تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//الماركسية ....هل انتهت


بلكميمي محمد
2009 / 4 / 15 - 09:34     

في ندوة ادارها الفقيد عبد السلام المؤذن في التسعينيات حول الماركسية بجريدة انوال حيث قال في تدخله : ان الماركسية .. اصبحت متجاوزة في عصرنا ، و قسم تدخله الى مستويين وقال مايلي : ساحاول ان ارد بسرعة وتركيز على بعض الملاحظات التي وردت في تدخلات سابقة من هذه الندوة ، وثانيا ساتناول بعض العناصر الواردة في الورقة .
فيما يخص بعض الملاحظات السريعة التي اود اثارتها ، هناك مثلا ما طرح من ضرورة الانتقال من العقيدة الى البرنامج السياسي فهذا الطرح يوحي بان هناك تعارضا بين العقيدة والبرنامج السياسي ، فليس هناك أي تعارض بين العقيدة وهذا البرنلامج السياسي . اذ لا يمكن تطبيق أي برنامج بدون تعبئة فئات اجتماعية معينة ذات مصلحة في تحقيق هذا البرنامج . اذن فالانحياز الى البرنامج هو في حد ذاته عقيدة .هذا الطرح ( أي اقامة تعارض مصطنع بين العقيدة والبرنامج ) يتضمن بشكل مبطن رفض عقيدة معينة هي الماركسية . هناك ايضا التساؤل الذي طرح حول اية ماركسية نناقش اونريد ؟ ( كنظرية او كعقيدة ، كبرنامج سياسي ، كتنظيم ) فهذا الطرح يوحي بالفصل بين كل هذه المستويات في حين ان ليس هناك في الواقع فصلا نهائيا بين كل هذه المستويات بل هناك تكامل بينها .
فالماركسية كنظرية هي تصور عام للواقع والكون والتاريخ والمجتمع . وكذلك هي عقيدة ايديولوجية ، وتطمح كذلك لتحقيق برنامج سياسي معين . وكمنهج للعمل ضروري ان تنطلق من ادوات معرفية معينة . وهي ايضا تنظيم حزبي لتحقيق البرنامج . اذن فكل هذه المستويات تدخل في اطار الماركسية .
ايضا اسجل اختلافي الجذري مع ملاحظة اشار اليها اغلب المتدخلين حول عدم امكانية تقييم الماركسية من حيث الخطا والصواب . ان النظرية اية نظرية لابد ان تكون خاطئة او صائبة فما هو معيار الخطا او الصواب بالنسبة للفكر البشري ؟ .
ان المعيار هو مدى تطابقه مع الواقع ، أي هل الممارسة العملية تؤكد صوابه او خطاه . ففي رايي مثلا ان منطق ارسطو بالنسبة لعصره كان صائبا وصحيحا ، بمعنى ان مجال تحركه وهو الظواهر البسيطة والعادية ، منطق ارسطو صحيح ولايمكن فهم هذه الظواهر دون استعمال منطق ارسطو ، ولكن بالنسبة للظواهر المتحركة والمتغيرة تستلزم استعمال منطق ارقى من منطق ارسطو وهو المنطق الجدلي ، وبالتالي ان منطق ارسطو اصبح متجاوزا .
ونفس الشيء ايضا في علوم الطبيعة : مثلا قوانين اسحاق نويوتون ، كانت صحيحة بالنسبة لعصره حيث كانت العلوم الفيزيائية ، تهتم بالاجسام الثقيلة ذات الحركة المحدودة ، اما في عصرنا ، عصر تقدم العلوم الطبيعية ، حيث بدا التعامل مع الاجسام الخفيفة ( الكترونات ) ذات السرعة العالية التي تقترب من سرعة الصوت ،، في هذه الشروط الجديدة لم تعد قوانين نيوتن كافية او صحيحة ، اذ لابد من قوانين فيزيائية جديدة مطابقة لسرعة الاجسام الخفيفة العالية . وهذا ما عبرت عنه قوانين ونظريات انشتاين ، التي تمثل تجاوزا تاريخيا لنظريات اسحاق نيوتن في مجال الفيزياء الميكانيكية .
المهم اريد ان اقول ان اية نظرية سواء كانت في المجال الفلسفي او العلمي ، من الضروري تقييمها من زاوية الصواب او الخطا . نفس الامر ينطبق على الماركسية . هل هي صائبة ام خاطئة ، انا اقول ( عبد السلام المؤذن ) بان الماركسية – اللينينية بالنسبة لعصرها كانت نظرية صحيحة وصائبة لانها كانت نظرية تعبر عن مستوى تطور التاريخ والبشرية والمجتمع ولنمط اجتماعي معين وطبقات اجتماعية معينة . لماذا عبات الماركسية ملايين العمال وخلقت ثورات في العالم ، وبنت مجتمعات وخلفت صراعات ... ؟ لانها كانت تعبر وتعكس طموحات وواقع المرحلة اما الان فاقول بان الماركسية لم تبق صالحة ، بل اصبحت متجاوزة تاريخيا في شروط العصر الحالية ، تماما كما تم تجاوز منطق ارسطو ، بمنطق هيجل وماركس .
لماذا تجووزت الماركسية ؟ .
