية من قبل الحكومة. ليس هكذا يا رئيس الوزراء.. الوطنية ليس خطاب وشعارات وتصريحات ودعوات. فاذا ادت هذه الامورالى فوزكم في الانتخابات المحلية الماضية,فقد يؤدي اهمال اصحاب الكفاءات الى فشلكم القادم في الانتخابات العامة وهي الاهم.. لان الشعب والبلاد يحتاج الى عمل وانجاز خدمات يقوم بها اصحاب الكفاءات وليس اصحاب السرقات وقادة الميليشيات.. اما زيارات رؤساء الدول ورجال اعمالها للعراق,لعقد اتفاقيات وما شابهها, فهي تحتاج الى عقول اصحاب الكفاءات كي يحاوروهم ويناقشوهم حول المشاريع المزمع انجازها وتنفيذها في العراق,حسب خطة مدروسة وهي تحتاج الى رؤية وعقلية علمية ذات خبرة وتجربة.هل من بين مستشاريك من يتمتع بهذه المواصفات؟. نسمع ونقرأ عن معاناة العديد من اصحاب الكفاءات العائدين الى العراق اخيرا, بسبب سوء المعاملة وتأخيركبير في انجاز معاملاتهم, في وقت يفترض ان يحصل هؤلاء على استحقاقاتهم وتكريمهم وان تتباع اللجان المعنية امراعادتهم حسب الاصول,ابتداءا من السفارة في البلد المعني وانتهاءا بدائرة عمله التابعة للوزرارة المعنية..لماذا تبذل الجهود الكبيرة وتخصص الاموال لمصالحة وطنية وهمية مع من يحمل السلاح,ولا يخصص القليل لاصحاب الكفاءات من المال والوقت والجهد,لأحتضانهم؟ الذين سيحتضنون الوطن بمقلات عيونهم, وهم لا يتآمرون كما تخشون من الاخرين الذين تسعون الى المصالحة معهم.الخلاص من الطائفية وعقليتها يتم بخطوات عملية وهي تنفيذ اولويات وطنية واضحة وكبيرة,اصبحت في مقدمتها الان عودة اصحاب الكفاءات..وليس فقط اصحاب الكفاءات وانما عودة جميع العراقيين في الخارج.فهم حجرالاساس القوي في المصالحة,وهم بناة الوطنية وحماة الوطن.. فكما الوطن يحتاج الى الضابط الوطني المخلص والجندي الوطني الشجاع,فهو يحتاج الى المهندس الاستشاري الكفوء والطبيب الاختصاصي الماهر واستاذ الجامعة المتفتح والاديب والشاعروالفنان والعامل الفني وكل ابنائه المخلصين, للانتقال بالعراق من الحالة المرتبكة الى حالة العمل المبرمج والمخطط والابتعاد عن الارتجال وحماس العاطفة.