انحطاط المثقف العشائري


وليد حكمت
2009 / 3 / 18 - 09:33     

يزداد التنافس بين العشائر حدة عندما تقترب حمى الانتخابات البرلمانية والبلدية اذ تكون العشيرة في نهاية الأمر هي قطب الرحى والهدف الأسمى لدى الكثيرين فتجد جميع من ينخرطون في العملية الانتخابية وحتى الذين ينتقدون العشائرية يتوجهون نحو العشيرة لا لشيء إلا لأن العشيرة هي المنظومة التي ربما سيلجأ لها المرء لتحقيق بعض من احتياجاته ومطالبه وأمنه فتجد حتى المثقفين وأصحاب الشهادات العليا والوعاظ ورجال الدين يتحولون بسرعة ديناميكية إلى أناس عشائريين متعصبين وينقلبون على مبادئهم ويعيشون حالة من الازدواجية والانفصام النفسي بتبريرهم للآخرين هذا الانقلاب وذاك التحول في المبادئ والقيم والمواقف فإذا ما جلسوا مع أبناء عشيرتهم خاطبوهم وأيدوهم على ما هم عليه ونافقوا معهم وقالوا لهم : المهم أن نرفع اسم العشيرة ونحن مع العشيرة لان الإنسان لا غنى له عن العشيرة ونحن دم واحد ويجمعنا جد واحد ولا بد من التكاتف ضد أعدائنا من العشائر الأخرى ثم يبادرون إلى اختلاق المعاذيرو التبريرات وقد شاهدت العديد من المثقفين الذين يتحولون بين عشية وضحاها إلى وحوش عشائرية كاسرة فأية ثقافة تلك وأي تعليم ذاك الذين يجعل الإنسان يتشكل في تلك الصورة القبيحة التي تحط من قدر الإنسان وتلغي إنسانيته، وأية مبادئ تلك التي يتحول من خلالها هذا الشخص الى حرباء متلونة بحسب الظروف والأحوال والمصالح، ثم يبادر أولئك المثقفون العشائريون حين يلتقون بأفراد المجتمع إلى تغيير القناع العشائري بقناع آخر زائف فيتهربون من الإجابة ويتحدثون عن الصالح العام ويقولون بأن مرشح العشيرة اخترناه لا لأنه من العشيرة بل لأنه هو الأصلح وجميع العشائريين يقولون بان مرشحهم الأصلح ونحن كلنا أبناء بلد وإذا جلس الأردني مع أردنيين يخاطبهم بالعنصرية ويقول نحن الأردنيون كذا وكذا المهم أن يكون في المنصب أردني وان لا يكون شخص من أصول غير أردنية فيعيش العشائري المتذبذب حالة كبيرة من التناقض في المواقف وازدواجية في الطرح والتفكير فيصبح منافقا اجتماعيا من الدرجة الأولى وإذا ما ترشح لمنصب يمارس ذات الدور فيلعب على جميع الحبال ليضمن أن يكسب في النهاية حتى إذا ما وصل إلى المنصب فأصبح وزيرا أو نائبا أو غيره قام بتدبيج الخطاب الوطني وبات يتحدث عن أبناء الوطن والوحدة الوطنية والمساواة وجميع المثاليات الأخرى أو يبادر فيقوم بزراعة مكثفة لعناصر عشيرته ومنطقته في مختلف المواقع مقابل تقديم الولاء للحكومة . أنا تحدثت عن ازدواجية المثقف المنافق ولم أتحدث عن عامة الناس الذين في غالب الأحيان يندفعون إلى الأشياء بروح القطيع ويسهل على المغررين بهم ممارسة الإيحاء الجمعي والتضليل وتأجيج نار العنصرية والحقد في قلوبهم، والمثقف يحدث صدمة كبيرة لدى كثير من المخلصين والتواقين إلى القيم الإنسانية والعدالة في المجتمع فينتظرون من هذا الإنسان ذي المبادئ أن يقدم موقفا لحماية القيم وسط هذه الفتن والمعمعات الباطلة ووسط هذا السقوط الكبير للأقنعة والرموز الكبيرة فيبادر حينها إلى خذلانهم وخلق حالة من اليأس والإحباط وانفراط عقد الإيمان في قلوبهم لأنه بسقوطه في أوحال العصبية والعشائرية والانحلال المفاجئ من منظومة القيم يخلق حالة من الإحباط واليأس لدى هؤلاء الناس الذين يتوقون إلى تجسد القيم وتمثلها برمز من المجتمع يتبنى أحلامهم ورغباتهم وعواطفهم وطموحاتهم كما أنه يدفع الكثير من الناس إلى الكفر بجميع مبادئ المجتمع والانخراط في عملية الصراع الذي يعيشه أفراد المجتمع الذي يتحول حينها إلى مذأبة يفترس القوي فيها الضعيف ، حينها يفقد البشر المستعبدون وأفراد المجتمع الصلحاء ثقتهم في المبادئ والدين والتراث وكل شيء لأن القيم النبيلة والضمير ليست قضايا خيالية مثالية يخاطب بها العقل البشري بل هي مفاهيم تحتاج إلى تجسيد واقعي لكي تثبت بأنها حقيقية وصحيحة وواقعية يمكن تحققها وبدون هذا التجسد تصبح عبارات لا معنى لها ولا قيمة. ثم يندفع المثقف في عملية الانتخابات ولا يكتفي بالتصويت بل يقوم بدور الطليعة والبوق لشيوخ العشائر فبقدر ما يصبح ذا ديناميكية وتنازلا عن مبادئه يصبح أكثر قبولا وحظوة لديهم ومن المثقفين من يتورط فيقوم بشراء الأصوات وبيع الضمائر واستغلال الفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات فيمارس الابتزاز ثم ينخرط في المؤامرات وبث الإشاعات وحياكة الدسائس للآخرين من اجل أن تنتصر عشيرته ويحصل مرشحه على الفوز ، ومن رجال الدين المنافقين من يقوم بإصدار الفتاوى في التصويت لصالح فلان وفلان ومنهم من يقوم بشراء الأصوات والهويات وإجبار المواطنين على حلف اليمين لأجل التصويت في فلان وهناك نماذج كثير ة تؤشر إلى الانحطاط الفكري والعقائدي لدى هؤلاء