رسالة الى صديق- من هو المثقف؟؟؟


وليد حكمت
2009 / 3 / 16 - 08:40     

لمصطلح الثقافة والمثقف تعريفات كثيرة ومتعددة لكنها تخلص في النهاية إلى وصف دور الإنسان الذي يمتلك رؤى معينة و موقف خاص ويهتم بالشأن العام ويضع على عاتقه تنوير المجتمع وخدمته فهو الشخص الذي يقدم مصلحة العام على الخاص عموما ، وقد يكون الشخص متعلما لكن ليس بالضرورة أن يكون مثقفا، فليس كل متعلم مثقفا ، فالمثقف هو الذي يحمل وجهة نظر معينة ويحاول أن يوصلها إلى المجتمع ويقدمها له بأحسن صورة ويدفع حركة المجتمع الى الامام ويضع على عاتقه عبء تحمل التبعات والمضايقات والتضحيات وهذا التعريف يشمل الرجل السياسي والفنان والمعلم والصحفي والمفكر والفيلسوف وصاحب الأفكار النيرة والطبيب المناضل والمناضل الثوري والعامل الكادح في إضرابه والمرأة المطالبة بحقوقها والمصلح السياسي والاجتماعي و غير ذلك
عندما تتشكل البنية المعرفية للمثقف وبعد أن يزيل عن عقله قشرة الأفكار الهشة والتقليد الأعمى يتبنى وجهة نظر معينة من خلال إيمانه بنسق معين من المفاهيم والأفكار التي يعتقد أنها ستدفع المجتمع إلى الأمام وستسهم في تطوير الحياة وتخفف معاناة الإنسان وتلغي استغلاله واضطهاده وتدفع عجلة التنمية وتضيف خطوة جديدة في رحلة انسنة الإنسان عبر التاريخ ، فبإمكان الإنسان المثقف أن يتحصل على مفاهيم ومعارف ووجهات نظر جيدة ومفيدة للمجتمع ولكنه قد يؤثر الدعة والراحة ولزوم البيت والاهتمام بشؤونه الخاصة خوفا من الاصطدام بسلطة المجتمع والدولة ،فهذا مثقف يحمل رسالة لنفسه تماما كالنبي الذي يحمل شريعة لنفسه ولا يؤمر بتبليغها، ثم يأتي المثقف الثوري الذي يجد لزاما أن يبلغ ما يعلم ويقدم النقد العلمي للأوضاع الاجتماعية و السياسية والايدولوجية السائدة في المجتمع والتي يراها من منظور علمي وتاريخي عائقة لتقدم المجتمع ومنع تطوره ونضوجه، وقد يقدم نفسه قربانا كي يقنع الناس بصحة فكره ونظريته ومن التاريخ أمثلة كثيرة نذكر منها غاليليو الذي خالف الكنيسة وتبنى نظرية علمية حول دوران الأرض حول الشمس وان الأرض ليست مركز الكون وكان بالإمكان أن يجلس في منزله مرتاحا ويتطلع إلى تسلط رجال الدين واحتكارهم للمعرفة وقيادة الناس وتوجيههم واستغلالهم لكن إنسانيته وثقافته الناضجة وحسه الإنساني المرهف أبى عليه إلا أن يبين الحقيقة التي دفع حياته ثمنا لها فكان شهيد العلم في عصره.
وعندما يضع المثقف أمامه مهمة تاريخية تقضي بتنوير المجتمع ونقد المسؤولين عن أوضاعه وتوجيههم يبدأ الصراع بينه وبين الفئات التي تخضع الآخرين لاستغلالها واستبدادها وهي الفئات الاجتماعية التي تجد بان هذا المثقف يفسد عليها أمورها وخططها فتحاول أن تبعد هذا المثقف عن مساره وتضغط عليه وتقصيه ثم قد تحاول إغراءه بالمنصب أو المال كي لا يمارس دوره في نشر الوعي بين الفئات الفقيرة والكادحة الجاهلة بمصيرها والخاضعة للاستغلال والعبودية والديكتاتورية وكثيرا ما تنجح أساليب الفئات التي تكره المثقفين وتكره أفكارهم في احتواء المثقف واستهلاكه وقد يكون المثقف ذا طموحات قصيرة الأمد وذا ميول انتهازية آنية فيؤثر الدعة والراحة فيشارك الفئات المستغلة في ايدولوجيتها ومآربها ويبدأ بالترويج لها من اجل أن يحظى بالامتيازات والأعطيات ويتآمر على شعبه وأمته ومجتمعه مقدما المصلحة الشخصية الفردية على المصلحة العامة وقد يكون العكس إذ قد يكون البناء القيمي للمثقف قد تمتن وتقوى بحيث يصبح له بناءا فكريا وقيميا صلبا وحسا إنسانيا مرهفا ينأى به عن الانخراط في المشاريع الانتهازية والمؤامرات الفردية وهذا المثقف المؤنسن بدرجة كبيرة هو من ألد أعداء المستغلين والمستبدين والعشائريين لأنه يفسد عليهم ملذاتهم وشهواتهم وبذخهم ولصوصيتهم فيعلنون الحرب عليه و يلحقون به تهما شتى فيقولون ( فلان خائن للوطن، أو معارض للدولة والنظام، أو أن أفكاره غربية مخالفة للدين والتقاليد والعادات ، أو فلان ليس له عشيرة أو أي وضع اجتماعي أو فلان غريب يحب الظهور أوفلان ليس له جذور أو يلصقون به كافة التهم ولنا المثل الأعلى وهم الأنبياء والمصلحون الذي تعرضوا إلى صنوف الاضطهاد والعذاب وإلصاق شتى التهم بهم لا لشيء إلا لأنهم حاربوا الاستبداد والاستغلال وفضحوا مؤامرات الطبقات الاجتماعية الفاسدة الظالمة.
