ملاحظات حول مقال - الحزب الشيوعي الصيني، ماو تسي تونغ و الحركة الشيوعية العالمية-


خالد المهدي
2009 / 4 / 8 - 10:49     

" ... يمكن لكل إنسان أن يكتب ما يشاء و تفهم –حرية العلم- على أنها حق الإنسان في أن يكتب خصوصا عن أي شيء لم يدرسه ..." و أن "... يصم الأذان بضجيج الكلام الفارغ و الرنين الأجوف المتغطرس" إنجلز


بعد سنوات من نشر مقال "الموقع التارخي للثورة الصينية، والموقع النظري لماوتسي تونغ"[1] التي استهدفنا من خلالها آنذاك توضيح الاطار العام للتعاطي مع ما انتجته التجربة الثورية بالصين على الصعيد التاريخي والنظري. ها هو اليوم أحد المعارضين لهذه التجربة يخرج من دائرة الصمت للإعلان عن مواقفه الرافضة لما قلناه ما قدمناه من تحليل ناعتا إيانا بالتحريفيين والانتهازيين، كما هو بالنسبة له الحزب الشيوعي الصيني وقائده ماوتسي تونغ. نعم اليوم خرج أحد من اولئك الذين لم تكن لهم الجرأة منذ سنوات للإعلان عن مواقفهم أمام المناضلات والمناضلين والتزموا الصمت طوال مدة طويلة دون أن يتوانوا لحظة واحدة عن نشر السموم والاكاذيب في الكواليس ووراء ظهر المناضلين الشرفاء، لكن رغم كل ذلك فإننا نستحسن هذه الخطوة في عرض مواقفهم وتبيان مستواهم النظري والسياسي، حتى يبرز أمام الجميع من هم الماركسين اللينينيون الحقيقيون ومن هم المزيفون.

وبالرغم من غياب أي فعل وأي تأثير وسط المناضلين والمناضلات لخطاب هؤلاء السادة، فإن ما جعلنا اليوم نرد عليهم إنما هو إبراز الدروس وأخذ العبرة وتحصين الحركة الناشئة في بلادنا من الافكار والثقافة التي ينادي بها من لا يهمهم من الثورة سوى الإسم، ومن أولئك الذين لا يهمهم من العمل السياسي سوى الاعتراف بوجودهم رغم انهم نكرة لا وجود لها في صفوف الجماهير ولا حتى في صفوف المناضلين.

لقد مرت سنوات عديدة ونحن نرفع شعار النضال الايديلوجي وشعار الوضوح الفكري ولازلنا وسنظل متشبتين بهذا الشعار، ولن نتردد في رفعه ضد الانتهازيين و أمام الشيوعيين الحقيقيين أيضا. لقد أخذ هذا الصراع كمركز له خصوصا اليوم، الصراع من اجل الماركسية اللينينية الماوية، لكن تاريخ هذا الصراع وسط المناضلات والمناضلين ليس وليد اللحظة، بل له جذوره التاريخية[2] فمنذ صدور كراس "مساهمة أولية في تقويم ممارستنا الفكرية والعملية" صيف 2003، ارتفعت العديد من الاصوات آنذاك مدعمة هذا العمل ومشيدة به وأخرى منتقدة إياه وبأصحابه.

لكن هؤلاء المنتقدين لم تكن لهم الشجاعة الكافية لنقده علنا رغم توفر المحيط والشروط لذلك، مكتفية بنشر السموم في الكواليس وخلف الظهر، وقد جعل بعض من هؤلاء المنتقدين من الماوية موضوعا للنقد، ومعلنا حينها العديد من الاكاذيب والمواقف المضحكة من قبل ان ماو تحريفي و ان الحركة الماركسية اللينينية في السبعينات لم تستند إطلاقا لفكر ماوتسي تونغ، وان ما يطرحه اصحاب الكراس هو شيء جديد على الحركة ببلادنا"، فكان ردنا أيضا واضحا من خلال مقال "دفاعا عن التاريخ" ، الذي اوضحنا فيه مكانة فكر ما وتسي تونغ في تجربة الحملم وقبلها أوضحنا "اهمية ومضمون النضال النظري" في مقال يحمل هذا العنوان.

