تراث الفقيد عبد السلام المؤذن حي لايموت//التطور التاريخي للتشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية بالمغرب//تشكيل الارستقراطية القبلية -1-


بلكميمي محمد
2009 / 2 / 21 - 04:38     

ان الارستقراطية القبلية ، هي الشكل الجنيني الاول لبداية الانقسام الاجتماعي ، داخل القبيلة المساواتية القائمة على الديمقراطية البدائية . انها تمثل تناقضا مصلحيا بين رئيس القبيلة وبين اعضائها الاخرين الذين هم عبارة عن منتخبين محاربين احرار .
ان الارستقراطية القبلية اذن ، تعكس صراعا جنينيا بين نزوع الرئيس الى تطوير مصالحه وتركيز سلطاته ، وبين نزوع القبيلة الى الحفاظ على ديمقراطيتها البدائية الاصلية . ان هذا التناقض الدقيق هو الذي يحول القبيلة من مجرد كتلة اجتماعية ساكنة ، الى تنظيم اجتماعي – سياسي دينامي متحرك : فالطرف الاول في التناقض يضغط في اتجاه تطوير مبادرات الرئيس الفردية كشرط لتنمية مصالحه الخاصة ، بينما الطرف الثاني يضع تصرف زعامة الرئيس قوات القبيلة الضاربة لتحقيق الاهداف التي خططها الرئيس وقدمها في شكل مصلحة عليا للقبيلة . ان هذا الاندماج بين رئيس مبادر – مخطط ، ومحاربين منفذين هو الذي سمح ، في اطار التمويه بين مصالح الطرفين ، يجعل القبيلة الارستقراطية تتمتع بقوة وجبروت كانت تفتقدها كل القبائل الاخرى التي ظلت في مرحلة الديمقراطية البدائية المطلقة .
تاريخيا : لقد ظهر الشكل الاول للارستقراطية القبلية في المغرب ، كنتيجة للحروب التقليدية بين القبائل . ان القبيلة التي كانت تنظم غارات عسكرية على قبيلة اخرى قصد السطو على ثرواتها ، ستكتشف مع تكرار التجارب بان احد افرادها يتوفر على كفاءة حربية عالية ومواهب عسكرية متفوقة . ان هذا التفوق الشخصي سينعكس تدريجيا على مستوى توزيع الغنائم ، بحيث سيتم الاعتراف للرئيس الموهوب بحصة اكبر ، مما سيدفع الرئيس بدوره الى المبادرة لتنظيم الغارات والتخطيط لها ، ليس من منطق الحاجة الموضوعية للقبيلة ( كما كان الامر في البداية ) ، بل من منطلق مراكمة الثروة لصالح الرئيس.
هذه الارستقراطية القبلية التي انفصلت عن النظام الاجتماعي القبلي الديمقراطي البدائي ، لكن بدون ان تصبح مع ذلك طبقة اجتماعية متميزة ، هي التي سيواجهها الفاتحون العرب عند قدومهم الى المغرب في القرن السابع . فلقد ابانت عن مقاومة شديدة حيث لم يتمكن الجيش العربي من اخضاعها عسكريا ، الا بعد نصف قرن من المواجهات المتكررة ( من مرحلة عقبة بن نافع الى مرحلة موسى بن نصير والنعمان ) .
لكن المفارقة الكبرى هي ان الارستقراطية القبلية المغربية ، اذ كانت في البداية قد رفضت باستماتة الغزو العربي للمغرب ، فانها بعد ذلك قد قبلت واعتنقت الديانة الاسلامية بسهولة وسرعة كبيرتين . وهذا لايرجع لقوة روحية خارقة يتمتع بها الاسلام في حد ذاته ، بل للمشروع السياسي الواقعي الذي قدمه الاسلام للارستقراطية القبلية . فالطبقة التجارية العربية متزعمة المشروع الاسلامي ، والتي تملك افقا فكريا – سياسيا واسعا ، سوف تفتح امام الارستقراطية المغربية افاقا اوسع ، حين تقنعها بان مصلحتها المادية الفعلية ، لاتكمن في تنظيم الغارات العسكرية على القبائل المحلية ، التي لايمكن من ورائها جني سوى غنائم محدودة ، بل في تنظيم الحملات العسكرية الكبرى ضد البلدان الاجنبية ، ان فتح الاندلس اعتمادا على القبائل المغربية المحاربة ، وبزعامة الارستقراطية القبلية المغربية التي كان على راسها طارق بن زياد ، يعتبر اول تحالف سياسي قوي بين الطبقة التجارية العربية والارستقراطية القبلية المغربية ، الذي وضع الاسس الصلبة للتغلغل الايديولوجي الاسلامي في المغرب .

في الحلقة المقبلة : تحول الارستقراطية القبلية الى ارستقراطية تجارية .