متى الاستفاقة من حلم بناء الدولة الاسلامية


عبد العالي الحراك
2009 / 4 / 18 - 09:59     


لم تستطع مجتمعاتنا العربية والاسلامية معرفة ذاتها,ولم تطورنفسها وتستفيد من عمقها الحضار,و بقيت متخلفة تحتل الموقع الاخير في سلم تطورالامم والشعوب ,بل انتهت اخيرا في العودة السياسية الى الدين,ظانة بأنه يناسب الحياة الحديثة,بل تنافس به الدول المتقدمة,ليس على اساس علمي واقعي ملموس,وانما على اساس الهلوسة والشعارات الفارغة والانعزال وتحميل شعوبها فوق طاقتها,واخيرا الارهاب الذي سد الابواب في امكانية اي تطور..فهذه العربية السعودية التي تعتبر من دول العالم الغنية بمصادرها الطبيعية, الا انها اكثر الدول تخلفا على المستوى المدني والحضاري والصناعي والتقني ..وايران التي لم تستفق من حلمها لحد الان في بناء دولة اسلامية تتمدد عبر الزمان والجغرافية,الا قليلا بعد صدمة الحرب العراقية الايرانية في اوائل الثمانينات من القرن الماضي,حيث انكفئت على نفسها تلملم جراحها وتبكي على قتلاها وتعد خسائرها,الا انها عادت لتحلم مرة اخرى بالهيمنة والتوسع على حساب الدول المجاورة,بعد ان اتاح لها تدخلها في لبنان وفلسطين واخيرا العراق, ان تكون الفاعل المؤثرعلى مجريات الاحداث في المنطقة,حيث تلاشى تأثير الاتحاد الاسوفييتي,واختفى المعسكرالاشتراكي,وتقهقرت القوى الوطنية واليسارية على الساحات الوطنية العربية,خاصة في فلسطين,رغم ما سببته وتسببه تدخلاتها واحتلالها لبعض الاراضي العربية من مشاكل ومآسي لشعوبها ولشعوب المنطقة.
كان احد اسباب الحرب العراقية الايرانية في اوائل الثمانينات من القرن الماضي,هو ذات الحلم الاسلامي الايراني في ان تحتل العراق وتنقل اليه الثورة الاسلامية وتوسع على ارضه امة الاسلام الى الدول المجاورة,لكن صدمة الحرب اضطرت ايران ان تغير مسارها وتعيد حساباتها على اسس جديدة,قديمة متجهة الى بناء دولة قومية في علاقاتها الوطنية والاقليمية والدولية,اساسها ومركزها القومية الفارسية ,وتعود الى منهجها القومي في الهيمنة وفرض النفوذ وقهرارادة القوميات والاديان الاخرى على ارضها, وفرض ارائها ومبادئها على الاحزاب التي تدين لها بالولاء والطاعة السياسية المغلفة بالمذهبية الدينية, كبعض احزاب الاسلام السياسي في العراق وفي لبنان وفي فلسطين,وشعوب هذه البلدان تعاني ويستمر, بل يتعمق تخلفها وتهبط قيمتها الحضارية والمعنوية.. قد يكون الحلم الاسلامي الايراني بتصدير الثورة,بمثابة الشرارة الاولى لأندلاع تلك الحرب التي استغلتها امريكا للاطاحة بالنظام السياسي الجديد الذي جاء على اعقاب نظام الشاه ,فروجت لصدام الوقوع في مأزقها بدم العراقيين واموال الخليجيين وضربت امريكا باكثرمن عصفوربحجرواحد اقتلعته من اراضي دول المنطقة.
تحول الحلم الاسلامي الى حلم ايراني فارسي,عبراعتماد رجال الدين السياسي ,سلطة الامن والمخابرات,حيث اعيدت الى الخدمة العامة جميع الوجوه الامنية والمخابراتية السابقة لقيادة الدولة,و الاطاحة بجميع ايات الله العظمى التي اودعت السجون او اجبرت على البقاء تحت الاقاكمة الجبرية في بيوتها, وانيطت قيادة البلاد الى الولي الفقيه الاصغر سنا والاقل اعلمية (علي الخامنئي) الذي تحدد حركاته وسياساته اجهزة المخابرات الايرانية,وما قامت به من تصفيات للمعارضين في الداخل والخارج, وما تقوم به الان في لبنان وفلسطين والعراق,الا دليل على ذلك,ولايمكن ان يعزى الى رجل دين يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر وانما الى رجال مخابرات مسيسين قوميا ضمن المفهوم الايراني الاستعماري التوسعي القديم.