بعض الرفاق هاجموا هذا العمل بدعوى أننا نشق "وحدة" المناضلين، وان هذا العمل يزيد من تشتت الحركة إلخ...من افكار انتقدناها في حينها مؤكدين على ان الوحدة يجب أن تبنى من خلال الصراع، وفي إطار الصراع الفكري والايديويولوجي ضد كل الأفكار الخاطئة والخطوط الانتهازية وسط الحركة، وقد اجتازت هذه الموضوعة الاختبار العملي بنجاح، وهو ما جعل من هؤلاء الرفاق يتبنون أطروحاتنا المتعلقة بأهمية الصراع الفكري والايديولوجي.

أما اولئك الذين اعتبروا ماو تحريفيا ولا مكانة له في تجربة الحركة الشيوعية في السبعينات فقد انقسموا الى إثنين بعضهم ابدى تحفظا بعد ذلك على هذا الكلام والبعض الآخر تمادى فيه ولو بشكل محتشم وغير معلن. الرفاق الذين أبدوا بعد ذلك تحفظهم على ما كانوا يقولونه حول "تحريفية" ماو غيروا وجهتهم ليعلنوا أن ماو لا يمكن اعتباره سوى مناضلا ثوريا كبيرا و"نقطة الى السطر".

ومع اشتداد الصراع الفكري ضد الانتهازيين بشتى تلاوينهم، وبعد القوة التي ابداها الشيوعيون الحقيقيون في نقد أطروحات الانتهازيين من التروتسكيين، وأنصار حزب النهج الديمقراطي وغيرهم سوف ينتزع ماو والمدافعون عنه احترم قاعدة واسعة وكبير من المناضلات والمناضلين واصبحنا نسمع من نفس الافواه التي كانت تعتبر ماو ثوريا وفقط بأنه ماركسي لينيني، لكنه لم يقدم شيئا من الناحية النظرية للينينية ولا داعي إذن للحديث عن الماوية.

الاتجاه الآخر الذي بقي متشبتا ب"تحريفية" ماو والماويين سوف يحاول مرة اخرى وكعادته نشر السموم خلف الظهر وفي الكواليس، مدعين أن الحديث عن الماوية بالمغرب هو محاولة "جهات اجنبية" اختراق الحركة الشيوعية بالمغرب، وهؤلاء لا يخجلون أن يقولوا عن أنفسهم أنهم شيوعيين و امميين، لكن هم في الحقيقة أحقر من الشوفينيين، ينتمون فعلا ليس الى ستالين، بل لتيتو الذي ينتقدونه بكلام ستالين قولا، ويمارسون على ارضية افكاره فعلا.

في هذه الأجواء سوف تصدر وثيقة "الموقع التاريخي للثورة الصينية والموقع النظري لفكر ماوتسي تونغ" التي حاولنا من خلالها بناء إطار عام لنقاش مسألة الماوية، نقاشا جديا ومسؤولا والأهم منهجيا، من خلال تلك الوثيقة حاولنا نقد الأسس الفكرية لحفظة الكتب والجمل المبتورة وطرحنا نظرتنا ليس للماوية، بل لكيفية التعاطي مع هذا النقاش بشكل أساسي.

وبعد سنوات على نشرها ها هو اليوم احد المتبقين وربما بمفرده من اولئك الذين اعتبروا ماو "تحريفيا" يقدم على نشر افكاره علنا، ونحن إذ نحييه بصدق على هذه المبادرة الطيبة سوف نوضح من خلال هذا المقال ما يتشبع به امثال هؤلاء "المناضلين" من ثقافة سياسية ومن "مبدئية" في التعاطي مع القضايا المصيرية للحركة الشيوعية.

