تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//التطور التاريخي للتشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية بالمغرب//6-7/ ظهور اقطاع القرنين التاسع عشر والعشرين .


بلكميمي محمد
2009 / 3 / 2 - 09:37     

6- ظهور اقطاع القرن التاسع عشر.

ان المناطق التي لم تخضع سوى للاقطاع المحلي ، احتفظت ببنية اجتماعية ديمقراطية بدائية . ان تاقبيلت هي الوحدة الاساسية لتنظيم تلك البنية الاجتماعية ، وتتشكل تاقبيلت على اساس اتحاد مجموعة من الاسر البطريركية تسمى - الايخس -، يوجد على راس – تاقبيلت- ، الجماعة التي هي بمثابة جهاز السلطة المكلف بتسيير شؤونها الداخلية والخارجية والجماعة تتكون من ممثلي- الايخس - الذين ينتخبون رئيسا ليسهر على تنفيذ قرارات وتوجيهات الجماعة وهذا الرئيس يسمى –امغار- .
ان امغار يكون دائما في مستطاعه تقوية سلطته الشخصية على حساب سلطة الجماعة مستفيدا اول الامر من الوسائل التي وضعتها الجماعة تحت تصرفه لتسيير شؤون تاقبيلت ، ثم نسجه تحالفات خاصة يستخدمها لاغراضه .
ان امغار يساهم دائما ، عبر نزوعه الى ترسيخ مصالحه الخاصة . في تدمير مؤسسات تاقبيلت القائمة على الديمقراطية البدائية . انه بالتالي يطمح الى التحول من مجرد عضو في اسرة بطريركية الى ارستقراطي قبلي ذي نزعة طبقية .
لكن هذا المشروع يتعرض دائما للفشل بسبب صلابة البنية الاجتماعية لتاقبيلت . وقدرتها على تدمير كل تطور ينحو في هذا الاتجاه . ان محاولات امغار المتكررة تبدو اذن وكانها تدور في حلقة مفرغة .
بيد ان هذه الحلقة المفرغة ، سيتم تكسيرها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بفعل تدخل عام خارجي . ان المخزن ، ممثل الاقطاع المركزي ، سينفتح على التجارة الاوربية مما سيسمح له بتحسين موارده المالية ، الامر الذي يمكنه بدوره من شراء اسلحة اوربية حديثة فعالة . هكذا اذن سيحصل تغير نوعي في ميزان القوى الحديث والبندقية الحديثة ذات الطلقات النارية الحديثة والسريعة .
ان امغار سيستغل التغير الحاصل في ميزان القوى ، حيث سيطلب تزكية المخزن له على راس قبيلته ، وبذلك يتحول امغار الى قائد اقطاعي يتقاسم الفائض الاقتصادي للفلاحين مع المخزن .
ان ظاهرة القواد تمثل الشكل الاقطاعي الجديد المميز للنصف الثاني من القرن التاسع عشر . هكذا ظهرت اسرة المتوكي الاقطاعية سنة 1850 واسرة الكندافي سنة 1855 ، واسرة الكلاوي سنة 1856 .

7- ظهور اقطاع القرن العشرين .

بعد اعلان الحماية الفرنسية على المغرب 1912 ، لجات بعض القبائل المغربية الرافضة للحماية الى مقاومة الاستعمار الفرنسي بالسلاح . لقد كانت هذه القبائل من ناحية التطور الاجتماعي ، لازالت في طور الديمقراطية البدائية . ان تنظيم وقيادة تلك المقاومة كانتا تحت مسؤولية زعيم حرب ، سبق له ان اعلن عن اهليته القيادية في بعض الحروب المحلية ضد قبائل اخرى . لكن رغم المقاومة المستميتة التي ابدتها تلك القبائل ضد الجيوش الفرنسية الغازية . فانها انهزمت في الاخير بفعل الاختلال الموضوعي الكبير لميزان القوى لصالح الفرنسيين . غير ان قوات الاحتلال الكولونيالي الفرنسي . قد مارست سياسة دقيقة تجاه القبائل المهزومة .
فعوض ان تزيح الحرب المنهزمين ، فانها بالعكس قد احتفظت بهم على راس قيادة القبائل . وفي هذه الصيغة السياسية وجدت كل الاطراف المتصارعة ما يلائمها : فبالنسبة للفرنسيين كانوا مطمئنين لتزكيتهم سلطة زعيم حرب ، يتمتع بنفوذ داخل وسطه الاجتماعي الاصلي . وبالنسبة للقبيلة ، فانها تفضل ان تطيع اوامر الشخص الذي سبق ان عينته هي ذاتها للدفاع عن مصالحها بدل ان يفرض عليها من الخارج من طرف المستعمر المنتصر .
ان زعيم القبيلة سيستفيد من الدعم العسكري ومن الجهاز القضائي الذي وضعتهما الحماية الفرنسية تحت تصرفه . وبهذه الطريقة سيتمكن من تدعيم سلطته السياسية بقاعدة عقارية . وبالتالي التحول تدريجيا من زعيم حرب الى ملاك عقاري اقطاعي .
هكذا يتضح ان صيرورة الانتقال الى النظام الاقطاعي ، التي انطلقت منذ منتصف القرن الرابع عشر في عهد المرينيين . قد اكتملت اخر حلقاتها في عهد الحماية الفرنسية . لكن ما ان اصبح النظام الاقطاعي نظاما شاملا في المغرب . حتى كان نمط انتاج اخر جديد . مهيا لمنافسته : انه نمط الانتاج الراسمالي الذي ظهرت نواته الاولى مع انفتاح المغرب على التجارة الراسمالية الاوربية في القرن التاسع عشر .