ولكن كيف يمكن أن يصبح الإنسان مثقفا حقيقيا ، فقد يبدأ هذا الشخص الباحث عن الثقافة بالمطالعة والقراءة ردحا طويلا من الزمن وهذا جيد من ناحية ولكنه قد يؤدي به إلى الدخول في متاهات لا يحسن الخروج منها ذلك أننا تعودنا على أن من يقرأ كثيرا هو المثقف وهذا ليس صحيحا فالسؤال والمحك هو ماذا وكيف نقرأ لأن القراءة وهي مهمة جدا تشكل الأداة التي تنقل معارف وتجارب الآخرين إلى القارئ فيعتنق آراءهم ويتأثر بوجهات نظر من يقرأ لهم وهو يخلص في النهاية إلى أن يكون إنسانا ببغائيا يكتفي بتكرار ما قرأه ويضحي مستهلكا لمعارف غيره وقد بدا انه يعطل عقله ورأيه حيث جعل نفسه مستهلكا للمعرفة لا منتجا لها ، ولذلك أصبح من الضروري في خضم هذا الإنتاج المعرفي المعولم والمتزايد بدرجة كبيرة جدا أن يحدد له منهجا في البحث والحصول على المعرفة ولذا ينبغي عليه أن يسعى لتأسيس بنية معرفية عقلية متينة ويحدد اتجاهه ، كي لا يكون مقلدا وتابعا بل يكون صاحب الفكرة الحرة النابعة من التفكير الحر الخلاق والنفس السامية ، واجد أن التأسيس الفلسفي ومنهج البحث العلمي ضروري للمثقف بداية وبدونه لا يمكن إلا أن يكون مكررا ومعطلا لعقله وتفكيره ورأيه وحكمه تجاه الأشياء والواقع والحياة، فكتاب ديكارت مقال عن المنهج كتاب سهل وجميل ويوضح تجربة احد كبار الفلاسفة في البحث والتفكير ولو بدأ به لكان جيدا وليتعرف على مسيرة النظريات الفلسفية وكتاب الفلسفة أنواعها ومشكلاته وهو كتاب قيم وحيادي يقدم الفلسفة ومبادئها بأسلوب مبسط بحيث يعطي القارئ توضيحية عن كل نظرية فلسفية ويترك الحكم للقارئ ويبدع المؤلف في الحوارات الفلسفية السهلة التي تشد القارئ وتعوده على المنهج النقدي والتحليلي وهي أدوات مهمة للمثقف كي يتعرف إلى الواقع ويصدر أحكامه بطريقة علمية ، فالفلسفة ضرورية لبناء معرفي متين في دماغ الإنسان من خلاله يشكل ويركب كل ما يشاهده في هذه الحياة على ذلك البناء مع عملية تقويم وترتيب تتم ديناميكيا ولأن كل من نقرأ لهم يكونون في الحقيقة معبرين عن وجهة نظرهم تجاه الحياة والواقع والعالم والمجتمع من خلال بنائهم الفلسفي الخاص بهم وقناعاتهم فنهاية الأمر أن يكون المثقف مفكرا حرا مستقلا ، وعلى المثقف أن يطالع أساسيات علم الاجتماع وعلم النفس والانثروبولوجيا وهي ضرورية ليتعرف إلى الظروف والواقع وطبيعة البشر والمرحلة التاريخية التي يمر بها المجتمع ، وفي الاقتصاد ينبغي أن يطلع على أهم النظريات الاقتصادية التي من خلالها يتعرف إلى حركة الاقتصاد في مجتمعه ذلك أن من يدرك أسرار الاقتصاد يدرك ويتنبأ بالتغيرات المختلفة في المجتمع وتداعياتها، ولكن علم الاقتصاد متشعب وعميق فليبدأ بدراسة و فهم نظرية فائض القيمة ونظرية القيمة وهما نظريتان توضحان كيف يعمل نمط الإنتاج الرأسمالي العالمي ويؤثر في المجتمعات وحياة الإنسان وعليه بكراسات ارنست ماندل في شرح قانون فائض القيمة وقانون القيمة الرأسمالي وهي شروحات سهلة بإمكان الإنسان العادي أن يستوعبها بسرعة ذلك أن علم الاقتصاد ينبني عليه معرفة التغيرات السياسية والأخلاقية والايدولوجية والاجتماعية في المجتمع فحركة المجتمع في ظرف وزمن معينين منوطة بالحركة الاقتصادية في نفس المجتمع في ظرف وزمن معينين ، ثم أن المثقف إذا أسس منهجا وأساسات فكرية يستطيع أن يستوعب أية معرفة أو معلومة يتحصل عليها ويعرضها للنقد ويدمجها في بنائه العقلي والمعرفي ويضعها في مكانها المناسب .