لقد حاول صحب مقال "الحزب الشيوعي الصيني، ماو تسي تونغ و الحركة الشيوعية العالمية."[3] إبراز "تحريفية" ماو والحزب الشيوعي الصيني من خلال علاقة هذا الأخير بالحركة الشيوعية العالمية حاصرا هذا النقاش الضخم في مسألتين: المسألة اليوغسلافية والموقف من قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي بعد وفاة ستالين، وبالرغم من ان المسألة هي اكبر بكثير من ذلك سوف نحاول من جانبنا تناول هاتين المسألتين للرد على صاحبنا، لا من اجل ان نبين له أخطائه، بل ليأخذ المناضلون العبرة من خطورة الانفصال عن الممارسة العملية وما تولده من افكار ومواقف انتهازية، وليأخدوا العبرة ايضا من الموقع الحالي لأولئك الذين لا يهمهم في شان النضال السياسي سوى الاعتراف بهم، رغم انهم غير موجودين ومن اولئك الذين لا يرون في النضال الفكري سوى قلم حبر جاف لكتابة صفحا من الكلمات الجافة.

إلا أن هذا الرد لا يحصر ذاته فقط في هذه الهدف، وإن كان مهما، بل إن المسألة المركزية هنا تكمن في تطوير هذا النقاش في صفوف المناضلين والمناضلات وتبيان الدروس العظيمة لتجربة الحركة الشيوعية العالمية التي نحن اليوم في امس الحاجة اليها، حيث هجوم الامبريالية على الشعوب يزداد حدة وهمجيتا وتزداد معه ضرورة توحيد الثوريين الحقيقيين على ارضية خط فكري وسياسي واضح سواء على المستوى العالمي، او في كل بلد على حدة.

وبالنسبة لنا نحن الماركسيون اللينينيون الماويون المسألة واضحة الى ابعد الحدود: لا يمكن أن يولد هذا الخط إلا في قلب الصراع الفكري والسياسي وعلى ارضية القضايا المركزية للثورة ببلادنا وللثورة العالمية ضد كل الاطروحات التحريفية والانتهازية والرجعية.

يستهل صاحب المقال المذكور اعلاه كلامه بالحديث عن صعوبة البحث في مسألة تجربة الحركة الشيوعية العالمية مشيرا عن حق أن الخوض في مثل هذه الدراسات يتطلب حسب لينين توفر قوى نظرية وسياسية كبيرة. وصاحبنا كان ايضا على حق تماما عندما اكد بلسانه ايضا على عدم توفره على تلك المواصفات التي حددها لينين.

لكن توصيات لينين تلك لم تمنعه من تناول الموضوع، فما هي النتيجة التي خرج بها صاحبنا الباحث من بحثه هذا؟ لكن قبل ذلك نود نحن أيضا ان نسجل بعض الملاحظات على ملاحظات صاحبنا الباحث. أولى تلك الملاحظات هي تلك المتعلقة بصعوبة البحث في تجربة الحزب الشيوعي. قد يفهم اي عاقل من ذلك صعوبة الإشكالات الفلسفية والنظرية والسياسية و الاقتصادية التي جابهت الشيوعيين بالصين، لكن هذه الصعوب عند صاحبنا هي صعوبة مرتبطة "بغياب اي وثيقة للحزب الشوعي تؤرخ لتاريخه"؟ !!

هذه البداية وحدها تعطينا فكرة عن ما قد ياتي في سياق بحث باحثنا الكبير !! فهو لم يجد أي عمل يؤرخ لتاريخ الحزب الشيوعي الصيني اللهم أعمال كتاب غير صينينين !! التي لا يمكن الاستناد إليها دون مجازفة".)هذه المسألة لا تخرج عن طبيعة أممية صاحبنا الباحث(، لكن صاحبنا على مايبدوا لم يقصد اي عمل، بل يقصد أنه لا يوجد كتاب يحمل عنوان "تاريخ الحزب الشيوعي الصيني" "على شاكلة وكما جرت به العادة" ما قام به الحزب الشيوعي بالاتحاد السوفياتي. وهذه ايضا، قد تعطينا إن صحت، فكرة واضحة عن ما قد ياتي من "عمق" في بحث باحثنا "الكبير".

