بين طوكيو والرباط // الذكاء الياباني والدهاء المغربي //


بلكميمي محمد
2009 / 4 / 19 - 09:10     

عندما يدخل الانسان الى المستشفى المحلي لمدينة بولمان بالمغرب ، يجد امامه جناح قديم و عملاق بناه الاستعمار منذ الاربعينات ، لايزال يقاوم اهوال الطبيعة والبشر بقرميد من النوع القديم الصامد ، بامتار معدودة نشاهد بناية صغيرة بنيت بهبة مالية " يابانية" بداية 1999-2000 وتحت اشراف مباشر من لدن مسؤولين يابانيين يراقبونها عن كثب ، وبجانب الجناحين بناية عبارة عن ذيل حيوان وهمي من بناء وتحت اشراف مسؤولينا المغاربة .
اجنحة ثلاثة بنيت من قبل اجناس بشرية ثلاثة ، اوروبية ويابانية ومغربية .
في اوقات الصيف تصطدم برائحة المجاري الحارة الراكدة تحت اساسات بناية جناح الولادة للامهات القرويات المبني بهبة مالية يابانية كما هو مكتوب فوق لوحة معلقة بمدخل الباب لهذا الجناح ، لكن مجاري الواد الحار الراكدة ليست من مسؤولية مسؤولي اليابان بل هي من التدبير عفوا " التدبار" المحلي لمسؤولي الشان المحلي البعيد عن الشان الحقوقي جدا " بادينة بولمان " والرائحة الكريهة التي تزكم الانوف بشهادة من العاملين بالمستشفى ، وبشهادة من انوفنا ايضا عندما نكون في زيارة اضطرارية لهذا المستشفى الراكد ، وفي موضوع يرتبط بهذا المستشفى الذي يحتاج الى زيارة المسؤولين لتفقد احواله وكذلك للوقوف على صندوق يعود الى الاربعينات يسمى الراديو للافادة والاستفادة من تكنولوجيات تلك السنوات ، نحن طبعا مولعون بالقديم لكنه كقديم في حد ذاته وليس في مهام ووظائف متقادمة وربما حتى متجاوزة ، لانه لايمكن ان تتساوى سيارة تسير بسرعة 400 كلم في الساعة وسيارت صممت بسرعة لاتفوق 40 كلم في الساعة هذه هي الحياة وهذه بعض من امور اسرارها .
في احدى اعمدة صحافيينا المغاربة المحترمين ، ونحن في امس حاجة الى عطاءاتهم في موضوع " بين طوكيو والرباط اوبين الذكاء الياباني والدهاء " المغربي " في شان المستشفى المحلي لمدينة بولمان ، حينما قال مقرئ النشرة اليابانية في ذلك الوقت متحدثا عن احدى الزلازل التي ضربت دولة اليابان : « ورغم ذلك خرج اليابانيون في نظام وانتظام ، ليتفقدوا ذويهم ، ولم تسجل اية عملية نهب او شغب كما يحدث عندنا نحن ، ويمكننا الاستئناس باخبار زلزال اكادير في الستينات وزلزال الحسيمة انيا ، هذا دليل على ان الشعب الياباني ، قد بلغ مستوى عال من الرقي والسمو .» الله الله .. ٪

