رسالة الى صديقي الدكتور فواز الحصان بخصوص دراسة تاريخ العشائر في جنوب الاردن


وليد حكمت
2009 / 3 / 24 - 08:34     

جمعتني الصدفة الشيقة على الماسجر مرة اخرى بصديقي الدكتور فواز الحصان احد المهتمين بالدراسات التاريخية وتاريخ العشائر الأردنية وأنسابها وهو جهد حقيقة يشكر عليه وهو المدرس في بريطانيا وابن الأردن القابض على عروبته وثراثه في بلاد الضباب ، وقد تطارحنا بعض القضايا التي تخص العشائر في جنوب الأردن وخصوصا مدينة معان فعرفت من خلال حواراتنا المطولة ان هذا الشخص من أصحاب النفس الطويل في البحث والتنقيب والتفتيش في كل صغيرة وكبيرة الأمر الذي شدني إلى أن أجتر معلوماتي مرة أخرى وأحاول أن أقدم ما امتلكه في المعلومات في تلك المواضيع مع أني أهملتها زمنا لا باس به وأتمنى له مزيدا من التوفيق وقد اقترح علي أن نتطارح هذه المواضيع التاريخية على إحدى المنتديات بشرط أن نتباحث جيدا في جميع القضايا قبل أن تكون جاهزة للطرح والنقاش في المنتدى وهو رأي أراه صائبا .