لكن من يريد ان يبحث في تاريخ حزب معين لا يجب ان يعتمد على ما كتبه هذا الحزب على تاريخه وفقط بل يجب أن يبحث ويدرس وثائق هذا الحزب ومؤلفات زعمائه لانها هي من يؤرخ للتاريخ الحقيقي لهذا الحزب او ذاك، وان يدرس الشروط التاريخية التي انتجت فيها تلك المادة، لكن لا لوم على صاحبنا الباحث فقد اعلن منذ البداية عدم توفره على الشروط الضرورية للقيام ببحث الموضوع.

ولذلك صرح هذا الباحث المسكين على ان مقاله هو محاولة فردية اعتبرها فقط ارضية لبداية النقاش وهذا يدل ايضا على ان هذا الباحث لا تتوافر فيه ليس شروط بحث موضوع تاريخ الحركة الشيوعية العالمية، بل وحتى ببلاد"ه"، فهو لا يرى النقاش سوى في بدايته بل إنه يطرح المقال كبداية للنقاش. كم هو مؤسف هذا الوضع الذي يوجد فيه من لا يستطيع تتبع حتى ما يقال ويكتب علنا، وعلى كل حال فمن هو بعيد هما وفكرا عن الواقع المادي للحركة الشيوعية لا يستطيع أن ينفلت من هكذا وضع. و "صاحبنا " الباحث" قبل ان يبحث في الموضوع اي علاقة الحزب الشيوعي الصيني بالحركة الشيوعية العالمية أراد ان يقوم "بجولة خاطفة فيما كتبه الماويون بالمغرب حول" الثورة الصينية" "مادام انهم )أي الماويون بالمغرب( يعلنون ولائهم المطلق لهذه التجربة دون غيرها".[4]

وهاهي مرة اخرى بداية جولة صاحبنا الباحث تبدا بالكذب والخداع كما هي كل جولاته كما سنرى. لا ندري أين قرأ أو سمع صاحبنا "الباحث" عن أن الماويين بالمغرب "يعلنون ولائهم المطلق لهذه التجربة دون غيرها"؟ إن هذه المحاولة الغبية تنم عن طبيعة الثقافة التي ينشرها امثال هذا الباحث، وهي أقرب الى تلك الثقافة التي حاول بها تروتسكي النيل من ستالين. نفس القيم، ونفس الأساليب بالرغم من الزعيق في نقد التروتسكية. فالماوين بالمغرب يقرون صراحة وعلانية بأن الماوية لم يكن من الممكن أن تظهر لولا الماركسية اللينينية، فالماوية ليست بديلا عن الماركسية اللينينية كما تروج الاقلام العاجزة، بل إن الماوية هي تطوير للينينية كما طورت هذه الأخيرة الماركسية. فحتى إن أراد المرء أن ينتقد شيئا ما او فكرة ما فعلى الأقل عليه ان ينتقدها دون تحريف، لكن من تشبع بثقافة الفئات المتأخرة من طلاب الجامعات لا يمكنه إلا ان يسير في ذات النهج، نهج الكذب والهروب من نقاش القضايا كما هي مطروحة، وهذا أيضا دليل على ان صاحبنا "الباحث" لا يمتلك مقومات البحث في اي موضوع و ليس في موضوع الحركة الشيوعية وفقط.

وحتى يكون صاحب المقال"وفيا" لما حدده في ورقته أي نقد "تعاطينا مع تاريخ الحركة الشيوعية العالمية وتاريخ الحزب اشيوعي الصيني" فقد قام بجلب بعض المقتطفات مما كتبناه في مقال"الموقع التاريخي للثورة الصينية، والموقع النظري لماوتسي تونغ"حول اهمية استحضار الحركة الشيوعية العالمية من طرف اية حركة مبتدئة وبعض المقتطفات من النقد الذي وجهناه لبعض الأفكار الرائجة في صفوف بعض المناضلين الداعية إلى إبعاد الصراعات التي تعرفها الحركة الشيوعية العالمية عن الحركة بلادنا. وقد علق "صاحب المقال" على ما قلناه بالقول:" إن ما نحن متأكدين منه هو ان استحضار الحركة الشيوعية العالمية" بالمغرب وفي بلدان أخرى كان بوابة لتكوين مجموعة من الدكاكين السياسية وطوابير لتنظيمات خارجية، وكان آخرها – وليس الأخير- هو جوقة"التوجه القاعدي"[5]. هذا هو مضمون اممية صاحبنا. اليس هذا الكلام احقر مما قاله تيتو الذي يوهمنا هذا الشوفيني بأنه يعتبره انتهازي. أهذه هي الأممية التي تعرفون.

