تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//التطور التاريخي للتشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية بالمغرب//ازمة الاقطاع الجديد


بلكميمي محمد
2009 / 3 / 19 - 10:19     

في مطلع السبعينات من القرن 19 ، عرفت الطبقة الاقطاعية المغربية ازمة عميقة سيكون لها دور اساسي في دفع المغرب الى السقوط في احضان الحماية الفرنسية التي سيتم الاعلان عنها رسميا سنة 1912 ، لقد كانت تلك الازمة مالية في مظهرها ، لكن في جوهرها كانت ازمة بنيوية ، اظهرت الى أي حد اصبح الاقتصاد المغربي مرهونا بالاقتصاد الراسمالي الاوروبي ، وخاضعا لتقلباته .
ان عوامل تلك الازمة هي التالية :
1- ان مرحلة ازدهار الاقتصاد الاوربي ، الممتدة مابين 1851 و1873 ، والتي استفادت منها اسعار المنتوجات المغربية المصدرة الى الخارج ، ستنتهي لتعقبها ازمة اقتصادية اوربية طويلة ، تمتد من سنة 1874 الى سنة 1895 ، مما ساهم في تدهور الاسعار .
2- ان فتح قناة السويس امام الملاحة التجارية الدولية ، وتطور السفن التجارية البخارية على حساب السفن الشراعية في نفس الفترة تقريبا ، قد احدثت ثورة في المواصلات ، سمحت بتقريب الولايات المتحدة الامريكية واستراليا من اوربا ، مما ادى الى تدفق الحبوب الاسترالية والامريكية ، وكذا الاصواف الاسترالية ، على الاسواق الاوربية ، وبالتالي ظهور مزاحمين اقوياء لحبوب و اصواف المغرب .
3- الانتشار الواسع للحماية الاجنبية للاشخاص والممتلكات المغربية . هذه الحماية التي كانت تهم عشرات الالاف من المغاربة في نهاية القرن ، كانت تشمل معظم اغنياء المغرب ( امثال الشريف عبد السلام زعيم الزاوية الوزانية المحمية من طرف فرنسا ، ومولاي الحاج الشريف شيخ زاوية تامصلوحت المحمي من طرف بريطانيا .. ) والحماية تعني بكل بساطة ، اعفاء هؤلاء الاغنياء من دفع الضرائب للخزينة المخزنية ..
4- انخفاض الموارد الجمركية بسبب تدهور قيمة العملة .
5- اعفاء التجار الاوربيين من الضرائب عند مدخل المدن.
6- فرض تقديم تعويضات مالية منهكة على الدولة المخزنية ، عن الاضرار التي تلحق بافراد الجالية الاوربية ، الناجمة عن اعتداء ات المغاربة ( مثلا السرقة والاغتيال ...)
7- تسديد الحصة السنوية من ديون حرب تطوان الاسبانية والتي لم يتخلص منها المغرب نهائيا الا سنة 1885 .
8- تكاليف شراء الاسلحة الباهظة الثمن ، لحماية الشواطئ والموانئ التجارية ، وللقيام بالحملات العسكرية لقمع الاقطاع المحلي المتمرد .
9- تزايد النفقات الاستهلاكية لدى الطبقة الاقطاعية الحاكمة ، بسبب ظهور حاجيات جديدة خلقتها التجارة الاوربية .
10- الازمة الفلاحية الكبرى لسنوات 1878- 1885 التي اتخذت ابعادا حادة جديدة في شروط الاندماج في النظام التجاري الاوربي الراسمالي .
كيف حاولت الطبقة الاقطاعية الحاكمة حل هذه الازمة ؟
لم يكن امامها في البداية سوى هذه الوسيلة :
من اجل الرفع من مواردها المالية ، كان يتعين عليها الرفع الى الحد الاقصى من حجم الصادرات ، وهذا يتطلب بدوره تعريض الفلاحين الى نهب اشد .
لكن هذه الوسلة لم تكن ناجحة ، بل بالعكس كانت لها عواقب جد خطيرة : فالفلاحون الذين لم يعودوا يتحملون تلك الدرجة من الاستغلال اصبحوا يفضلون ، بكل بساطة ، الفرار من الاراضي للتوجه الى مدن الموانئ والتسكع في الطرق ( ان الكنانيش المخزنية نفسها تتحدث في تلك الفترة عن فرار الفلاحين من الاراضي الزراعية بسبب حدة الاستغلال الاقطاعي ) . وهذا الوضع ادى بدوره الى تزايد الانتفاضات والتمردات . مما هدد الحركة التجارية نفسها بسبب تدهور الامن .
وامام هذا المازق ، لم تجد الطبقة الاقطاعية من مخرج ، سوى اللجوء الى القروض الاجنبية ، لكن القروض تولد باستمرار الحاجة الى قروض جديدة ، وهكذا ، ستجد الطبقة الاقطاعية نفسها في حلقة مفرغة من القروض السنوية التي اصبحت عبارة عن مجرد قروض لتسديد الفوائد المتراكمة ، ان قروض سنوات 1902- 1903- 1904- و 1905 ، هي اسطع مثال على تلك الحلقة المفرغة .
لقد اصبح واضحا اذن ، ان دولة قوية هي وحدها القادرة على اصلاح مالية المخزن وفرض الامن الضروري للنشاط التجاري ، وهذه الدولة لن تكون سوى دولة الحماية الفرنسية ، التي استغلت ازمة الطبقة الاقطاعية الحاكمة ، لاستعمار المغرب ، وتعريضه للاستغلال الراسمالي والنهب الكولونيالي .


في الحلقة المقبلة : نشوء البورجوازية التجارية المغربية .