نصر للحمر في السلفادور والأعين على الرئاسة


فنزويلا الاشتراكية
2009 / 3 / 9 - 09:45     

بعد 12 عشر عاماً من الحرب الأهلية الدموية في السلفادور التي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء على أيدي القوات اليمينية المدعومة أمريكياً، استولت تلك القوى الرجعية على مقاليد الحكم في البلاد منذ عام 1992 موعد اتفاق السلام الذي أنهى الحرب.

الولايات المتحدة الأمريكية مدفوعة بمصالحها الإمبريالية لم تتوقف عند حد سكب الأموال على نيران الحرب لتبقى مشتعلة لتصفي آخر يساري ثوري يقف على قدميه في السلفادور بل استمرت بعد ذلك بمساعيها لإلغاء اليسار تماماً وتهميشه وحصر السلطة بين الأحزاب اليمينية التي تتبع جميعاً وتنصاع لأوامر ورغبات إمبراطورية الشمال.

ومع ازدياد التدخل الأمريكي وتصعيد نشاط منظماته العاملة في البلاد تحت مسميات إنسانية، ازداد دور اليسار وكان قادراً على النهوض من جديد مستفيداً من المد الشعبي الثوري في القارة والنموذج الذي تقدمه فنزويلا لمعنى الاشتراكية التي تحسنت صورتها وباتت تصبح تدريجياً مطلباً لشعوب تلك البلدان بعد أن كانت مذمةً. وبدورها عللت وسائل الإعلام الرأسمالية العالمية ازدياد النفوذ اليساري في السلفادور كعادتها بأن الولايات المتحدة الأمريكية أهملت القارة الجنوبية وهذا وحده سبب تراجع نفوذها وازدياد نفوذ مناوئيها كما لو أن الولايات المتحدة دولة صغيرة وذات إمكانيات محدودة وغير قادرة على متابعة المستجدات القريبة من حدودها وهو تبرير يردد كي لا يكرر عوضاً عنه تعليل مفاده أن اليسار يجتاح القارة واليسار الثوري يزداد نفوذه وأن زمام الأمور قد خرجت عن سيطرة القوى الإمبريالية التي باتت عاجزة عن إيقاف المد الثوري الشعبي في قارة سيمون بوليفار.

USAID الوكالة الأمريكية للتطوير الدولي، الواجهة "الإنسانية" للتدخل الأمريكي في معظم دول العالم تكاد تكون الوجه الأبرز والأكثر نشاطاً في المناطق الفقيرة في السلفادور لشراء عقول السلفادوريين الفقراء وامتهان كرامتهم بمعونات غذائية عند كل انتخابات لدفعهم للتصويت لمرشحي اليمين، وليست تلك الوكالة وحيدة في الساحة بل ترافقها مجموعة من الوكالات الأمريكية وهو الحال في كل دول أمريكا اللاتينية لكن الجديد في هذه المرة تدخل منظمة "فويرزا سوليداريا" الإعلامية الفنزويلية البرجوازية بشكل علني لتقود حملة دعائية ضد اليساريين لتتسع المعركة ولتخرج للضوء دلالات جديدة لا يمكن أن تكون أشد وضوحاً، فالقوى البرجوازية لم تتوحد فحسب في الدول التي نجحت فيها القوى الثورية بالوصول إلى السلطة-أو اقتربت من ذلك-بل تعمل على توحيد جهودها وتنسيق أعمالها مع برجوازيات الدول الأخرى تحت رعاية إمبريالية تهدف لوقف انضمام المزيد من الدول للحلف المعادي لها.

السلفادور بما تحمله من معنى رمزي ومساحة نهب اقتصادي للشركات الأمريكية لا يمكن أن تسمح الإدارة الأمريكية-التي تمثل تلك الشركات-بخسارتها كما لا يمكن لها أن تعطي فرصة لنصر جديد يؤكد على أن الثورة البوليفارية في فنزويلا يتسع تأثيرها وقدرتها على جلب التغيير في القارة، فروجت البرجوازية السلفادورية إلى أن جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني اليسارية (FMLN) تسعى لتحويل السلفادور لأداة بيد الرئيس تشافيز والإضرار بمصالح السلفادوريين بقطع المساعدات الأمريكية عن بلادهم كما هددت المنظمات الأمريكية العاملة في السلفادور بأن السلفادوريين المتواجدين على أراضي الولايات المتحدة الأمريكية والبالغ عددهم 2,5 مليون شخص سيتم طردهم في حال نجحت (FMLN) بالسيطرة على البلاد وذلك لدفعهم للتصويت للطرف الآخر.

انتخابات الكونغرس الأخيرة والتي حصلت فيها جبهة فارابوندو مارتي على 35 مقعداً من أصل 84 مقعداً لتكون القوة السياسية الرئيسية في البلاد أظهرت أن التهديدات الإعلامية بأن البلاد ستتحول لما يشبه فنزويلا قد باتت سلاحاً ذو حدين، ففنزويلا هي الأفضل حالاً بين كل تلك الدول، والوصول لما وصلت إليه يعتبر أكثر من إنجاز وهو ما دفع المترددين إلى التصويت لهكذا خيار فحصلت الجبهة على الحصة الأكبر من مقاعد الكونغرس. ورغم هذا، فإن الحصة "الحمراء" في الكونغرس ليست بكافية، فإن توحدت القوى المحافظة فهي تتفوق عليها عددياً مما يضع جبهة(FMLN) أمام موقف صعب للتعامل مع هكذا وضع تشريعي ويفرض عليها تحدياً مصيرياً ألا وهو كسب الانتخابات الرئاسية التي ستقام في 15 آذار من هذا العام.

مرشح الجبهة موريس فونز يتقدم على منافسه رودريغو أفيلا المرشح عن التحالف الوطني الجمهوري اليميني في استطلاعات الرأي بالرغم من كل محاولات الإغواء التي تمارسها البرجوازية.
موريس فونز، الصحفي والإعلامي التلفزيوني الشهير في السلفادور، وعد بالاهتمام بالجانب الزراعي وتأمين الغذاء لجميع المواطنين كخطوة أولى وتحسين الوضع المعيشي للسلفادوريين، ورفض الادعاءات القائلة بأنه سيحول السلفادور إلى فنزويلا ثانية برفضه للتقليد وفرض التجارب الأخرى التي لا تتناسب مع الواقع السلفادوري آخذاً بعين الاعتبار التجربة الفنزويلية وما حققته والكيفية التي اتبعتها للوصول لما وصلت إليه.

فإذاً، السلفادور وانتخاباتها الرئاسية المقبلة، ستشكل علامة فارقة في المرحلة التي تعيشها القارة اللاتينية، فالولايات المتحدة الأمريكية تدخل هذه المواجهة بكل ثقلها وبكافة الأدوات المتاحة لها لمنع اليساريين من الاستمرار بتحقيق انتصاراتهم الديمقراطية ولإنقاذ واحد من بواقي مواطئ قدمها في المنطقة التي باتت تسلب منها الواحدة تلو الأخرى لصالح الطرف الآخر الذي يعد العدة للمعركة بدوره كي يحقق نصراً تاريخياً لا بالانتهاء من حقبة الحرب الأهلية والانتصار فحسب بل أيضاً بقهر الإمبريالية الأمريكية على أراضيه وإرسال رسالة واضحة للعالم بأن هذه القارة تزداد احمراراً والولايات المتحدة الأمريكية أضعف من أن توقف المد الثوري الذي استنهضته الثورة البوليفارية في فنزويلا.