إن جزءا كبيرا من ذلك النقد الذي وجهناه الى الأفكار التي كانت تروج في صفوف المناضلين حول إبعاد الحركة الشيوعية العالمية قد اوصل هؤلاء السادة إلى إعلان مواقفهم جهرا وعلانية. ورغم ذلك يتحدثون عن الشيوعية وعن الأممية، ويريدون أن يبحثوا في شان تاريخ الأممية وتاريخ الحركة الشيوعية العالمية، والأدهى من ذلك ان صاحب المقال يضيف على ما قاله وأبرزه من ميل شوفيني حقير "ولا أظن أن صاحب المقال يختلف معنا في ذلك"[6]. ما هذا الوحل؟ الشيء الوحيد الذي قد لا اختلف معك فيه هنا، في هذه النقطة بالذات، هو ان ما قلته هو وضاعة شوفينية حتى النخاع، ومع ذلك يتهمنا صاحب المقال بـ"التحريفيين والانتهازيين"!!؟

لكن، ليس هذا كل ما في الجولة التي قام بها "باحثنا" الكبير في ما كتبه الماويون حول الثورة الصينية، بل إن صاحب المقال يتهمنا ايضا بالصورية والاختيارية لأننا لم نطرح المسالة-حسب تقديره- إلا من جانب أحادي "من" مع "ومن" ضد استحضار الحركة الشيوعية العالمية "مما جعلني لا ارى الوجه الأخر للمسالة"، أي الشكل الذي يجب ان يتخده هذا الاستحضار والاهداف المبتغاة منه؟[7] .

وحسب صحب المقال دائما "فالاجابة على هذين السؤالين هي الكفيلة بوضع الحد الفاصل بين الماركسيين اللينينين الحقيقيين، وبين الانتهازيين بمختلف تلاوينهم"[8] من يعتقد ان مثل هذه الجمل"الحماسية" لها أي وزن عندما يتعلق الامر بالنقاش النظري والسياسي فإنه عن حق لازال تحت تاثير ثقافة الفئات المتاخرة من طلاب الجامعات.

فكيف إذن استحضر صاحب المقال هو بنفسه "الحركة الشيوعية العالمية" وما الهدف من وراء ذلك؟

صاحب المقال يستحضرها على الشكل التالي: إن "...ما نحن متأكدين منه هو ان استحضار الحركة الشيوعية العالمية" بالمغرب –وفي بلدان اخرى كان بوابة لكوين مجموعة من الدكاكين السياسية وطوابير لتنظيمات خارجية"[9]. انظروا كيف يستحضر هذا "الماركسي اللينيني" المسألة، فعن أي لون انتهازي يعبر؟ أليست الشوفينية المعادية للأممية؟ هذا هو الجواب عن السؤال الأول من السؤالين الذين يعتبر صاحب المقال الاجابة عليهما هي الكفيلة بوضع الحد الفاصل بين الماركسيين اللينينين والانتهازيين بمختلف تلاوينهم واساسا الشوفينيين منهم.

عندما كان لينين يتدحث عن الثورة الروسية وعن الحركة الشيوعية بروسيا لم يفصلها يوما عن الحركة الشيوعية العالمية، بل كان يعتبرها جزءا من الثانية، لأن نضال العمال في بلد معين هو نضال ضد جميع الراسماليين الموحدين على المستوى العالمي. إن ما خلفته الراسمالية ذاتها هو ضرورة وحدة العمال ليس على النطاق الوطني، بل على النطاق العالمي كله، كما خلقت الامبريالية ضرورة وحدة العمال وشعوب العالم المضطهدة. من هنا يستمد الأساس الموضوعي لضرورة وحدة الحركة الشيوعية على النطاق الأممي وتستمد اممية الشيوعيين.