لان العصر الذي عبرت عنه اصبح متجاوزا ، والعصر الذي عبرت عنه الماركسية ، هو العصر الذي كان فيه التناقض بين الراسمالية والعمل ، تناقضا عدائيا وتناحريا ، وهو ما مثله ظهور احزاب شيوعية ثورية في القرن التاسع عشر .
ان عصر الماركسية قد تم تجاوزه جزئيا في اوربا الغربية ، في نهاية القرن ، لما تم تحقيق الجزء الاهم من برنامج البيان الشيوعي بالنسبة لفئات عمالية ،، أي لما تصالح العمل والراسمال ، وهذا التصالح هو ما عبر عنه ، انتقال الاحزاب الشيوعية الى احزاب الاشتراكية الديمقراطية .
معنى هذا ان الماركسية ، في بداية هذا القرن ( القرن العشرين ) ، اصبحت متجاوزة في الغرب الراسمالي المتقدم ، لكنها بقيت غير متجاوزة في الشرق المتخلف بقيادة الاتحاد السوفياتي ، وهذا ما يفسر الصراع الايديولوجي بين الشرق والغرب ، منذ انتصار الثورة الاشتراكية سنة 1917 الى مجيئ كورباتشوف الى الحكم سنة 1985 .
ان سياسة الوفاق ، وسياسة توازن المصالح ، التي عبر عنها كورباتشوف تعني ان ذلك الصراع التاريخي بين العمل والراسمال ، الذي انتهى في الغرب ، في نهاية القرن 19 ، قد انتهى ايضا ، على الصعيد الدولي ، فنهاية القرن 20، مع مجيئ الغورباتشوفية ، أي ان البشرية انتقلت ، من عصر العداء بين الراسمال والعمل ، الى عصر التصالح بين العمل والراسمال .
.. لكنه تصالح في صورته السلبية الاستغلالية ، التي تؤمن هيمنة الامبريالية الامريكية .
والماركسية بصفتها فكر التناقض ، بين العمل والراسمال ، قد اصبحت اذن متجاوزة ، في عصر التصالح بين العمل والراسمال .
وما تحتاجه البشرية ، في عصرنا الحالي ، هو في رايي ، فكر جديد يعبر عن التصالح بين العمل والراسمال ، لكن ليس في صيغته السلبية الاستغلالية القائمة حاليا ، بين الاتحاد السوفياتي وامريكا ،، بل في صيغة تحررية ، وهذا هو التحدي الفكري الاكبر ، الذي يواجه كل الماركسيين الحقيقيين ، الذين تبنوا ودافعوا باستماتة عن الفكر الماركسي الثوري ، طوال حياتهم النضالية .
واعتقد ان لاامكانية لتجاوز الماركسية بدون الحفاظ على ماهو جوهري في الماركسية ، والجوهري في الماركسية ، هو من جهة ، مقولة « تحرر البشرية » من أي استغلال طبقي او قومي ، ومن أي استلاب ثقافي وغيره . . . ومن جهة ثانية ، هو مقولة : « ان الصراع الطبقي ( واضيف ، ان الصراع القومي » ) ، هو محرك التاريخ .
واعتقد ، ان انتفاضة العراق ضد الامبريالية ، وهو الفتح التاريخي ، على صعيد الصراع القومي العالمي ، للانتقال من التصالح بين العمل والراسمال ، في شكله البئيس الحالي ،، الى التصالح بين العمل والراسمال ، في شكله التحرري المستقبلي .
هذا على صعيد الواقع الطبقي – القومي . اما على الصعيد الفكري ، فاعتقد ، بان الفكر الماركسي ، هو فكر احادي الجانب ،، من جهة ، انه ينقصه البعد المثالي ، أي انه فكر مادي بدون مفهوم – تصور مثالي مسبق ، ينتمي للواقع المادي نفسه ، وليس لدماغ المفكر ،، مما يجعل ماركس نفسه يسقط في المثالية ، ( وخطا توقعات ماركس ترجع بالضبط لمثالية فكره .. أي ان مادية ماركس هي مادية متطرفة ، مما يجعلها تسقط في المثالية ) .
والفكر الماركسي هو فكر احادي الجانب ، من جهة ثانية ، لانه ينبني على بعد واحد فقط ، هو بعد جدلية التاريخ ، وينقصه بعد ثان ، الذي اسميه بعد جدلية الفضاء .
والجدلية لاتكتمل في رايي ، الا بوحدة جدلية التاريخ وجدلية الفضاء ( وهذه قضية فكرية جوهرية لايتسع المجال للتفصيل فيها ) .
وعلى صعيد المجتمع ،، ماركس له نظرة احادية الجانب ايضا ، حول مفهوم المجتمع الاشتراكي ، ففي راي ماركس المجتمع الاشتراكي هو الذي يقوم على الغاء الملكية الخاصة لوسائل الانتاج . في حين اظهرت تجربة ازمة البلدان الاشتراكية في الشرق ، بان الاشتراكية تتضمن الملكية الخاصة ايضا .. أي ان المجتمع الاشتراكي هو الذي يتم فيه التصالح بين الملكية العامة والملكية الخاصة بما فيها الراسمال الكبير ، بل وحتى الراسمال الاحتكاري الحر .