ونحن نسال لماذا ؟ ماهو السبب ؟ كما قال الصحفي العملاق في عموده هذا ونحن مدينون لامثال هؤلاء الصحافيين ، وهم بخلوا عنا بسكوتهم ربما لاسباب مختلفة ونحن على ابواب اليوم العالمي للصحافة . هل الشعب الياباني ليس بشرا مثلنا ؟ هل تنكر الشعب الياباني لدينه واصالته ، او تفرنس ، او تمركن او ان الشعب الياباني قلد ليبلغ هذا الشأو ؟ فما سبب هذا الرقي ، والسمو في كل اضراب الحياة ومجالاتها ؟ ربما نزل « بوذا» واعطاهم في اليابان عصا سحرية ، او انبعث « كونفوشيوس » ومنحهم خاتما او طلسما ، او دلهم « مينسيوس » على (مطمورة الفلوس) وليست مطمورة الماء الحار الراكد الذي تنبعث منها الرائحة الكريهة تحت اساسات ما بنوه بمدينة بولمان بذكائهم ، فبقي مسؤولينا على الصعيد المحلي والوطني ب« دهائهم » في غمرة مشاكل الصرف الصحي لهذه البناية الى ان تطفو فوق سطح ساحة المستشفى اعزكم الله بمواد اخرى .
ان الشعب الياباني العظيم ، بكل بساطة ، له ارادة سياسية ، ومناهج تعليمية في بناء الانسان ، وتطوير المتحول ، مع الحفاظ على الثوابت التي تميز كل مجتمع عن غيره ، انه العقل ، وقد عرف مجاله ، انه انتقال ما هو نافع ( من غيرهم ) مع صهره ودمجه في النسيج الاجتماعي وليس مثلنا ومثل مسؤولينا نحن الذين لا زلنا نزهو بمقولة المغرب غير النافع الذي غرقنا في بحر ظلماته وقلة صحته وركود جريان مياهه الحارة والدليل ما يحدث يوميا عندنا ليس فقط بجناح مستشفى الولادة بل على مستوى عموم مرافق " بادينة " بولمان ..
العالم الياباني لازال يشرب الشاي في منزله وهو جالس القرفصاء على الحصير الياباني التقليدي ، وبالجملة ، انه التخطيط ، والمناهج النوعية ، بدل الوعظ والارشاد ، والاسهال الكلامي في المنتديات ، واراش الصحة للجميع وايضا قلة الصحة للجميع ، والتغطية الصحية ، وايضا التعرية الصحية ، والتامين الاجباري عن المرض وبالمقابل التسيب الاجباري عن السقم والامراض المعدية وغير المعدية .
ومما يزيد المرء اعجابا بالشعب الياباني النظيف الذي لايبصق على الارض ، هو رفضه للاعانات ، لانها نوع من الصدقات ، والصدقة اذلال ، وكم مرة تكون منطلقا للاحتلال والاستعباد والاستغلال ، ومظهرا من مظاهر ممارسة القوة على الغير ، رفضها اليابانيون ، او كما يقول المغاربة : « حمو قادر بهمو ...» عندما تهم دخول جناح الولادة بالمستشفى المحلي لمدينة بولمان تستوقفك لوحة مكتوب عليها بالاحمر ، هبة "يابانية" لفائدة النساء الحوامل القرويات ، بناية جميلة وصغيرة ومستقيمة بقرميدها اللامع والساطع وتفاصيلها الجميلة فوق مجاري حارة راكدة بفعل ركود السياسة المحلية والوطنية ، بنيناها بصدقة من اليابان فوق فضاء مهترئ اخترقه اخدود شوه ساحة المستشفى المحلي بجانبها بناية لجناح اداري للمستشفى في اية القبح والقرف ، اذن كيف تلتقي بناية جميلة وجناح يستفز في منظره ، ويستفز فينا المنظر الجميل الذي نجده في ادبيات المجالس البلدية عندما يعارضون تصميما معينا وفق اهوائهم فقط وليس وفق المعايير الهندسية والمعمارية تلك العبارة التي يجيدون استعمالها في وثائق المجالس البلدية البليدة " تم رفض الطلب لانه يتعارض ورونق المدينة ، ياسلام على رونق ! ".

اننا نقبل الصدقات .