ستالين عندما كان ينتقد قادة الحزب الشيوعي اليوغسلافي، انصار تيتو كانوا ايضا يتفوهون بنفس كلام صاحب المقال "نحن لا نريد ان نكون دكانا سياسيا او طابورا لستالين بيوغسلافيا" اليس هؤلاء إذن يدافعون على ستالين قولا ويمارسون على ارضية فكر تيتو فعلا؟

فما هي إذن الأهداف المبتغاة من استحضار صاحب المقال للحركة الشيوعية العامية بهذا الشكل؟ طبعا هناك هدف مباشر واضح ومعلن: مواجهة الماركسيين اللينينين الماويين وهذه المواجهة هي التي افضت حتى الآن، الى تبيان الطابع الشوفيني لكيفية استحضار صاحب المقال ل"الحركة الشيوعية العالمية". لكن هذا لن يجيبنا على السؤال، فنحن لن نقف عند أهداف صاحب المقال بوصفه فردا معينا، بل إن المهم هو تبيان أهداف مضمون التيار الفكري الذي ينتسب إليه صاحب المقال.

في نقده لأكسلورد ومارتوف وتروتسكي الذين كانوا ينكرون الصلة بين الانتهازية والاشتراكية-القومية، كتب لينين قائلا:"... ينبغي لنا طبعا أن ناخذ على سبيل الأساس، لا الافراد والجماعات، بل على وجه الضبط تحليل المضمون الطبقي للتيارات الاجتماعية ودراسة مبادءها الرئيسية الجوهرية دراسة فكرية وسياسية".

إن استحضار "الحركة الشيوعي العالمية" بوصفها بوابة "لتكوين مجموعة من الدكاكين السياسية وطوابير لتنظيمات خارجية" هو محاولة متسترة للدفاع عن فكر البرجوازية الصغيرة – سواء وعى ذلك صاحب المقال أم لم يعيه-، وتعبير عن خوف اصحاب الدكاكين والتجار الصغار والفلاحين واصحاب قطع الارض الصغير من الاحتكارات الكبرى، إن الهدف الحقيقي من استحضار الحركة الشيوعي بوصفها أداة "لتكوين مجموعة من الدكاكين السياسية، وطوابير لتنظيمات خارجية" هو إعاقة وحدة الشيوعييين والانعزال عن ما يقع على صعيد الصراع الطبقي عالميا، وحجب كل افق اممي امام الشيوعيين والشيوعيات وخنق الثورة وإعطائها طابعا وطنيا شوفينيا.

ماو عندما عارض توجيهات القادة السوفيات في مسألة علاقة الحزب الشيوعي بالكومينتانغ، حيث امتنع على المصادقة على إقامة الوحدة مع الكومينتانغ مهما كلف الامر، لم ينتقد هذه المواقف كما فعل انصار تيتو ضد ستالين، وكما فعل صاحب المقال ضدنا، بدعوى ان السوفييت يريدون أن يكون الحزب الشيوعي الصيني طابورا لهم، بل لقد كان أمميا متشبعا بروح النقد والنقد الذاتي طارحا المسألة من زاوية مصالح الثورة بالصين ومصلحة الثورة العالمية.

وإذا كان صاحب المقال بهذا الشكل يستحضر "الحركة الشيوعية العالمية: فإنه يتهمنا بالصورية والاختيارية وأننا طرحنا المسألة فقط من زاوية وحيدة و لم نقم بدراسة تاريخ "مسار تطور هذه الثورة، منجزاتها وانتكاساتها"، ولم نحاول "إلقاء الضوء على بعض المحطات التاريخية المهمة التي ميزت مسيرة الحزب الشيوعي الصيني...." [10] ، و اتهمنا صاحب المقال باننا قلبنا الحقائق وزورنا التاريخ وحتى "لا يتجنى علينا" حاول ان يقدم لنا بعض نماذج هذه القرصنة والقرصنة المعكوسة التي قمنا بها، وقدم في هذا الصدد ثلاث نماذج. كيف حاولنا -حسب زعمه دائما- أن نطرح مسألة البرجوازية الكمبرادويرية ومسالة البرجوازية البيوقراطية بوصفها من اكتشاف ماوتسي تونغ والنموذج الثالث هو "ماو قاهر التحريفية المعاصرة"، وهذا النموذج الثالث هو الذي سنتناوله فيما بعد. أما فيما يخص مضمون البرجوازية الكمبرادورية والبرجوازية البيروقراطية فسوف نعلق على ما قاله صاحب المقال بشكل وجيز وسوف نفصل في المسألة في عمل لاحق.

