تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//التطور التاريخي للتشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية بالمغرب//جوهر الثورة الحافظية


بلكميمي محمد
2009 / 3 / 28 - 06:18     

في سنة 1907 استطاع عبد الحفيظ ان يلف حوله معظم القوى الاجتماعية المعارضة للوجود الفرنسي في المغرب ، ويقود حركة مسلحة واسعة ، ادت الى الاطاحة بالسلطان عبد العزيز واعتلاء عبد الحفيظ العرش مكانه .
ماذا تمثل هذه الثورة الحافظية ؟ .
انها تعبر في جوهرها عن التناقض بين الاقطاع الجديد الذي اندمج في التجارة الاوربية ، وربط مصيره بمصيرها ( وتمثله الدولة المخزنية ) . وبين الاقطاع القديم الذي ظل ، بوجه عام ، معزولا عن التيار التجاري الاوربي ( وتمثله القوى الاقطاعية الاقليمية ) .
فالصراع اذن ، كان داخل نفس الطبقة الاقطاعية الواحدة ، لكن بين اتجاهين مختلفين ، بسبب اختلاف مواقعهما من التجارة الاوربية . لذلك ، فالقوى الاجتماعية الاساسية التي وقفت وراء حركة عبد الحفيظ ودعمتها ، كانت تتكون من اقطاع الجنوب والريف والزاوية الكتانية القوية ، بل ان ثورة عبد الحفيظ قد انطلقت في بدايتها ، من عاصمة الجنوب مراكش نفسها ، حيث تقررت هناك مبايعته ، ونزع البيعة عن السلطان عبد العزيز .
غير ان الثورة الحافظية استطاعت كذلك ، ان تكسب لها فتات اخرى كانت مرتبطة بالاقطاع الجديد المركزي ، والتي تضررت من جراء تبعات الانفتاح على التجارة الاوربية ، وهذه الفئات الاجتماعية هي :
أ‌) العائلات المخزنية التقليدية : لقد كانت هذه العائلات تاريخيا ، هي المسؤولة عن تنظيم قبائل الجيش ، كما انها هي التي كانت تمد جهاز الدولة بالاطر الادارية .
لقد كان هذا الوضع سيتغير تحت تاثير الاصلاحات المحدثة بالنسبة للجيش ، فقد خضع لاربع اصلاحات :
■ تكوين الجنود في اوربا
■ تكليف تقنيين عسكريين او ربيين للاشراف على التداريب ..
■ شراء اسلحة جديدة متطورة
هذه الاجراءات ستقود الى خلق جيش من طراز جديد ، مختلف تماما عن الشكل القديم القائم على قبائل ◄ الجيش . وهذا الجيش الجديد الذي اصبح يسمى « العسكر» هو جيش نظامي محترف ، يتقاضى العاملون فيه مرتبات مالية قارة .
بالنسبة للادارة ، ان تعاظم نفوذ البورجوازية التجارية وظهور نخبة مثقفة جديدة ، سيكون من شانه اخضاع ادارة الدولة لهذه القوى الجديدة . وان ذلك الاخضاع سيصبح شاملا في عهد السلطان عبد العزيز ، بالخصوص .
من هنا يتضح ان العائلات المخزنية التقليدية ، قد خسرت على الواجهتين معا ، العيكرية والادارية . وهذا هو سبب معارضتها للسلطان عبد العزيز ، وانضمامها للحركة الحافظية .
ب‌) النخبة التقليدية : هذه النخبة التي تتكون اساسا من العلماء المرتبطين بجامعة القرويين ، وبالجهاز القضائي ، ستعرف تقلصا في نفوذها امام صعود نخبة حديثة ، وامام تجاوزات السلطة للشرع المالكي ، وتقوية النزعة الاستبدادية لديه .
ان معارضتها لنظام عبد العزيز ، كانت تنطلق اذن ، من الدفاع عن مطلب العودة الى الشرع والى الشورى ، وهو المطلب الكفيل بضمان مصالحها الخاصة كفئة اجتماعية ، لها ارتباطات بالنظام الاقطاعي .
من هنا ، فمطلب الدستور ، الذي رفعته بعض الجهات في ذلك الوقت ، مثل الصحفيين السوريين في طنجة ، والمثقفين المغاربة العائدين من الشرق ، والمتاثرين بالتيارات الفكرية الاصلاحية الرائجة في مصر وسوريا وتركيا .. هذا المطلب الدستوري لم يكن يعبر عن صعود فئة ليبرالية داخل المجتمع ، بل كان مجرد تاطير في شكل ليبرالي لمضمون تقليدي في جوهره ، هو مطلب الشرع والشورى ، الذي كانت تنادي به نخبة علماء القرويين والجهاز القضائي .
الخلاصة التي اراد الفقيد عبد السلام المؤذن التاكيد عليها مما سبق ، هي ان جوهر الصراع بين عبد العزيز وعبد الحفيظ ، كان قائما على التناقض بين قوى الاقطاع الجديد ، الذي اندمج في التجارة الاوربية ، واصبح قابلا بالحماية الفرنسية للمغرب ، وبين قوى الاقطاع القديم الذي لم يعرف تلك الدرجة من الاندماج ، والذي كان يطمح للحفاظ للمغرب على وضعه السابق الماقبل الانفتاح على التجارة الاوربية .
ومن زاوية التاريخ ، لقد كانت الثورة الحافظية في تلك الشروط ، طوباوية تماما . وهذا ما اكده فعلا مجرى الاحداث السياسية . اذ بمجرد ما وصل عبد الحفيظ الى الحكم ، حتى وجد نفسه مضطرا للتراجع عن البرنامج السياسي الذي قامت عليه حركته في البداية ، وتبنى نفس برنامج عبد العزيز الذي اطيح به .