تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//التطور التاريخي للتشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية بالمغرب//3- تحول الارستقراطية التجارية الى طبقة اقطاعية .


بلكميمي محمد
2009 / 2 / 26 - 08:13     

في القرن الرابع عشر ، تتمكن دولة المماليك الحاكمة في مصر ، من التوغل الى اقصى الجنوب ، حيث ستعمل على اسقاط مملكة النوبة المسيحية التي كانت تشرف على اعالي وادي النيل . مما مكنها من التقدم غربا عبر التشاد والنيجر الى البلدان المنتجة للذهب حيث اقامت هناك نظاما سياسيا حليفا لها والنتيجة الحاسمة لذلك هي تحويل اتجاه تجار الذهب . من الطريق الغربية المارة عبر المغرب الى الطريق الشرقية عبر التشاد .
من ناحية اخرى ، ان الاوربيين الذين كانوا يتزودون بالذهب من المغرب ، الشيء الذي يسمح بتنشيط حركة تجارية واسعة ومتنوعة ، سيضطرون بدورهم تحت ضغط تحويل اتجاه تجارة الذهب نحو الطريق الشرقية ، الى فتح طريق بحرية عبر المحيط الاطلسي تربطهم مباشرة بمصادر الذهب وهكذا ، ففي منتصف القرن الرابع عشر سيصل الايطاليون ( تجارة مدينة جنوا ) الى ماديرا واتور ، ثم في نهايته سيتعزز الوجود البرتغالي على الشواطئ الافريقية القريبة من المناطق المنتجة للذهب ، وذلك باحتلال منطقتي مينا واكسيهم .
ان عزل المغرب عن التجارة الدولية ، وبالتالي التدهور الكبير لموارد التجارة البعيدة ، سيضع الارستقراطية القبلية ، التجارية الحاكمة ، في مازق تاريخي دقيق . فهذه الارستقراطية التي اعتادت على العيش الرغد القائم اساسا على احتكارها لفائض اقتصادي تجاري . قد وجدت نفسها فجاة امام خيار عسير : اما الاختناق اقتصاديا كفئة اجتماعية ذات مصالح خاصة ، واما البحث عن بديل جديد لفائض التجارة الخارجية .
ولقد اختارت الحل الثاني ، وهذا البديل لن يكون بديلا داخليا يقوم على الاستحواذ على الفائض الاقتصادي للجماهير الواسعة من الفلاحين المنتجين .
غير ان الارستقراطية الحاكمة ، لكي تتمكن من السيطرة الى اقصى الحدود على الفائض الاقتصادي ، كان ضروريا تدمير علاقات الانتاج القديمة واحلال مكانها علاقات جديدة تستجيب للوضع الجديد . والشرط الاول لذلك نزع السلاح من الفلاحين ، وتحويلهم من فلاحين محاربين احرار الى فلاحين خاضعين تابعين .
ان حربا طبقية مريرة وطويلة ستندلع اذن بين الارستقراطية الحاكمة ذات النزوع الاقطاعي وبين الفلاحين . ولقد انفجرت تلك الحرب في المرحلة الثانية من الحكم المريني بعد اغتيال السلطان ابي عنان من طرف احد وزرائه في منتصف القرن الرابع عشر ، واستمرت حتى العهد الوطاسي .
ولقد كان طبيعيا ان يكون الميدان الذي دارت عليه رحى الحرب هي المناطق الزراعية والرعوية الاكثر خصوبة ، وهي السهول الساحلية الاطلسية والسهول الداخلية .
ان هذه الحرب الطبقية ستنتهي بانهزام الفلاحين ، وبانهزام الفلاحين سيتعزز لاول مرة في التاريخ المغربي ، موقع الطبقة الاقطاعية .
ان الارستقراطية المرينية والوطاسية لم يكن في وسعها الانتصار على الفلاحين والتشكل كطبقة اقطاعية ، بدون تجاوز اصولهما القبلية الضيقة والاندماج مع ارستقراطيات قبلية اخرى . ان نفي الذات القبلية هي خطوة ضرورية نحو الارتقاء الى الطبقة المجردة . وهذا بالضبط ما حصل خلال الحرب ضد الفلاحين . ففي تلك الحرب استعانت الارستقراطية الحاكمة بالعديد من القبائل العربية ، كان اهمها : قبائل خلط وسفيان وبني جابر وبني هلال ومعقل . وبعد التشكيل الطبقي الاقطاعي ، وقع اندماج اجتماعي عميق بين العنصر البربري والعنصر العربي ، نتج عنه انتفاء طابع الصفاء العرقي لدى الطرفين معا ، وظهور خليط جديد يتكلم العربية في السهول . هكذا ستنقرض نهائيا كتلة القبائل البربرية الزناتية ، وسيتم استعراب جميع القبائل البربرية الخاضعة للاقطاع في السهول ، ان الذين سيحافظون على طابعهم البربري المتميز هم الفلاحون والرعاة المنسجمون الى جبال الاطلس والريف والسهول الساحلية في الجنوب ، بعد هزيمتهم في حربهم ضد الاقطاع ، وكذلك سكان تلك المناطق الاصليون .
ومرة اخرى ، فكما ان البربر المرابطين لعبوا دورا اساسيا في نشر الاسلام في المغرب تحت تاثير انتقالهم الى ارستقراطية تجارية ، فكذلك ان البربر المرينيين والوطاسيين لعبوا دورا اساسيا في تقريب المغرب تحت تاثير انتقالهم الى طبقة اقطاعية .

في الحلقة المقبلة " طبيعة النظام الاقطاعي الناشئ"