صاحبنا "الباحث الكبير" بلغة جافة – لكن تحمل دلالة كبيرة- سوف يعارض كلامنا بالقول ان البرجوازية الكمبرادورية هي البرجوازية التبعية التي سبق ذكرها في الادبيات السياسية وبدأ يسرد صفحات من هذه الادبيات "لدحض هذه المزاعم وفضح انتهازية ماويينا" [11]

اما بالنسبة ل"البرجوازية البيروقراطية" فإن صاحبنا الباحث فسوف يتهمنا بان "تناسي العشرات من المؤلفات لكلاسيكيي الماركسية التي تناولت البيروقراطية وارتباطها بالممارسة السياسية للبرجوازية بكل فئاتها جهل، إن لم يكن انتهازية مقيتة بالماركسية"[12] ويبدا يحصي بعض لمؤبفات الكلاسيكية التي تناولت البيروقراطية قبل ماو بكثير.

لكن كل ما قاله صاحب المقال إنما ينم عن عدم معرفته حتى بما يقوله خصومه، إنه يرفع شعار محاربة الماركسية اللينينية الماوية، ولا يعرف حتى ما تقوله هذه النظرية، فوضع نفسه في وضع مضحك ومقرف، وعلى اي فهو قد اقر منذ البداية انه "لا تتوفر فيه شروط القيام بالبحث" فبما عساه أن يتفوه، والأدهى من ذلك انه يكتب" يبقى أن نشير الى ان"البيروقراطية كمفهوم يحدد السلوك السياسي وليس الموقع الطبقي" لكن كل مطلع ولو من بعيد على ادبيات الماويين يدرك بسرعة انهم يتحدثون عن "البرجوازية البيروقراطية" بوصفها طبقة، وهي مسألة مختلفة عن البيروقراطية كسلوك سياسي وعوض أن ينتقد صاحب المقال هذا التحديد كما فعلت مثلا رابطة العمل الشيوعي سنة 1979 او 1980 (على ما اذكر) في نقدها لأفكار ماوتسي تونغ، عوضا عن ذلك راح يسرد المؤلفات التي ذكرت البيروقراطية قبل ماو !! لماذا هذا التعاطي إذن؟ لا لشيء فهذا الباحث الذي تفتقد فيه شروط البحث (على حد قوله بنفسه ) لم يوصله بحثه سوى لمقولة لماو تسي تونغ في مقال "الوضع الراهن ومهامنا" الصادر سنة 1947، لكن ربما هذا الجهل حتى بما تقوله هذه النظرية راجع الى غياب "اي كتابة من طرف الحزب الشيوعي الصيني عن تاريخه" !! لكن هذا الجهل بدوره نتيجة طبيعية ومنطقية على ما يبدو لمن يعتبر استحضار الحركة الشيوعية العالمية منفذا ل"تكوين الدكاكين السياسية".



إن هؤلاء السادة الذين ارتفعت عقيرتهم معلنين تجندهم للصراع ضد الماركسية اللينينية الماوية و ضد الماويين هم في الحقيقة أصغر حتى من فهم ماذا يصارعون و لماذا يصارعون و بماذا يصارعون. ليس الأمر جديدا، فتجارب الحركة الشيوعية العالمية كانت دائما كذلك. بل يمكن القول إن كل الصيرورات الواقعية حتى الطبيعية منها هي كذلك، فبجانب القمح تنمو الأعشاب الضارة و بجانب الأسماك تنمو الطحالب، و هذا ما كان تاريخيا و سوف يظل كذلك مادامت الشروط المادية توفر تربة نمو هذه الأزبال.