ان ترك اسس الاسلام الاساسية وعدم نشرها عبر(التي هي احسن) والاعتماد على الجهد الامني والمخابراتي يتمثل بترك (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) واستبداله بالتهديد والضغوط والاحتلال كاحتلال الجزرالاماراتية والتشبث باتفاقية الجزائر والاستمرار بقصف القرى العراقية في الشمال وما الى ذلك.. كذلك الاهتمام بالاعلام (الحديث)كوسيلة من وسائل الحضورالقومي الذي يدعي الحضارة والتمدن,عبرالافلام السينمائية والمسلسلات الايرانية, وعدم التشديد في ارتدائ الحجاب,كما كان في بداية الحكم الاسلامي في ايران. ان ايران تجازف بشعوبها وشعوب المنطقة من خلال استمرارتدخلها في شؤؤن الدول المجاورة,لأسباب مذهبية وسياسية,ومنافستها لأمريكا على المصالح الستراتيجية في المنطقة..كذلك يعبر حزب الله في لبنان عن حالة عدم الاستقرارالتي يعيشها والحكومة والشعب اللبناني, واستمرارالحالة المذهبية والطائفية التي تطغى على الحياة هناك..اما حماس فهي قمة المأزق الانساني للشعب الفلسطيني وخنقه في اصغر بقعة في الارض,محاصر من جميع الاطراف والجهات.
لا تتحرر شعوب هذه البلدان,الا عندما تستفيق قياداتها,بان حكم الدين لا يناسب الحياة الحديثة,وبناء دولة الاسلام ضرب من الخيال وتعريض شعوبها للمخاطر والمآسي والويلات.
كذلك فشل احزاب الاسلام السياسي في حكم العراق خلال حكمها بعد سقوط النظام السابق,اضطر معظمها الى تغيير شعاراتها وخطابها,ولم يبق منها الا البعض الذي يسعى جاهدا لتغييرمواقفه,دون جدوي لشدة تخلفه وعدم امتلاكه اية رؤية حديثة, فهو يستعين عبراعلامه المتناقض بوجوه ليست اسلامية يغطي بها على تأخره وتخلفه..كذلك تشبث بعض الاسلاميين السياسيين بالليبرالية والادعاء بتبني الاسلام الديمقراطي,امر يدعو الى الضحك..فكيف يطبق الاسلام ديمقراطيا وليس في فكر ومنهج هذه الاحزاب اي ذكر للديمقراطية,اذا لم يكن استغلالها كوسيلة للوصول الى السلطة, ثم عدم تطبيقها اوالانقلاب عليها بكل الوسائل والحجج,كما فعلت حماس في غزة..لهذا ليس امام المالكي في العراق الا سلوك الطريق الوطني الديمقراطي,وتغليب كفته على كفات الطائفية والقومية والصراعات المذهبية التي ستقودها دول الجواروستجرشعوب المنطقة الى حروب دينية لا نهاية لها,الا تحت ظل الاستعباد والظلام والبؤس..ليس من السهل الانتقال من الطائفية الى الوطنية والديمقراطية وبقاء الخيوط مربوطة بالماضي, بل يجب تقطيعها وفك اواصرها الفكرية والسياسية,وبناء اواصروطنية نقيضة تجمع ابناء الوطن بمذاهبهم واديانهم والوانهم المختلفة,والا سيبقى الوضع تحت رحمة ذات القوى الطائفية وميليشياتها,مهما حاولت تغييرخطابها وشعاراتها,والاستعانة بالدول الاقليمية وخاصة ايران والسعودية المذهبيتين الطائفيتين..ان حكم العراق بعقل الحاضر وسياسة الامرالواقع امرفي غاية الأهمية,اما التغني بحكم الدين وفرضه على السياسة,فهو امراخرفي غاية الخطورة والمجازفة بحياة الشعب. لهذا نجح المالكي نسبيا في حكمه,لانه تجنب استخدام الدين في خطابه السياسي,و تصرف بحكمة سياسية اخرجته وحزبه من مأزق خانق,كاد ان يؤدي به وحكومته الى السقوط النهائي,حكمة تجاوزت عقلية معظم قيادي الحزب الذي يقود,ولم يبق امام قياداته الاخرى الا القبول والطاعة,رغم شدة التناقضات في الجمع بين الاسلام وثوابته والديمقراطية ومتطلباتها.لقد فصل المالكي بين الدين والسياسة بالحركة والخطاب,مع احتفاظه بالجذور,وهذا يتطلب منه ان يتخذ موقف القناعة المستقرة والدائمية بالوطنية والديمقراطية وليس تكتيك مرحلي,لان المرحلة ستتحول الى حالة استقرار وطني وديمقراطي,عندما تواصل خطواتها التطبيقية بالجرأة والشجاعة المطلوبة,والا فانها (المرحلة) ستبقى مرتبكة وقلقة ومعرضة للسقوط,اوالارتماء في احضان ايران التي ستمتص خيرات العراق وتكبل حريته وتهين كرامة ابنائه وتجعل شعبه في حرب طائفية وعشائرية اهلية دائمة واقليمية مع دول الجوار,اذا لم يحسم امر تطبيق الديمقراطية وتوفير قواعدها واسسها ومستلزماتها, وبناء المصالحة الوطنية بتقريب الوطنيين والديمقراطيين اولا,فهم الوسيلة الفعالة لأنجاح التجربة..وعن طريقهم وبواسطة خبراتهم وكفاآتهم سيتم استخدام اقتصاد البلاد للبناء والاعماروليس للهدروالسرقة.عبد العالي الحراك 6/4/2009