لقد تغيرت الظروف والأزمنة وتوجه الناس في هذه البلد وخصوصا في أجواء تعزيز العشائرية والمناكفات البغيضة إلى الاشتغال بإثبات أنسابهم والبحث عن تاريخهم وهو جانب قد يكون مهما خصوصا اذا نحى منحى قد يخدم التراث والهوية الوطنية ويعززها و إذا ما تبناه صاحب التخصص والباحث العلمي الناقد ولكنه موضوع سيكون متعبا ومزعجا وأداة لتعزيز الفتن العشائرية إذا ما اشتغل به الهواة والعشائريون المتعالون على الآخرين ، ولكنني أود أن أقدم لك يا صديقي بعض النصائح وأنت الباحث وصاحب المعرفة الواسعة في هذا المجال لكنني وجدت لزاما أن أضع تجربتي المتواضعة بين يديك علك تخرج لنا بكتاب قيم يخدم المتابعين والباحثين عن الحقيقة و أود القول بان قضايا الانساب وحركة القبائل العربية في منطقتنا تحتاج الى درس عميق وبحث علمي يخضع لشروط البحث العلمي و هو مجال لا يمكن التنبؤ بصحته القطعية في كثير من الأحيان ومن الأفضل أن نعمل دراسة تاريخية موحدة لعشائر البلد ويتم صياغتها بطريقة لا تسيء إلى المواطنين وتبطل تفاضل الناس على بعضهم وتبين أن وحدة الهوية الثقافية والوطنية هي اعم واشمل من وحدة العشيرة وعلى الرغم من كتب و ألف في عشائر معان إلا انه وللأسف في غالبية ما كتب قد جاء بحسب أمزجة الناس وإرضائهم ورفع البعض وخفض آخرين بدون أدلة ووثائق ومراجع وتم تهميش كثير من العائلات العريقة بقصد أو بدون قصد كما أن الخوف من بعض المتنفذين الذين يبحثون عن الجاه السياسي والاجتماعي قد أدى حتما إلى إخفاء وتعطيل وتحريف الكثير من الحقائق فهؤلاء المتنفذون العشائريون يحاولون أن يجمعوا بين السلطة والمال والثراء والزعامة والنسب العريق وهي أمور يستحيل أحيانا الجمع بينها وهذا ما قدمه الكثير ممن كتب في تاريخ معان وعشائرها فحاولوا إرضاء أشخاص متنفذين من خلال كتابة روايات مزيفة وخاطئة ، فمن الذي سينبري الآن ويكتب بموضوعية وحيادية ونزاهة لكن على كل حال سيتعرض لهجوم عنيف من قبل العشائريين والمتنفذين الذين لا يؤمنون بالعلم والمنهج والدقة والحقيقة .
من خلال بحثي واستقصائي لعشائر مدينة معان توصلت إلى جملة من الحقائق أرجو من أخي الدكتور أن يضعها نصب عينيك أثناء بحثك وهي مهمة..
أولا :
- ان تقوم بعمل دراسة شاملة للمنطقة الجنوبية لبلاد الشام وهي الأردن حاليا دراسة اقتصادية وسياسية وتاريخية وجغرافية ابتداء من الحكم العثماني على اقل تقدير ولتتعرف على العشائر الأردنية القديمة التي تواجدت في لواء عجلون وهو الأردن الحالي وقد توصلت إلى استقرار الكثير من العشائر الأردنية كفلاحين من الشمال إلى الجنوب بشكل كبير ولكن مسمياتها كانت تختلف كثيرا عن مسميات تلك القبائل والعشائر الحالية وعامل الزمن هو من يتحكم في تغير المسميات والبداية وبالتاكيد سيفيدك كثيرا كتب القلقشندي الذي ألفها في القرن الثامن الهجري والذي ذكر فيه أسماء عشرات العشائر الأردنية في مناطق الشمال والجنوب والوسط ، وهذا يعني بان الدراسة الدقيقة لتحركات السكان في الجنوب ضرورية وستكتشف أن كثيرا من العشائر التي تدعي بأنها من الحجاز او نجد هي عشائر أردنية قديمة مستقرة منذ مئات السنين ولذلك يذكر فرديرك بيك في كتابه حول تاريخ شرقي الأردن وقبائلها بأن العصر المملوكي كان عصرا مزدهرا وخصوصا في الأردن إذ أوجد شعبا زراعيا ماهرا وخصوصا في منطقة الوسط والشمال إلا أن هذا الوضع قد تدهور إبان الحكم العثماني ، وقد وجدت كتاب مفصل لواء عجلون في القرن العاشر الهجري الذي حققه عدنان البخيت على ما اعتقد فيه معلومات مهمة وهو يؤشر إلى استقرار السكان في الأردن وتوفرهم على نظام إنتاج زراعي مستقر ، ولواء عجلون يقصد به قديما الأردن الحالي من الشمال إلى الجنوب ، وهناك الحوليات العثمانية كتاب وقفية ابن سنان باشا لجنوبي بلاد الشام في بداية العهد العثماني إضافة إلى كتب الرحالة خصوصا الرحالة الجزيري صاحب كتاب درر الفوائد المنظمة – القرن العاشر الهجري وكتاب حركات العسكر في بلاد الشام – نوفان الحمود وغيرها فهي كتب تؤرخ لمرحلة قديمة من الممكن من خلالها أن نمتلك نظرة واضحة حول واقع الأردن في تلك المرحلة.
- - دراسة الهجرات السكانية من فلسطين إلى جنوب الاردن ومنطقة معان وهي هجرات كثيرة ومتراتبة لها أسبابها وموجباتها وقد بدأت الهجرات في منتصف القرن السابع الميلادي اتخذت من نابلس وما حولها نقطة انطلاق حيث كانت معان تتبع لنابلس بشكل شبه مباشر في القرن السابع عشر الميلادي ، اضافة الى الهجرات القادمة من جبال الخليل وغزة وغيرها بفعل أمور سياسية وإدارية واقتصادية حتمتها الفوضى السائدة في جنوب الأردن في ذلك العصر وللعلم فإن حملة عبدالله باشا النمر قد أسست كثيرا من القواعد السكانية في معان وحولها في ذلك القرن.
- - الأخذ بعين الاعتبار ان الكثير من الناس في منطقتنا لديهم عقدة أصيلة وهي عقدة الارتباط بالسعودية وأقاليمها فالجميع يدعي بأنه من نجد أو الحجاز وهذا الأمر بحاجة إلى التحقق أكثر وقد توصلت في بحثي المضني إلى أن غالبية العشائر التي تدعي ذلك لا تنتمي حقيقة إلى نجد او الحجاز بل أصولها تعود إلى فلسطين أو بلاد الشام
- - الأخذ بعين الاعتبار أن هناك عشائر قديمة جدا في معان لا نستطيع التكهن بتاريخ أو موطن قدومها وهؤلاء نسميهم المعانية القدامى وهم في غالبيتهم من بقايا قبائل جذام وبني حميدة المتأصلين في المنطقة والذين كانوا يسكنون في معان الغسانية التي بناها الغساسنة .
- -أن نأخذ بعين الاعتبار أن هناك عشائر عديدة سكنت معان ثم هاجرت إما بسبب النزاعات العشائرية أو الكوارث الطبيعية كالسيول وغيرها .
- - عدم الاعتماد كثيرا على روايات الأهالي كمصدر أولي لأن كثيرا من الناس لا يحب إلا أن يكون من جزيرة العرب و سبق تحدثنا عن هذه العقدة بل يجب الاعتماد على الوثائق وخصوصا الوثائق التركية ( السالنامة – التقارير الرسمية- السجلات الشرعية- المراجع والمصادر بشرط ان نعرضها للنقد والتمحيص ايضا)
- - الأخذ بعين الاعتبار بان الكثير من أكراد الشام من صالحية دمشق وأكراد غزة والخليل وبعض الأتراك والتركمان قد سكنوا معان وتعربوا فيها وكان وجودهم لأغراض إدارية وعسكرية وتلك العشائر قد تعربت تماما واندمجت في العشائر العربية .
- - اخذ الاحتياط في العد العشائري بحيث لا يتجاوز العشرة جدود لان ما يزيد على ذلك في غالبيته من صناعة الناس وبنات أفكارهم ولأنه يصعب الحصول على عد النسب بدون توثيق ووثائق رسمية ذلك ان العشائر قديما كانت تركز على عد الخمسات اي الخمسة جدود فقط لأجل الحماية القانونية والاعتبارات العشائرية في قضايا القتل والدم والجلوة والثار.
- وضع الاولوية لدارسة التراث الشعبي والعادات والتقاليد وغير ذلك واجد من المفيد ان نركز على ذلك الجانب ايضا وهو الاهم في نظري وهو الجانب الذي يبرز هويتنا الثقافية التي ضاعت وتشوهت وسط هذا الخضم من الثقافة المستهلكة المزيفة التي تطغى على المشهد الثقافي الاردني عموما.