لكن الحديث على أن مجريات الصراع الطبقي هي التي تولد هذه الأقلام و التصورات التي تنهل فكرها من النفايات و من كل ما هو متعفن لا يقدم تفسيرا واضحا لبروزها في هذه الحركة أو تلك بهذا البلد أو ذاك، لذلك من الواجب إبراز كيفية نموها و اتجاهاته.

إن هؤلاء السادة الذين يحاولون ببلادة شديدة و غباء قل نظيره سوى عندنا نحن المغاربة، أن يظهروا بأنهم قادرين على ممارسة الصراع الفكري و السياسي و لا يملكون من مقومات هذا الصراع سوى قلم حبر جاف هم أشبه بل أدنى حتى من أولائك الذين قال عنهم إنجلز ذات مرة: " ... يمكن لكل إنسان أن يكتب ما يشاء و تفهم –حرية العلم- على أنها حق الإنسان في أن يكتب خصوصا عن أي شيء لم يدرسه ..." و أن "... يصم الأدان بضجيج الكلام الفارغ و الرنين الأجوف المتغطرس" لقد قال إنجلز على هذا الفكر بأن شعاره "رخيص لكن رديء" أما أصحابنا نحن فإن شعارهم هو العكس من ذلك أي "رديء لكن رخيص"، رديء في كل شيء، في شكل التعبير عن ذاته في صياغته في "تحليله" في لغته في كل شيء لكنه رخيص، رخيص جدا حتى أن المرء لا يحتاج لأدنى لكي ينتج مثل تلك النفايات، إن المرء لا يحتاج لأدنى مجهود لأن يبرز أوساخه أمام الجميع ، لأن الوضاعة لا تحتاج لمجود و هو بذلك يستحق عن جدارة أن يكون شعاره الخاص: "رديء لكن رخيص". لكن هذا الرياء و تلك الديماغوجية المقرفة أصبحت اليوم غير قادرة على النيل أو السخرية من عقول فئات واسعة من المناضلات و المناضلين.

إن هؤلاء السادة أصحاب مثل هذا التفكير الدغمائي، هؤلاء السادة الذين يصرخون في وجه المناضلات و المناضلين من أجل استنفارهم لمحاربة الماركسية اللينينية الماوية كما يستنفر الراعي قطيع الغنم لا يملكون في حقيقة الأمر سوى قلم حبر جاف غير قادر حتى على إيصال أفكارهم المضحكة و المقززة و لا حتى كذبهم المضلل.



سوف نكتفي بهذا التقديم الذي أوضحنا فيه الطابع الشوفيني لصاحبنا "الباحث" فيما يخص كيفية استحضاره للحركة الشيوعية العالمية و سوف نتناول مسألة علاقة الحزب الشيوعي الصيني بالحركة الشيوعية العالمية في مقال مستقل في القريب، نظرا لما يتطلبه الموضوع من تدقيق و لما يكتسيه من أهمية.



خالد المهدي

[1] الحوار المتمدن - العدد: 1276 - 2005 / 8 / 4 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=4&aid=42415

[2] لن تناول هنا سوى تجربة الصراع وسط الحركة الشيوعية خلال السنوات الأخيرة

[3] . "الحزب الشيوعي الصيني، ماو تسي تونغ و الحركة الشيوعية العالمية " –رفيق زروال- الحوار المتمدن بتاريخ 2009 / 3 / 6

[4] . رفيق زروال " نفس المرجع السابق"

[5] . رفيق زروال " نفس المرجع السابق"

[6] . رفيق زروال " نفس المرجع السابق"

[7] نفس المرجع

[8] . رفيق زروال " نفس المرجع السابق"

[9] . رفيق زروال " نفس المرجع السابق"

[10] . رفيق زروال " نفس المرجع السابق"

[11] . رفيق زروال " نفس المرجع السابق"

[12] رفيق زروال " نفس المرجع السابق"