بمناسبة اليوم العالمي للمراة //والدة الفقيد عبد السلام والزنزانة رقم 28 بالمغرب //تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت


بلكميمي محمد
2009 / 3 / 14 - 09:36     

كما جاء بجريدة انوال سنة 1992 الرفيق عبد السلام قضى ... خبر نزل على الجميع اكبر من الفاجعة ... لم نصدق ... لن نصدق فعبد السلام كان في حيويته شامخا ... متحديا لكل الصعاب مؤمنا بالمستقبل .. ومناضلا بدون هوادة من اجل الغد الافضل ... وكذلك سيبقى في ذاكرتنا وفي وجداننا ... ومن بين كتاباته التي ننشرها على التوالي بمنبر الحوار المتمدن كل مساء .
الزنزانة رقم 28 مع مواعيد زيارة والدة الفقيد حيث قال اراغون :

في اوج الشقاء الاسود اسمع الديك يغني
احمل النصر في قلب كارثتي
احمل الشمس في ظلامي

هذه الليلة ليست ككل الليالي من ليالي التسعينيات حين انهى الفقيد الراحل اربع عشرة سنة ودخل الخامسة عشر ، عندما دخل السجن ترك اخته "ع" طفلة في التعليم الابتدائي ، ووجدها بعد خروجه من الزنزانة رقم 28 اما لطفلين ، وترك والدته في صحة جيدة ، لكنه بعد خروجه من المعتقل اصبحت منخورة القوى ، لقد خسرت والدته صحتها كما خسرته ابنا لها ، لكنها بالمقابل كسبت اشياء جديدة : ان اعتقاله يقول الفقيد عبد السلام المؤذن احدث ثورة عميقة في حياة ووعي والدته ، فوالدته التي كانت بدوية صرفة ، لاتغادر البيت ، وتكاد تعتقد بان مركز الكون هو القرية التي فيها ولدت وترعرعت ، سرعان ما تطور وعيها بفعل احتكاكها بمؤسسات الحضارة : المحاكم والسجون ، بل ان لغة والدته هي نفسها قد " تحضرت " انها اليوم يقول عبد السلام تستعمل في قاموسها اللغوي كلمة " بورجوازية " بنفس التلقائية التي تستعملها وهي تتحدث عن نهر "جاينو" بقلعة السراغنة.
اربع عشرة سنة من الاعتقال .. خلال هذا العمر الطويل لم تتخلف والدة الفقيد عبد السلام المؤذن قط عن مواعيد الزيارة . وان تخلفت ، وهو ماحصل في حالات نادرة جدا ،، لايعرف سر كل هذا الحب الذي تكنه الامهات للابناء ، مع العلم انه ليس وحيد والدته ، فوالدته امراة تتمتع بخصوبة جيدة ، اذ انها انجبت 8 ابناء كلهم احياء يقول الفقيد عبد السلام المؤذن .
ان صديقته الالمانية "م" تشبه والدته من ناحية الوفاء والالتزام ، فمنذ ان تعرف عليها ، او بالاحرى تعرفت عليه عن طريق منظمة العفو الدولية ، منذ سنوات خلت حينما كانت لاتزال تلميذة في الثانوي، راسلته بانتظام صارم لم تخرقه قط ، خلال تلك السنوات التسع من صداقتهما يقول الفقيد انها تقول بلغة المانية انيقة : ياللسرعة التي يمر بها الزمن !

ليس من عادة الفقيد عبد السلام المؤذن ان يستمع الى الموسيقى عندما يكون بصدد القراءة او الكتابة ، لكن في تلك الليلة ليلة مرور 14 سنة على اعتقاله ، وفي تلك الليلة بالذات تملكه شيطان الخروج عن عادته وخرقها ، لقد سيطرت عليه رغبة الجمع بين بتهوفن وتشيكوف وضع السمفونية الرابعة في الة التسجيل ، وعلى انغامها شرع يقرا " العم فانيا" بهذا النحو رغب احياء – على طريقته الخاصة - ذكرى مرور اربع عشرة سنة على اعتقاله ، تمنى ساعتها ان يشرب كاسا من الخمر الاحمر ، لكنه لم يكن في متناول اليد .
قرا الصفحة تلو الاخرى ، الى ان اوقفته تلك الفقرة التي اخذ يتاملها بذهن شارد : " تعرف .. عندما يكون المرء سائرا في الغابة في الليل الحالك ، يكفي ان يتراى له شعاع ضوء من بعيد ، حتى ينسى التعب ، والظلام ، والغصون الشائكة التي تصفع الوجه ".
لقد طال تامله يقول ، ولم ينتبه للموسيقى المنبعثة من الة التسجيل ، الا بعد ان توقف الصوت ، حينئذ شعر بصمت مطبق يلفه بصمت القبور ، لكن هذا الصمت لم يدم طويلا ، ففي الطرف الاقصى من الممر ، خرج الرفيق العظمة من زنزانته ، وهو يغني بصوت عال ، مقطع ام كلثوم الجميل :
ويسال في الحوادث ذو صواب فهل ترك الجمال له صوابا

وفي الطرف الاخر / كان ينبعث من راديو احدى الزنزانات القريبة من زنزانة الفقيد عبد السلام المؤذن ، صوت " ايديت بياف " وهي تغني اغنيتها الرائعة : Non Je Ne Regrette Rien
في احدى الحلقات القادمة سنتناول موضوع : ماهو السجن من وجهة نظر الفقيد عبد السلام المؤذن ؟
ردا على التصريحات الرسمية لاوضاع السجون بالمغرب ، وكما جاء في البلاغ الاخير للجمعية المغربية لحقوق الانسان .