ان تجربة اليابان كذبت بالملموس ، كل الذين يفتوننا في امرنا من اجل تقدمنا وكم طفقنا ، مركن ، فرنس ، ◄ كرفص » ، ثم كان الله والباقي الله او كما يقول شعار المعطلين « الله كريم لاحكومة ، لابرلمان ... الى اخر الشعار » . لان المسالة من نوع ثان ، ليست استيراد « « قطع » سيارات ، او استيراد غيار بالية من « خردوات » الغرب ، او كما يفتونا احد « الافانجليست » Evangéliste في احدى القنوات التلفزية ، حيث يقول : علينا ان نتمسح ، اذا اردنا دخول العصر ، لان هذه النهضة مسيحية في اصولها ، ونحن نقول له ، هل تنصر اليابانيون ام تهودوا عندما هموا بالنهوض ؟ وكم من الشعوب نصرتموها ، ومع ذلك ظلت تموت جوعا وتمزقها الحروب الاهلية ... كفاكم ضحكا على الذقون وشكرا " لقداستكم " على النصح والارشاد .
فاليابان حولت هزائمها الى انتصارات ، وزلازلها الى ميادين بحث وتقنيات ، فحتى صناعاتها يلمس فيها ، المشاهد الاصالة ، والطابع الياباني انظر بناية جناح مستشفى الولادة بمدينة بولمان تلمس في زواياها لمسات تعود للذكاء الياباني ، انظر جناح "ادارة" المستشفى تلمس فيه « الدهاء المغربي » ، وقد لاتخطئ الملاحظة بل تفرض نفسها عليك ، انها الاصابع " السحرية " كم من مرة جاء مسؤولي اليابان في طور بناء الجناح الصغير للولادة بالمستشفى المحلي ورفضوا وهدموا اجزاء مما بناه المقاول المكلف ببناء هذا المستشفى وانتم تعرفون السبب ، وببساطة انها عقلية الجمال والسحر وليست تماما كتلك الاصابع « الشيطانية » التي تغير نتائج صناديقنا ببهلوانيات « برق ما تقشع » فكلاهما ذكاء ودهاء ، ولكن شتان بين هذا وذاك ...
فزلزال اليابان شر طبيعي ، والخروقات المرتكبة داخل مستشفى الولادة ببولمان شر انساني ، كما قال المعتزلة . زلزالهم تاتي دفعة واحدة ثم يرتاحون ويجتهدون في مواجهته ، اما زلازلنا فنفسية ومتوالية وهو ما يعادل 6 درجات على سلم رايشتر .. يا لطف الله ...
زلازل اليابان تاتي من تحت القشرة ، اما زلازلنا فتاتي من فوق القشرة ، ومن بين عواملها اولئك الذين عكفوا في المناصب كبعض الاطباء الذين لازالوا معنا بهذا المستشفى دون ان تطالهم لا حملة الانتقال ولا حملة التنقيل ولا حملة الطوفان مستشفى حقيقة يستغيث ، مستشفى الامطار انكشف وضعه السيئ ، امام مجلس وسلطة محلية نائمين ، في غياب ثقافة حوار هادئ بين الطبيب والمريض ، يحتاج الى الاحتفال باليوم العالمي للاستقامة ، اطباؤه في حاجة للعلاج وصدمات كهربائية ، باعتماد برنامج استعجالي لانقاذ " بادينة " بولمان الوضع السئ لفضاء المستشفى المحلي .
مستشفى محلي يعاني من مفهوم السلطة الجديد ، على سبورة الشعب وحاسوب الحكومة ، فقر واطئ وفوارق شاسعة ، مرضى وساكنة تموت في غفلة عن الدولة ، امام ضياع ما تدارسته الاطارات المدنية بالاقليم مع الطبيب الرئيس والمندوب الصحي في الاقليم ، في وضعية يخترقها الابتزاز والزبونية كما جاء في البيان المعلوم ، وكما اعلنه الحقوقيون في وقفاتهم الاحتجاجية هنا وهناك ، واثناء نضالات مشروعة لتحقيق مطلب الصحة قد قام بها المواطنون اكثر من مرة واكثر من محطة ، لم يبق منها بعض الاحيان الا احلام تقتات منها الساكنة ومنها حلم مجانية الصحة ، وهاهي اليوم المجانية بصيغة اخرى ، واذا شفي المريض قالوا شفته الحكومة ، واذا مات المريض قالوا قتله الطبيب ، والغلاء يشرب حليب الاطفال في وضع مازوم تموت مضخة قلبه رويدا رويدا .

نحن لانحسدهم ، وهل يحسد من يشقي امة ؟ مصحات تعيش الثراء الفاحش على حساب الفقراء ، وعيادة ببولمان لاتستطيع تسلق ادرجها الا بالمثابرة والعناء ، ومن استطاع التسلق للظفر برقم ترتيبي ليستقبله الطبيب الخاص ، اعتقد انه غير مريض باجتيازه لادرج هذه العيادة في غاية الضيق و " التعلاق " واللاشيء .